الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غويا في بوردو 1999(كارلوس ساورا):ارهاصات اللحظة الأخيرة

بلال سمير الصدّر

2023 / 7 / 28
الادب والفن


غويا،هو احد انبثاقات سلطة العقل التي كونت الشكل الفني الخارج عن المالوف غير التقليدي القريب من الجنون أحيانا،وهو الحافة المعقولة ما بين العقل والجنون،مثل الشكل السوريالي أو مسرح القسوة لآرتو...تلك الاشارات للمذاهب اللاعقلية التي خلقت حيرة واسعة في التمييز بين العقل والجنون،في المسافة الحقيقة بين العقل والجنون،بحيث أصبح الجنون منذ بدايات القرن العشرين متبوتقا داخل أشكال فنية لاقت صدى وقبولا واسعا باعتبارها شكلت الحداثة الحقيقية للفن الحديث...انها السلطة التي انبثقت عن لاعقل الفن،ذلك الاتجاه الذي حكم عليه بالعقلانية بالرغم من كل شيء حسب آراء ميشيل فوكو في تاريخ الجنون،والذي تناول في كتابه آنف الذكر لوحة ساحة المجانين لغويا بشيء من التفصيل...
المشهد الول في الفيلم توحي استلهاماته من غويا نفسه،فهناك رأس ثور مقطوع والفؤوس من حوله،والأرضية حمراء اشارة الى الدماء،بينما مسطبة تقطيع اللحم حاضرة في المشهد من خلف الثور...المشهد يتمدد أكثر واكثر...يوحي بهذا العالم أكثر وأكثر...بالتأكيد انه المسلخ ومن داخل جسد الثور المقطع ...ومن احشائه يتكون وجه غويا....
هذا المشهد هو تمهيد جميل لعوالم غويا ولوحاته التي ركزت على الجانب المعتم من المخيلة البشرية،وحاكت بشدة الشكل الانساني المشوه،والفيلم يستعرض اللحظات الأخيرة في حياة غويا في بوردو الفرنسية عندما كان على سرير الموت،ويسترجع الاشياء التي ليس من الممكن ان تنسى في حياته،على انه فيلم ليس عن الذاكرة أبد،بل طريقة استرجاعية لتسليط الضوء على حياة غويا...
يبدأ غويا برسم شكل حلزوني على ضباب النافذة:الشكل الحلزوني مثل الحياة نفسها
تأتي كيتيانا لتقوده الى الذاكرة،إلى ذاكرة المكان،أو إلى ذاكرة أصلا هي متكونة في عوالم داخلية...كيتيانا دوقة البا هي حب حياته...
فرصة هي الأعظم ان اكون رسام القصر ولكن المرشحين الآخرين يمتلكون مناصرين أقوياء،أولا علي ان اصنع اسما لي،وهذا يعني الحاجة الى التملق الى الآخرين بشكل كبير،هنا،في صالون أوسونا تجمع لأكثر الناس ذكاءا في اسبانيا،أفضل المثقفين،السياسيين الأكثر طموحا،والأكثر جمالا واناقة،يعجبني هذا العالم
علي أن اعترف بذلك،ولكني لا أصلح فيه...
هؤلاء الارستقراطيين والسياسيون والمفكرون،كلهم متأثرين بالثقافة الفرنسية ولديهم السلطة لتغيير بلدنا،هذه القوة أعطتني معنى للحياة...وتحقيقا لهذه الغاية باستخدام جهدي وفني بذلت أقصى جهدي...
وهكذا،ربما على نمط سيرة الحياة التوثيقية...يروي غويا حياته بنفسه
يتحدث عندما حاكى الموت ذات مرة في حياته وكيف اصبح أصما،وكيف كان يتامل أثناء هذا الاحتضار لوحة امامه على السرير،بحيث بدت ان هذه اللوحة تستيقظ وتتحرك الفتاة في اللوحة اليه...
من عوالم الاحتضار...من عوالم الاقتراب من الموت تبدأ العبقرية بالنطق
الصمم عزلني عن العالم...ولكن المخيلة
المخليلة مجموعة مع السبب،أهي ام الفنون ومصدر الروعة
يقول غويا في حوار مع ابنته حول قيمة المخيلة:
ألا تستطيعين سماع صرخة امرأة تبكي لأنهم قتلوا أبنها،ألا تستطيعين سماع صوت بكائها من الألم...
ألا يمكنك سماع صوت دوي مدفع والبنادق التي ترمي وعواء حيوان بري...اصغي
عليك ان تركزي أكثر يا روزيتو،عليك أن تبذلي جهدا....من دون مخيلة نحن لسنا أكثر من حيوانات
مع مخيلتك انت تستطيعين ارتكاب أسوأ جريمة ولايمكن لأحد ان يعاقبك،يمكنك ان ترتفعي الى السماء أو تسقطي الى الجحيم...
أن كوني كبيرة جدا او متناهية في الصغر،أن تكوني ذات عبقرية خلاقة أو ذات أحسن استراتيجية أو السياسية الأكثر نفوذا...هنا خط صغير وحيد يا صغيرتي،عليم ان تعرفي متى التوقف وإلا ستلتهمك العتمة والجنون...
هذا ما يدعى:الكآبة الناتجة عن الحماقة البشرية،المخيلة السوداوية حول الانسان نفسه
نحن حيوان ناطق بالمخيلة،والمخيلة هي من صناعة العقل....الجملتين هي مداخلة للناقد
ثم في حوار مع عودة صغيرة الى الماضي:
هل تعرفين ما الوحش الأكبر في الكون...
الانسان...فقط قسوة الانسان تفوق القسوة الموجودة في مملكة الحيوانات...الحيوانات بريئة من الوحشية التي ترتكبها،انها فقط تنبع من غريزتها،ولكن ومن الناحية الأخرى فالانسان يعلم عندما يوقع الأذى في الآخرين.
الصداع عند جويا،الصداع الرهيب،الرهيب جدا،يحرك بدوره تلك المخيلة الرهيبة القادمة من السوداوية غير المؤمنة بالعنصر البشري،بالخير البشري تجعله في الحلقة التاملية للاشياء...أنه عالم اختلاق الصور
غويا كان لابد ان يكون واضحا،وكان لابد ان يصاب بذلك الصداع الرهيب..هنا الحكمة الالهية في الاستكمال البشري...
يتناول الفيلم بشيء من التفصيل،حب غويا للأرستقراطية كاتيانا دوقة البا،وكيف وصل الى رسمها كموديل عارية،ويتطرق الى قصة تسميمها من قبل الملكة...
عندما تظهر في احد الصور..يبدا في الاكتشاف
أنه يبدو وكانه في مرآة...أحد شخصيات الصورة،أو،هل كل الصورة تبدو وكانها انعكاس في مرآة،أو كلاهما...؟!
منذ سنين وانا أبحث،لكن لم اعرف لماذا،كان هو ذلك،كل شيء فسر بوضوح واضح جلي واستنطق الالهام... بهذا الشكل كنت اريد ان ارسم...
هنا يبدو ان غويا أضاف البعد الرابع للفن،لرسمه الخاص،وهو الزمن،ونلاحظ ان الكثير من وجوه لوحات غويا على وشك التحول وعلى وشك الانقلاب...هو يحاكي لحظة الانقلاب الوجهية تلك من الصورة البشرية الى الصورة الكابوسية الوحشية،وكأن كافكا الأديب حاضرا في تصويره للواقع الكابوسي البشري.
أحد المشاهد الأخيرة من الفيلم،يستلهم كارلوس ساورا احد لوحات غويا من واقع حروب نابليون،ويجعل لوحة غويا تنطق وتتحرك...استلهم غويا من المآسي...من قسوة البشرية في عصره ومن كل العصور
ولكنها ارهاصات اللحظة الأخيرة...حياتي مضت مثل ومضة ريح
وهذا الشكل الحلزوني الذي رسمه في البداية يشير ربما الى دوامة سارتر،او ربما الى العود الأبدي عند نيتشة ...هو يشير باصبعه...يرسم ذلك الشكل في لحظاته الخيرة الأخيرة..
من هذا الشكل ،من هذه الاشكال التي تخضع العقل لمحاكمة طويلة بدأ الفن الحديث
بعد غويا...بدا الفن الحديث
30/03/2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال