الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة فنية -متعجلة-في لوحة إبداعية رسمت بذوق رفيع..بأنامل الشاعر/الكاتب التونسي القدير د-طاهر مشي -تراتيل..في محراب الحبيبة..-

محمد المحسن
كاتب

2023 / 7 / 24
الادب والفن


“أنا مؤسس أول جمهورية شعرية أكثر مواطنيها نساء..”(نزار قباني)
"ما المانع لو خسرت النقاش..وكسبت ضحكتها." (محمود درويش)

مقدمة:
حظي الشعر بمكانة كبيرة في الثقافة العربية،وللمرأة في الشعر مكانة بارزة،فإذا كان الشاعر العربي يبدأ قصيدته بالوقوف على الأطلال،فإنه ينتقل بعد مقدمته الطللية إلى الحبية،يتغزّل بها، أو يصفها،أو يصف مغامراته معها.
وظلّت للمرأة-الحبيبة المكانة البارزة ذاتها مع تطوّر القصيدة العربية،وأخذت الحبيبة دلالاتٍ أوسع من دلالتها التقليدية التي تنحصر في إبراز ذكورة الشاعر،أو أنوثة الحبيبة.
تراتيل..في محراب الحبيبة :
"وتأجذني هواجس السفر،رحال أنا بين الفصول،تائه والأمل موؤود على عتبات الانتظار.. أتراني قد ربحت المعركة الأولى أم إنني أحتضر..في صمت مميت..
تداعب ذاكرتي بين حين وآخر نسمات شوقي إليك،كتذكرة سفر لماض رحل ولن يعود..كم كنت صبورا،وربيعك المتمنع يغا ككل الفصول،تتملكني لهفة البقاء،في محرابك طويلا،أستنشق عطورك المنثورة في كل الزوايا،ويعود نبضي المسلوب مغردا في رباك من جديد..
تحاصرني الذكريات..
يتملكني الحنين للحظات عناق تدغدغ نبضي الذي سكنت منذ أول نظرة.
ليأتي الربيع مبشرا بهطول المطر،ويعود طيفك..يغازلني في حلمي،ويرحل على عجل."
(د- طاهر مشي)

تستمدّ صورة الأنثى في النصوص-العشقية-بلاغة حضورها من غيابها.فهي الغائبة-الحاضرة أو الحاضرة-الغائبة بإمتياز،بلاغة التجلي في التخفي أو التخفي في التجلي..فهي أنثى الشعر أكثر منها أنثى الواقع،أنثى الحلم أكثر منها أنثى الحقيقة،أنثى الماء أكثر منها أنثى الطين،أنثى الوله أكثر منها أنثى الإمتلاء،أنثى الأمنية المهدورة لا الأمل المتبغى..
يوغل الكاتب-د-طاهر مشي-في استحضار طيفها إلى المدى الذي تتداخل فيه تخوم المكان وحدود الزمان،وكل عناصر الوجود المتقابلة: الخصب،الجدب..الدياجير..الضياء..الصقيع..القيظ،..الحضور والغياب..إلخ
وهي الثنائيات المتقابلة التي تسهم مجتمعة في تعميق جراح الكاتب/المحب،والكشف عن خباياها الهاجعة في كيانه..وهي كذلك صور التشظي وقد تحوّلت إلى-لهيب-شعري يحرق،ويتعالى النداء ولا رجع لصداه..
من الجدير-في هذه القراءة المتعجلة-أن نتبيّن معالم البنية الصوتية للتشكيل اللغوي في هذا الخطاب في محاولة لربط هذه المعالم بما لها من دور في إنجاز التجربة،وفي تحقيق قدرتها التأثيرية،فالملامح الصوتية التي تحدّد -هذا النص النثري المشحون بالعواطف- قادرة على بناء طبقة جمالية مستقلة (1)،والبنية الصوتية للشعر،كما للنثر ليست بنية تزينية،تضيف بعضا من الإيقاع،أو الوزن إلى الخطاب النثري ليتشكّل من هذا الخليط قصيدة من الشعر،بل هي بنية مضادة لمفهوم البناء الصوتي في الخطاب النثري،تنفر منه،وتبتعد عنه بمقدار تباعد غايات كل منهما،وهذا يعني أنّ إرتباط الشعر وكذا النثر بالموسيقى إرتباط تلاحمي عضوي موظّف،فبلأصوات يستطيع -الكاتب-أن يبدع جوّا موسيقيا خاصا يشيع دلالة معينة،واللافت أنّ هذه الآلية الصوتية غدت في نظر النقاد مرتكزا من مرتكزات الخطاب في الشعر العربي الحديث،وهذا المرتكز يقوم على معنى القصيدة الذي غالبا ما يثيره بناء الكلمات كأصوات أكثر ما يثيره بناء الكلمات كمعان (2).
ظاهر الأمر أن الحب الذي يستولي على النفس كلها هو أحرى بالدوام،وحقيقة الأمر أن الحب الذي يبلغ هذا المبلغ هو أقرب الحُبَّين إلى الخطر وأدناه إلى التبدُّل؛لأن النفس الإنسانية لا تدوم طويلًا على حالة الاستغراق أو الشبع والامتلاء،وقد يُضمن الدوام للحب الذي يستريح من جانب إلى جانب ولا يكلف الطبع جهدًا عظيمًا في موالاته بالمدد والتجديد،ولكنه لا ضمان للحب الذي يحتاج أبدًا إلى مدد يكفل له كل استغراق وامتلاء،ولا يصبر على فراغ بعضه إلا نزع إلى حالة أخرى من حالات الاستغراق والامتلاء..
والمرأة في ضمير هذا المبدع (د-طاهر مشي)،وخياله،وتكوينه الثقافي جوهر قدسي،فيه حالة طهريّة رغم حضورالحالة البشرية،وطقوس الحب،غير أنه في الحالة العامة،كل ذلك تفاصيل صغيرة من الصورة الأشمل،صورة الطهارة التي تصل حدّ القداسة.فما الصلاة وكذا التراتيل إلا لمقدّس،وما طقس الصلاة إلا حالة طهارة تامة.
الحبيبة والصورة الميتافيزيقية:
الشريكة في رحلة الحياة،ومشوار الفراق واللقاء،والانتظار،والإشتياق،وأمل العودة..زوجةً أوختاً،أو بنتاً،أو حبيبة..تأخذ بعداً ميتافيزيقياً،وتصبح الصورة هلاميّةً،شفافةً،صورةً غيبية، بألفاظٍ لها جذورٌ مادية واقعية،غير أنها تأخذ دلالات غيبية،فلا الانتظار يظل الانتظار الذي نعيشه،ولا الغائبون هم الأحبة في الغربة،ولا البيت ولا الزهور..إنها أبعاد فوقية،علوية،فيها الغياب الأزلي،وفيها انتظار البعث المحتوم،وفيها ترتيب النفس وتأثيث الضمير،وزرع الزهور في السرائر لتبقى عطرة،ومفعمة بغيم ماطر إلى يوم لقاء لا بد آت..
وإذن؟
قد لا أبالغ إذا قلت أنّي لست من الذين يتناولون -نصوص المبدعين-بأنامل الرّحمة ويفتحون أقلامهم أبواقا لمناصرة كلّ من ادّعى الإبداع،إلاّ أنّي وجدت نفسي في تناغم خلاّق مع هذا الخطاب النثري للطاهر مشي الذي فيه كثير من التعبيرية وقليل من المباشرة والتجريد يغري متلقيه بجسور التواصل معه،مما يشجع على المزيد من التفاعل،ومعاودة القراءة والقول،فكان ما كان في هذه-القراءة المتعجلة-من مقاربة بدورها عاجلة،سعت إلى الكشف عن بعض جماليات هذا الخطاب مربوطة بالبنية اللغوية التي عبّرت عنها،كما سعت إلى تلمُّس معالم الرؤيا في هذا الخطاب الذي تراءت معالم رؤياه غربة-عاطفية-وحنين جارف لمعشوقة ينتشر عطرها بين ضلوع الكاتب..-
هذه الغربة العاطفية العاصفة-تعاني وتعاين وتحلم،ولكنّها لا تهرب،بل تواجه بغير قليل من الصمود،وبغير قليل من المعاناة تماهيا مع وجدان تعتمل في داخله الأحاسيس وتحتدم المشاعر..ويندلق الحب في ثناياها المتعرّجة غزيرا بحجم المطر..
والشاعر/الكاتب د-طاهر مشي كما أعرفه،تتوهّج ابداعاته بالجمال حين يكون عاشقاً،وهو عشقٌ إنسانيٌّ،شموليٌّ كونيٌ.
قبعتي..أستاذ طاهر-وثق أن ربيعك سيأتي..يعبق بعطر المطر..



الهوامش

1-اللغة العليا ص:116جون كوبن.ترجمة أحمد درويش.ط2 القاهرة 2000
2-البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث ص:38-ط-الإسكندرية 1990.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال


.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس




.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً