الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عِنَاااااقُ آلبَوَاشِق

عبد الله خطوري

2023 / 7 / 27
السياحة والرحلات


أول شيء تفعله في صباح غير عادي تبحث عن مَنْ يجعلك تبتسم لأن الابتسامة دائمًا تخلق يومًا أفضل .. هكذا فهَّمَني به "كافُ" (١) المخبول القابع في غرفة عَتَه "بيتِيزْ"، كذلك آستوعبتُ الدرس .. ومن أجل مثل هذه الصباحات الفارقة نعمل جاهدين كي لا ننغص على أنفسنا بمزيد تفكير لا يجدي غير مزيد من هواجس رطانة الأيام ووساوس الإخفاقات وآنتظار الانتظارت الخائبة.. لحظةُ الإفاقة _يرى كافكا_ أصعب شيء يمكن يصادفنا في مهامهنا المتواترة بالوتيرة نفسها، عندما تستيقظ تلفي نفسك الشخص ذاته في المكان ذاته بالفكرة عينها بالمشاغل نفسها بالالتزامات ذاتها بالشموس المشرقة المتعاقبة منذ الأزل بالظلال المنسلتة عبر الأفنان بآنعكاس الانعكاس .. لا جديد .. ترنو إلى السقف كعادتك كأنّ ثمة شيئا يمكن أن يكون مدهشا بين فجوات الإسمنت والحجر، وإذْ تُتعبنا خيوط السمادير وحُبيبات قصور البصر نهوي بهاماتنا بين أرجلنا لا تباغتنا أصابعنا المشققة أظافرُها بفعل زمن تنهش عناكبه كل شيء حي حتى تلك الخلايا الدقيقة التي أودى بها مصيرها الأجوف في هُوًى ضيقة لا فرار من أقبائها القاتمة .. كان يمكن أن يكون فجري ذاك اليوم كغيره من شقوق الأنوار الزائفة الموهمة تتفتق سبائبُها في سماء آعتادت تناوب حلك العتمات وغبش الأضواء، كان يمكن أن يكون كما جرت العادة، فجرا آخرَ كاذبا يتقن الاحتيال على ذوي الغرارة القابلين لتصديق أي شيء يُشارُ إليهم به. لم تكن نفسي هينة مطواعة على نفسها، فليس تُؤخذُ بصيرتُها على حين غرة كي تُصدق ميلادا غير ما خبرتها تجاربها السابقة الموشومة بإحباط الآفاق آلمُطَوَّقَة بين ميلاد وممات وبوار وخفوت وشهيق متقطع ولَوْكِ زفير .. لم أستسلمْ لدوامة الإعادة تعيدني عجلاتها العملاقة إلى دهاليزها الضيقة، تضعني صاغرا بين دواليبها المسننة تفعل بي ما تشاء دون إرادة مني أو رغبة تُذُكَرُ أو تُعْلَنُ ... في ذاك الصباح، مثخما بشحنة آلأمل الزائد، قررتُ خرق نظام الإفاقة الكافكاوي الساكن في عظامي .. استويتُ قائما دون وسائط أو مقدمات كأني أمسيتُ ليليَ كنهاري شامخا بقامتي المحدودة في الزمن والمكان كمتعبد في صومعة شاهقة في جبل ميتافيزيقي سحري أين يقبع "توماس مان" في زاوية من الحِجر الصحي تتابع جوارحه النَّمَّامة مصائر حيوات في طور الزوال، أو كمازغي عنيد تشققتْ شقاوته فلم يعد يحس ما الشقاء ما العناء ما العزاء .. كل الأحاسيس سواء .. اختلطت مشاعري آمتزجت كقطع عجين دُكَّتْ على بعضها تريد تصبح خبيزا متكامل المعالم دون تدرك ما يروج في عقل عاجنها أو تعي ما تشكل يداه .. فهل كنتُ فرحا مندفعا متحمسا آملا منطلقا غير متحفظ .. هل ضربتُ عُرض الفراغ ترددي وتخميناتي التي تتناسل عادة في أحشائي كلما هممت بفعل ما .. لم أكن لأستوعب وحدي ثقل اللحظة الهاربة الثقيلة، فأشركتُها مَنْ حولي، ولعلي أحسنتُ صنعا في تفريغ هذه الشحن من العواطف خارج مدارها اللولبي وطوافها المغلق بين الرأس والرأس، لتتلقفها رؤوس أخرَ لا تبصر بالضرورة ما يخالج قنتي من سراديب سراب لألاءةً بلا جدوى الفعل .. وجدتُني رهن إشارة النصيحة أنهجُ سُبلها دون إكثار تفكير .. فآنسابتْ الحركات من تلابيبي سلسالا سلسبيلا تَتَابَعُ بلا مقدمات أو خطاطات تصميم مسبق .. نظرتُ إلى المرآة المعتوهة كما فعلتُ بلايين المرات .. لقد بدأَتْ يداي ترتعدان دون سبب وعيناي يرف جفناهما كفَراش فَرْطَطُّو (٢) يحوم حول خطل الأنوار باحثا عن رُواء ليس يوجد في غير مُخيخ أشباه "إيكاروس" الضامر الذي لم تستقر نهايته هذه المرة تحت ظلف حسيس لهب لا يرحم أو تحت حظيظ لَهْذَمٍ هازم للأماني الطافحات بالطيران .. هي الرؤى نفسها تتناسلُ تتكاثر، لكن لم تكن كالفواجع أو كملايين الجراد يَسُدُّ الأفقَ جَيْشُهَا الجَرَّارُ في هجوم ماحق على الوهاد والبطاح والسفوح المِلاَح .. كانت أطياف من ظلال تطبطب على جَبهات أرهقَها وقع الشموس .. ابتسمْتُ، لِمَ لا أفعل وفلذتَايَ لا تفتآن تُذَكِّرَانني بضرورة التخلي عن ثقل الكائن الْيَغْمرُ كُنْهَ كينونتي، تلك المُهمِلة الهاملة المُتَمَهِّلة أكثر من اللزوم، تلك الغاطسة ههه في عادة العفو عن لحية غَزَتْ أشواكُ عساليجها وجها مجدورا تأكل من منسأته، تغمر حُفرَ النبالم المزروعة في الخدين الناتئيْن، تدثر الحشايا وبقايا البقايا، فليست تظهر قسمات ذاك الطفل اليختبئ في قرارة محجرين غار بهما التحديق في أزمنة خالية ليس يدركها المدركون أو يلحق آنصارمَها اللاحقون .. استسلمتُ لبصيص حياة تفعل فيَّ مجاهلها ما تشاء .. نريد طفلَ العاشرةِ _ قالتْ لْوْزَتَايَ _ يخرق حروف (تيرجينْ نتنيمارْ) (٣) يتعالى والأحلام من جديد، يرفرف على حين غفلة من حرصي المتوجس أهيمُ هيامه المفلق أحَلِّقُ تتركني الجاذبية أشق العنان معه .. كان بهيا جميلا شائقا ذاك الطفل الذي كنتُه ذابت حُشاشتُه وسط أطياف قزح معتليا أسقف المنازل المحجرة المتربة وإيسَانَّنْ أفنان البَهْلِ طَاقَا وأشجار تازارتْ وتالويزتْ نْوَجْديرْ وتاجوزتْ نْ تْساللْتْ وتَاضَرْضَارْتْ تازيزافتْ وأزمورْ العجوز وإيليلَا نْ إخَلْجانْ وخمائل الكَرْم إيزيلا وزشتون دبنعمان (٤) .. حلقتُ وإياه وإياي كنتُهُ كُنْتُني كُنَّا الكينونة كلها في لحظة واحدة .. كان يصرخ كعهدي به صامتا بسلاسة تُردد صدى صدره المبحوح جوقةُ المرافقين الحائمين حوله والحائمات من الكائنات الدقيقة والغيبية التي لا يراها الراؤون لا يبصرها المبصرون .. ونبستُ في سري .. أهي عودة إلى جنان طُردنا من أفيائها ذات مصيف دون نفقهَ أو نستوعب ما يحدث .. لم نكُ نخال الإقصاء مصير بدايتنا في التراب .. لم يك يدور في خلدنا أن الحواجز تُرْسَمُ يُخَطُّ جيرُها الأمهقُ يُكَرْكَرُ كَرْكُورُها المُكَوَّرُ يفتق عروقنا يقصلها عن رائحة بصل العرصات وغيص البرك وغبار البيادر المخضبة بمخلفات براز الأبقار .. خِلنا الأمر لحظيا كما جرت العادة ستعقبه رَجعاااات إلى جذور لنا هناك، وإذا بنا تَمْكر السنون والأعوام تستغفلنا تضحك على شواربنا المعدومة تتهكم على ذقوننا الحليقة وغير الحليقة، حتى إذا رُمنا آستعادة ما تبقى من مجال، قيلَ لنا .. لااااا .. هو المحال أمامكم .. لاااا مجالَ لاااا أرض لاااا سكَن لااااا سكينة لاااا حياة في أعالٍ ليس لكم منها غير الذكرى وما تبقى لكم من رائحة الهمهمات تهمس بها مُخيلاتكم المهيضة الجناح .. أقفلتُ القفل على عقلي عَقلتُه أحكمتُ غلق منافذه .. أوصدتُ البِيبان سلمتُ أمري إلى فلذتَيّ ألبي رغباتهما الفطرية وما تجودان من نصائح وأوامر تُطاع .. ذهبنا سوية إلى لقائيَ المرتقب .. وكأي أعرابي من الجبل بكرتُ في الوصول إلى مدينة ألفيناها ناعسة لحُسن حظنا مما سهل حركتنا في شعاب شوارعها الفارغة .. خرجنا من الإسماعلية (٥) بالسرعة التي دخلناها قاصدين منطقة "وِيسْلان" شرقا .. مكثنا هنيهات في مقهى "البستان" ثم غادرنا إلى حي مصانع "لُوزينْ" حيث تناولنا فَطور الصباح وأرَحْنَا مطيتنا في الظلال لنعاود الحركة بعد هاتف من قاطن (وِيسْلانْ) الشاد الرحال من الجنوب في طريقه من مراكش .. كُلُّنا إذن في الطريق عابرو سبيل بعد أن تركنا أعشاشنا دي تغرضين دي بني خلو دي تاحفورت دي بوشعير دي الفحص دي تودرين تيبولايْ دَكْوَاشَّاوَنْ نيعَلانْ (٦) فمِن مُشَرِّق ومِن مُغَرِّب ومِن مُيَمِّن ومِنْ مُيَسِّر .. سندبادات مشتتين دائبي التنقل والرحلات لَبْدَا نَتَّرْحَالْ كما الأجداد نشد عُرى الظعن بعنت لا يكل، كما الأولاد كما الأحفاد .. هائموووون .. سكان المغرب الأولوووون ... شرعنا نلتقي بعضنا البعض تباعا تخلق سُحننا مفاجآت تخرق تمثُّلاتنا الافتراضية، فمن ملتح تركَتْه لحيته على قارعة الطريق أو تركها قبل يبدأ هذا الطريق، ومِنْ عملاق ليتيلْ بيغ مانْ تغردُ صولات مازيغيته العصماء برنين خاص جدا يذبج باحة بستان لا علاقة له ببساتيننا الغناء التي تحتفي بها ذاكراتنا لتيبحار نشحال هاذي، ومن سَمهريِّ بعيني باز الأعالي تقول تقاسيمه الوراينية القحة ما لا ينبس به اللسان، وبَهيٌّ ظل البهاء سَمْتُه كما عهدته في لقائي وإياه ذات عشية باردة من عشيات سفوح تيزي نتمورتْ، وناصريٌّ ضَحَّاك بسّام مشرق الخطوات .. ها قد أهل هلاله أخيرا مُرحبا هاشا مضيافا .. ما أنَتْجُمُوعْ تْرَكْ وُوللي (٧) .. قال فتى الأدغال .. إيييهْ .. أمَّنَ الحضور وقد آستغرقتهم أصالة الوصال ودهشة الاكتشاف فراحوا يناغون بعضهم بعضا بطقوس الفطرة آنتشلوها من براثن مدن الياجور والإسمنت المسلح المكَبِّلَة للأحلام المودية بالرغبات الجِبلية الجَبلية في مهام الطوق ومشاغل التشييء القميئة .. جعلوا يفكون الحصار عن ألسنتهم الوراينة يخلّصونها من عِقال لسان سمج هجين آمتهن الصنعة والمجاملة وأعراف إتيتيكتْ البيروهات بردهاتها وسلوكاتها المشمَّعة بسياج البرونز وأسياخ النيون .. ولم تكن البحات الحرة القحة الفصيحة لتعلن صليلها الصداح في بستان من سباب ومهارشة ومناطحة وتجرع كولا شوهاء وقطران كافيين أجرب كالمشيئة .. كان لا بد من تحليق كيفما كان، فأجنحة البواشق لا تتقن غير شغف الطيران، وكيف للحيطان المصنعة وأرائك الميكا وآبتسامات القصدير أنْ تناسب وتَفهم حدقات مَنْ لم يألف غير الأعالي مجالا للعيش الفصيح .. فكان لا بد مما ليس له بد .. طارت الأجنحة إلى القمم يسبقها حنين جارف إلى قمتهم الخالدة التي تواعدوا على حضنها الرؤوم مهما تكُنِ العراقيل وتتشابك الظروف ...

☆إشارات :
١_إشارة إلى فرانز كافكا في قصته (التحول)
٢_فَرْطَطُّو : بالدارجة المغربية هو الفَرَاش
٣_تيرجين نتنيمار : بالأمازيغية (جمرات العذاب)
٤_إيسَانَّنْ : بالأمازيغية أشواك
_طَاقَا : شجرة البَهْلِ
_تازارتْ : شجرة التين
_تالويزتْ : شجرة اللوز
_نْوَجْديرْ : الجرف
_تاجوزتْ : شجرة الجوز
_تَاضَرْضَارْتْ تازيزافتْ : شجرة الدردار اليانعة
_أزمورْ العجوز : الزيتون المعمر
_إيليلَا نْ إخَلْجانْ : شجرة دفلى الخلجان
_إيزيلا : شجرة العنب
_زشتون :الزيتون
_بنعمان : شقائق النعمان
٥_الإسماعلية : مدينة مكناس المغربية نسبة الى مؤسسها السلطان العلوي إسماعيل
٦_ تغرضين : الهضبات الوعرة
_ بني خلو تاحفورت بوشعير الفحص :
بلدات قبائل آيت وراين الأمازيغية شمال الأطلس المتوسط
_ تودرين تيبولايْ : بقايا الدور القديمة
_ دَكْوَاشَّاوَنْ نيعَلانْ : المرتفعات
٧_ ما أنَتْجُمُوعْ تْرَكْ وُوللي : إذا أردتم الدعة والسكينة فدعوا عنكم جدي الأمور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟