الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط النظام الملكي العراقي .. قراءات خاطئة (2)

جعفر المظفر

2023 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


لقد جابهت هذه القراءة عقدا أفقدتها توازنها المطلوب, لقد جابهت هذه القراءة صعوبات أفقدتها قدرة التوازن المطلوب وصرنا في مواجهة العديد من القرءات الخاطئة :
1-إهمال المرحلية والتمرحل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت هناك أولا العودة إلى قراءة تلك المراحل بمعزل عن إدراك أن لكل مرحلة خصائصها السياسية والاجتماعية التي تُعَرّفُ بها, والتي تنجب عوامل التغيير وتحدد اتجاهاته, فجرى والحال هذه تعويم المراحل بشكل ألغى استقلالية كل مرحلة, وغيبها جميعاً في بعضها البعض.
إن التقييم السياسي والفكري لأي حدث تاريخي كبير غالباً ما يتعرض إلى أخطاء قد تؤسس لنتائج معاكسة واستنتاجات ضدية فيما لو لم يتبع طريقة تقسيم التاريخ إلى مراحل ومن ثم دراسة كل مرحلة على حدة بما فيها من أحداث أساسية وعلى ضوء وحدة أو ترابط أو جدلية السبب والنتيجة.
وإذا كان الإيمان ب ( تمرحل ) التاريخ هو مسألة هامة فإن القدرة على اصدار أحكام صائبة ستتأسس حتما على قابلية رسم الحدود الجغرافية لكل مرحلة.
ومن الأكيد أن مرحلة العهد الملكي هي مرحلة قائمة بذاتها, ومستقلة بعواملها المركزية, وإن الحكم عليها يجب أن يتم من خلال الذهاب إلى زمانها لمعرفة ما إذا كانت هناك, في ذاك الزمان عينه, وليس في زمن غيره, عوامل أساسية ومركزية خاصة كانت قد استدعت التغير التموزي وفرضته.
إن ذلك لا ينفي وجوب المقارنة, بين سيئات ذلك العهد وإيجابياته, مع ذلك الذي تلاه, وذلك لغرض تحديد الأفضل بينهما, غير أن من الخطأ أن يجري ذلك من خلال تعميمات لا تأخذ بنظر الاعتبار قيمة كل مشهد على حدة قبل أن يجري ربطها جميعاً للخروج بالنتيجة النسبية النهائية.
إن مرحلة الحكم الملكي تقاس بذاتها, بالعوامل الاجتماعية والصراعات الثقافية والنشاطات الاقتصادية التي كانت سائدة حينها, ولا تُقييم أيضا بمعزل عن المشهد الإقليمي والدولي آنذاك ودور العراق في ذلك المشهد.
2- طغينة عامل على حساب عوامل أخرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد تواجه هذه القراءات أيضا " طَغْيَنَةْ " عامل واحد أو عاملين على كل العوامل الأساسية الأخرى, بما يجعل التقييم في النهاية مرتبطاً, بمجموعه, بذلك العامل وخاضعاً له, فيقال مثلا أن الحكم الملكي كان أفضل من الذي تلاه لأنه كان ديمقراطيا,
والتوقف أمام الديمقراطية لوحدها لن يكون بمستطاعه أن يؤسس لتقييمات صادقة وحصيفة, كما أن حساب الديمقراطية بمقاييس عصرنا الراهن هو حساب يلغي حقيقة أن تلك المرحلة كانت جزءا من عصر دولي تسيدته قيم عقائدية وسياسية مختلفة ومتناقضة, وكان هناك كثيرون يؤمنون إن التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة لا يمكن أن تحققها تلك الديمقراطية لأنها كانت في خدمة نظام إقطاعي تبعي أتت الثورات أساسا للتخلص منه, بما جعل تلك الديمقراطية ذاتها جزء من ملف واحد ينبغي تقطيعه والتخلص منه
3- القراءة التعويمية
ـــــــــــــــــــــــــ
وتبقى هناك مسألة على جانب كبير من الأهمية ومفادها أن عودة الكاتب إلى مرحلة الحكم الملكي, غالباً ما تجري والكاتب محمل بكل أثقال وأحزان وآلام وعذابات المراحل التي تلتها, وهي مراحل يشيب لها ليس رأس الصبي فحسب وإنما رأس الجنين في رحم أمه.
وحينما تأتي الهزائم كثيرة وكبيرة وسريعة وماحقة فإن من الصعوبة بمكان أن يجري التعامل معها بصورة طبيعية, ولأغراض التوازن النفسي غالبا ما تجري عملية البحث عن تفسير خارج محيط الفعل الإرادي, هنا تكون العملية أشبه بمحاولة شخصية لتبرئة الذات. والهزيمة بهذه الطريقة ستكون ليست هزيمة أفكار وإرادات ومناهج كان الشخص جزءا منها أو جزء من عصرها وإنما هي مؤامرة ذكية مرسومة من قبل قوى إستطاعت أن تهيمن على كل تفاصيل الحياة وعلى المناهج والشخصيات بحيث إنها لو لم تكن كذلك لما كان بإمكانها أن تتحقق بهذه النتيجة القاسية .
ولذا فإن نتائج هذه العودة غالبا ما تكون محددة سلفا لصالح الحكم الملكي, خاصة وهي تجري بطريقة تعويم المراحل, وتجاوز حقيقة أن لكل مرحلة ظروفها الخاصة, وإنه بحساب تلك الظروف يجب أن يحدد الخطأ ويقاس حجمه, لا بمعطيات المرحلة التي تليها, أو بمسطرة هذه الأخيرة و"فرجالها
وإذا كان من الحق أن تجري مقارنة من هذا النوع, فإن من الأفضل توجيهها, ليس لغرض تحديد من هو الأفضل وإنما لتحديد من هو الأقل سوء. لكن حتى مع ذلك فإن الأقل والأكثر سوء سيكونان نسبيان بمعنى علاقتهما بكل مرحلة على حدة, ويكون القليل سوء هو قليل سوء بمقياس المرحلة التي تلت مرحلته, لكن سوءه يكون كبيرا بمقياس مرحلته, وإذا كان الأول مهما فإن الثاني هو الأهم.
4- النظرية اللَوْئِية وقراءة تاريخ العراق المعاصر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كان الإيمان ب ( تمرحل ) التاريخ هو مسألة هامة فإن القدرة على إصدار أحكام صائبة ستتأسس حتما على قابلية رسم الحدود الجغرافية لكل مرحلة.
إن مرحلة الحكم الملكي تبدأ من العام الذي تلا ثورة العشرين إلى يوم تأسيس الجمهورية, وإن ما حدث بعد تأسيس الجمهورية يؤسس لمرحلة مستقلة تُعَرَّفُ باختلافات مركزية متناوبة بين ما هو اجتماعي وثقافي وبين ما هو سياسي واقتصادي.
استخدام التشخيص ( الْلَوْئي – مشتقة من الْلَوْ ) في تقرير حقيقة افتراضية تؤكد على إن العراق قد فقد قدرة التطور على الطريق الصحيحة بعد انهيار الحكم الملكي ولهذا فإنه ( لو ) كان قد استمر لصرنا الآن في – العلالي - ولما غلبتنا دول قريبة كانت إلى ما قبل أقل من نصف قرن ليست سوى قرى بأسوار من طين.
وأنا لست هنا بصدد التقاطع كليا مع المضمون الذي تشيعه النظرية ( الْلَوْئِية ), فإنا معها لو كانت هناك إمكانية لتطور ميكانيكي سياقي رتيب, لكن النقلات التاريخية وبخاصة في المجتمعات ( المُكَتفَة والمقيدة ) لن يكون بإمكانها أن تتأسس بهذا الشكل من العمليات التطورية السياقية. إن التطور السياقي التقليدي يحتاج إلى بنية لا توفرها مجتمعاتنا.
إن دولا أنجزت تكوينها مثل بريطانيا والسويد ستخضع إلى تأثيرات النظرية ( اللوئية ) فيما لو منعت من التطور السياقي بفعل حرب خارجية ضدها أو نتيجة تعرضها إلى أضرار كارثة طبيعية مدمرة فيقال حينها إن تلك الدول كان ممكنا أن تصبح أغنى دول العالم ( لو ) إنها لم تتعرض إلى الفيضان الكبير أو الزلزال العظيم. لكن في حالة الدول تحت التكوين أو في حالة الدول الفاشلة لا يحتاج الأمر إلى كارثة طبيعة أو عدوان أجنبي لكي يتقاطع مع رتابة وميكانيكية وسياقية المشهد التطوري لأن هذا المشهد غير موجود أصلا لغياب البنية التي تنتجه, لذلك لا يصلح مطلقا الاعتماد على النظرية ( اللوئية ) في تقييم المشهد الحركي هنا.
5- القراءة الأحادية الجانب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحيث لا يجوز مطلقا تأسيس نظرية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية اعتمادا على عامل أو عاملين وإنما على جملة من العوامل ذات العلاقة التفاعلية الجدلية التي لا تقبل الفصل أو التجزئة لذلك فإن الاعتماد على نزاهة الحكم الملكي المالية وكذلك على رحمة قلبه وإغفال جوانب المرحلة الأخرى المتعددة والمتفاعلة سيقودنا بالحتم إلى تقييمات ذات طابع انتقائي واستقطاعي وإلى أحكام ذات طابع ميكانيكي بحت ومتعارض مع جدلية القراءة والاستنتاج التاريخي السليم.
إن التغيير الذي حصل في الرابع عشر من تموز كان خاضعا إلى هذه الرؤيا, أما الاعتماد على نزاهة نوري السعيد المالية أو على سلوكه الشعبوي لتقرير نهضوية ذلك العهد فهي محاولة بائسة حقا, فالتاريخ لا يمكن الدخول إليه من خلال هذه البوابة الشخصية الأحادية والضيقة, وحتى مع العهد الذي تلاه, أي عهد الزعيم قاسم فإن الاعتماد على نزاهة قائده لا يمكن أن تجعل من عهده فاضلا دون تقدير مجموعة العوامل الأخرى التي لا تقبل الجمع وإنما تعتمد التفاعل لإنتاج حالة التقييم النهائية.
6- القراءة التراجيدية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثم إن مقتل الملك البرئ سيثير فينا مشاعر الحزن والألم وحتى الغضب, وأنا من أولئك الذين يدعون إلى اختياره شهيداً, في قائمة ليس من الغريب أن تضم في نفس الوقت اسم عدوه قاسم. وكذلك فإن التوقف أمام مشهد إعدام صدام بالطريقة الغوغائية والإنتقام الطائفي وفي ظل الإحتلال قد تجعل أنصاره يعتبرونه شهيداً للوطنية في وطن كان صدام قد ذبحه بالأصل.
وليست هذه محاولة إرضائية ساذجة لفئتين متضادتين ومتخاصمتين تاريخياً, لكنها في الحقيقة محاولة للتأكيد على أن مفهوم ومعنى الشهادة قد يجمع بين شخصين متضادين إذا ما كان مقتلهما قد جرى ظلماً, وإذا ما كانت سيرتهما الذاتية تعبر عن مستويات أخلاقية رفيعة, كُلٌ في زمانه وكُلٌ بمقاييس.
(7) الإستقاطاعية أو الاختزالية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالأمن العام في زمن صدام كان رائعاً لأن العهد الذي تلاه كان بحق عهداً ساده الإرهاب والقتال الطائفي إضافة إلى الفساد النوعي والكمي الذي فاق الخيال, بينما يقرأ البعض نتيجة المقارنة على ضوء مقارنة المتغير الديمقراطي مع الطبيعة القاسية لنظام صدام حسين ويخرجون بنفس النتيجة التي يحصلون عليها حال مقارنة ديمقراطية النظام الملكي مع الأنظمة الدكتاتورية التي لحقته.
(8)- (التبييض السياسي)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على غرار تبييض الأموال, أي مسح أخطاء النظام الملكي بممسحة أخطاء الأنظمة التي لحقته.
(9)- القراءة التعويمية
ــــــــــــــــــــــــ
التي تلغي قانون المرحلية لتلغي الحدود الفاصلة بين مرحلة وأخرى ولتجعل التاريخ وكأنه مرحلة واحدة لا يجوز أبداً تقطيعها إلى مراحل, كل واحدة تستحق أن يحكم عليها بمعطياتها المركزية الهامة.
وستكون المقارنة مشروعة بين العديد من المشاهد الملكية إذا أخذت كل على حدة وستأتي لصالح العهد الملكي لكن السؤال المشروع أيضاً: هل كان بإمكان النظام الملكي أن يفك إنسداداته بنفسه أن أن قدراته الذاتية كانت قد تراجعت كثيرا بفعل تبعيته لمراكز قرار من خارجه.
الحكم على كل المراحل التي تلت يجب أن تتأسس على هذا المشهد المفصلي : أزمات النظام الملكي لم يكن بالإمكان حلها من داخله. لذلك حدث الإنفجار

وبعد فليكن العنوان ثورة أو إنقلاب أو إنفلات أو حتى جريمة, على شرط أن يراعي في اعتقادي ضرورة العودة الموفقة لقراءة كل حدث على ضوء تلافي البوابات الخاطئة والقراءات المقاراناتية التقطيعية البعيدة عن قوانين التمرحل التاريخي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح