الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المأساة العراقية ملهاة للاحتلال

حسني أبو المعالي

2006 / 11 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ليس لغزا اكتشاف ما يدور في العراق على الرغم من ملابسات الأحداث الدامية التي يشهدها الوطن كل يوم، لكن الذي يرى بغداد من بعيد أو يسمع عن صدى طبول الحرب وهي تعج بأصوات الانفجارات، ودوي مدافع الهاون، وصفارات الانذار، وأزيز الطائرات الأمريكية، وإطلاق الرصاص حتى أصبح الطلق الناري في العراق أكثر متعة من متابعة كرة القدم، يعتقد بأن المقاومة في العراق قد أبلت بلاءا حسنا في مقارعة المحتلين ولا يسعه إلا أن يثني عليها، خاصة عندما يقرأ بين فترة وأخرى خبر مقتل جندي أمريكي أو بريطاني هنا أو هناك، إلا أن الصورة المتخيلة تخفي وراءها حقيقة مرة لواقع مأساوي لا يسمع أنينه إلا من يعيش في بغداد وهي تتلوى ألما على إيقاع سيمفونية الموت الذي يحل، يوميا، ضيفا على العشرات من النفوس العراقية البريئة التي كتب عليها الوقوف في طابور القتل في انتظار دورها في مسرحية الخراب التي أخرجها وكتب السيناريو لها أطراف مختلفة ومتعددة، لكن معظمها، مع الأسف، عراقية،
وللقوات الأمريكية دورها المستتر في المعاناة العراقية مستفيدة من الإحتراب العراقي العراقي، فتقوم بمداهمة البيوت الآمنة بحجة محاربة الارهاب وهي أول من مارس الارهاب باحتلالها للوطن، ناهيك عن بعض دول الجوار التي تقتضي مصالحها في بقاء العراق غير مستقر،
أما الأطرف العراقية فتتصدرها الحكومة العراقية التي وزعت مؤسساتها ووزاراتها لعناصر وشخصيات تم اختيارها على أساس طائفي وحزبي، خارج إطار المهنية والكفاءة والاختصاص، ولا تستوفي شروط الرجل المناسب في المكان المناسب، وخلقت بذلك فوضى الاستئثار بالكراسي بعيدا عن مصلحة الوطن،
تليها الخلافات الشخصية، والانتقادات العلنية بين أصحاب النفوذ على مستوى القيادات الحزبية والدينية الشيء الذي ينعكس سلبا على المواطن العراقي،
ناهيك عن الخلافات المستمرة بين القيادات على مستوى الوزراء،
ومن الأطراف العراقية الأخرى التي ساهمت أيضا بالخراب، الميليشيات الإسلامية المتطرفة من السنة والشيعة والتي وجهت بنادقها نحو بعضها البعض، بعيدا عن الاحتلال الغاصب الذي احتل الوطن ودنس الأرض والزرع ولوث الهواء والأفكار، فهذا جيش المهدي يقف بمواجهة جيش محمد، وذاك فيلق عمر يتصدى لفيلق بدر، وغيرها من الميلشيات التي اتخذت من الرموز الإسلامية أسماء لها لتبرر جرائمها باسم الدين وباسم المقاومة، وكلها تدعي وصلا بالإسلام وبمقاومة المحتل؛ فأية مقاومة تلك التي تقتل عمال تنظيف الشوارع وتخطف مقاولين البناء الذين يحاولون إعمار ما تهدم، وتستهدف الموظفين في الدولة وتتهمهم باعتبارهم عملاء للمحتل، وتقتل التلاميذ وهم في مدارسهم، وكذلك الاعلاميين والمبدعين، والأطباء ورجال القانون وكل الكفاءات، وهل كل العراقيين من الطلبة والموظفين الذين يعملون في مجال القطاع العام أو الخاص جاءوا على متن الدبابات الامريكية؟ وماذا يعني تفجير الأسواق العامة المكتضة بالسكان، والمستشفات والمطاعم والمقاهي، فهل كل هؤلاء عملاء للمحتلين؟ وهل من الوطنية بمكان أن يبقى الوطن بدون مؤسسات، وتبقى دوائر الدولة معطلة والشوارع عبارة عن حافظات أزبال كبيرة ومشهد العاصمة يبدو قذرا؟، وإية مقاومة تلك التي تترصد لكل من يختلف معها في الرأي بحجة تعاونه مع الاحتلال، و تستهدف البنى التحتية للوطن و تدمر الاقتصاد الوطني؟ وبعملها هذا تلغي عنها صفة المقاومة لأنها تساهم في خلق الفوضى في البلد، وتدعم توجه المحتل في التفرقة وتعيد إلى الأذهان المقابر الجماعية وغيرها من الجرائم والأخطاء، لأن المقاومة الشريفة تنأى بنفسها عن ارتكاب القتل المتعمد للمواطنين ولا تسعى إلى التفرقة والتخريب، ولمصلحة من يتم انقطاع التيار الكهربائي عن الشعب بواسطة التفجيرات ليعيش المواطن بين نارين في صيف العراق اللاهب، ويختفي الغاز ويشح البانزين عن محطات الوقود ونحن في بلد البترول، وتتوقف حركة السير كل يوم في مناطق واسعة من بغداد بسبب التدهور الأمني بحيث يصعب على المرء مراجعة طبيب إذا مرض، أو الذهاب إلى صيدلية إذا احتاج إلى دواء وحتى زيارة الأقارب أصبحت من المستحيلات؟ وأي مصلحة تقتضي أن يعيش المواطن العراقي كل يوم على حافة الموت رعبا بفعل الإرهاب وينعم المحتل بالأمان قياسا لما يعانيه الشعب العراقي؟
لابد من الاعتراف بأن المعركة التي تدور رحاها، اليوم، على أرض الوطن، أصبحت بين العراقيين أنفسهم، معركة وقودها أرواح عراقية، وأبطالها من السنة والشيعة، وكلاهما ينتمي إلى دين واحد ألا وهو الاسلام، فأي إسلام ذلك الذي يتم باسمه خطف الأبرياء وذبحهم أو تهجيرهم من مناطق سكناهم على أساس الهوية الطائفية؟
تلك هي المأساة العراقية التي سببتها وأشعلت نارها بعض النفوس الضعيفة من المتطرفين والمتكالبين على السلطة حتى في ظل الاحتلال، وغير القادرين على التمييز بين ماهو في خدمة الوطن وما هو ضد مصلحة الوطن،لأن الإنسان القوي يرى بعين العقل ويفكر بمنطق الواقع ويتصرف بحكمة العادل من أجل شعبه ووطنه، ولا يرتضي لأمته أن تعيش المحنة بكل أبعادها من أجل نزواته، ووجود الاحتلال لا يبرر ما يعانيه الشعب العراقي بهذا الحجم الكبير من المعاناة على يد أبنائه، ولايعني أن تختلف الأحزاب والميليشيات فيما بينها، بقوة السلاح، على تواجده وقد أصبحنا بالنسبة للمحتل ملهاة يستمتع باختلافنا وخلافاتنا،
كفاكم احترابا ضد بعضكم البعض، أيها المتعطشون للدماء، واتقوا الله، ووجهوا قواكم مجتمعة ضد الاحتلال، وراهنوا على وحدة الصف العراقي رفقا بهذا الشعب المقهور، يا من رسمتم صورة مشوهه عن معنى المقاومة، وأعطيتم مثلا سيئا للاختلاف الذي تفاخر به شعوب العالم باعتباره سببا للائتلاف، ونصبتم أنفسكم كل من موقعه، حكومة ومعارضة، ولاة على الشعب، وأشهرتم خناجركم من أجله ثم طعنتموه، سارعوا الآن إلى مغفرة من ربكم لمعالجة معاناة شعبكم، واتفقوا على تضميد جراحه، إن كنتم حقا تؤمنون بالله واليوم الآخر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا