الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العميل الصدامي الوحيد والمخابرات الامريكيه؟/ 9

عبدالامير الركابي

2023 / 7 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


19 ـ لوكان في العراق روائي بمستوى المكان وحجمه ومنطوياته، لتصدى لكتابه ربما واحدة من اكثر الرويات خصوصية ومعنى، فرواية ماركيز عن الدكتاتور ليست مبنيه ولا مرتكزة لحيثيات مثل تلك التي يمكن ان تتجلى بيد عبقرية روائية عراقية، بشرط ان تكون من عينه مقاربة لنوع "جلجامش"، و "الف ليلة وليلة" التي يسميها بورخس الامريكي اللاتيني الثاني الكبير،"كتاب الكتب"، بينما يذكر المورخ توينبي ملحمة "جلجامش" فيقول "لو لم تعطنا حضارة مابين النهرين الا ملحمة كلكامش لاستحقت منا كل اكبار وتقدير"،ومع هذا تظل هذه البلاد تنتج اليوم مايسمونه روايات، يكتبها اطفال لايعلمون ادراكا اين يعيشون، ولايمكنهم الارتقاء لمستوى التفاعل مع كينونتهم الغائبة عنهم، فيلقونها على عواهنها، ويسطرون ماهو صدى لاخرين واستلحاقا لحاصل.
كيف ياترى يمكن لدكتاتور من عينة صدام حسين، بتسلطيته المعروفه، واعتقاده عن نفسه وماحولة ان ينظر الى الشخص عميله الذي نتحدث عنه، وكيف تعامل او يمكن ان يكون قد تعامل معه بالوقائع، مابين عام 1974 حين اطلق المذكور مبادرته في مجلة الثقافة، باسم الوطنيين المستقلين، وذهابه هو وقتها للبحث عن المعلومات عنه، قبل اختفاء المذكور، وتوارد المعلومات التي تؤكد هربه من البلاد، ونشاطاته في الخارج في الصحافة العربية، وكواحد من جمله الموجودين في هناك باسم "المعارضة"، مابرر ترك ملفه من دون اهتمام، او تخصيص يستوجب تركيز المتابعه.
لم يكن هنالك مايشير حتى حينه، الى مايمكن اعتباره توافقا مع الايقاعية التنازلية في الحيز المعدود سلطويا، مع افتتاحيات نذر التيه، وعودة الاستحالة السلطوية العراقية للظهور، الامر الذي هو من لازمات مايعد من قبيل "سلطة" حيث التوهمية السلطوية في موضع هو بالاحرى مكان فقدان الحاكمين لحياتهم الا ماندر، فلا حاكم هنا يموت الا في النادر في فراشه، بالاخص في القرون المتاخرة منذ انهيار الدورة الثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، بينما اعتقاد بسط السلطة على البلاد من التوهمات المستحيله، كان لها ان تغدو اليوم وبعد انتهاء طور البرانيه منذ تموز 1958، بمثابة لحظة من نوع التخيلية القصوى المحفوفة بالتحوير غير المسبوق.
ولم يكن صدام حسين على دراية بمثل هذا السياق البنيوي، واقصى مايداخل معرفته تهويمات قومية عفلقية تنحو لاستعادة حضور الامه، بالمقاربة النبوية الابراهيمه المضادة كينونه لما يعرف بالقومية والوطنيه الارضوية، مقابل التحققية الكتابيه للامه خارج الجغرافيات والامم، وهذا بحد ذاته منطلق خرافي، ومصدر جهالة مطلق كرسته اليوم قصورية العقل العربي المنهار باسم "النهضة" الزائفة، واحتاجه بقوة امثال صدام حسين كتبرير لموقع وحضور ليس له اي اساس، مع ان الصدف وشيء من تدخلات مافوق الملموس قد حضرت هنا، ربما لكي تاخذ بالاحتمالية التوهمية الى حيث الغياب الكلي من سجل الاصطراعية الازدواجية في هذا المكان من المعمورة، ولاشك بالمطلق بان سلطة صدام حسين وتوهميتها لم تكن ممكنه اطلاقا لولا العامل البراني النفطي، كعامل دخل على الصراع من خارج التوازن الاجتماعي، وهو مالم يكن صدام حسين ليدركه، او يعتبره من قبيل الحاضر الاساس.
كذلك فان"الدكتاتور" لم يكن بالاحرى يعي حقيقة الاستحالة الكيانوية عراقيا، ولا كان بالامكان له ان يتحسس معنى " الفبركة الكيانيه" مثله مثل غيره، من مجموع الايديلوجيين، كذلك ماكان هو ليدرك من بين اسباب تكريس السلطة في هذا المكان، ناحية الاستقلال عن المجتمع الذي لايخضع، فالعباسيون اضطروا للهرب من الكوفة بحثا عن موضع اكثر امامنا لوجودهم، فذهبوا ابتداء الى الرمادي، ثم الى الهاشميات عندما دهمتهم انتفاضة الراوندية، ماقد جعلهم يقررون الرحيل بعيدا الى الشمال حيث بنيت بغداد كقلعه بعيدة وحصينه مستقلة بذاتها، تركت ارض السواد تحكم نفسها، والشيء نقسه كان بالاصل وتاسيسا مصير الامبراطوريات، من اكد وسرجون الامبراطور الاول، تتابعا حتى "بابل" المحصنه المستقلة ذاتيا كامبراطورية مدينه، خارج مجتمع اللادولة النوعي اللاارضوي ونمطه النبوي، هذا في حين لم يكن لصدام اليوم من مكان يفر اليه او يفكر بالتحصن داخله، فهو وامثاله اصلا محكومون لنموذجية برانيه " وطنية" تقول بالكيانيه الجغرافية السكانيه، هذا من جانب ومن جانب اخر هو الاكثر اهمية، كون صدام اليوم حاكم لاامبراطوري، حيث الامبراطورية ممتنعه، لايستطيع ان يهرب من قوة رفض ومواجهة المجتمعية السفلى، معوضا فشله بالامتداد الى الخلف كما كان عليه الحال من سرجون 2334/ 2284 ق ـ م الذي احتل عيلام وبلاد الشام والاناضول، وعبر الى جزيرة كريت، وهو عاجز عن مد حكمه فعليا لابالشكل الى ارض سومر، مثلما ان العباسيين لم يتمكنوا من منع دولة القرامطه الشاخصة من دون كيانيه على مدى قرن وخمس سنوات، يحكمها "مجلس عقدانيه" غير ظاهر، اول مباديء دستوره "يحق للانسان ان يؤمن، كما يحق له ان لايؤمن".
فالى اين يذهب الامبراطوري الريعي اذا هو طرد من الكويت، وهبت من تحت دخان الحرب الكونيه التي انفجرت بوجهه، انتفاضة 1991 لتشمل 14 محافظة على امتداد البلاد، لنصل وقتها الى مايعد "انكسار الريعية"، مع ملحقاتها ومايواكبها من انقلابيه، الاهم فيها هو عدم وجود منظور يعرفها حتى الساعة، ماعدا "النباح الدكتاتوري"، وكان هذه اللحظة الخطيرة من تاريخ هذا المكان ليست معطى قابلا للتحليل والقراءة بحسب الياته، والعناصر الفاعله فيه، بالاخص على صعيد العدة السلطوية، ومنظومه مفاهيم الحكم المتاحة ومالاتها بالتجربة واقعا، وبالممارسة النافية للببغاوية الايديلوجية سلطويا، ولاشك ان صدام حسين بالذات كان يعتقد متخيلا انه حاكم لبلاد، تتوفر له الظروف وكل مايلزم لكي يبسط سيطرته الكليه عليها يصفتها معطى جغرافيا وسكانيا ونموذجيا، يعينه تاريخ يعود بالذات الى عام ،1921 اي انه شخص جاهل كليا بديناميات الواقع الذي هو منه، وبصدد التعامل معه تحت طائلة وعمل مطامح واغراض ومحركات، ذاتيه معرفة اعتباطا مبدئيا وايديلوجيا.
من اين ياتي الريع النفطي، في العموم واجمالا يؤخذ هذا الجانب على وجه الخصوص على انه مسالة اقتصادية عادية، وكانها جانب متعلق بالتطور والكينونه التاريخيه، فلا يعامل بصفته حالة انقلاب ملائم لنوع نمطية بذاتها، مشابه لذلك الذي طرا على الغرب الاوربي من حيث الاثر والفعالية، ووجد بسببه، وكما حصل في الغرب مع ظهور الاله، وبروز عنصر من خارج البنية والتوازن المجتمعي في اوربا، ظهر في هذه المنطقة عنصر جديد انقلابي، دخل على البنيه الاجتماعية التاريخيه من خارج التوازنات المجتمعية القائمه، والتاريخيه التي يعود لها كل منتج ونوع اليات التاريخ وخاصياته في هذا الجزء من العالم.
وفي الشرق المتوسطي، لايتمثل حضور الغرب النموذجي والاستعماري التفكري الايديلوجي بالذات، وحسب كما جرى ويجري الاعتقاد، كما كانت نشات الافكار النهضوية الاولى المقترنه بحاله مصر النموذجية تكوينا "وطنيا"، مع ساحل الشام ونمطية تعبيريتها فوق المحلية في بلاد لاتتبلور وطنيا، ماظل ساريا الى اليوم، بخلاف كلي مع الحقيقة، بما يتطابق مع الخاصيات الكيانيه لهذه المنطقة، المتعدية كينونه للكيانيه الجغرافية السكانيه "الوطنيه"، الامر الذي يستوجب انقلابا كليا في النظر الى الحاصل بظل الانقلاب الالي الغربي، ونتائجة وانعكاساته على الموضعين الاكثر ديناميه في الشرق المتوسطي الابراهيمي، نموذج الكيانيه الكتابية.
وهنا تحضر التدخلية الغائية الكونيه العليا، فلا ينبجس النفط في مصر، بل في الجزيرة العربية وارض الرافدين على وجه التحديد، لتنشا من يومها عملية وحالة اصطراعية عاملها الفعال الاختراق الريعي للبنية المجتمعية من خارجها، بحيث تتوفر اسباب قيام "الدولة الريعية" في الجزيرة، موضع اللادولة الاحترابية الاحادية، ومن ثم في ارض الاصطراع المجتمعي اللاارضوي الارضوي، ليتشكل بناء عليه احتمال "دولة " من اعلى بدون اسناد براني كذلك الذي ظل ناظما للتشكلية التاريخيه الحديثة مستمرا من دخول هولاكو.
وتاتي دولة الريع الجزيرية، بعد هزيمه محاولة بعث العقيدة في غير اوانها على يد "الوطنيه الكيانوية" المصرية الاكثر اهلية للتشبه بالاوربية توهميا، مع محمد علي، لنعرف يومها بان العقيدة لوحدها لا امل في بعثها، اذا كانت الاحترابيه قد فقدت فعاليتها الاستثنائية، مع تبدل وسائل الاحتراب عموما، وافتقاد الجزيرية ميزتها الاستثنائية التي كانت لها ابان الثورة المحمدية، الى ان استخرج النفط، وراح الاحتلال الانكليزي يبحث عن الوهابيين اللاجئين الى الكويت بعد هزيمتهم، لياتي بهم جاعلا منهم حكاما، وصنف دولة ارضوية فريدة، كان لها ان انهت كليا خاصيات هذا الموضع ودوره، وهو مالم يحدث في العراق المتشكل من القرن السادس عشر، والسائر صعدا، الى ان اجهز على الفبركة الغربيه البريطاينيه الكيانيه، لينفتح من يومها الافق على دولة الريع مختلطة بالايديلوجيا والنموذج والنواة القرابيه العائلية، وليدخل هذا الموضع الاعلى ديناميات على مستوى المعمورة، سياقات تحوليته العظمى الكبرى، مع وجهة اندحار دولة الريع بعدما اثاره وجودها من مضادات اقليميه وذاتيه، لنصبح من يومها امام الاحتمالية الافنائية الكيانيه، وتدخل ارض اللاارضوية لحظة وزمن التحقق الكتابي السماوي بلا وحي سماوي.
لابد من الاستدارة تاريخا "حداثيا"، باعتماد مروية القرن السادس عشر والانبعاث الرافديني الحالي الثالث كاساس ومنطلق، عنده تتعين مسيرة الشرق الاوسط الحديث، ومساره، بما في ذلك الطور الغالب المصري الشامي العرضي، التوهمي، المخالف لطبيعة المكان، والموحي باللحاق بالغرب ونموذجه من دون اسس، ولاديناميات من نفس النوع، ولا حركة تاريخيه، عدا بعض الظواهر الفردية البرانيه غير الجديرة بالاعتبار، مع ان هذا المظهر المؤقت العابر قد اكتسب مثله مثل الغرب الحديث وبسببه، محلا مقتدما خاصا، توهميا وزائفا على مدى يزيد على القرنين، بسبب القصورية الاعقالية، والتنكوص التاريخي دون التعرف على الاليات والخاصيات البنيوية التاريخية لمنطقة التحقق الكياني الكتابي اللاارضوي الابراهيمي.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟