الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجوهر الكولونيالي لمعاهدة لوزان

آزاد أحمد علي

2023 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


حطمت الحرب العالمية الأولى الامبراطورية العثمانية، وفتتها، وكانت عمليات التقسيم الجغرافي أبرز نتائجها، ومنجزاتها السياسية. حتى تحولت السلطنة بأرضها ومجتمعاتها الى غنيمة للدول المنتصرة وخاصة، بريطانيا وفرنسا، روسيا وايطاليا. ومن ضمن هذ النتائج والمتغيرات الكبرى، تحولت كوردستان العثمانية الى ساحة قتال، حيث اشتبكت فيها القوات البريطانية والروسية والعثمانية، وكانت ايضاً عمليات التقسيم العاجلة من نصيب كوردستان العثمانية. اذ تم تجزأتها الى ثلاثة أقسام، وتوزعت على ثلاث دول مستحدثة، ومنبثقة عن مخرجات الحرب العالمية الأولى نفسها.
مهدت اتفاقية سايكس – بيكو لعمليات التقسيم، كما شكلت مدخلاً لمفاوضات السلام، التي تمخضت عن معاهدة سيفر سنة 1920، لكن جذر سياسيات التقسيم انبثقت عن اتفاقية سايكس – بيكو، التي أسست للخطة الكولونياليه التقسيمية، والتي بموجبها اتفقت كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا على تقسيم وتوزيع كيان الدولة العثمانية فيما بينهم في أيار سنة 1916. وباتت النوايا الكولونيالية واضحة في أنها تهدف إلى تقسيم وتوزيع مناطق غرب آسيا. خطوط التقسيم في الاتفاقية لم تكن متوافقة مع أي شكل من أشكال التقسيمات الإدارية والسياسية السابقة، كما لم يعد ممكنا تشكيل أي كيان سياسي له علاقة متوازنة وصحيحة مع المجتمعات المحلية. فالخارطة التي توافق عليها الأطراف الثلاث، لم تكن تسمح للمجتمعات المحلية أن تعبر عن نفسها سياسياً، ولم تكن لعملية التقسيم هذه أي مراعاة للروابط التي كانت تربط المجتمعات المحلية ضمن مناطق النفوذ الأوربية المقترحة، لا من الزاوية القومية ولا الدينية. وانما كانت عملية نسف كامل للأشكال الكيانية والسياسية السابقة، وخاصة الحدود الإدارية للعديد من الولايات والمناطق. أي كانت عملية نسف كامل لنظام الولايات العثماني. وفي المحصلة كانت سايكس - بيكو مشروعاً ليس لبناء كيانات جديدة، وانما لتحطيم وتفتيت الكيانات القائمة، ولتشتيت مجتمعاتها. وعلى ما يبدو وضعت خطوطها بناء على خبرة مارك سايكس الميدانية في هذا المجال. وفي المحصلة كانت اتفاقية سايكس – بيكو اتفاقية تجريبية تفتيتيه، مهدت لمخرجات الحرب العالمية الأولى. حتى تمزقت المجتمعات الكوردية والعربية والمسيحية على جانبي الحدود المرسومة، وتشتت اجتماعياً، سواء الحضرية منها أو البدوية. وفي المحصلة النهائية دفعت المجتمعات الكوردية ضريبة باهظة نتيجة الحرب الكبرى، على اعتبار أن الكورد كانوا أغلبية السكان في بؤرة مخطط التقسيم، ولأن الحرب العالمية انطلقت من قلب المناطق الكوردية. وفي المحصلة دفعت المجتمعات الكوردية ضريبة المعاهدات الدولية ذات العلاقة بتنظيم الكيانات في الشرق الأدنى. بحيث لا يمكننا فصل اتفاقيات سايكس - بيكون عن سيفر، وبالتالي عن لوزان، فقد كانت متشابكة، أن اتفاقية لوزان في 24 تموز سنة 1923 كانت تعديلا وتصحيحاً لمعاهدة سيفر، مع إضافة تفصيلات تنفيذية لصالح تركيا. التي سجلت انتصارات سياسية وعسكرية مترابطة. اذ تم بموجب لوزان إلغاء أغلب نتائج معاهدة الصلح في سيفر 1920، والتي كانت تتضمن بنوداً تقوض تماماً كيان الدولة التركية، وأولها الإقرار باستقلال كوردستان العثمانية.
في ظل النهوض التركي الرسمي ممثلاً بحكومة أنقرة، وكذلك الهبة الشعبية التركية القومية والإسلامية في وجه الغرب، عانت القوى الكوردية ونخبها القيادية من تشتت وتضارب في التوجهات، حتى باتت غائبة عن الساحة الدبلوماسية، لدرجة لم تستطع أن تحضر مؤتمر لوزان بصفة رسمية أو شعبية قوية، وسحب مصطفى كمال من يد الكورد ورقة التمثيل السياسي لصالح حصرية تمثيل تركيا بوفدها الذي ضم بعض الشخصيات الكوردية.
إثر التوقيع على معاهدة لوزان ووضعها في سياق التطبيق العملي، دشنت مرحلة جديدة من تاريخ الشرق الأدنى وجوار دولة تركيا المعاصرة، ومازالت نتائج هذه المعاهدة ثابتة على الأرض، وتتسم بالرسوخ، لأن العديد من القوى العظمى تحمي مخرجاتها. وأهم تلك النتائج، تمثلت في استعادة تركيا لمناطقها ومدنها الغربية الحساسة، كاستانبول وسيمرنا (أزمير). واتخاذ شرق الأناضول مركزا لتركيا الجديدة، والتركيز على تتريكها، وتوجيه العنصر التركي وتشجيعهم على السكن فيها. لذلك تم تثبيت وازاحة العاصمة الجديدة نحوها، فاتخذت أنقرة عاصمة جديدة للجمهورية التركية، وطويت صفحة إستانبول كعاصمة، مع طي صفحة السلطنة العثمانية. بحيث طويت بالتوازي مع هذه السياسة أيضاً مرحلة إستانبول المزدهرة، لأنها كانت تعبر عن التنوع ولقاء الشرق بالغرب، لتحل محلها مرحلة أنقرة التي باتت رمزاً للدولة المركزية القومية التركية الصلبة، التي تحارب وتخشى التنوع واللامركزية. حيث عملت حكومة أنقرة بعد اتفاقية لوزان بمنهجية عميقة متعددة الجوانب على تهشيم المجتمعات الكوردية، واذابتها في الثقافة – الدولة (التركية الجديدة). لقد تعسرت في هضم مجتمعات كوردستان العثمانية الراسخة، اذ واجهت انتفاضات كبيرة وحركات عاصفة تلخصت في ثلاث ثورات كردية، ثورة الشيخ سعيد (1925)، وثورة آرارات (1930)، وثورة ديرسم (1936 – 1938)، زعزعت هذه الثورات النظام على نحو جدي، مرغمة إياه على حشد عشرات الألوف من الجنود. قمع الثورة الأولى، الذي تطلب تعاوناً عسكرياً مع فرنسا، القوة المنتدبة على سوريا، أدى الى سقوط 15 ألف ضحية في صفوف السكان المدنيين. واعتبرها مصطفى كمال حرب مُثل. هذه المُثل التي قصدها مصطفى كمال هي (المُثل) التي تتبناها القومية التركية الجديدة، والتي أدرجت في الدستور في صيغة مكثفة: أن تركيا هي للأتراك فقط، واللغة التركية هي اللغة الوحيدة. وهكذا تسلسلت القيم التركية المعاصرة، والتي على ضوئها تم إبادة المجتمعات المختلفة والمتمايزة عن ثقافة وقيم المجتمعات التركية.
وكنتيجة أولية لا يمكن فصل نشوء الجمهورية التركية وكذلك كل النظام الإقليمي للدول القائمة في الشرق الأوسط بموجب اتفاقية لوزان عن خلفيتها الكولونيالية الصريحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة