الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكاوى الفلاح المصري

شريف الصيفي

2023 / 7 / 26
الادب والفن


شكاوى الفلاح الفصيح
بعد الانهيار الدرامي للدولة القديمة عام 2268 ق.م دخلت مصر مرحلة يطلق عليها علماء المصريات " العصر الانتقالي الأول" تفتت فيه المركزية واستقل أمراء الأقاليم بالحكم، وفي الفترة ما بين 2134 إلى 2040 قبل الميلاد أي عصر الأسرة التاسعة والعاشرة كانت مصر حبلى بغدٍ جديد ومقدماته تمثلت حصول الفلاح على المزيد من الحرية وبفضل الضغط الشعبي تم الاعتراف بعبادة أوزير ومقرطة العالم الأخر. أهم إنجازات المصريين في هذا العصر تحررهم النسبي من القوالب الفنية الجامدة التي سادت عصر الدولة القديمة الصارم في مركزيته فتزين مقابر هذه الفترة بالرسوم التي تعكس نزق الحياة وخصوبتها. وصلتنا من هذا العصر كتابات عديدة تعكس المخاض الذي عاشته البلاد مثل تعاليم " إيبور" وتعاليم" مري كا رع " وشكاوي الفلاح الذي وصلنا مكتوباً بالخط الهيراطيقي على أربع برديات، ثلاث منها محفوظة في المتحف المصري ببرلين تحت الأرقام: 3032، 3035، 10499، والرابعة محفوظة في المتحف البريطاني تحت رقم 1027. وقد ساعدنا تكرار النسخ في الحصول على النص شبه كامل. زمن كتابة النص يرجع إلى عصر الدولة الوسطى بعد أن تم إعادة توحيد البلاد تدريجياً بقيادة الصعيد، أما زمن الحكاية فيعود إلى نهاية العصر الانتقالي الأول. النص معروف باسم " شكاوي الفلاح الفصيح" لكنه بلا عنوان. علينا ألا نقع في خطأ افتراض أن هذه الشكاوى قد نظمها أحد الفلاحين المصريين بل هي من صياغة أحد الكتبة بهدف تملق الحاكم.

ملخص الحكاية

بطل حكايتنا خون إنبو فلاح من سخت حمات أي حقل الملح وهي حاليًا وادي النطرون لاحظ أن مخزون الحبوب في بيته يكاد أوشك على النفاذ فيخبر زوجته أنه سيسافر لاحضار العام من كمت، اسم مصر القديم، والمقصود عاصمة البلاد آنذاك، وهو تقليد مازال المصريون يحافظون عليه بإطلاق اسم مصر على العاصمة. حمل الفلاح على حميره بعض من منتجات قريته لمقايضتها بالطعام في العاصمة نني نسو (إهناسيا حاليًا) وعندما وصل إلى مدينة برفيفي وهي منطقة بالقرب من البدرشين تقع شمال مدنيت الإقليم الثاني والعشرين من أقاليم الصعيد تعرض لمكيدة أحد موظفي رئيس المقاطعة يدعى تحوت ناخت ويسرق حميره فيذهب الفلاح إلى رئيس الموظف وهو رئيس بلاط الملك مرو بن رنسي ويشكو له الظلم الذي وقع عليه وينظم مرافعته في قالب شعري مطالباً إياه تحقيق العدل ويصل الأمر للملك " نب كاو رع " فيأمر بتجاهل الفلاح حتى يكمل مرافعته وكتابتها وفي نفس الوقت يأمر بتزويد الفلاح وأسرته في وادي النطرون بالطعام حتى يعود. إلى هنا تنتهي المقدمة التمثيلية (الحبكة) الذي تخدم الهدف الأساسي للنص وهو المرافعات التسع للفلاح التي تتأرجح بين المديح والهجاء ويتجاوز فيها الفلاح سقف مأساته ويتناول كل التجاوزات في المجتمع دون التعرض لأسس النظام نفسه. وبعد إلقاء المرافعة التاسعة يأس الفلاح من استعادة حقه وضاق بصمت رئيس البلاط فقال له أنه ذاهب إلى أنوبيس الإله الحامي للموتى ليشكوه فيخرج الرئيس من صمته ويحقق في قضيته ويعاقب الجاني والبعض يفسر خروج رئيس البلاط عن صمته أن يكون الفلاح قد نوى الانتحار لقابلة أنوبيس.
النص
كان هناك رجل يدعى خون إنبو، فلاح من وادي النطرون وزوجة تدعى مريت. قال الفلاح لزوجته: أنظري، سوف أنزل لمصر لإحضار الطعام لأطفالي، اذهبي وزني لي ما في الجرن من الشعير المتبقي من يوم أمس. وقامت بوزن ست وعشرون مكيالاً. وقال الفلاح لزوجته: أنظري، هذه عشرون مكيالاً من الشعير لطعامك وطعام أولادك، واصنعي لي من الستة مكاييل المتبقية خبزًا وجعة لأتعيش بها أيام السفر. وسافر الفلاح إلى "كمت" (مصر) بعد أن حمل حميره بسعف النخيل وملح النترون وبعض ألواح الخشب .. ... (وعدد من الطيور والنباتات غيرالمعروفة لنا) وكثير من المنتجات الطيبة من "وادي النطرون"، وارتحل الفلاح جنوباً إلى مدينة نني نسو (إهناسيا) ووصل إلى حي بر فيفي شمال مدينة مدنيت، ووجد هناك رجلاً واقفاً على ضفة النهر يدعى تحوت ناخت ابن اسري وهو من مستخدمي رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو. عندما رأى تحوت ناخت هذا حمير الفلاح طمع فيها وقال: لو كانت لي قدرة إله، كنت سلبت ممتلكات الفلاح. وكان بيت " تحوت ناخت" يقع بجوار الطريق الذي كان ضيقاً وليس أعرض من عرض مقطع قماش. له ناحية تنحدر إلى قناة مائية وفي الناحية الأخرى يوجد حقل شعير. فقال تحوت ناخت لخادمه: اذهب واحضر لي بسرعة ثوباً من بيتي !، وجئ بالثوب له سريعاً وفرده على الطريق بحيث لامس أحد طرفيه الماء القناة والطرف الآخر لامس حقل الشعير، وجاء الفلاح على الطريق. فقال تحوت ناخت: احترس أيها الفلاح، لا تخطو على ثوبي! قال الفلاح: سوف أفعل ما تريد وأسلك الطريق الصحيح. وصعد الفلاح للأعلى (حيث حقل الشعير).
فقال تحوت ناخت: أيكون حقلي طريقاً لك؟ قال الفلاح: كان طريقي مستقيمًا، حافة النهر ضيقة وطريقنا أسفل حقلك وقد سدت الطريق بثوبك، ألا تريد أن تدعنا نمر على الطريق؟ وما إن قال الفلاح ذلك وإذا بأحد الحمير يملأ فمه بقطمة شعير.
قال تحوت ناخت: سوف أصادر حمارك الآن يا فلاح لأنه أكل من شعيري وعليه أن يعمل في دراسة الشعير لأنه أجرم.
قال الفلاح: كانت طريقي مستقيم ولكن عندما تغلق ناحية كان علي أن أسوق حميري للناحية الأخرى لأن الأولى أغلقت، وتريد أن تصادره لأنه ملأ فمه بحشة شعير، أنا أعرف سيد هذه الناحية، هي تخص رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو وهو من طهر البلاد من كل اللصوص، هل أُسرق وأنا في ضيعته؟ قال تحوت ناخت: أليس هذا هو المثل الذي يقوله الناس؛ لا يُذكر اسم الرجل الفقير إلا إكرامًا لسيده؟ أنا الذي أتكلم معك وليس رئيس البلاط العظيم الذي خطر على بالك. وهنا أخذ غصن أخضر وراح يضربه على كل أعضائه وساق حمير الفلاح إلى ضيعته، وأخذ الفلاح يبكي بحرقة، لأن ما حدث له كان سيئاً للغاية. قال تحوت ناخت: أخفض صوتك يا فلاح، أنت في حضرة سيد الصمت. قال الفلاح: تضربني، وتسرق ممتلكاتي وتصادر شكوتي من فمي؟ يا سيد الصمت، أعد لي أشيائي ولن أشكو ظلماً . وقضى الفلاح مدة عشرة أيام في التضرع لتحوت ناخت الذي لم يعطه آذان صاغية. وذهب الفلاح جنوباً إلى " نني نسو" لعرض الأمر على رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو ووجده وهو يتأهب للخروج من باب بيته متوجهاً إلى قاربه. قال الفلاح: ليتك تسمح بأن أحكي لك عن حادثة، سيكون من المناسب لو ترسل إلي خادمك الأمين الذي ترسله للأمور المهمة، وعليه ترك رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو خادمه الأمين يذهب إليه وأعاده الفلاح له بتقرير عن كل ما حدث ثم حكى رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو بما فعله تحوتي ناخت لمجلس موظفيه، الذين كانوا في صف تحوت نخت. قالوا له: يحتمل أن يكون هذا الفلاح قد جاء يشكو موظف أخر من ناحيته. أنظر، تصرفك مع فلاحينك الذين يجيئون هنا بخصوص موظفين آخرين من نواحيهم. أنظر، هذا أمر كثير الحدوث. هل الموضوع هو عقاب تحوت ناخت من أجل حفنة نترون وحفنة ملح؟ إذا أمر بردها سيردها. وصمت رئيس البلاط، فلم يرد على الموظفين ولا على الفلاح.
الشكوى الأولى
ثم جاء الفلاح ليشكو لرئيس البلاط رنسي بن مرو، قائلاً:
يا رئيس البلاط، سيدي، عظيم العظماء وحاكم الأحياء والأموات (الجميع). فلتشرع سفينتك برياح ملائمة إذا أبحرت في بحيرة الحق، ولا يتمزق لك شراع ولا تضل سفينتك ولا يحدث مكروه لساريتك ولا تتكسر مرساك ولا يغرق قاربك ولا تلمس القاع ولا يحتويك التيار ولا تجرب شرور النهر ولا ترى وجهاً مخيفاً (تمساح). ولتأتي إليك الأسماك الوديعة وتتقافز من حولك وتصطاد طائر سمين. فأنت أب اليتيم وزوج الأرملة وأخ المُطلقة وحامي من لا أم له. اسمح لي أن أعلي أسمك في هذه الأرض مع كل قانون عادل. أيها الحاكم الخالي من الجشع، أيها الشريف المترفع عن الدنايا، يا من يدحض الباطل ويقيم العدل. يا مجيب دعاء المستغيث. أنا ذا أتكلم، فاسمع: أقم العدل. أيها الممدوح والذي يمدحه الممدوحون. ارفع المعناة عني! انظر، فأنا مثقل بالهموم وبسببها أنا ضعيف، تفحصني، وانظر، كم أنا بائس.

قال الفلاح هذه المرافعة وكان ذلك في عصر ملك الوجة البحري والقبلي نب كاو رع (الأسرة العاشرة (2134- 2040 ق.م) ، ومثل رئيس البلاط رنسي بن مرو أمام جلالته وقال: مولاي، لقد وجدت أحد هؤلاء الفلاحين الذي بحق يحسن القول. سُرقت أشيائه من قبل أحد رجالي الذي يعمل تحت إمرتي، أنظر لقد جاء إلي يشكو ذلك الأمر.
قال جلالته: إذا كنت تريد أن تراني بخير فأبقيه هنا بدون الرد على ما يقوله لكي يُبقي على حديثه ولكي يواصل حديثه عليك أن تصمت ولتأتينا كلمته مكتوبة لكي نسمعها، لكن اهتم بمتطلبات حياة زوجته وأولاده. أنظر، يأتي الواحد من هؤلاء الفلاحين إلى هنا عندما يكون منزله خاوي إلا من التراب، فاهتم بمتطلبات حياة الفلاح نفسه، يجب أن تمده بالطعام بدون أن يعرف أنك الذي تعطيه وأمر له بعشرة أرغفة وإنائين من الجعة يومياً، وقد أعطاها رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو لتابعه وهذا أعطاها بدوره للفلاح. وأرسل رئيس البلاط رنسي بن مرو إلى حاكم وادي النطرون من أجل تدبير الطعام لزوجة هذا الفلاح بمقدار ثلاث مكاييل من الشعير يومياً.

الشكوى الثانية
وجاء الفلاح ليشكو للمرة الثانية:
قال: يا رئيس البلاط العظيم. سيدي، يا كبير الكبراء، يا أغنى الأغنياء، الكبير بين كبرائه، والغني بين أغنيائه
أنت دفة السماء، أنت سارية الأرض وخيط المطمار !
أيتها الدفة لا تحيدي عن المسار، أيتها السارية لا تنكسري، يا خيط المطمار لا تميل!
هل يسلب السيد الكبير شيئاً من لا سيد له ويسرق العزل؟ فكل ما تحتاجه موجود في بيتك: قدح من البيرة وثلاث أرغفة، أهذا ما تقدمه لإرضاء مرؤوسيك؟ من يموت، يموت مع خدمه سويا. وتريد أن تكون من أهل الأبدية؟
أليس من العار أن الميزان مائل وخيط المطمار منحرف ومقيم العدل معوجًا؟ أنظر هاهو العدل يئن تحت ثقلك، مشرد من مقامه. ويتسبب المسئولون في الويلات والمحققون متحيزون والقضاة يتقاسمون المسروقات. أي أن من عليه وضع الأمر في نصابه يحرفه ومن عليه إعطاء الهواء (النفس) على الأرض يسلب الأنفاس ومن يقوم بالقسمة سارق ومن عليه مكافحة الفقر يزيده والبلد بلا حول تغرق في بحره ومن عليه محاربة البؤس يتسبب في الكوارث.
قال رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو: هل هذه الأشياء التي تخصك أحب لك من القبض عليك من قبل خدمي؟
قال الفلاح: من يكيل أكوام القمح يختلسه لنفسه، والذي يكيل للآخر يسرقه
ومن عليه الحكم بمقتضى القانون يقود عملية النصب، من يقاوم الشر إذن؟
من عليه مكافحة البؤس يفعل العكس، ومن عليه الحزم يتواطئ
ومن عليه إنصاف الأخرين يظلم. متى تشعر بقبح العفو عن المجرم؟
ضع العمل الطيب في مكان الأمس وفقاً للمبدأ: كافئ من يصنع الخير لكي يصنع الخير وهذا معناه شكر المرء على ما يفعله والتريث قبل الاندفاع وأن يكون لصاحب العمل عمل. وأيضاً لفت النظر إلى التخريب، فهناك خسائر في كرومك ونقص في دواجنك وتصحر في طيورك البرية. المبصر قد غشى بصره، والمستمع صار أصمًا، ومن عليه القيادة أصبح منقادًا.
أه يا سيدي، متى تعود لصوابك وتتصرف كما ينتظر منك. أنظر، أنت شديد وقوي، ساعدك باطش وقلبك جشع
وقد تجاوزتك الرحمة. ما أعظم بؤس الفقير الذي حطمته؟
مثلك مثل رسول من الإله سوبك، بل أنت تكافئ الربة "سخمت" سيدة الوباء،
ما لا يجوز لها لا يجوز ضدها وضدك. وعندما تفعل لا تكن رخوا
هناك المعتدي الغاشم يترصد الفقير، وللمعدم يكمن لص متمرس.
سرقة ممتلكات رجل فقير عمل مشين.
أينبغى عليّ عدم توجيه اللوم، لكونك شبعت من خبزك وشربت بيرتك، أنت أغنى من هذه الأشياء.
عندما ينظر الملاح للأمام فأنه يوجه السفينة حيثما يشاء، عندما يجلس الملك في قصره وأنت بيدك المجداف.
ومع ذلك المشاغبات في منطقتك، والشاكي يحتاج لصبر طويل، والفصل يسير ببطء، ويتسائل الناس، عن هذا ارجل الذي يسكن هناك.
كن ملجأ ولتكن ضفتك آمنة، أنظر، ها هي مدينتك مرتع للتماسيح!
لا تنطق الكذب، وأحفظ الموظفين منه! فهم سلة من البدناء والمتصنتين وناسجي الأكاذيب.
يا من تعرف هموم الناس، ألا تعرف قضيتي؟
يا من يكافح القحط، أنظر، ها أنا على الطريق بدون سفينة.
يا من أنقذت البحار الغريق، انقذني قبل فوات الآوان!


المرافعة الثالثة
وجاء الفلاح ليشكو للمرة الثانية:
قال: يا رئيس البلاط العظيم
أنت رع، سيد السماء وسيد حاشيتك
تهتم بشئون كل الناس، فأنت كالفيضان، أنت إله النيل "حعبي"،
الذي يخضر المراعي والذي يحي الصحراء.
أقبض على السارق وأحم الفقير! ولا تكن كالطوفان ضد من جاء يشكو
أحذر اقتراب الأبدية، وتمنى لنفسك الثبات، فمنى النفس تحقيق العدل.
عاقب من يستحق العقاب ولن يعادلك أحد في عدلك
هل يختل الميزان؟ هل يميل قائم الميزان؟ وهل الإله "تحوت" متراخ؟
عندما تصنع الظلم فلتنصب نفسك رفيقا لهؤلاء الثلاثة، إن تراخوا.. تراخيت
لا ترد الخير بالشر ولا تحل أحدهم محل الآخر.
.... .... ....
أن توازن البلاد هو تحقيق العدل، فلا تنطق بالكذب لأنك عظيم، لا تكن خفيفا وكن رزينًا، لا تنطق كذبًا لأنك الميزان، لا تنحرف وكن مستقيًا،
أنظر، أنت والميزان واحد، يميل بميلك
لا تنحرف عن الطريق المستقيم
وأنت تقود الناس فامسك بحبل الدفة، ولا تظلم، عاقب السارق ، فالجشع شيء قبيح
وليكن لسانك المؤشر المستقيم للميزان، وقلبك المثقال، وشفتاك كفتاه
عندما تتجاهل المعتدي من يقاوم الشر إذن؟
أنظر، ها أنت ضعيف أمام هذا الجشع، لكنه يفسد الصداقة
أنظر، أنت صقر البشر، الذي يفترس الطيور الضعيفة
أنظر، أنت طباخ يذبح أصدقائه ومع هذا فهو خالي من التشوهات
أنظر، أهتم بذلك
لا شيء سيء بالنسبة لي فأنك الخاسر أمام التمساح المفترس
الأمان منعدم في البلاد
أيها السامع لماذا لا تنصت
تٌرى... لماذا لا تسمع
منذ الأعتداء علي والتمساح ينتصر
متى تتعلم من ذلك؟
على المرء قول الحقيقة ودفن الأكذوبة في الأرض
لا تجهز نفسك للنهار قبل مجيئه لأن المرء لا يعلم ما يحمله من سوء
فال الفلاح هذه الكلمات لرئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو وهو على باب قصره، فأرسل أثنين من خدمه بالسياط وقاموا بضرب الفلاح على كل أعضاء جسمه
هنا قال الفلاح:
ابن مرو جُـن، أصم عما يسمعه، أعمى لا يرى، ولا يفهم ما يتلى عليه
أنك مدينة بلا حاكم، جماعة بلا دليل، سفينة بلا ربان، فيلق بلا قائد
أنظر، ها أنت رجل شرطة سارق، حاكم مرتشي
المرافعة الرابعة
وجاء الفلاح ليشكو للمرة الرابعة وقابله وهو يهم بالخروج من معبد الإله القابع على بحيرته.
قال: أيها المكافأ، كافأك الرب" الذي على بحيرته" وأنت خارج من بيته
الخير ضاع، ولا أحد يعتز بطرح الكذب أرضاً
هل جاءت سفينة إلى هنا؟
بأي شيء يعبر المرء النهر عند أقامة الاحتفالات؟
أنعبر النهر سيرًا على الأقدام؟ هل هذا جيد؟
من ينام لمنتصف النهار؟
اضطربت الحركة في الليل واضطرب التحول في النهار
وسمح للرجل أن يسعى من أجل حقه الجميل
أنظر، ينبغي على المرء أن يقول باستمرار أن الرخاوة غمرتك
بائس هو حال الفقير، الذي خربت بيته
أنظر، أنت صياد فقد شجاعته، يتراجع عما نواه
الذي يصطاد فرس النهر بالحربة
الذي يطلق السهام على الثيران البرية
ويصطاد السمك بالسيخ ويمسك بالطيور
غير متعجل لا يسرع في الكلام وليس خفيفا من يفكر بنضج
كن متسامحا، وأظهر الحقيقة، أمتحن اختيارك، الذي أبقاك صامتا
يحضر المرء الشيء الذي تراه العينين ليسعد به القلب
لا تكن متكبر بسبب قوتك حتى لا تصل إلى الشر
ومن اجرم في حقي أطلق أثنين
الأكل يؤكل والممتحن يجاوب والنائم يرى حلما
؟؟
وقاضي يعاقي هو مثل أعلى للمجرم
يا مهرج، انظر لقد أمسكت بك
يا جاهل، أنظر، أنت تمتحن
يا مرتاح الضمير، أنت مطلوب
أيها القائد، لا تسمح بالموت
أيها المدمر، لا تسمح بالدماء
أيها الظل لا تصبح ضوء
أيها الهارب لا تسمح بالسرقة
لرابع مرة أشكو إليك.. إلى متى سأبقى؟؟

المرافعة الخامسة

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الخامسة
قال: يا رئيس البلاط العظيم، يا سيدي
ان صائد السمك بالحربة يذبح اسماك أيو
وصائد السمك بالسيخ يقتل سمك أبوبو
وصائد السمك بالشباك يصطاد سمك بكرو
صيادو السمك يصحرون النهر
لا تسلب الصغير ممتلكاته، الضعيف الذي تعرفه
أنفاس الفقير ممتلكاته ، ومن يسلبها يسد أنفه (يخنقه)
ولكي تطارد اللصوص لقد عينت لتسمع الشكوى، ولكي تفصل بالحق بين المتخاصمين
لكن أنظر، ماذا تفعل، أنت ملاذ اللص.
المرء يثق بك لتكون سداً للفقير يحمية من الغرق
لكن ها أنت أكثر من البحر الجارف
" من يبحر مع الكذب لن يصل لليابسة"

المرافعة السادسة
وجاء الفلاح ليشكو للمرة السادسة
قال: يا رئيس البلاط العظيم، يا سيدي
من يقضي على الغش يقيم العدالة
وكل من يقيم كل ما هو جميل يبيد الشر
وبلك يكون
كالشبع للجائع والرداء للعريان
والسماء الصافية بعد العاصفة الشديدة
جيث الدفء للبردانين
هو النار التي تنضج الطعام
كما هو الماء الذي يطفئ الظمأ
أنظر حولك
تجد فاعل الخير محض لص

حارس الأمن مشاغب
الوديع معذب
والنصاب يتفه العدل
أفعل هذا
لو حققت قدر من النجاح اعطي لخليفتك أيضا
وسيكون ثرثار بدون استقامة
شكاء يغري بالأبتعاد عنه
المحقق يتنازل قيل أن يعرف المرء ما يضمره القلب
لا تكن ثقيل الحركة، عندما توجه الاتهام وتحكم فيه
من رفع الميزان
أنظر، العمود انكسر.... وجاء السيلعندما وترسو السفن وتفرغ حمولتها
يكون لك نصف الحمولة في كل ميناء
المرء يعلم أنك متعلم وماهر وكامل لكن ليس للسرقة
يجب أن تكن مثلا أعلى للناس
لكن المحيط حولك كله فاسد
كان عليك أن تكون مستقيما أمام كل الناس
فإذا بك شيخ منصر هذه البلاد
البستاني الشرير الذي يروي حديقته بالخطيئة
ستثمر بالاكاذيب وتغمر التعاسة حديقته

المرافعة السابعة
وجاء الفلاح إليه ليشكو للمرة السابعة
رئيس البلاط العظيم، سيدي
أنت الدفة لكل البلاد وبأمرها تبحر
أنت صديق تحوت، الذي يحكم بلا تحيز
سيدي، أسمح ان لي أن يحدثك رجل في قضيته
لا تكن مستاء، فهذا لا يليق بك
لا تمعن التفكير فيما لم يحدث بعد
ولا تبتهج بما لم يحدث بعد
الحليم يمد الحبال بالمحبة ويحل الأمر قبل أن يتعرف المرء على أفكاره
من يصطدم بالقانون ينفي طهارة اليد
لا يعيش الفقير المسروق بدون تحية الحقيقة
جوفي ممتلئ وقلبي مثقل
يبرز ما في جوفي تبعا لحالة الوضع لذا افتح فمي بالكلام
لقد فتحت سدي واخرجت مائي وأفرغت ما كان بجوفي وغسلت ملابسي
كلمتي أنجزت تعاستي أمامك، ماذا تنوي أن تفعل؟
خمودك ينتقم منك، جشعك أغباك، وطمعك يخلق لك الاعداء
أتريد أن تجد فلاح أخر مثلي؟؟
لن تجد سوى فروة نتنة تقف تشحذ على باب قصرك
لا يوجد صامت لا تحفزة حالة الصمت إلى الكلام، ولا يوجد نائم إلا وأيقظته ولن ينكسر وجدان حركته حالتك ولن يغلق الفم الذي فتح ولن يكون جاهل أنت علمته
هؤلاء بعض من ممارسي الشر
هؤلاء الموظفون الذين يمتلكون كل شيء طيب
أنهم ماهرون في النصب
الذين يعيدون تركيب الرأس بعد قطعها

المرافعة الثامنة
وجاء الفلاح ليشكو للمرة الثامنة
قال: يا رئيس البلاط، سيدي
المرء يسقط بسبب الجشع
والطامع لا نجاح له
بلى، هو ينجح في الجشع
قلبك جشع، وهذا لا يليق بك
أنت تسرق وهذا غير مفيد
وإذا دعيت رجلا للدخول من أجل حقه فهذا عدل
حاجتك في منزلك، وبطنك ممتلئة والقمح ينتفخ ويعلوا ويفيض ويسقط على الأرض
حرامية... لصوص.... قطاع طرق... هم المسئولون، الذين عينوا للوقوف ضد الظلم ، لكنهم ملجأ للذين لا حياء لهم
لا يسمح الخوف منك أن تشكو لك، ألا تعرف قلبي
الصامت يولي وجهه
ولكن لا يخاف من حمل شكواه من أن يلتفت إليه
أملاكك الزراعية في الحقول، مرتبك عزبة، إرادك في مخزن الغلال
الموظفون يعطوك وأنت تأخذ
ألست حقا محض لص ؟
المرء يحضر إليك بينما العصابة عندك تقتسمون الأملاك الزراعية معا
حقق العدل لرب العدالة، الذي فعلا عدله عدلا
أنت القلم، ورقة بردي، لوح كتابة
احفظ نفسك من العمل الخبيث
كن طيبا
أيها الخير أنت طيب
أيها الخير أنت طيب حقا
لكن العدالة تدوم للأبد، فهي ترتفع مع مقيمها عاليا في مملكة الغرب الجميل (العالم الآخر) وسيدفن معها
ولا يمحى أسمه من على الأرض وسيذكره الناس بالخير
وهذا هو أساس كلمة الرب
كن ميزان لا يميل
كن ميزان لا يختل
إذا جئت أنا وغيري فلا ينبغي الأجابة عليه بلغة الصمت
أنت لا تعطني أي جزاء أمام الكلمات الجميلة التي تخرج من فم رع
قل الحقيقة وأقم العدل فهو عظيم وباقي
ستجزيك أمانتها بسعادة غامرة
عندما يهتز ميزان اليد وكفتاه اللتان تزنان الأشياء
لن تكون هناك نتيجة دقيقة
لا شر يصل يصل للهدف
والجميع سيواريهم التراب

المرافعة التاسعة
وجاء الفلاح ليشكو للمرة التاسعة
قال: يا مدير البيت العظيم، يا سيدي
ميزان الناس لسانها
وميزان اليد يختبر الباقي
انزل العقاب على من يستحق العقاب
فيتساوى العدل معك
عندما يرحل الكذب ستعود الحقيقةمرة أخرى إلى مكانتها
عندما تمر الأكذوبة تضل الحقيقة طريقها ولا تستطيع عبور النهر
من يغتني بالغش لا أولاد له ولا وارثين له على الأرض
من يبحر مع الكذب لا يصل إلى اليابسة
وهذه السفينة لن تستطيع أن ترسو في ميناء
لا تكن ثقيلا ولا خفيفا
لا تكن سريعا ولا بطيئا
لا تصرخ
لا تستجيب للقلب
لا تخفي وجهك عن ما تراه
لا تعمي عينيك عن ما تراه
لا تصدم من جاءك بل حاور
لا تكن متراخيا واعلن كلمتك
وافعل عندما تريد
لا تستجيب لكل إمريء فالمرء يعى في قضيته
لا أمس للمتراخ
لا أصدقاء للأصم عن الحقيقة
لا يوم سعيد للجشع
الشاكي اصبح حزين
والحزين بائس
والعدو إلى قتيل
أنظر، ها أنا أشكو إليك ولكنك لا تسمع
سأذهب وأشكوك إلى أنوبيس!
وهنا يرسل رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو أثنين من خدمه لإعادته ÷ وخاف الفلاح فقد اعتقد أنهم خلفة من أجل عقابه ثانية على كلمته
هنا قال الفلاح: أمل العطشى الماء، ورضعة الرضيع اللبن، وما أود مجيئه لا يأتي
ها هو الموت يأتي بطيئا.

هنا قال رئيس البلاط رنسي بن مرو: لا تخف يا فلاح، أنتظر عليك بالبقاء
واقسم الفلاح القسم: اقسم أني أريد الاكل من خبزك والشرب من بيرتك إلى الأبد
قال مدير البيت العظيم رنسي بن مرو: أبق هنا حتى تسمع مرافعتك
وأرسل رئيس البلط العظيم رنسي بن مرو لجلالة ملك الوجه البحري والصعيد " نب كاو رع" وكان ذلك سار لقلب جلالته أكثر من أشياء أخرى في كل البلاد
هنا قال جلالته: قرر بنفسك يا بن مرو
وعليه أرسل مدير البيت العظيم رنسي بن مرو اثنين من خدمه لاحضاره (المسئول المغتصب تحوتي نخت)
الجزء الأخير من النص مفقود ولكن نفهم من بعض الكلمات أنه تم حصر عهدة تحوتي نخت ومصادرة أمواله لصالح الفلاح

[1] المقصود من شعير الموسم الماضي
[2] حكات: مكيال مصري أقرب للكيلة
[3] كانت البيرة المصرية تصنع بنقع خبز الشعير في الماء مع إضافة البلح للتحلية وتترك ليخمر ثم يصفى
[4] من الممكن قراءة الاسم تحوتي نخت
[5] المقصود أن يكون له قدرة سحرية
[6] حرفياً: طريق كل الناس
[7] بحنكة حرف المؤلف المثل الشعبي ليبدو وكأن الموظف يهزأ من حيلة الفلاح يإدعائه بمعرفة ذي النفوذ، فالمثل الشعبي القديم يقول:
" يذكر الاسم بسبب شخصيته" أي بسبب صاحب الاسم ومركزه
[8] المقصود بسيد الصمت هو أوزير ، وكانت اهناسيا من الأماكن الهامة للعبادته
[9] تضربني وتحرم علي البكا"
[10] الجملة تتسع لمعنيين الأول تضرع لأوزير والثاني السخرية من الموظف لمصادرة حق الصراخ ضد الظلم
[11] حرفياً: ولا تتقطع لك " سجرجر" وهي الألواح العرضية المثبتة في الساري لدعم الشراع
[12] متشفش وحش
[13] حرفياً: دعني أكتب أسمك في مواجهة كل قانون والمعنى أن أسمه رمزاً للعدل ويفوق كل قانون
[14] من الممكن ترجمة الجملة : أليس معنى ما تضمره في قلبك أن يقبض عليك خدمي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?