الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية والمُجتمع البدائي

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2023 / 7 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تأليف: يوري ايفانوفيتش سيمينوف*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

يتألف كتاب(1) الانثروبولوجي الفرنسي ايمانويل تيري Emmanuel Terray من دراستين مُستقلتين. يبدأ في الأولى (مورغان والانثروبولوجيا المُعاصرة) تحليلاً شاملاً لوجهات نظر الانثربولوجي والاثنوغرافي الأمريكي العظيم لويس مورغان، مُحاولاً الكشف عن الطابع المادي لنظراته حول التاريخ، وإظهار أهمية مفاهيمة ومنهجيته بالنسبة لدراستنا المُعاصرة للمُجتمع البدائي. في دراسته الثانية المُعنونة (المادية التاريخية والمُجتمعات ذات النَسَب المُتقطع Segmentary Lineage-based Societies)، يُحاول المؤلف الذي يُركز على المواد الواردة في عمل الباحث الفرنسي كلود ميلاسو Claude Meillassoux (الانثربولوجيا الاقتصادية لساحل العاج عند شعب الغورو Gouro)(2)(أ)، يُحاول تبيان أهمية الفهم المادي للتاريخ في دراسة المُجتمعات البدائية.
يُعدّ نشر الترجمة الانجليزية لكتاب تيري عام 1972، أي بعد سنواتٍ قليلةٍ من ظهوره بالفرنسية، مؤشراً واضحاً على اهتمام علماء الانثروبولوجيا الغربيين المُتزايد بالماركسية عُموماً، وبالفهم المادي للتاريخ خصوصاً. هذه الظاهرة لم تحدث من دون سبب. يكمن السبب، في الأزمة العميقة التي تجتاح العلوم الانثروبولوجية الغربية في هذا الوقت. تتم مُعالجة وجود هذه الأزمة، جُزئياً على الأقل، منذ الصفحة الأولى من الكتاب الذي نُناقشه، في مُقدمة الطبعة الأصلية التي كتبها الناشر. يُعالج تيري مدى امكانية تطبيق المادية التاريخية على دراسة المُجتمعات البدائية، في المُقدمة المذكورة، وهي مسألة كانت موضوع نقاشٍ لفترةٍ طويلة. وتخلق الأزمات المُعاصرة في الأنثروبولوجيا "إمكانيةً أكبر لتقييم كُلٍّ من المسألة نفسها، وتخلق امكانية الاجابة عليها"(الصفحة 1).
يُمكن للمادية التاريخية، برأي مؤلف هذه المُقدّمة، أن تنطبق على المُجتمعات البدائية، ويُمكن للبحث في تلك المُجتمعات، بنفس الطريقة، أن يكون علمياً حقاً ان استوفى شرطين أساسيين. يتضمن الشرط الأول اعادة التقييم النقدي ليس فقط لأفكار علم الانثروبولوجيا البرجوازية، ولكن أيضاً التقييم النقدي لمجموعة المعارف التي يتم تحصيلها من خلال هذا العلم (ص2) يتألف الشرط الثاني من ضرورة تصحيح المفاهيم الأساسية للمادية التاريخية، وهو تصحيح يَسهّل اجراء بحوث دقيقة في هذا المجال الجديد والمُحدد للغاية(ص2).
ان طرح الشرط الثاني، مُرتبط بوجهة نظر يشترك فيها كُلٌ من الناشر ومؤلف الكتاب حول المادية التاريخية. يجب أن نتوقف قليلاً عند وجهة النظر هذه، لأنها حدّدَت الى حدٍّ ما، اتجاه البحث النظري لتيري.
توصّلَ بعض الباحثين الغربيين في العقود الماضية، بمن فيهم كارل بولانيي Karl Polanyi وجورج دالتون George Dalton، الى استنتاج يقول أن "الحتمية الاقتصادية"، والتي يضعونها عنواناً لفهم ماركس للتاريخ، صحيحة تماماً ولكن فقط فيما يتعلق بالمُجتمع الرأسمالي. أما بالنسبة للمُجتمعات ما قبل الرأسمالية عُموماً، والمُجتمعات البدائية على وجه الخصوص، فإن النظرية (المادية التاريخية) غير قابلة للتطبيق على الاطلاق(3). من الواضح أن وجهة النظر هذه قد أثّرَت على مؤلف المُقدّمة وكذلك على تيري نفسه.
في الوقت ذاته، عندما ينظرون عن كثب الى الفهم المادي للتاريخ كمفهومٍ عالميٍّ شامل، فإنهم يعتقدون أن المادية التاريخية في شكلها التي أعطاها اياه ماركس وكما هي موجودةٌ اليوم، قابلة للتطبيق فقط على المُجتمع الرأسمالي. ان استخدامها في شكلها الحالي لدراسة المُجتمعات البدائية ليس سوى "تطبيق ميكانيكي لنتائج الدراسات الاثنولوجية على نمط الانتاج الرأسمالي"(ص2).
ان المُجتمعات ما قبل الرأسمالية بشكلٍ عام، والمُجتمعات البدائية على وجه الخصوص تقع خارج نطاق المادية التاريخية في الوقت الحاضر. المثالية، بالنسبة لهم، واحدة، غير مُتمايزة. ان العلاج الوحيد لهذا الوضع، هو بناء نظرية عامة لجميع المُجتمعات ما قبل الماركسية، والتي من شأنها أن تندمج في المادية التاريخية، وتُصبح جُزءاً لا يتجزأ منها. يكتب تيري: "يواجه الباحثون الماركسيون الآن مهمة تقويض هذه الايديولوجيا (المثالية) وطردها من آخر حصونها، وادخال مجال الانثروبولوجيا، الذي لا يزال مُنتظراً على الأبواب، الى نطاق المادية التاريخية، وبالتالي، اثبات الأهمية والصلاحية العالمية الشاملة للمفاهيم والمناهج التي طورتها هذه الأخيرة. ومن خلال القيام بذلك، على (الباحثين الماركسيين) التأكد من أن تُصبح الانثروبولوجيا الاجتماعية قسماً من المادية التاريخية مُخصصاً للتشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية التي يغيب عنها نمط الانتاج الرأسمالي، ويتعاون في انشاءه الاثنولوجيين والمؤرخين"(ص184).
هناك شيءٌ من الحقيقة في وجهة النظر هذه، لكن لا يُمكن للمرء أن يتفق معها بالكامل. الخطأ الأساسي لمؤلف المُقدمة، وتيري نفسه، هو أنهم لم يتمكنوا من فهم الفرق بين المادية التاريخية من ناحية، ونظريات التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية الملموسة من ناحيةٍ أُخرى. نتيجةً لذلك، لا يُمكنهما فهم العلاقة بين فهم ماركس المادي للتاريخ، ونظريته التفصيلية المُتعلقة بالرأسمالية. لم تتم دراسة التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية الأُخرى بتلك الدقة، مما يؤثر بالفعل على الجهاز المفاهيمي للمادية التاريخية. ولكن هذا لا يجعل المادية التاريخية، بالشكل الذي أعطاها اياه ماركس، قابلةً للتطبيق فقط على المُجتمعات ذات نمط الانتاج الرأسمالي. ان كان الفهم السياسي-الاقتصادي الماركسي للرأسمالية غير قابلٍ للتطبيق على المُجتمعات البدائية الى حدٍ كبير، فإن مبادئ المادية التاريخية الأساسية ومقولاتها، صحيحة بشكلٍ مُتساوٍ في علاقتها بكُلٍّ من المُجتمعات الرأسمالية والمُجتمعات البدائية.
لا تحتوي الأعمال الماركسية الكلاسيكية على نظريات المُجتمع الرأسمالي وحسب، بل وتحتوي أيضاً على أفكار لا تُقدّر بثمن تتعلق بالمُجتمعات ما قبل الرأسمالية عُموماً، والمُجتمعات البدائية خصوصاً. من الضروري تطويرها بشكلٍ أكبر (ص2). ومع ذلك، يجب أن لا تؤدي هذه الخطوة الهامة، الى اعادة صياغة مفاهيم المادية التاريخية بالكامل، والتي هي مُحاولة لانشاء فهم مادي لتاريخ الرأسمالية قائم أصلاً، وانشاء قسم جديد الى جانبه، ينطبق على المُجتمعات ما قبل الرأسمالية كما يقترح تيري. من الضروري انشاء نظريات عن التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية ما قبل الرأسمالية بتوجيهٍ من الفهم المادي للتاريخ، والذي يُمكن تطبيقه بنفس القَدَر على جميع التشكيلات(ب).
أشار لينين الى ذلك في زمنه، مُستنكراً تأكيدات ميخايلوفسكي بأن كارل ماركس يدّعي أن لديه تفسيراً كاملاً لتاريخ الانسانية. كَتَبَ لينين: "ولكن كل هذا تزييف، وأي تزييف! فإن النظرية تدّعي فقط تفسير التنظيم الرأسمالي للمُجتمع وحده، دون غيره من التنظيمات. واذا كان تطبيق المادية على تحليل وتفسير تشكيلة اجتماعية واحدة قد أسفَرَ عن مثل هذه النتائج الساطعة، فإن من الطبيعي تماماً أن لا تبقى المادية في حقل التاريخ مُجرّد فرضية، بل نظريةً ثابتةً علمياً، ومن الطبيعي تماماً أن تتسع ضرورة مثل هذه الطريقة وتشمل أيضاً سائر التشكيلات الاجتماعية، حتى وان كانت لم تخضع لدراسةٍ خاصةٍ على أساس الوقائع ولتحليلٍ مُفصّل"(4).
من المهم التأكيد على أن المُهمّة لا تكمن اطلاقاً في صياغة نظرية ما، تُفسّر التشكيلات ما قبل الرأسمالية. لا يُمكن أن يحدث ذلك، لأن كل تشكيلة ما قبل رأسمالية لها قوانينها الخاصة في وظيفتها وتطورها، والتي تختلف عن قوانين التشكيلات الأُخرى. على أي حال، من غير المُحتمل أن يكون هناك شك في أن هُناك اختلافاً نوعياً أساسياً بين التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية البدائية غير الطبقية، والتشكيلة الطبقية المُتناحرة التي تحل محلها. يجب علينا صياغة نظريات تتعلق بكل تشكيلة ما قبل رأسمالية، وحتى بالمُجتمع البدائي. وحتى هذه النظريات بعد أن تتم صياغتها، لا يُمكنها ولا يجب أن تُصبح أقساماً مُعينةً من المادية التاريخية، بنفس الطريقة التي لم تُصبح نظرية ماركس في الاقتصاد السياسي للرأسمالية قسماً من المادية التاريخية على حِدة. وفقاً لذلك، لن تتكون المادية التاريخية أبداً من أقسام، كُلٌّ منها ينطبق فقط على تشكيلة واحدة أو اثنتين. إن حَدَثَ هذا، فلن تكون المادية التاريخية نظريةً عامةً لفهم الظواهر الاجتماعية، بعبارةٍ أُخرى، ستتوقف عن كونها نفسها.
انها مسألة مُختلفة أن انشاء نظريات مُعينة للتشكيلات الاجتماعية الاقتصادية ما قبل الرأسمالية لا يُمكن الا أن يؤثر على المادية التاريخية نفسها، وأن يُحدث بعض التغيرات في بعض مبادئها المُنفصلة، وتحديد مقولاتها بشكلٍ أكثر دقّة، وربما انشاء مقولات جديدة. لكن هذا أمر طبيعي تماماً. ان أي منهجية تكتمل وتتطور حتماً في سياق تطبيقها. خلاف ذلك، فهي تتوقف عن العمل. ان الفهم المادي للتاريخ لا يستثني نفسه من هذه القوانين.
ولأن تيري يُقيّم المُجتمعات ما قبل الرأسمالية بشكلٍ عام، والمُجتمعات البدائية بشكلٍ خاص على أنها تقع خارج نطاق المادية التاريخية، فإنه قدّرَ عَمَل ميلاسو (الانثربولوجيا الاقتصادية لساحل العاج عند شعب الغورو) تقديراً عالياً. يقول تيري: "ان ظهور (الانثروبولوجيا الاقتصادية....) قد يُثبت أنه نقطة تحوّلٍ في تاريخ الانثروبولوجيا"(ص95). ولكن حتى لو كان تيري مُحقاً في تصريحه بأن "كلود ميلاسو هو أول باحث ارتقى الى مفاهيم ومناهج الانثروبولوجيا التقليدية والذي انغمسَ بتطبيق مقولات المادية التاريخية على مُجتمعٍ بدائيٍّ مُحدد"، الا أن هذا لا يزال لا يدعم بأي حال ادعائه بأن هناك أصالةً ما في مُقاربته لدراسة المُجتمعات البدائية. لقد استرشَدَ غالبية الاثنوغرافيين السوفييت أنفسهم بالفهم المادي للتاريخ في أبحاثهم. مع ذلك، بالرغم من أن تيري مُخطئ على العموم، الا أن كلماته تحتوي على بعض الأشياء الصحيحة المعروفة.
ان نظرية أي تشكيلة اقتصادية اجتماعية ملموسة، هي، أولاً وقبل كُل شيء، نظرية بُنيتها الاقتصادية. ولكن، لم يتم حتى الآن انشاء أي نظريات ماركسية رصينة حول اقتصاديات التشكيلات الاجتماعية ما قبل الماركسية. بعبارةٍ أُخرى أكثر تحديداً، لا توجد نظرية ماركسية عن اقتصاديات التشكيلة ما قبل الطبقية. ان السبب الأساسي وراء هذا الوضع لفترةٍ طويلة هو عدم وجود أساس متين من الحقائق والبيانات.
قبل ظهور مبحثٍ علمي يُمكنه أن يُعالج العلاقات الاقتصادية للمُجتمعات ما قبل الطبقية بشكلٍ خاص، وتشكّل المُجتمعات الطبقي (يُسمّى المبحث "الانثروبولوجيا الاقتصادية" في الأدبيات الغربية)، لم يكن بالامكان الشروع بانشاء نظرية علمية سليمة في الاقتصاد البدائي(5). ولكن حتى بعد ظهوره، يجب أن تمر فترة زمنية مُعينة تسمح بتراكم الحقائق والبيانات. ان انشاء نظرية للاقتصاد البدائي الآن ليس مُمكناً فحسب، بل لا مفر منه أيضاً.
أصبَحَ فهم المغزى النظري لمجموعة واسعة من المعارف والتي تراكمت على مدار 50 عاماً الماضية، مطلباً مُلحاً لتطوّر العلم. هذه الحاجة يُلبيها، بهذا الشكل أو ذاك، المتخصصين في الاقتصاد البدائي. ان التمظهر الواضح لهذا، هو الحوار المُتنامي في مجال الانثروبولوجيا الاقتصادية بين أنصار التعاليم الجوهرانية substantivist والشكلانية Formalist(6)(جـ).
ومع ذلك، لا يُمكن للجوهرانيون، ناهيك عن الشكلانيون، أن يصيغوا نظريةً سليمةً في الاقتصاد البدائي. ان أسباب ذلك بعيدةً كُل البعد عن كونها أسباب شخصية. جوهر الأمر هو أنه لا يُمكن إقامة نظرية علمية صحيحة في الاقتصاد البدائي الا على أساس المفهوم المادي للتاريخ. ولكن جميع المُشاركين الرئيسيين في الحوار، والجوهرانيين ليسوا استثناءاً لذلك، قد دافعوا عن مُقاربةٍ أُخرى. لا يُمكن أن تكون النظرية العلمية الصحيحة حول الاقتصاد البدائي سوى نظرية ماركسية. والحق، أن المخرج الوحيد من أزمة النظرية التي تعيشها الأنثروبولوجيا الاقتصادية لا يُمكن ايجاده سوى بمساعدة المادية التاريخية، وهذا يتحقق بدرجةٍ ما، بمساعدة مجموعة من المتخصصين في الاقتصاد البدائي. يرتبط اهتمامهم المُتزايد بالماركسية بهذا الادراك (ادراك وجوب ايجاد مخرج)(7).
هذه هي الحاجة الموضوعية تحديداً هي التي وقفت خلف إنشاء نظرية للاقتصاد البدائي، والضرورة الموضوعية للتحول الى المادية التاريخية التي تجلّت في أعمال باحثين مثل كلود ميلاسو وتيري. ومع ذلك، لم يقم الأخير بالاعتراف بشكلٍ كافٍ بهذه المهمة التي تقف أمام العلم. لقد أدرَكَ الحاجة الى اقامة نظرية ماركسية للاقتصاد البدائي كضرورة لاضافتها كقسم خاص الى المادية التاريخية يتعلق بالتشكيلات ما قبل الرأسمالية. هذا الظرف، لا يُمكنه أن يُفضي الى خاتمةٍ ناجحة.ولكن أُضيفت الى هذا شيء آخر أيضاً-وهو أمر غريب على أقل تقدير- وهو تفسير مُعيّن للمقولات الأساسية للفهم المادي للتاريخ.
بادئ ذي بدء، يتعلق هذا بمفهوم مركزي في المادية التاريخية، وهي مقولات "التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية".
تشكّلت البشرية دائماً، في جميع مراحل تطورها، من عددٍ كبيرٍ من المُجتمعات المُنفصلة والملموسة، كان كُلٌّ منها عضويةً اجتماعيةً خاصة، تطوّرت بشكلٍ مُستقل بهذا الشكل أو ذاك (أي لها تاريخها الخاص)(8). كُل مُجتمع له خصائصه التي تُميّزه عن سائر المُجتمعات. والأمر كذلك، أن كُل عضوية اجتماعية تتميز في تطورها وتفرّدها. ان نشوء علم حقيقي يفترض، ويتطلب حتماً اكتشاف العام بين العضويات الاجتماعية، والكشف عن تكرارية تطورها. تصدّى كارل ماركس وفريدريك انجلز لحل هذه المهمة.
لقد أشارا، من بين كُل الروابط المُتنوعة، الى تلك التي تنشأ وتوجد بصرف النظر عن ارادة الناس ووعيهم، والتي تُحدد نظراتهم ونوايهم وآرائهم ومساعيهم، وتُحدد كذلك جميع العلاقات الاجتماعية الأُخرى. هذه الروابط المادية والموضوعية هي تلك الخاصة بعلاقات الانتاج الاجتماعية-الاقتصادية. تتطور علاقات الانتاج بشكلٍ كامل الى هذا الحد أو ذاك، في كُلّ مُجتمع ملموس، وهي، أي تلك العلاقات، أساس جميع العلاقات الاجتماعية الأُخرى والعضوية الاجتماعية بأكملها. كان تمييز علاقات الانتاج عن مجموع الروابط الاجتماعية الأُخرى، في الوقت نفسه، كشفاً عن وجود عدة أنماط أساسية من علاقات الانتاج. صار من الواضح أيضاً، أنه مثلما يُمكن للعضويات الاجتماعية المُختلفة أن تحوز على بُنية اجتماعية-اقتصادية مُتشابهة (تقوم على نمط علاقات الانتاج نفسه)، فإنه يُمكن أيضاً أن تحوز على بُنىً غير مُتشابهة (قائمة على أنماط مُختلفة من علاقات الانتاج).
بما أن علاقات الانتاج أساسية ومُحدِّدة، فإن جميع المجتمعات الملموسة-التي يقع في جذرها نفس منظومة العلاقات الاجتماعية-الاقتصادية بصرف النظر عن جميع الاختلافات الأُخرى-تُمثّل في جوهرها مُجتمعاً واحداً، أي تنتمي الى نفس النمط. من ناحيةٍ أُخرى، فإن العضويات الاجتماعية ذات البُنى الاجتماعية-الاقتصادية المُتباينة، بصرف النظر عن التشابهات الموجودة بينها، تنتمي في جوهرها الى الى أنماط مُختلفة من المُجتمعات.
وهكذا، ونتيجةً للتأكيد على علاقات الانتاج في تحديد أساس أيِّ مُجتمعٍ مُحدد، والتأكيد على وجود اختلافاتٍ نوعيةٍ بينها، تم تقليص غالبية العضويات الاجتماعية الى عددٍ قليلٍ من الأنماط الأساسية، والتي تُسمّى التشكيلات الاقتصادية-الاجتماعية. كَتَب فلاديمير لينين: "ان تحليل العلاقات الاجتماعية المادية قد أتاحَ فوراً مُلاحظة التكرار والانتظام، وتعميم أنظمة مُختَلَلف البُلدان وجمعها في مفهومٍ أساسيٍّ واحد، هو التشكيلة الاجتماعية"(9).
ان نمط مُعيّن من المُجتمع لا يُمكن أن يُوجد سوى في مُجتمعات مُحددة من نفس النمط. توجد كل تشكيلة اقتصادية-اجتماعية ملموسة، ليس جنباً الى جنب مع مُجتمعاتٍ مُنفصلة، بل فقط داخل هذه العضويات الاجتماعية نفسها. انها موجودة في نمطها الأساسي المُشترك المُتجذر بعمق، في جوهرها الداخلي. رأى لينين أننا ندين الى ماركس بأنه "لم يقتصر على وصف النظام القائم، وابداء الرأي فيه، وشجبه، أنما أعطى عنه تفسيراً علمياً، اذ نَسَبَ هذا النظام القائم، المُختلف في شتّى البُلدان الأوروبية وغير الأوروبية، الى أساساٍ مُشترك: التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية، التي أخضَعَ قوانين عملها وتطورها لتحليلٍ موضوعي"(10).
ما هو مُشترَك بين العضويات الاجتماعية، والذي يرتبط بإحدى التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، لا تستنفده بُنيته الاجتماعية-الاقتصادية. لكن ما يُوحّد هذه العضويات الاجتماعية، وما يشترط انتمائها الى نمطٍ دون آخر، هو تواجد نفس نظام علاقات الانتاج في أساسِ كُلٍّ منها. أي شيء آخر يربطها هو نتاج هذه الخاصية الأساسية المُشتركة.
علاقات الانتاج موضوعية ومادية. وبالمُقابل، فإن منظومة هذه العلاقات، مادية أيضاً. وهذا يعني أنها تعمل وتتطور وفقاً لقوانينها الخاصة، بصرف النظر عن ارادة ووعي الناس الذين يعيشون في ظل منظومة العلاقات هذه. القوانين الناتجة هي تلك التي تتعلق بعمل وتطور التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية. سمَحَ لنا ادخال مفهوم التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية لأول مرة بالنظر الى التطور الاجتماعي باعتباره عملية تاريخية طبيعية، مما جعل بالامكان التمييز ليس فقط بين ما هو مُشترَك بين العضويات الاجتماعية المُختلفة، بل أيضاً التكرار في سياق تطورها. كُل العضويات الاجتماعية المُرتبطة بتشكيلة واحدة تتطور حتماً بنفس القوانين.
لكن مقولة "التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية" ليست مُجرّد فهمٍ لنوعٍ من المُجتمع يقبع نمط مُحدد ومنظومة مُحددة من علاقات الانتاج في أساسه. المقولة أكثر تعقيداً وذات جوانب مُتعددة أكثر من هذا. كل منظومة من علاقات الانتاج مُرتبطةٍ الى حدٍّ ما بمُستوى تطور القُوى المُنتجة. ان قوى انتاجية مُحددة وعلاقات انتاجية مُحددة يُشكلان وحدةً Unity مُعيّنة: هذا النمط أو ذاك من الانتاج. لذلك، يُمكن تعريف التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية على أنه نوع من المُجتمع يكون أساسه نمط انتاج مُعيّن. عاجلاً أم آجلاً يتم استبدال منظومة العلاقات الانتاجية عند تطور القُوى المُنتجة، بمنظومةٍ أكثر تقدميةً، مما يستلزم استبدال نمط مُجتمع مُعيّن بنمطٍ آخر.
وما ينتُج عن كل هذا، تشكيلة اجتماعية-اقتصادية تُمثّل في الوقت نفسه نمط المُجتمع الذي من الواضح أنه يُمثّل مرحلةً مُعيّنةً من تطوره. في المُقابل، ليس تطور المُجتمع البشري كُلّه سوى عملية تاريخية طبيعية لتطور وتعاقب التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية. ان هذا الفهم للتاريخ بالتحديد هو الذي نُطلق عليه "الفهم المادي".
أشارَ كارل ماركس في كتاباته في فترة خمسينات وستينات القرن التاسع عشر الى أربعة تشكيلات اجتماعية اقتصادية تناحرية: الآسيوي، القديم (العبودية)، الاقطاعي والبرجوازي(11)، وسبقها، وفقاً لماركس، مُجتمع بدائي لاطبقي، وسيعقبها مُجتمع شيوعي لاطبقي واحد.
ان مسألة التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية الآسيوية، في الوقت الحاضر، قابلة للنقاش. يعترف بعض الباحثين الماركسيين بوجوده، والبعض الآخر ينفيه. ولكن لن يكون قُبول أو انكار وجوده مُتعرضاً مع الفهم المادي للتاريخ، لأنه في الحالة الأولى، كما الثانية، تظل حقيقة أن تاريخ البشرية هو عملية تاريخية طبيعية لتطور وتعاقب التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية قائمةً وغير قابلة للشك.
نواجه في كتاب تيري، فهماً آخر للتشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية. يتحدث، طول مُجمل دراسته الثانية، حول التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية للغورو، مع الآخذ في الاعتبار ليس النمط الذي ينتمي اليه مُجتمع الغورو، وليس مرحلة التطور التاريخي العالمي الذي يُوجد فيه، بل مُجتمع الغورو الفردي الملموس.
ونحن هُنا لا نتعامل مع صياغةٍ غير موفقّة له، بل نتعامل مع مفهومٍ مُحدد. في أي مكان يستخدم فيه تيري مفهوم "التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية" فإنه يستخدمه للدلالة على مُجتمع فردي، أي عضوية اجتماعية أو نظام من العضويات الاجتماعية. جنباً الى جنب مع "التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية لغورو" يذكر التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية للبيجميين pygmies والماساي Masai(ص140)، وبالتالي فهو لا يكتب عن تشكيلة اجتماعية اقتصادية بدائية ما قبل طبقية، بل يكتب عن تشكيلات اجتماعية-اقتصادية بدائية(ص104، 140، 144). وبنفس الطريقة، فهو لا يتحدث عن تشكيل اجتماعي-اقتصادي رأسمالي، بل عن تشكيلات اجتماعية-اقتصادية يسود فيها نمط الانتاج الرأسمالي(ص146، 147، 183). ان فهم التشكيلة الاقتصادية كنمطٍ من المُجتمع، بوصفه مرحلةً في التطور التاريخي العالمي، غائبٌ عن فهم المُجتمع الذي يُنادي به تيري، مما يجعله مُختلفاً كثيراً عن الفهم المادي للتاريخ.
هذا الظرف، كان واضحاً في تحليله لآراء مورغان في المقال الأول. يحتوي المقال بحد ذاته على العديد من الأفكار الصحيحة. يُشير تيري بشكلٍ صحيح الى أن مورغان، يُلخّص، في كتابه (المُجتمع القديم)، ليس تاريخ البدائية، بل نظرية التاريخ البدائي(ص24، 88). يُشير تيري الى أن كلمه "فكرة" في عناوين الأقسام الثلاثة الأخيرة من كتاب مورغان (تطور فكرة الحكومة) و(تطور فكرة الأُسرة) و(تطور فكرة المُلكية) تحوي معنىً مُحدداً. أراد مورغان أن يؤكد أنه لا يقوم في الكتاب ببحث التاريخ التجريبي للحكومة والأُسرة والمُلكية، بل يكشف عن المنطق الموضوعي، والحتمية الموضوعية لتطور هذه الظواهر الاجتماعية(ص25،26).
يرى تيري أن فهم مورغان المادي للتاريخ، في نظراته حول تطور فن تحصيل وسائل العيش، ونمو الاختراعات والاكتشافات كعاملٍ يُحدد تطور المُلكية وجميع العلاقات والمؤسسات الاجتماعية(ص51-52، 56-57،65-66). تماماً كما يقول تيري، ان استخدام مورغان لـفنون تحصيل وسائل العيش" لا يختلف في الواقع عن استخدام ماركس لـ"القوى المُنتجة"(ص66).
لكن الشيء الأكثر أهميةً من كُل ذلك والذي لم يستطع تيري أن يلحظه في وصف مورغان كمُفكّرٍ توصّل الى الفهم المادي للتاريخ بشكلٍ مُستقل، هو اكتشاف مورغان لنمطين أساسيين من المُجتمع. كَتَبَ مورغان يقول: "ان خبرة البشرية طوّرَت خُطتين من أنواع الحكومات... كان كلاهما مُنظمتين منهاجيتين للمُجتمع. كان التنظيم الاجتماعي الأول والأقدم، هو ذلك الذي تأسس على العشائر والأخويات والقبائل. والثاني، وهو مُنظمة سياسية تأسست على الأرض والمُلكية"(12).
يربط مورغان هذين النوعين من المُجتمعات بنمطين من المُلكية، النمط الأول هو المُلكية الجماعية، والثاني هو المُلكية الخاصة. أفسحَت المُلكية الجماعية الطريق للمُلكية الخاصة نتيجةً لاتقان تحصيل وسائل الحياة والعيش، وبالتالي حلّت الروابط السياسية، أي الطبقية، محل روابط القرابة. استطاع مورغان، وفقط بعد توضيح ذلك، أن يتوصل الى فهمٍ ماديٍّ للتاريخ، والذي لا يُمكنه سوى أن يكون فهمه كعملية تاريخية طبيعية لتطور وتعاقب التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية.
وبما أنه لم يفهم كل ذلك، لم يستطع تيري أن يُقيّم تسلسل نظرات مورغان والتي تُفيد في نهاية المطاف الى أن تاريخ الانسانية بأكمله هو عملية تحدث بصرف النظر عن ارادة ووعي الناس. لم يرى تيري في نظرات مورغان الا أصداء النظرية الداروينية في تطور العالم العضوي(ص15-16).
لم يكن مفهوم "نمط الانتاج" عند تيري أكثر وضوحاً أيضاً من مفهومه حول "التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية". يطرح تيري تعريفه لـ"نمط الانتاج" بعد أن انتقَد ميلاسو، والذي (الأخير)، حسب تيري اذا أردنا أن نوافقه، "اختزَلَ نمط الانتاج الى تكنيك الانتاج". ان تعريف تيري هو على الشكل التالي: "ان نمط الانتاج هو من ثلاثة أجزاء: قاعدة اقتصادية، بناء فوقي حقوقي-سياسي، وبناء فوقي ايديولوجي. القاعدة الاقتصادية، في التحليل النهائي هي العامل المُحدد داخل هذه المنظومة، وبالتالي هي التي يجب أن تكون نُقطة الانطلاق لبناء نظرية نمط الانتاج. هذه القاعدة الاقتصادية بدورها، هي مزيج من نظام القُوى المُنتجة ونظام علاقات الانتاج"(ص97-98).
ان الاشارة الى كتاب (رأس المال) كمصدر ودليل على تعريفه، هو خاطئ تماماً. لا يُمكننا أن نجد في رأس المال ولا في أي عمل لماركس أو انجلز أي شيء يقترب من صياغات تيري هذه. فَهِمَ ماركس وانجلز، وغالبية الماركسيين العُظمى من مُصطلح "نمط الانتاج" بأنه نظام مُحدد لعلاقات الانتاج والقُوى المُنتجة، وبعابرةٍ أُخرى، ما يُطلِقُ عليه تيري "القاعدة الاقتصادية"(13). تم تضمين مُصطلح "القاعدة الاقتصادية" في المادية التاريخية أيضاً، أو على الأقل كلمة "القاعدة"، لكن ماركس وانجلز وماركسيين آخرين طبقوه للدلالة على وجود نظام من علاقات الانتاج كأساس لجميع العلاقات الاجتماعية والوعي الاجتماعي الأُخرى(14). يُمكنني أن أُضيف أن تيري، يدخل، في سياق مؤلّفهِ، في تناقضٍ مع تأكيداته عندما يفهم نمط الانتاج كوحدةٍ خاصة تتألف من قُوى الانتاج وعلاقات الانتاج.
يظهر، بهذه الطريقة، أن المؤلّف غير دقيق، على أقل تقدير، حتى في استعراضه للمبادئ الأساسية للمادية التاريخية. تنشأ صعوبة أكبر عندما يُحاول اصلاح مقولات الفهم المادي للتاريخ بقصد تطبيقها على سمات المُجتمعات ما قبل الرأسمالية بشكلٍ عام، والمُجتمعات البدائية بشكلٍ خاص.
ينصَب اهتمامه على مسألة الترابط بين علاقات الانتاج والروابط الاجتماعية الأُخرى. انه ينطلق من أصعب مسألة (حسب رأيه)، الا وهي الرابط بين العلاقات الانتاجية والقرابة في المُجتمع البدائي. لا يتفق تيري مع رأي الانثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي شتراوس
Claude Lévi-Strauss بأن قواعد القرابة والزواج في المُجتمعات البدائية لها "قيمة عملياتية مُساوية لقيمة الظواهر الاقتصادية في مُجتمعنا"(ص139). يكتب تيري مُنتقداً وجهة النظر هذه "بناءً على هذا، على الاثنولوجيا أن تتخلى عن تحليل البناء التحتي الاقتصادي لعلاقات القرابة، لأن علاقات القرابة هي فقط التي تُفسّر "البُنية العميقة" للمُجتمعات البدائية. هذه الأخيرة ليست مُناسبة للمادية التاريخية، وسيتم بناءاً على ذلك تبرير استقلالية الأنثروبولوجيا الاجتماعية بخصوصية موضوعها"(ص139).
برأيه، يكفي لكي نطعَن في وجهة نظر شتراوس، القول بأن القرابة لا تُهيمن على البُنية الاجتماعية لجميع التشكيلات الاقتصادية-الاجتماعية البدائية. انها تُهيمن فقط في بعضها. لا تُهيمن القرابة بين الماساي والبيجميي المابوتي(ص140). ولكن الاجابة التي يقترحها تيري نفسه على مسألة الرابط بين علاقات الانتاج والقرابة في هذه المُجتمعات والتي يبدو أن الأخيرة، تُهيمن فيها، ليست واضحةً تماماً.
يُشير تيري، الى أن علاقات القرابة تتكون من "مادة" خاصة، تحوز على أساس "نَسَبي" genealogical، والذي يتحوّل، تحت تأثير الانتاج، لتلبية مطالبه. نتيجةً لذلك "تتحقق" و"تتجسد" علاقات الانتاج في علاقات القرابة(ص143-144). "تتحقق" العلاقات السياسية-الحقوقية والايديولوجية بنفس الطريقة في علاقات القرابة(ص139).
تُطرَح آراء المؤلّف حول هذه المسألة بطريقة تجعل من غير الواضح تماماً ما اذا كانت المُجتمعات التي درسها لديها علاقات انتاجية وسياسية وحقوقية وايديولوجية خاصة تختلف عن علاقات القرابة، أو ما اذا كانت هذه العلاقات الأخيرة موجودةً ضمن العلاقات الأُولى. تسمح لنا تأكيداته بأن نعتقد بأنه يوافق على كلا الأمرين.
ان وجهات نظر تيري حول العلاقة المُشترَكة بين الروابط الانتاجية وغيرها من الروابط الاجتماعية في المُجتمعات ما قبل الرأسمالية، مُتضاربة للغاية أيضاً. أولاً، يؤكّد تيري على الاختلاف النوعي بين هذه المُجتمعات والمُجتمعات الرأسمالية. بكلماته ان "نمط الانتاج" في الرأسمالية، أي "القاعدة الاقتصادية"، ليس مُحدداً في النظام الرأسمالي فقط، كما هو الحال في "أنماط الانتاج" الأُخرى، بل يكون مُهيمناً أيضاً، وبالتالي يلعب دوراً رئيسياً في الانتاج (ص147). ان علاقات الانتاج الرأسمالية هي علاقات اقتصادية صرف.
يختلف الأمر عندما نصل الى علاقات الانتاج ما قبل الرأسمالية. انها لا تبدو اقتصادية بشكلٍ حصري(ص148). يوضّح المؤلّف في الصفحة التالية هذا الوضع. يكتب: ان من سمات "أنماط الانتاج" ما قبل الرأسمالية، "الروابط غير الاقتصادية بين المُنتجين ووسائل الانتاج، وحتى غير المُنتجين. هذه الروابط ليست مُجرّد تمظهر سياسي أو ايديولوجي لعلاقات الانتاج، انها جُزء مُكوّن لعلاقات الانتاج كذلك"(ص149). عندما نستكمل مؤلّف تيري قليلاً، نجد أن هذه الروابط، في "أنماط الانتاج ما قبل الرأسمالية" تؤدي وظائف تنتمي الى العلاقات التجارية في المُجتمع الرأسمالي. المؤلّف لا يذكر أي مُكوّن آخر أو عُنصر آخر من عناصر نمط الانتاج ما قبل الرأسمالي، ويختتم كُل هذا بتأكيد، أن العامل المُهيمن في "أنماط الانتاج ما قبل الرأسمالية" ليس "القاعدة الاقتصادية" بل "البناء الفوقي السياسي والايديولوجي"(ص149). يوضّح تيري أن "هيمنة البناء الفوقي" يعني اندماج ثلاثة أطوار لنمط الانتاج: تظهر هذه الهيمنة للبناء الفوقي عندما تُصبح الروابط الحقوقية أو السياسية أو الايديولوجية شرطاً لعملية الانتاج، وبالتالي، يُستدخَل البناء الفوقي بالضرورة في القاعدة الاقتصادية نفسها"(ص150).
يتوصّل تيري بهذه الطريقة، الى استنتاج مفاده، أن دور علاقات الانتاج في المُجتمعات ما قبل الرأسمالية، يتفعّل من خلال روابط غير اقتصادية، اي تعود الى البناء الفوقي السياسي والحقوقي والايديولوجي. ولكن اذا كان الحال كذلك في الواقع، فلن يتبقى أي شيء من الفهم المادي للتاريخ. لم تستطع اشارة تيري المُجرّدة الى أنه على الرغم من أن "القاعدة الاقتصادية" في "أنماط الانتاج" ما قبل الرأسمالية ليست مُهيمنة، الا أنها مع ذلك عامل مُحدد وحاسم(ص146)، أقول لم تستطع الاشارة الى ذلك أن تُساعد تيري في بحثه. أي "قاعدةٍ اقتصاديةٍ حاسمةٍ ومُحددٍّة" تلك التي لا تتضمن داخلها أي علاقات، سوى تلك العلاقات غير الاقتصادية والبناء الفوقي؟ يفقد مفهومي القاعدة الاقتصادية، والبناء الفوقي، أي أساس لهما، في ضوء ذلك.
الاستنتاج المنطقي الوحيد الذي يُمكن استخلاصه من جميع تأكيدات تيري المذكورة أعلاه هو الاستنتاج الذي توصّل اليه كارل بولانيي وجورج دالتون وجوهرانيين آخرين غيرهم: المادية التاريخية القابلة للتطبيق على المُجتمع الرأسمالي، لا تنطبق على المُجتمعات ما قبل الرأسمالية. هذا طبعاً استنتاج خاطئ. فليس الرأسمالية وحسب، بل وجميع العضويات الاجتماعية لها أساس في علاقات الانتاج التي لا يُمكنها أن تكون سوى العلاقات الاجتماعية-الاقتصادية، والتي هي علاقات مادية وموضوعية.
ومع ذلك، تختلف روابط الانتاج الاجتماعية-الاقتصادية في المُجتمعات ما قبل الرأسمالية، ولا سيما في المُجتمع البدائي، اختلافاً جوهرياً عن الروابط الرأسمالية. العلاقات بين القاعدة والبناء الفوقي للمُجتمعات ما قبل الرأسمالية لها طابع خاص للغاية. والتحليل التفصيلي لهذا الطابع هو أحد المهام التي تُواجه الباحثين الماركسيين الآن. وحتى يتم الايفاء بهذه المهمة، سوف تتكرر أخطاء مُشابهة لأخطاء تيري. ليس من قبيل الصُدفة أن تُوجد حُجج مُماثلة لتلك التي اقترحها تيري في أعمال باحثين آخرين، وحتى أن من بينهم باحثين سوفييت(15)(د).
ان مُقدمات تيري النظرية، تُحدد في النهاية نتائج تحليله للبُنية الاقتصادية للمُجتمع، أو على حد تعبيره "التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية" للغورو. مُنطلقاً من هذا التحليل، يفترض تيري بأنه وفقاً للفهم المادي للتاريخ، فإن أي "تشكيلة اجتماعية اقتصادية" يجب أن تحوي على ما لا يقل عن "نمطيّ انتاج اثنين"(ص73). ومع ذلك المادية التاريخية لا تقول أي شيءٍ من هذا القبيل. بالطبع، في مُجتمع فردي ملموس، لا يُمكن أن يوجد نمط انتاج واحد، بل عدّة أنماط. ولكن هذا ليس حتمي. كان هناك، ولا تزال عضويات اجتماعية لها نمط انتاج واحد فقط. بالاشارة الآن الى الطريقة التي حقّقَ تيري بها تحليله للبناء الاقتصادي لمُجتمع الغورو، دعونا نُلاحظ أنه على الرغم من أن المؤلّف يُدرِجُ في مُصطلح "نمط الانتاج" مَعنىً آخر غير المعنى المقبول، الا أن تمييزه لأنماط الانتاج في فهمه يفترض حتماً تمييز أنماط الانتاج بالمعنى المُعتاد للكلمة. وفقاً لوجهة نظر تيري، كما سَبَقَ وأن أشرنا، يكمن أساس "نمط الانتاج" في "القاعدة الاقتصادية"، وهذه الأخيرة ليست سوى نمط الانتاج بالمعنى التقليدي المُتعارَف عليه للكلمة.
كان البحث عما لا يقل عن نمطي انتاج في "التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية" للغورو يعتمد الى حدٍّ كبير (في أحسن الأحوال) على المعنى الغامض الذي ينسبه تيري لمُصطلح "علاقات الانتاج". يُصبح معنى هذا المُصطلح غامضاً بشكلٍ خاص عندما ينتقل المؤلّف الى دراسة المُجتمعات ما قبل الرأسمالية، والمُجتمعات البدائية خصوصاً. يتجلّى هذا الغموض في أن تيري، لا يُشير في أي مكان، عند حديثه عن علاقات الانتاج، الى تلك الخصائص، التي في رأيه، تُميّز نوعاً من علاقات الانتاج عن نوعٍ آخر، والتي تُميّزُ، بنفس الطريقة احد أنماط الانتاج (بالمعنى التقليدي للمُصطلح)عن نمطٍ آخر. ولا يُمكننا حسب تحليلاته، أن نعرف عدد أنواع علاقات الانتاج، وأنماط الانتاج المُوافقة لها.
بالنتيجة، إن أساس تمييز أنماط الانتاج عند تيري ليس نوع علاقات الانتاج، كما هو في المادية التاريخية، بل أشكال العمل التعاوني. حسب رأيه، هُناك عدد من "أنماط الانتاج" في التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية بنفس عدد أشكال العمل التعاوني.
يكتب أن "عدد أشكال التعاون المُختلفة الموجودة في أي تشكيلة من هذا القبيل، يُشير الى وجود نفس عدد أنماط الانتاج"(ص177-178). بما أن أنماط الانتاج تختلف في الواقع بعضها عن بعض، حسب طبيعة منظومة علاقات الانتاج قبل كُل شيء، وبما أنه لا يوجد ارتباط بسيط بين منظومات علاقات الانتاج وأشكال التعاون، فإن هذا بالضبط ما يستغلّه تيري كفُرصة ليُميّز أي قدرٍ يشاء من "أنماط الانتاج"، وهكذا يصل الى مراده بايراد أكثر من "نمط انتاج واحد" في التشكيلة الواحدة.
انه يُميّز عند الغورو شكلين أساسيين من التعاون: "التعاون المُعقّد" الذي يتميّز باستخدام أدوات العمل الجماعية والذي يفترض تقسيم العمل (ص115)، و"التعاون البسيط"، والذي يقوم العمال بموجبه بعملٍ مُتشابه(ص111). ينقسم "التعاون البسيط" بدوره الى شكلين: "تعاون بسيط مُمتد" و"تعاون بسيط محدود"(ص115).
يحدث "التعاون المُعقّد" أثناء الصيد بالشباك عندما يُشارك جميع ذكور القبيلة في العملية. ترتبط علاقات الانتاج والبناء الفوقي بهذا النوع من "التعاون"، و"يتحقق" في نظام قرية القبيلة. هذا هو أول نمط انتاج في مُجتمع الغورو (116-122) والذي يتضمن الذكور(ص156).
ان حضور التعاون البسيط يشكفُ عن وجود نمط انتاج ثانٍ، "يتحقق" من خلال "نظام القرابة"، أو النظام الذي يحل محله، أي "النظام العشيري")ص122-123، 137). يتضمن "نمط الانتاج هذا" الذكور والاناث.
ان الخاصية التي تُميّز علاقات انتاج النمط الانتاجي الأول، كما يُشير تيري، هو المُلكية الجماعية، ووسائل الانتاج وحقوق التوزيع المُتساوية(ص137). في نفس الوقت، نُدرِكُ منه أنه لا يعرف شيئاً عن من يملك شباك الغورو(ص120). بالنسبة لشعب الديغا Diga الذين لديهم بُنية اقتصادية مُماثلة، فإن مُلكية الشِباك ليست مُشتركة، بل هي مملوكة لمجموعة الأقرباء (القرابة) هذه أو تلك(ص120). عند الغورو الذين يعيشون في الغابات، يُمكن لجميع المُشاركين في الصيد أن يُشاركوا في التهام الحيوان المقتول. اما عند الغورو الذين يعيشون في سهوب السافانا، كل صياد يحصل فقط على ما يقتله بنفسه. تحدث اعادة توزيع الطريدة فقط في عددٍ قليلٍ من قُرى السافانا(121-151). يوضّح هذا المثال أنه لا يوجد شكل واحد من التعاون يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلاقات الاجتماعية-الاقتصادية.
فيما يتعلق بنمط الانتاج الثاني، يميّز تيري نوعين من الخلايا التي تُنتج، بالتوافق مع شكلين فرعيين من التعاون: "فريق العمل" و"مُجتمع community الانتاج"، والذي يتشكّل من عدّة "فِرَق". الثاني هو الأساسي. عادةً ما "يتحقق" في "القرابة" وهو سبب وجيه لتسميه النظام بأكمله "نظام القرابة". ان "القرابة" في شخص كبار السن، هي مالكة الأرض(ص121). ان من يستهلك المُنتَج معاً هم مجموعة "القرابة" وليس "فريق العمل"(ص126). يتم تخزين المحصول الذين يجمعونه في مخازن حُبوب مملوكة مشاعياً، تحت سيطرة كبار السن. يذهب كُل الانتاج الى الرجل المُسن الذي يُوزعه على أعضاء القرابة(ص126-127). وبهذه الطريقة نرى صورةً كاملةً للمشاعية البدائية.
ومع ذلك، نعرف من البحث أن الشباب يحصلون في وقتٍ ما على قِطَعٍ من الأرض وحق السيطرة الكاملة على جُزءٍ من المُنتَج(ص131). يروي المُؤلّف حادثةً رَفضَ فيها الابن، بعد أن استلمَ قطعة أرضه، العمل لدى والده، الذي لم يستطع فعل أي شيءٍ حيالَ ذلك(ص132). يُقال لنا أيضاً أن الزوجات يُقسّمنَ الى مجموعات في العائلات مُتعددة الزوجات، ولكل مجموعة حقل أرز خاص بها، ومخزن وموقد خاص بها(ص112). علاوةً على ذلك، نعرف أن الماشية هي مُلكية خاصة لكبار السن والأغنياء(ص113). كان كبار السن وذوي النفوذ يضعون الماشية لاستغلالها في قُرىً أُخرى، مما يضع أولئك الموجودين في القُرى الأُخرى في حالة تَبَعية ومديونية(ص134). بعد كل هذا، ليس من الغريب أن نعرف أن هُناك عبيد وأتباع في قُرى الغورو التقليدية(ص136،171).
يلفت المؤلف انتباهنا أيضاً الى وجود نظام الكلالا Klala system عند الغورو. يوجد هذا النظام حيث تكون روابط القرابة ضعيفة، ويطَرَحَ نفسه كبديل للتعاون القرابي. في اطار الكلالا تم قبول أشخاص من "قرابات" مُختلفة. عَمِلَت هذه المجموعة بدورها في الأرض التي تنتمي الى اعضاء موجودين فيها. ويربط تيري هذا النظام من العلاقات الذي يستبدل نظام "القرابة"، بنفس نمط الانتاج. ليس من الصعب أن نُلاحظ أن تيري لم يُعطينا أي تصوّرٍ واضحٍ حول مُجتمع الغورو. لم يستطع أن يربط كل استنتاجاته ببعضها البعض. تتعارض مفاهيمه كُلٌّ على حدة ببعضها البعض وتتعارض مع البيانات الموجودة. وبعدم قُدرته على استيعاب الحقائق والتعبير عن ارتباطاتها، لم يستطع بالتالي أن يفهم جوهر العلاقات الاجتماعية التي يدرسها.
لم يتمكن باستخدامه مفاهيم "نمط الانتاج" و"علاقات الانتاج" و"القاعدة الاقتصادية" و"التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية"، أن يتعمّق في جوهر مُجتمع الغورو.
والسبب في ذلك ليس فقط أنه ضمّن هذه المُصطلحات معانٍ أُخرى غير تلك التي تُعطيها لها النظرية الماركسية عن المُجتمع. ان جوهر المادية التاريخية باعتبارها النظرية الأكثر عموميةً للتطور الاجتماعي يكمن في أنها بحد ذاتها منهجية لفهم الظواهر الاجتماعية. لقد أشارَ فريدريك انجلز وفلاديمير لينين الى هذا مراراً وتكرارً(16).
ولكن فهم الظواهر، يعني الكشف عن جوهرها، والذي لا يُمكم القيام به سوى من خلال بناء نظرية مُعينة تُفسّر هذه الظواهر. المادية التاريخية كمنهجية لتفسير الظواهر الاجتماعية ليست الا منهجية لبناء وتطبيق نظريات اجتماعية ملموسة، والتي تحتل نظرية التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية من بينها، مكانةً خاصة.
لم يضع تيري لنفسه مهمة وضع نظرية مُعينة للاقتصاد البدائي، مُنفصلةً على المادية التاريخية وليست جُزءاً منها. حتى لو كان يهدف الى ذلك، فلا يُمكنه أن يُحققه. دائماً ما تكون النظرية تجربةً مُعممة، وقد اعتمَدَ تيري نفسه على مواد تتعلق باقتصاديات مُجتمعٍ واحدٍ فقط. نتيجةً لذلك، عمِلَت مفاهيم المادية التاريخية عنده، ليس كأدوات للتعمق في جوهر الظواهر قيد الدراسة، بل كمجموعة من اللصائق التي يضعها على الظواهر. كان مُنشغلاً في ترتيب الحقائق المُتعلقة بالغورو وفقاً لمجموعة من اللصائق الجاهزة.
ان أخذنا في الاعتبار كُل ما هو مذكور أعلاه فيما يتعلق بتفسير تيري لمقولات المادية التاريخية، فإن سبب فشله يُصبح أكثر وضوحاً لنا.
ولا يسع المرء الا أن يشعر بالأسى، لأنه لا شك في صدق مساعي تيري لاثبات أن المادية التاريخية صالحة لدراسة المُجتمع البدائي، ومن الواضح أنه حاولَ الاسترشاد بمبادئ الفهم المادي للتاريخ في عمله.
ومع ذلك، النوايا الحسنة لا تكفي. يجب على المرء أن يعرف كيف يستخدمها في الحياة وفي الدراسة. دعونا نأمل في أن يتمكن مؤلّف هذا العمل، من ازالة أوجه القصور المذكورة، والتوصّل الى هدفه المنشود في عمله اللاحق.

* يوري ايفانوفيتش سيمينوف 1929-2023 مؤرخ ماركسي وفيلسوف واثنوغرافي ومُتخصص في فلسفة التاريخ وتاريخ المُجتمع البدائي ونظرية المعرفة. تخرج من كلية التاريخ في معهد كراسنويارسك التربوي، وقسم الفلسفة من معهد مُعلمي العلوم الاجتماعية في جامعة الأورال. قام بتدريس الفلسفة في جامعات ذاتها. دافَعَ عام 1963 عن اطروحته في الدكتوراة في معهد الاثنوغرافيا، وأصبحَ في عام 1967 أُستاذاً في قسم الفلسفة في معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا، حيث عَمِلَ لمدة نصف قرن هناك. كما عَمِلَ بدوامٍ جُزئي لفترةٍ طويلة في معهد تاريخ العالم التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية. كان يعمل في الأبحاث المُتعلقة بمسألة المُجتمعات الطبقية الأولى التي سبقت العبودية. في الخمسينات اصبَحَ سيمينوف مُهتماً بمسائل نظرية المعرفة ونمط الانتاج الآسيوي. قدّمَ عام 1956 اطروحة درجة مُرشح العلوم الفلسفية بعنوان (بعض مسائل التفكير الانساني لما قبل التاريخ). نَشَرَ عام 1957 أعمالاً تتعلق بالمُجتمعات الطبقية الأولى، وجادَلَ فيها بأن التشكيل الاجتماعي الاقتصادي للطبقة الأولى لم يكونوا مُلّاكاً للعبيد، بل كان يعتمد على نمط الانتاج الآسيوي.
نَشَرَ دراسةً حول نشأة المُجتمع الطبقي عام 1962، وقدّمها الى معهد الاثنوغرافيا وحصل على درجة الدكتوراة في العلوم التاريخية.
كان سيميونوف في العام 1967 استاذاً في قسم الفلسفة في معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا حتى انهيار الاتحاد السوفييتي، وصار منذ 1980-1984 رئيساً لهذا القسم.
من كُتبه: (نشوء المُجتمعات البشرية) 1962، (كيف نشأت البشرية) 1966، (أصل الزواج والعائلة) 1974، (تطور التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية والمنطق الموضوعي لتطور الدين-مسائل الالحاد العلمي) 1976، (من فجر تاريخ الانسانية) 1989.

1- Terray, E. (1969) Le Marxisme Devant les Sociétés Primitives (Paris: Maspero)
2- ANTHROPOLOGIE ÉCONOMIQUE DES GOURO DE CÔTE D’IVOIRE, paris, 1964
أ- في بداية الستينات، تكاثرت في الغرب، مثل الفطر، الأبحاث الانثروبولوجية التي كانت تنسبُ نفسها الى المادية التاريخية، والتي كانت تسعى الى تقويض المادية التاريخية نفسها. كانت واحدة من ادعاءات تلك الأبحاث أن المادية التاريخية في الاتحاد السوفييتي قد جمّدَت التاريخ في "مُخطط المراحل الخمسة"، بالرغم من أن هذا لم يكن صحيحاً بالمرة. وانطلاقاً من هذا الادعاء، بدأ باحثين من أمثال ايمانويل تيري بايجاد معايير مُختلفة، تقع خارج نطاق الفهم المادي للتاريخ نفسه، يُمكنه من خلالها ايجاد عدد كبير جداً من أنماط الانتاج في المُجتمعات ما قبل الماركسية، وبهذا يكسر "الجمود" الذي يدّعي وجوده في المادية التاريخية "ذات الخمسة مراحل".
كان من روّاد هذا العمل، كلود ميلاسو وموريس غودليير، على الرغم من أننا لا نُقلل من أهمية البيانات وبعض الاستنتاجات التي توصّل لها كلا هذين الباحثين، الا أنهما تقهقرا، في أحيانٍ أُخرى، في استنتاجاتهما النظرية، الى مواقع فهم مادي مُبتَذَل للتاريخ.
3- K. Polanyi, Primitive, archaic and modern economies, New York I968, pp. 6I, 65-6, 70-I, 84 G. Dalton, Introduction to Primitive, archaic and modern economies, Essays of Karl Polanyi, P. I7.
ب- يقول كارل ماركس: " إن المجتمع البورجوازي هو أكثر تنظيم للإنتاج تطورًا وتعقيدًا، في التاريخ. والمقولات التي تعبر عن أحواله وظروفه، أي فهم بنيانه، تسمح لنا في الوقت نفسه أن نفهم بنيان وظروف جميع أشكال المجتمع التي انتهت، والذي قام على أنقاضها وعناصرها، والتي يواصل استخلاص بقايا معينة منها، والتي فيها، بلغت عناصر جنينية معينة تطورها ونموها الكامل الخ... إن تشريح الإنسان يعطينا مفتاح تشريح القرد. وبالمقابل فالإمارات التي تنبئ عند الأنواع الحيوانية المنحطة عن التطور الأعلى في المستقبل، لا يمكن فهمها بدون الأشكال العليا المعروفة. والمجتمع البورجوازي يعطينا تصوراً عن الاقتصاد في العصور القديمة الخ... ولكنه لا يفعل هذا إطلاقًا على طريقة الاقتصاديين الذين يمحون جميع الفوارق التاريخية ولا يرون في كافة أشكال المجتمع سوى الأشكال البورجوازية. نستطيع أن نفهم الجزية والعشور الخ، عندما نعرف ما هو الريع العقاري. ولكن لا يمكن القول بأنهما متشابهان".
نقد الاقتصاد السياسي، كارل ماركس، ترجمة راشد البراوي، دار النهضة العربية 1969، ص76.
نحن لا نتفق مع تيري، بأنه لا يُمكن للنظرية الماركسية حول الرأسمالية أن تُفيد في بحث التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية ما قبل الرأسمالية. أشارَ ماركس في الاقتباس أعلاه، الى انه يُمكن استخدام المقولات التي تُعبّر عن المُجتمع البرجوازي في دراسة التشكيلات ما قبل الرأسمالية، مع الأخذ في الاعتبار "الفوارق التاريخية".
4- مؤلفات لينين في 10 مُجلدات- المُجلّد الأول، دار التقدم 1978، ص54
5- For a more complete analysis of economic anthropology, of its history and contemporary state, see Yu. I. Semenov, ’Theoretical Problems of Economic Anthropology’ in Ethnological Research in Foreign Lands, Moscow, I973 also in Philosophy of the Social Sciences, 4, I974, 20I-3I.
6- Ibid
جـ- الشكلانية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية، تعني، باختصار، اعتبار عقلانية الفرد هي مُحرّك جميع أشكال السلوك والدوافع الاقتصادية. في حين يقول الجوهرانيون، بأن الاقتصاد هو نوع من النشاط البشري المُندمج والمُتمأسس والمُتجسّد في المؤسسات الاجتماعية المُختلفة.
7- R. Frankenberg, ’Economic anthropology. One anthropologist’s view’. In Themes in economic anthropology, London I967 S. Cook, ’The "anti-market" mentality re-examined: a further critique of the substantive approach to economic anthropology’, Southwestern Journal of Anthropology, 25, I969 M. Sahlins, Stone age Economics, Chicago and New York I972 et al. 8 Yu. I. Semenov, ’The category "social organism" and its importance to historical science’, Questions of History, I966, no. 8.
8- Yu. I. Semenov, ’The category "social organism" and its importance to historical science’, Questions of History, I966, no. 8
9- مؤلفات لينين في 10 مُجلدات- المُجلّد الأول، دار التقدم 1978، ص47
10- نفس المصدر، ص69
11- See Karl Marx and F. Engels, Works, Vol. XII, p. 732 Vol. XIII, pp. 7-8.
12- L. Morgan, Ancient Society, Cambridge (Mass), I964, p. 60
13- See K. Marx and F. Engels, Works, Vol. XIII, p. 7 Vol. xx, pp. 2II, 497 Vol. XXIII, pp. 9, 9I Vol. xxv, part I, pp. 357, 364, 383-4 Vol. xxv, part 2, p. 450 Vol. XXI, p. 309 et al.
14- See K. Marx and F. Engels, Works, Vol. XIII, pp. 6-8 Vol. xxv, part 2, p. 354 et al
15- العقلانية واللاعقلانية في الاقتصاد، موريس غودلييه، ترجمة عصام الخفاجي، منشورات وزارة الثقافة السورية 1995.
د- نُشِرَت هذه المقالة عام 1975. ربما يكون صحيحاً أن الماركسيين السوفييت لم يستطيعوا حتى هذا الوقت دراسة العلاقة بين القاعدة الاقتصادية والبناء الفوقي في المُجتمع البدائي بشكلٍ كافٍ. ولكن قد يكون هناك دراسات حول هذه المسألة، بعد ذلك، ولكن لم تصلنا. أتأمل، في سياق ترجماتي وبحثي عن مقالاتٍ جديدة، أن أجدَ منها ما يُفيدنا فيما يتعلق بهذه المسألة، لكي أُترجمها.
16- K. Marx and F. Engels, Works, Vol. XXXVII, pp. 35I, 37I Vol. XXXVIII, pp. 268-9 V. I. Lenin, Complete Works, Vol. I, pp. I44, I65.

ترجمة لمقال:
Journal of Philosophy of the Social Sciences, Marxism and Primitive Society, Yu I. Semenov, Volume 5, Issue 2, P, 1975, 201-213








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية