الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وسا ئل مبتذلة تتمظهر بالدفاع عن حقوق الإنسان

سعيد مضيه

2023 / 7 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الدول الرافصة للهيمنة الأميركية هي المشمولة بالعقوبات

تلك العقوبات الغامضة تنزل بالدول وبالأفراد بمسوغ انتهاك حقوق الإنسان ، حفزت من يتقصى مبرراتها في قضيتي شخصيتين من نيكاراغو ، اشتهرا ، حتى في منابر الصحافة المعارضة بإلإنجازات والقدرت الإدارية والتنمية متعددة الجوانب.
الكاتبان إيريك مار وجون بيري قاما بمهمة التقصي. الأولعاش في ماتاغالبا ، إحدى مدن نيكاراغوا، وتعرض رئيس بلديتها للعقوبة . أقام الكاتب في مدينة ماسايا بنفس الجمهورية، لعدة سنوات وحاليا يعيش بالولايات المتحدة؛ اما الثاني فيعيش في ماسايا منذ عشرين عاما.
الكاتبان تقصيا مصدر عقوبة فرضتها الحكومة البريطانية ضد رئيس بلدية ماتاغالبا ونائبته فلم يجدا ما يبرر المقاطعة؛ "رئيس بلدية ماتاغالبا، زيليدون روخا، على الأخص، اشتهر على نطاق واسع بإنجازاته، أشادت به حتى منابر صحافة المعارضة ، في تطوير البنى التحتية للمنطقة، وبقدراته الإدارية ، وبرغبته في العمل مع جميع قطاعات المجتمع في نيكاراغوا ، بغض النظر عن قناعاتهم السياسية. لذلك فقد اكتسب مسئوليات تتزايد باضطراد ، جعلت منه هدفا واضحا لمن يستهدف نزع الثقة عن الحكومة وسياساتها". هذا ما خلص اليه الكاتبان بعد التقصي الحثيث وسجلاه في مقالتهما المنشورة في 14 تموز الجاري:

الولايات المتحدة والحكومة البريطانية مع الحكومة الكندية و الاتحاد الأوروبي ، أنشأوا نظام عقوبات استهدف حوالي أربعين بلدا على الكرة الأرضية .
وحيث باتت معروفة جيدا العقوبات الاقتصادية ضد الدول ، فإنها كذلك تشمل آلاف الأفراد تم تجميد مدخراتهم او مصادرتها ، حظر عليهم السفر وجمدت قدرتهم على إدارة بيزنيس.
بات نموذجيا إضافة أسماء أفراد الى قائمة العقوبات الحكومية بدون تحذير مسبق او " إجراءت لائقة". والأفراد المضامون بالإجراءات عاجزون عمليا عن تحدي الحرمانات، نظرا بأن ذلك يتطلب إجراءات قضائية مكْلفة في مختلف الأقطار بدون فرصة نجاح مؤكدة.
يتنامى رأي عام تعكسه أنشطة مثل "حملة اقتل العقوبات " بأن هذه " الإجراءات القهرية وحيدة الجانب"هي غير شرعية وفق القانون الدولي ، إن هي أثّرت في التمتع بالحق الإنساني ، مثل الحرية من الجوع أو الحصول على الرعاية الصحية في الأقطار المستهدفة بالعقوبة.
لا المملكة المتحدة ولا حكومات الولايات المتحدة تبدو مرتدعة من القوانين الدولية ولا من قبل مختلف النتائج المترتبة على العقوبات بالنسبة لحقوق الإنسان الخاصة بالمجتمعات الفقيرة.
استهداف نيكاراغوا
احد الأمثلة هي نيكاراغوا ، التي استهدفت أثناء الحكومة الساندينية الأولى في ثمانينات القرن الماضي، وفي الآونة الأخيرة في أعقاب الاحتجاجات التي عمت البلاد في إبريل/ نيسلن 2018.
الاحتجاجات تصاعدت بسرعة الى مواجهات مباشرة وعنيفة في الغالب، بين الجماعات المتظاهرة وأنصار الحكومة والشرطة المحلية.
فرضت حكومة المملكة المتحدة العقوبات على 16 من كبار الموظفين ما بين نائب الرئيس، روساريو موريلّو، الى عدد من الوزراء اوالقضاة وضباط الشرطة السابقين.
رئيس بلدية ماتاغالبا ، سادراخ زيليدون روخا ، احد أفضل رؤساء البلديات من الحزب السانديني الحاكم في عموم نيكاراغوا ، فرضت عليه العقوبات من قبل واشنطون، وبعد عام في ديسمبر الماضي أقدمت الحكومة البريطانية على فرض عقوبة ضده .
للغرابة أضيفت نائبته ، يوهيرا هيرنانديز تشيرينو، على قائمة بريطانيا ، رغم انها لم تشمل في السابق بعقوبة من قبل الولايات المتحدة او كندا او الاتحاد الأوروبي.
زيليدون روخا وهيرنانديز تشيرينو هما الوحيدان من بين رؤساء بلديات نيكاراغوا او نواب رؤساء البلديات على قائمة بريطانيا؛ العقوبات تخضع الاثنين لعقوبة" تجميد الأرصدة ومنع السفر"، ويشمل الحظر الأقارب المباشرين كذلك.
حرية تبادل المعلومات
نظرا لأن أحدنا يعرف زيليدون روخا وبقية أسرته منذ أزيد من ثلاثين عاما خلت قدمنا التماسا بحرية تبادل المعلومات للحكومة البريطانية طالبنا فيه توضيح قرار العقوبات بحقه وحق هيرنانديز تشيرينو . استغرق الأمر شهورا عدة للحصول على الجواب ، ولم يأت الجواب إلا في اليوم الذي قام فيه مفوض المعلومات بحكومة بريطانيا بتهديد وزارة الخارجية بإجراءات قضائية بسبب عدم الرد. بالطبع ، أهم سؤال وجه بموجب اي أسس اتخذ الإجراء ؛ رفضت الخارجية البريطانية تقديم بينة محددة . جاء في رد الخارجية البريطانية:
"زيليدون وهيرنانديز متورطان بانتهاك حق الحياة وحق عدم التعريض للتعذيب أو معاملة او عقوبة قاسية ، تحط من الكرامة ، عن طريق التحريض والدعوة لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المتظاهرين"
وأضاف:
"قبل فرض العقوبات ضد زيليدون وهيرنانديز تم تجميع البينات من مختلف المصادر المكشوفة ، بمن فيها مراسلات الميديا وتقارير مجتمع مدني".
ما عدا ذلك أوضحت الخارجية في ردها ان تصرفاتها تسستند لأحداث جرت عام 2018 ، أي خمس سنوات تقريبا قبل ان تصدر المملكة المتحدة إجراءاتها.
مظاهرات نيكاراغوا التي استمرت ثلاثة أشهر وكانت في ماتاغالبا أقل من سواها من المدن؛ لكنها شملت مسيرة سلمية مع محاولة الهجوم على قاعة البلدية ومراكز الشرطة ، وكلك نهب وحرق مستودع البلدية وتنظيم هجمات على بيوت أفراد على ايدي جماعات من المتظاهرين.
نلك الجماعات أقامت إغلاقات سيطرت على الحركة على الطريق الوحيدة التي تربط المدينة مباشرة بالنصف الباسيفيكي من البلاد، مانعة بذلك نقل المواد الغذائية وسلع أخرى من والى المدينة.
تقارير حقوق الإنسان
قمنا بالبحث في تقارير حقوق الإنسان التي ربما استخدمتها وزارة خارجية بريطانيا؛ بحثنا للكشف عن بينة صلبة للفئتين من حقوق الإنسان التي يتم انتهاكهما ومكنا الحكومة البريطانية من فرض العقوبات.
ربما يكون الأكثر تفصيلا وبالتأكيد احد أهم التقارير المعتمدة دوليا هو الصادر عن جماعة "إنتر ديسكيبليناريو دي إكسبيرتوس إنديبينديينتس ". أنشأت المجموعة منظمة الدول الأميركية في مايو و أيار 2018 [ سوف يشار اليه لاحقا تقرير لجنة عموم أميركا] . كانت حكومة نيكاراغوا قد وافقت على تشكيل اللجنة ألتي أصدرت أول تقاريرها في ديسمبر/ كانون أول. اشنمل التقرير على خمسمائة صفحة ، من بينها 12 صفحة مكرسة لمظاهرات أيار 2018، في مدينة ماتاغالبا ، والتي شكلت اساس التهمة الموجهة لزيليدون روخا.
سجل التقرير ثلاث وفيات في مدينة ماتاغالبا ،أثناء فترة الأحداث ، اثنتان من الساندينيين ، أعضاء الحزب الحاكم، وليس محتملا ان يسند اي من الوفيات الى رئيس البلدية ونائبة الرئيس.
لا يحاول التقرير ربط زيليدون روخا مباشرة بأي من الوفيات الثلاث؛ كما لم يأت ذكره في مذكرة لجنة عبر أميركا لحقوق الإنسان . يبدو ، بذلك، ان بينة وزارة الخارجية ضد زيليدون روخا ب "انتهاكات حق الحياة " واهية في أفضل الحالات، والعقوبات ضده ، بالنتيجة ، لا تعتبر من صنف التهديد ل"حق الحياة" من انتهاكات حقوق الإنسان.
من المهم ملاحظة انه بات نموذجيا في العديد من تقارير حقوق الإنسان في تلك الفترة ان الوفيات من بين الساندينيين أو موظفي الحكومة او الشرطة إما أنها غير مسجلة او مضافة بالخطأ الى مجموع الوفيات المسببة من عناصر حكومية ؛ على سبيل المثال قتل ستة آخرون من الساندينيين او موظفي الحكومة في ماتاغالبا عام 2018.
ذن ماذا عن انتهاك زيليدون روخا ل" حق عدم التعريض للتعذيب او المعاملة القاسية الحاطة لإنسانية الفرد والتحريض على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من المتظاهرين "، الدرجة الثانية من انتهاكان حقوق الإنسان ، التي يمكن توظيفها أسبابا للعقوبات بموجب قانون المملكة المتحدة؟
القطعة الفريدة من البينة المنظورة التي تربطها بأي من الانتهاكات فقرة وحيدة في تقرير اللجنة لعموم أميركا زعم انها اظهرته بين "جماعات الصدمة" قبل 11 أيار. يثير الانتباه أن ايا من أفراد المجموعة بالصورة لم يكن يرتدي لباسا عسكريا او يضع غطاءً على الوجه.
في صورة محاذية قيل انها تظهر "مجموعة الصدمة" ذاتها ، امراة في بنطال قصير وصندل-يصعب اعتباره من الصنف الملائم لنشاط شبه عسكري؛ من ثم فالتقرير يمضي نحو إثبات مقابلة تورد زيليدون روخا متهما " في ذلك اليوم بقيادة فريق" [شبه عسكري].
هذا يكفي بوضوح ان يكون بينة ،على الرغم من الأسئلة العديدة التي يمكن أن تثار. على سبيل المثال :لماذا بالذات زيليدون روخا ، وهو الذي لم يخدم بالعسكرية ، ناهيك عن تسلم موقع قيادي؟
في ثمانينات القرن الماضي ، بصفته مهندسا مدنيا مرخصا ، تسلم روخا وظائف بوزارات الإسكان والتجارة وبالصليب الأحمر الدولي، واللجنة الانتخابية لانتخابات عام 1990؛ وخلال الفترة - 2005- 2001 ومنذ العام 2008 انتخب زيليدون روخا رئيسا لبلدية ماتاغالبا بأغلبية ساحقة – ونال الثناء حتى من صحافة المعارضة –على التطوير الواسع للمساكن بالمدينة ، وخدمات الصحة والنقل والتعليم والبنية التحتية لمرافق الترفيه.
تبدو مهاراته الإدارية والتقنية وفي مجال الإشراف لا تلائم مهمة قيادة المنظمات شبه العسكرية ، وعلى وجه الخصوص في ضوء وفرة الساندينيين الآخرين ممن اكتسبوا خبرات عسكرية مكثفة خلال حرب الكونترا التي شنت عليهم في ثمانينات القرن الماضي.
يفيد تقرير لجنة عموم اميركا ان 40 شخصا أصيبوا بجراح أثناء المواجهات بين المتظاهرين وانصار الحكومة حول حاجز قطع المدينة بكاملها عن الجانب الباسيفيكي من البلاد، تسبب في تقص المواد الغذائية والإمدادات بالمدينة. ورغم وجود صور فوتوغرافية لجرحى من المتظاهرين لم يرد اسم روخا على لسان احدهم. بدلا من ذلك ، وجه اللوم من الجرحى للبوليس الوطني ، الذي زعم انه أطلق النار من سلاح عسكري.
وبالتحول الى هيرنانديز تشيرينو لم تظهر قط في تقرير لجنة عموم أميركا ، ولا في أي تقرير امكن لنا العثور عليه. ولذا فظهورها على قائمة العقوبات امر محير ويبدو انه حالة إدانة لشركاء مهنة محددة.
بكل تأكيد لم تظهر مرتبطة مباشرة بأي طريقة بانتهاكات حقوق الإنسان وكانت مندهشة كما نقل عنها إن لم تكن مذهولة بإدراجها ضمن قائمة العقوبات.
ان قضية " إسناد وترويج انتهاكات مؤلمة لحقوق الإنسان" الموجهة ضد هيرنانديز تشيرينو ، على الأقل، بناء على تقرير عموم أميركا، تعتبر معدومة بمعنى الكلمة والقضية المرفوعة ضد روخا تستند الى اللاموجود. وبذا فالمعقول الوارد خلف العقوبات لا يحتمل ان يكون المعقول الحقيقي خلفها.
أهمية رمزية
يصعب تصديق ان المتهمين بالولايات المتحدة او حكومة المملكة المتحدة بتقرير من تفرض عليه العقوبات يعون جاذبية النشاط السياسي في نيكاراغوا على مستوى البلديات؛ والتفسير الأكثر استقامة والأكثر احتمالا لإدراج زيليدون روخا وهيرنانديز نشيرينو في قائمة العقوبات هو أهمية ظهورهما السياسي الرمزي.
رئيس بلدية ماتاغالبا، زيليدون روخا، على الأخص، اشتهر على نطاق واسع بإنجازاته، بما في ذلك منابر صحافة المعارضة ، في تطوير البنى التحتية للمنطقة، ولقدراته الإدارية ، ولرغبته في العمل مع جميع قطاعات المجتمع في نيكاراغوا ، بغض النظر عن قناعاتهم السياسية. ولذلك فقد اكتسب مسئوليات تتزايد باضطراد ، جعلت منه هدفا واضحا لمن يستهدف نزع الثقة عن الحكومة وسياساتها.
علينا أيضا ان نسال لماذا يتم إنزال العقوبات أصلا؛ فقد بات معترفا به على نطاق واسع ، حتى في مراكز الأبحاث المحافظة مثل مؤسسة كاتو ، ان العقوبات عديمة الجدوى تماما. فليس لدى زيليدون روخا ولا هيرؤنانديز تشيرينو أرصدة او مصالح في استثمارات في اي من البلدان التي فرضت عليهما العقوبات. ولا يمضي اي منهما إجازته او يسافر الى تلك البلدلن في مهمة رسمية .
بمقدور حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا ان تكتشفا بسهولة ان صافى النتائج نقارب الصفر ، وان لدى الحكومتين الوسائل وسبل الحصول على كل ما غطيناه في أبحاثنا في هذه المقالة قبل فرض العقوبة. لم تعتبر الحكومتان من الضروري أو المهم القيام بذلك ، إذ تواجهان السؤال ماذا بالضبط تهدفان لتغييره لدى فرض العقوبات.
مسرح سياسي
في ضوء نقص البينة الموجبة، الى جانب توقع عدم نجاعة العقوبتين ، فإن الاستنتاج الذي لا مفر منه يقول ان العقوبتين هما ببساطة قطعة من مسرح سياسي ، هدفه الاستهلاك المحلي في بلدي العقوبات. حكومتا الولايات المتحدة وبريطانيا، كلاهما من الواضح يحبان ان ينظر اليهما " تروجان لمجتمعات حرة ومفتوحة في أرجاء العالم"، برطانة وزير خارجية المملكة المتحدة. والعقوبات من طرف واحد وسيلة مقبولة لهذه الغاية .
على كل حال ، يكمن خلف هذا كله الحقيقة المزعجة ان هذا الاستعراض السياسي الرمزي له نتائج مادية حقيقية، ربما ليست مباشرة لمن يتعرض للعقوبات ، إنما على المناخ العام لأممية المعونات والقروض والتعاون لبلد فقير لم يزل يبذل المحاولات للشفاء من عنف 2018 والدمار الاقتصادي الناجم عن وباء كوفيد -19.
ربما لا تكون فعالة تلك الإجرءات المتخذة ضد أفراد ، غير ان العقوبات الاقتصادية الأشمل ليست غير فعالة ؛ لم يلحق نيكاراغوا ما لحق بجارتيها ، كوبا وفنزويلا ، من العقوبات ، لكنها جربت قطع المعونات من البنك الدولي، ومن عدة عقوبات تجارية ومعونة تافهة فقط من بلدان الغرب أثناء أزمة كوفيد.
بناء على إفادة وزير المالية والإسكان في نيكاراغوا ، تراجعت قروض التنمية من معدل يفوق ال 800 مليون قبل العام 2018 الى ما دون 300 مليون ؛ والسبب الرئيس نفوذ الولايات المتحدة على إغلاق منافذ التمويل من المؤسسات الأممية.
تماما كما في قضية زيليدون روخا وهيرنانديز تشيرينو لا توجد عملية لائقة لفرض العقوبات ولا آلية استئناف يمكن الوصول اليها كي تتحدى بها نيكاراغوا هذه التصرفات الأوسع من جانب الحكومات الأجنبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع