الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة المصرية .. واللحظة المناسبة .

أحمد فاروق عباس

2023 / 7 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ربما لا توجد في العشرين أو الثلاثين سنة الماضية لحظة كاشفة عن طبيعة المعارضة المصرية أكثر من اللحظة الراهنة ..
فقد تجمعت مجموعة من العوامل جعلت الطرق كلها أمامها معبدة للحركة والفعل ، وبالتالى للتأثير والتغيير ..
وهذه العوامل هى :
١ - أزمة اقتصادية طاحنة تمسك بخناق المصريين من شهور ، وبرغم أن أسباب الأزمة في أغلبها خارجى إلا أن الرأي الغالب بين المصريين أنها أزمة محلية ، سببها فشل الحكم ..
وليس من المهم فى هذه الأوقات معرفة فى أى جانب يقف الصواب ، ولكن المهم أن الرأى السائد في لحظة ما - مهما كان خطأه - له أثار ينتج عنها تداعيات ..
٢ - أن السلطة قالت تقريبا كل ما لديها ، ولم يعد لديها ما تقوله وتشرحه ، وبالتالى فالناس مستعدة أن تسمع صوت أخر ورأى مختلف .. بشرط أن يقدمه من يريد بعلم وبخبرة وبوطنية ...
٣ - أن الرئيس السيسي له فى الحكم الآن تسع سنوات ، وبالتالى فهو ليس رئيسا جديدا ، وهى فرصة للمعارضة أن تقدم هى الجديد ، تلهب به خيال الناس .. فى الأشخاص وفى الأفكار وفى السياسات ..
فهل فعلت المعارضة المصرية ذلك ؟!
والجواب .. لا لم تفعل ذلك !!
ومازالت المعارضة المصرية أسيرة أساليبها القديمة ، التى ربما تزيد السخط لكن لا تقدم البديل ..
وهذه الأساليب القديمة - الجديدة التى لا تمتلك المعارضة المصرية سواها هى :
١ - أسلوب الشائعات والمبالغات ..
فالجو المصرى كله معبأ بشائعات بلا دليل ، ومبالغات بلا منطق ، وأكاذيب تأخذ من الكلام جديته واحترامه ..
٢ - أسلوب الدعاية السوداء ..
وفيها يتم تصوير الرئيس السيسي وحكمه بأسلوب الكاريكاتير ، ورميه كل موبقات الدنيا !!
فهو فاشل ..
وهو لا يفهم أى شئ ..
وهو عميل لإسرائيل ..
وهو رجل أمريكا ..
وهو تابع للخليج .... إلخ .
٣ - أسلوب الإضحاك وخفة الدم ..
ويقوم بها جيوش من المهرجين والمضحكين ، ويساعد عليه تحول الكثيرين إلى ما أسماه أحد الكتاب ب " جيش المليون مهرج "
لكن المشكلة أن كل الأساليب السابقة - اذا وجدت الظروف المواتية - فربما تزيد من حدة الغضب ، أو ترفع درجة السخط على الحكم الحالى ، ولكنها لا تنتج معارضة تتمتع بالاحترام اللازم - والواجب - لتحمل مسئولية مائة مليون مصرى ومستقبلهم ..
لم تقدم المعارضة المصرية ما يجعل المصرى العادى يطمئن إليها إذا قرر أن يقول للرئيس السيسي .. كفى وشكرا .
ولكن لماذا هذا هو كل ما فى جعبة المعارضة المصرية ؟!
حروب من الشائعات والمبالغات ، وأساليب الدعاية السوداء ، وأساليب التريقة وجيش المليون مهرج !!
لماذا لا ترتفع فوق هذه الأساليب البدائية في العمل السياسي وتقدم البديل وتنتج الأفكار وتصنع السياسات ؟!
لماذا تعتمد على وسائل المبالغات والشائعات والأخبار المجهولة أو على الكوميكس وجيوش المهرجين ؟!
والسبب أن المعارضة في أى بلد نضجت تجربته السياسية قائمة على أسس اقتصادية واجتماعية تعمل كأعمدة تقف عليه هذه التيارات والاحزاب ..
ويجب ألا يغيب عن بالنا أن أبنية المجتمعات فى لحظة ما هى المحدد الأهم لطبيعة حياتها السياسية ..
فمثلا ...
الطبقات العاملة في مصر ليس لها حزب معترف به من جماهيرها ، يتحدث باسمها وينافس على سلطة القرار في الدولة ديمقراطيا لتحقيق أهدافها ..
والطبقة الرأسمالية وطبقة رجال الأعمال في مصر ليس لهم حزب معترف به من فئات وشرائح تلك الطبقة ، يتنافس ديمقراطيا على سلطة التقرير السياسى فى الدولة محاولا تطبيق رؤيته وأهدافه ...
وهكذا باقى شرائح وفئات المجتمع .. طبقة الفلاحين ، الطبقة الوسطى ... إلخ .
اى أن الفئات الاجتماعية فى البلاد لم تصل من النضج إلى إيجاد صيغة سياسية محترمة ومعترف بها تنافس بها ديموقراطيا على السلطة ، تحقق التوازن فى الحياة السياسية وتحفظ للبلاد استقرارها ..
زاد على ذلك مشكلة أخرى ..
أن القوى الكبرى فى العالم والطامعة في بلادنا وغيرها من البلاد لم تتركنا في حالنا - ولم تترك غيرنا في حاله أيضا - وهذه القوى الكبرى لها فى مصر رجالها .. فى السياسة وفى الاقتصاد وفى الإعلام وفى غيرهم ..
وهو شئ معروف ويكاد يكون من مفردات وحقائق حياتنا وزمننا ..
وهو ما يزيد الأمر تعقيدا على تعقيده ..
كان نتيجة كل ذلك أن أصبح الصوت الوحيد الظاهر في المعارضة المصرية هو صوت الأحزاب الدينية .. الإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم !!
وهى أحزاب بحكم تكوينها ضد فكرة الديموقراطية من الأساس ..
فالديموقراطية اختيار بين برامج وسياسات تقبل الصواب والخطأ ، وتبريرها الوحيد هو المنطق والعقل والتجربة ، لكن الأحزاب الدينية قائمة على ادعاء امتلاك الحق المطلق بحكم أنها ذات مرجعية دينية كما تقول ، وبالتالى فهى تستند على كلام السماء وليس على اجتهاد البشر ..
ورأينا بأعيننا كيف وصف من عارض الإخوان فى سنة حكمهم بأنهم ضد المشروع الإسلامى وانهم شراذم من العلمانيين الحاقدين على الإسلام ..
اى أن التنافس والنقاش لم يكن رأى أمام رأى وحجة مقابل حجة بل تم فورا استدعاء الدين وجلاله في ليقف مع طرف ضد طرف !!
هل معنى كل ما سبق أن التغيير في مصر أصبح مستحيلا ؟!
والجواب .. لا بالطبع .
أمام تيارات الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مصر أن تصنع أحزابها الحقيقية وأن تقل كلمتها بعلم وثقة ..
ولكن كل ما أردته هو شرح لماذا هذا الاختناق في الحياة السياسية المصرية ..
وهو اختناق يرده كثيرون إلى جبروت السلطة وتحكمها ، وهو فى رأيي غير صحيح ، فلا توجد سلطة فى الدنيا تستطيع أن تكبت رأيا عاقلا ، أو أن تقمع شعبا بأكمله ، أو أن تمنع تغييرا جاء أوانه ..
الكرة إذن في ملعب المعارضة قبل أن تكون فى ملعب السلطة ، ويجب أن تقف وتتكلم وتقنع ، وليس أن تقدم الأعذار ثم تعتمد على المبالغات والشائعات والأخبار المجهولة وجيوش المهرجين على وسائل التواصل الاجتماعي ..
ومن حسن الحظ أن الفئات العاقلة في الشعب مازال صوتها مسموعا ، وهى فئات لا تفرض رأيها على غيرها عنوة واقتدارا ، وإنما تطلب المعرفة وتطلب الاطمئنان قبل أى خطوة ربما تقود إلى المجهول ..
وأعتقد أن ذلك من حقها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية