الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنصري في غربته يبيع الماضي

كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)

2023 / 7 / 24
الادب والفن


كسر هذا الكتاب عندي حاجزاً وهمياً شيدته على مدار سنين، كنت أدافع فيه عن اللاعنصرية المفترضة عندما أهمش حقيقة العنصرية، فإذا كان البريطانيون أنفسهم يعترفون بأن العنصرية معضلة كامنة في طبيعة المجتمع، فأي مثالية غير ذلك يمكن أن تكون جديرة بالاهتمام.
هيثم حسين في كتابه "العنصري في غربته" ينطلق من عنصريتنا في المدينة والريف والقومية واللباس والبلد والدين، من أجل أن يصل إلى الغريب في عنصريته وتحت وطأة عنصرية الآخر.
لذلك كان هذا الكتاب فرصتي لاستعادة التاريخ الذي افترضته عن اللاعنصرية التي أتحسسها في ود أصدقائي الإنجليز معي، متعاليا عن مواقف عنصرية تعرضت لها بالفعل.
تعرضت لأول موقف عنصري في غاية الغموض، فبينما كنت ارتشفت قهوتي تقدم مني نادل المقهى الأسود بطريقة تفتعل الكياسة، وقال "إنك في نظراتك للآخرين سببت المخاوف لأحدهم، لذلك أنت غير مرغوب فيك بهذه المقهى!" قد تكون التقت نظراتي بوجه أحدهم أو إحداهن لكن لا يمكن افتراض، في أسوأ الأحوال، أن تحمل نظرتي كراهية لشخص لا أعرفه.
تعمدت أن أكمل قهوتي بخمسة أضعاف الوقت التي أقضيه بشرب القهوة قبل أن أغادر، وهكذا عاملت كياسته العنصرية، بحق طبيعي لا يستطيع الجدال بشأنه. ومع ذلك بقيت أشّيد حول نفسي جدار اللاعنصرية! وهكذا منحني صديقي هيثم حسين في كتابه فرصة لهد هذا الجدار الهش.
يأتي تصنيف الكتاب تحت بندر السيرة، متأخرا وقد يحدث ضررا، لأنه أبعد من سيرة، وأقرب إلى مجموعة قصصية تستعيد حكايات واقعية مكتوبة بحذر تحليلي منضبط في الخيال، فعندما يفتح المؤلف مستودع الأحقاد السوري، يدعونا لاستبدال كلمة السوري بأي بلد عربي آخر، فالتراجيديا السورية لا تعد ماركة مسجلة عندما يتعلق الحال بالعنصرية.
وبمجرد فتح مستودع العنصرية التاريخي ندخل بشكل تلقائي إلى كل ما يتصل بها من الكراهية وعدم المساواة وممارسة دور الضحية، العنصرية ليست شأنا يكتفي بذاته أنها أمٌ حريصة على أصناف من سموم أبنائها.
لذلك عندما فكر هيثم حسين بكتابة رواية عن العنصرية، كان عليه أن يواجه شياطينه ويتجرع سمومه، ويتعايش مع أحقاده ويروض رغباته بالانتقام، ويسمح لنفسه بالتعبير بقسوة ووحشية وعنف لغوي عما يعترك في قراره من جنون وعنصرية وما يبرر له استعداءه المضمر لكثيرين بناء على حجج يقنع نفسه بها، وهو في كل ذلك لا يتحدث عن نفسه فحسب، ففي كل واحد منا يعيش ذلك العنصري باختلاف درجة شروره. لذلك لا ينتهي الأمر بما يتعرض له اللاجئون السوريون للعنصرية التي ينطلق منها هيثم حسين في كاتبه. وبينهم من يمارس دور الضحية مثلهم مثل اللاجئ العراقي، فإن ممارسة دور الضحية في الشعور المستعاد والمكرر توظيفه بالمظلومية هو صورة من صور الدونية المقنعة، ولا يمكن للمرء أن يكمل حياته مسكونا ومقودا بتكتيكات بائسة كهذه، كما يستعيد مثالا تاريخيا عن الكردي الذي لايحتاج إلى أعداء، فالكردي عدو نفسه، وهذا الكلام يعني العربي أيضا وبشكل مطلق.
في كتابه المُعبّر بحق عبّر هيثم حسين عن حقيقة وجودية يعاني العالم منها، وكل المعايير الأخلاقية التي وضعت لم تستطع كسر العنصرية، مع ذلك يتوصل إلى ما يبعث نوعاً من الاطمئنان بعد قراءة شاقة لمتن هذا الكتاب الموجع، فعندما يكون الإنسان حرا في داخله فأنه سيكون ملك العالم بحق.
عندما طلبت صحيفة نيويورك تايمز من الروائية المغربية ليلى العلمي، أن تقترح على الرئيس جو بايدن أول كتاب يقرؤه بعد أن وطأة قدماه البيت الأبيض، اختارت كتاب "عدم المساواة" للمؤلف آدم كوهين. بينما لدينا قائمة لا تنتهي من الناس الذي ينبغي عليهم قراءة كتاب "العنصري في غربته"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي