الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بُطلان أو قتل باغيرا . . . التعالق الرمزي مع قصة حقيقية تحبس الأنفاس

عدنان حسين أحمد

2023 / 7 / 25
الادب والفن


تكمن صعوبة الفيلم الروائي القصير في اختزال الحدث وتكثيفه إلى أبعد حدٍ ممكن، وهو يشبه إلى حدٍ كبير قصيدة الومضة التي تعتمد على اللحظة التنويرية أو القصة القصيرة التي تتكئ على ثيمة مُحددة لا تحتمل الإسهاب أو الترهّل السردي فتراهن على الإشراقة التي تظل ساطعة في ذاكرة المتلقي. وفيلم "بُطلان أو قتل باغيرا" للمخرج السوري الشاب مُشرف شيخ زين هو من هذا النمط المُقتصد والمتقشِّف إلى حدٍ بعيد ويلهث خلف الإيماضة الفنية التي لا يبهت بريقها بسرعة.
تبدو فكرة هذا الفيلم القصير بسيطة جدًا لكنها عميقة وتضرب في الصميم، ومَبعثُ هذا العمق هو التعالق الفني الذي أحدثه المخرج، وهو صاحب الفكرة، وكاتبتا السيناريو أنيتا هاوش وشريهان عصمان مع بعض شخصيات "كتاب الأدغال" الشهير للقاص والشاعر البريطاني المعروف روديارد كبلينغ المتوّج بجائزة نوبل للأدب سنة 1907م. وقد جاء هذا التعالق في محلة لدرجة استعارة عنوان الفيلم "قتل باغيرا" في نسخته الأجنبية. وقبل أن نحلل مُعطيات الفيلم الرئيسة لابد من تلخيص الثيمة وتقديمها بشكل مكثف يشفي غليل القارئ ولا يدفعه للتساؤل والتفسير. فالأحداث برمتها "تدور حول شقيقين هما آلان وبيكس اللذين يشرعان بمغامرة اللجوء من الأراضي التركية إلى أوروپا ويمرّان بتجربة خانقة ومحفوفة بالمخاطر تختبر الأخوّة، والشجاعة، والمخاوف الداخلية العميقة التي يمكن أن تفرّق بين الأخوين في اللحظات العصيبة التي تتكشّف فيها معادن الرجال". وأكثر من ذلك فإن هذه الفكرة الخاطفة تضع حلمهما في اللجوء إلى أحد البلدان الأوروپية على المحكّ العملي.
ينتمي الفيلم زمنيًا إلى موجات اللجوء التي تضاعفت عشرات المرات منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي التي واجهتها السلطات العربية بالقوة المفرطة بحيث جعلت مغامرة الموت في البحار أهون بكثير من الموت تحت دويّ البراميل المتفجرة التي لم يسبق لها أن أستُعملت بهذه القسوة والوحشية.
يسترجع بيكس أحدات "كتاب الأدغال" لأن منطقة الغابات التي يتسللُ منها، هو وشقيقه الأكبر آلان، تذكّره بشخصيات القصة وخاصة النمر شيري خان، والپايثون Kaa، ولعله يقارن نفسه بـ "ماوغلي"، فتى الأدغال الذي يعيش تحت حماية الذئاب خشية من النمر الذي اختطف والده وحوّل حياتهم إلى سلسلة متصلة من المخاوف. وبينما يستعيد بيكس هذه الشخصيات يُخرج شقيقه الأكبر آلان مُدْية نابضية اقتناها من إستانبول وقال بأنه سيمزّق الپايثون بها إن هي هاجمتهم أو اعترضت طريقهم. وعلى المتلقي، قارئًا أو مُشاهدًا، أن يرحِّل هذه الرموز الحيوانية المُفتَرِسة إلى معادلاتها الموضوعية من الدرك، وحرّاس الحدود، والشرطة المحلية للبلد الأوروبي الأول الذي يصادفونه في هذه المغامرة التي تنطوي على الكثير من المفاجآت. وعلى الرغم من أنّ المكان هو الحدود التركية الغربية لكنّ ما نعنيه هنا هو "مسرح الأحداث" أو الـ Setting الذي يضيق وينحسر ليتحول إلى مجرىً للمياه الآسنة قد تعيق النفاياتُ المتكدسة في بعض مواضعه الشخص المندسّ فيه فيتوجب عليه إزالة الرواسب العفنة بيديه العاريتين المرتجفتين من رصاص الشرطة الذي يمكن أن ينطلق في أية لحظة. فالمكان في هذا الفيلم ليس فضاءًا مفتوحًا على الأفق أو الضوء وإنما هو حيّز مستدير ضيّق جدًا يشعر صاجبه بالاختناق الفعلي وهو ما نُطلق عليه بـ claustrophobic أو "رُهاب المناطق الضيّقة" والمغلقة إن شئتم التي يضطرب فيها الإنسان، الخائف والمذعور أصلاً من خوض مغامرة اللجوء التي تترجحُ فيها كِفّة الموت على كِفّة الحياة. يخلق هذا التوتر النفسي الشديد علاقة حميمة من المُشاهد الذي يشعر بالاختناق أيضًا ويتعاطف مع الضحيتين اللتين تبحثان عن نقطة الضوء في نهاية النفق الخرساني الآسن. لا شك أنّ المصور قد لعب دورًا كبيرًا في جمالية الصور التي أبدعها على مدار الفيلم، وخاصة المقرّبة منها التي تكشف ذعر الشخصيتين وتكشف عن طوّيتهما الإنسانية سواء في رباطة الجأش كما في حالة بيكس أو في انفلات زمام الأمور عندما يتعلّق الأمر بالأخ الأكبر، وحامل السكّين الذي هدّد بتمزيق الأفعى لكنه أول من تراجع، وانخرط في البكاء عندما علُق في منتصف المجرى ولولا تشجيع شقيقه الأصغر لانكفأ وعاد الى الحمأة الحقيقة التي انطلق منها معللاً نفسه بهواء الحرية النقي، والعيش الكريم، وتحقيق الأماني العظيمة التي تجول في مخيلته المتقدة. ربما ينجح أيضًا هذا الفيلم القصير الذي بلغت مدته 13 دقيقة لو أنّ المخرج مُشرف شيخ اشتغل عليه وطوّره إلى فيلم طويل يعالج فيه هشاشة التطلعات الإنسانية في لحظات اشتعالها وتوهجها، خاصة وأنّ ثيمة هذا الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية عاش المخرج تفاصيلها التي تحبس الأنفاس.
جدير ذكره أنّ المخرج مُشرف شيخ من مواليد القامشلي سنة 1988م. درس الهندسة المهندسة المعمارية وتخرج سنة 2011م. ثم اكتشف شغفه بالفن السابع فدرس الإخراج في جامعة ميونخ للسينما والتلفزيون وأنجز عددًا من الأفلام الروائية القصيرة من بينها "سهام"، "وقت إضافي"، "يوم خاص"، "المتلصص"،و "الترقية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية