الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهندس بحري من كوكب أورانوس

كاظم فنجان الحمامي

2023 / 7 / 28
الفساد الإداري والمالي


للمساحة المحدودة المتاحة لنا في عرض البحر الأثر الكبير في تعميق العلاقات بين العاملين على ظهر السفينة. حيث نواجه المصير نفسه. يجمعنا سقف واحد. نتناول طعامنا سوية ثلاث مرات باليوم، كل وجبة بمثابة احتفالية تبعث في نفوسنا البهجة والسرور والانشراح، وتشيع المحبة بين الكبير والصغير. يتخللها المزاح اللطيف، وخفة الدم، والمجاملات الودودة من دون ان نشعر بالملل، ثم ننهض مسرعين لإكمال أعمالنا اليومية بلهفة وشغف. لكل فرد من أفراد الطاقم واجباته واهتماماته ضمن حدود النشاطات التي تفرضها علينا طبيعة عملنا البحري. . .
في سبعينيات القرن الماضي لم تكن لدينا تلفزيونات ولا هواتف ذكية ولا اجهزة آيباد، ولا صالات رياضية. فعلاقتنا باليابسة مقطوعة تماماً باستثناء البرقيات التي يرسلها ويستلمها ضابط اللاسلكي من وقت لآخر. فكان لابد من تعويض هذا الفراغ بالتحاور والتشاور وتجنب المشاكل والعصبيات. من النادر جداً ان يتمرد البعض على هذه الأجواء الإنسانية ليصنع لنفسه عرشاً هشاً في ظل العزلة التي نعيشها بين السماء والماء. .
من بين هؤلاء، أذكر ان رئيس المهندسين ( X ) هو الذي فرض على نفسه العزلة في كابينته. حيث يعتكف وحده هناك بمعدل 24 ساعة باليوم. لا يتناول طعامه إلا في غرفته. لا يسلم على احد، بل انه لا يعرف أسماء العاملين في غرفة المحركات، ولا يعرف الطريق إلى المحركات نفسها. لا يجامل الضباط، ولا يجامل المهندسين. متجهم الوجه على الرغم من وسامته ورشاقته، لا ببتسم، شديد الغرور، قليل الظهور، يرى نفسه أفضل وأكبر وأفهم واذكى من الآخرين. يعيش في فضاءات زجاجية خارج كوكب الأرض. كنا نتساءل: كيف يستطيع الصمود في هذا الصندوق الضيق منطوياً على نفسه في رحلة طويلة قد تمتد لأسابيع ؟. الشخص الوحيد الذي يراه كل يوم هو الذي يحمل له صينية الطعام. يطرق باب غرفته ويسلمه الصينية، واحياناً يأتيه الصوت من داخل الكابينة يأمره بترك الصينية عند الباب، ثم يأمره بالانصراف. كنا نرى الصينية في الممر الضيق كلما صعدنا إلى الطابق الملكي الذي يعيش فيه هذا المهندس المعتكف بجوار مكتب الكابتن. .
أمضى خدمته متنقلا بين النقل البحري والموانئ، ثم أحيل إلى التقاعد من دون ان يرتبط بصداقة مع العاملين في البحر أو العاملين في البر، ثم قرر العودة إلى مسقط رأسه في الموصل ليعيش في كهف آخر من كهوف الانفصال التام عن الجنس البشري. .
لقد حاولت إداراتنا البحرية نقله للعمل على سفن أخرى، فكانت النتيجة واحدة. . يقول آينشتاين من الغباء ان تفعل الشيء مرتين وبنفس الطريقة ثم تنتظر نتيجة مختلفة. .
ختاما: رحم الله رؤساء المهندسين الذين لمسنا منهم التعاون والاهتمام، فكانوا مدرسة لرجال البحر، واطال الله باعمار الأحياء منهم الذين ظلوا يواصلون عطائهم العلمي والمهني بقلوبهم المفعمة بالنقاء والوفاء. .
شاهدته أمس مبتسما على صفحته في الفيسبوك، فارتسمت على وجهي علامات الحيرة والدهشة. أيعقل انه سمح لنفسه بالتقاط صورة لنفسه ؟. .
اتساءل دائماً: ترى ما هو الأثر المهني والتطويري الذي تركه هذا الرجل في المضمار الهندسي أو الاداري ؟. وما المكاسب الوطنية والإنسانية التي حققها لأسطولنا الوطني ؟. .
نحن لما نتحدث عن هذه النماذج فذلك لأننا لا نريد تكرارها. ويتعين على الادارات التشغيلية ان تتعامل بحزم مع ملائكة الغرور والخمول والجمود والتحجر والانطواء الذاتي. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب