الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية للفتيان الزواج المقدس طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن

2023 / 7 / 29
الادب والفن


رواية للفتيان







الزواج المقدس






طلال حسن



شخصيات الرواية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ الملك شولتي
2 ـ القائد
3 ـ الكاهن
4 ـ الكاهنة
5 ـ انتوم
6 ـ بونو ، والد انتوم
7 ـ كارانا
8 ـ أم كارانا
9 ـ ايلت
10 ـ الحاجب










" 1 "
ــــــــــــــــــ

أقام الملك شولكي ، وليمة غداء بهيجة بمناسبة اليوم الأول من عيد " اكيتو " ، عيد رأس السنة السومرية ، الذي يستمر اثنا عشر يوماً .
ودعي إلى هذه الوليمة ، التي أقيمت داخل القصر الملكي ، كبار رجال الدولة ، وقائد الجيش ، وكبير الكهان ، وقدمت فيها أصناف الطعام والشراب .
وتصدر الملك شولكي المائدة ، وجلس قائد الجيش عن يمينه ، وكبير الكهان عن يساره ، واستغرقوا في تناول الطعام ، والخدم والخادمات يسعون بين أيديهم .
ومن الخارج ، تناهت أصوات الطبول والمزامير ، والصيحات الفرحة للراقصين والراقصات ، فمال قائد الجيش على الملك ، وقال : الشباب يرقصون فرحين ، في الساحة القريبة ، يا مولاي .
ورفع الملك شولكي رأسه ، وأنصت ملياً ، ثم قال : لنذهب بعد الغداء ، ونتفرج على رقصهم .
فرد قائد الجيش مبتسماً : أمر مولاي .
وبعد الغداء ، خرج الملك من القصر ، يحيط به عدد كبير من الحرس ، يتقدمهم الكاهن وقائد الجيش ، واتجه إلى الساحة القريبة ، حيث كان عدد من الفتيان والفتيات ، يرقصون رقصة حماسية جميلة .
ومال القائد على الملك ، وقال : هذا يومهم ، يا مولاي ، إنهم شباب .
ونظر الملك شولكي إلى الكاهن ، فقال : لم أكن شاباً ، يا مولاي ، فقد دخلت المعبد مبكراً .
وكتم قائد الجيش ابتسامته ، وقال : يا للخسارة .
وضحك الملك شولتي ، وقال : لا عليك ، سيرقص في العالم الأسفل .
وراح حماس الراقصين والراقصات يشتدّ كلما اقترب الملك شولتي منهم ، وتنهد القائد ، وقال : آه لو أشاركهم الرقص ، يا مولاي .
وردّ الملك ، وهو يتابع الفتيات الراقصات : تذكر إنك لم تعد شاباً ، يا قائد الجيش .
ولاذ قائد الجيش بالصمت ، وكتم الكاهن ابتسامته ، بينما ظل الملك شولكي يتابع الفتيات الراقصات بعينين فاحصتين ، وتوقف عند فتاة فتية مرحة ، وراح يدقق فيها النظر ، من أعلى رأسها ، حتى أخمص قدميها ، مروراً بعينيها البنيتين ، وشعرها الحنيّ .
وتساءل الملك ، وعيناه مازالتا مثبتتان فوق الفتاة الراقصة : من تلك الفتاة ؟
ونظر الكاهن إليها ، لكنه لم يجب بكلمة ، فقال قائد الجيش ، وهو ينظر إليه : إنها انتوم ، يا مولاي .
وحدق الملك فيه متسائلاً ، فقال : ابنة بونو ، وهو أحد سقاة القصر ، يا مولاي .
وهمهم الملك شولتي : هم م م م .
ثم التفت إلى كبير الكهان ، وقال : تعال إلى القصر ، اليوم بعد المساء ، لديّ ما أحدثك فيه .
فانحنى كبير الكهان ، وقال : أمر مولاي .















" 2 "
ــــــــــــــــــ

بعد المساء ، دخل الحاجب على الملك شولتي ، وانحنى أمامه ، وقال : مولاي كبيرالكهان بالباب ، يطلب الإذن .
وردّ الملك ، دون أن ينظر إليه : إنني أنتظره ، دعه يدخل .
وانحنى الحاجب ثانية ، وقال : أمر مولاي .
ثم تراجع القهقرى ، وخرج من الغرفة ، وسرعان ما أقبل كبير الكهان ، وانحنى للملك قليلاً ، وقال : طاب مساؤكَ ، يا مولاي .
وأشار الملك لكبير الكهان بيده ، إلى مقعد قريب ، وهو يقول : أهلاً بكبير الكهان ، تفضل أجلس هنا ، على مقربة مني .
وجلس كبير الكهان ، في المقعد الذي أشار إليه الملك ، وقال : أشكرك ، يا مولاي .
ونظر الملك إليه ، وقال : هذا هو اليوم الأول من عيد اكيتو ، ولابد أن هناك ما يشغلك .
وردّ كبير الكهان قائلاً : هذا حقّ ، يا مولاي ، لكن لن يشغلني شيء عنك ، يا مولاي .
ونهض الملك ، ونظر لحظة عبر النافذة إلى الليل ، ثم قال : تلك الفتاة ، التي رأيناها في حلقة الرقص ..
ولاذ كبير الكهان بالصمت ، فتساءل الملك : ماذا كان اسمها ؟
وردّ كبير الكهان قائلاً : الحقيقة أنا لا أعرفها ، يا مولاي ، لكن القائد ذكر أن اسمها .. انتوم .
وتوقف الملك أمامه ، وقال : آه ، نعم ، انتوم .
وصمت لحظة ، ثم قال : عرفت أباها ، إنه فعلاً أحد سقاة القصر ، وهو رجل مجد مخلص ، وقد جعلته كبير السقائين في قصري .
وقال كبير الكهان : الأمر لك ، يا مولاي .
ونظر الملك شولتي إليه ، ثم قال : أظن أن يوم الزواج المقدس يقترب .
وقال كبير الكهان : نعم ، يا مولاي ، بعد أربعة أيام ، وقد تمت الاستعدادات له تقريباً .
ونظر الملك شولكي إليه ، وقال : أنا سأكون الإله تموز طبعاً .
وأطرق الكاهن رأسه : هذه هي العادة المقدسة ، التي ورثناها عن الأجداد ، يا مولاي .
وقال الملك ، وعيناه مازالتا على كبير الكهان : وعشتار عروسي ستكون .. انتوم .
لم يتمالك كبير الكهان نفسه ، فرفع رأسه ، وشهق قائلاً : مولاي !
وحدق الملك فيه صامتاً ، فتابع بصوت مضطرب : انتوم ليست كاهنة ، يا مولاي .
فقال الملك شولتي بنبرة قاطعة : إذا دخلت المعبد ، ستكون كاهنة .
ولاذ كبير الكهان بالصمت ، فتابع الملك شولتي قائلاً : غداً تدخل انتوم المعبد .
ونظر كبير الكهان إلى الملك ، وقال بما يشبه الرجاء : لقد اخترنا الكاهنة ، التي ستقوم مقام الإلهة عشتار ، وأبلغت بالأمر ، يا مولاي .
وحدق الملك شولتي فيه ، وقال بنبرة تهديد : ستمرض تلك الكاهنة يومها ، وستحل الكاهنة انتوم مكانها .
وأطرق الكاهن رأسه ، وقال : أمر مولاي .









" 3 "
ــــــــــــــــــ

مع غروب الشمس ، خفّت رقصات الفتيان والفتيات ، في الساحة القريبة من قصر الملك شولكي ، حتى توقفت تماماً قبل حلول الظلام .
وبدأ الجميع يعودون إلى بيوتهم ، صامتين ، متعبين ، معفرين بشذا الربيع والشباب ، ودفء الرفقة والعواطف الحميمة ، والآمال التي لا تحدها حدود .
وظلت انتوم ، حتى اللحظة الأخيرة ، متشبثة بفتيات الساحة ، لعلهن يواصلن الرقص والغناء ، ولا ينسحبن بسرعة إلى بيوتهن .
وسارت انتوم وحدها متلفتة ، وبخطى بطيئة ، وكأنها لا تريد أن تصل إلى البيت ، قبل أن ترى كارانا ، لكن أين كارانا هذا ؟
صحيح أنه مشغول أثناء النهار ، فهو حارس من حرس الملك شولكي ، ولكن ها هو الليل قد أقبل ، فأين هو ؟ وما الذي يشغله عنها الآن ؟
وفجأة امتدت يد فتية ، محبة ، وقوية ، من وراء إحدى الأشجار ، المحاذية للطريق ، وجذبت انتوم بقوة ، وعلى الفور عرفته ، إنه فتاها كارانا الحبيب .
وحاولت انتوم ، أن تنتزع نفسها منه ، وقالت بغضب مفتعل : دعني .
وشدها كارانا بيديه إلى صدره ، وهو يقول : لن أدعكِ ، يا انتوم ، أنتِ ملكي .
وبدأت انتوم تستكين بين يديه ، لكنها قالت محتجة : بالاسم فقط ، فأنا لم أرك طول النهار .
وقال كارانا : لا تنسي ، يا انتوم ، إنني واحد من حرس الملك شولكي ، وعليّ أن أرافقه دائماً ، وخاصة عندما يتجول خارج القصر .
وتملصت انتوم من بين يديه ، وقالت : بيني وبينك ، إنني لا أحب الملك شولكي .
واقترب كارانا منها ، وقال : أحبي حارسه .
وابتعدت انتوم عنه قائلة : إذا كان يحبني ، ولا يغيب عني النهار بطوله .
ومدّ يديه نحوها ، وجذبها إليه ، وقال : ستريني قريباً ، كلّ لحظة من اليوم ، حتى تملي مني .
وتملصت انتوم منه ثانية ، ومضت مبتعدة ، وهي تقول : أنت حارس الملك شولكي ، ولن تتاح لك الفرصة ، لتأتي إلى أبي وتطلبني منه .
وهتف كارانا بصوت مرتفع : غداً ، في مثل هذا الوقت ، سأكون عند أبيك .
ولوحت له انتوم ، وقالت : لن أنام ، ولن آكل ، ولن .. حتى أراك مع أبي .
وضحك كارانا ، وهو يراقب انتوم ، حتى اختفت في الظلام تماماً ، فاستدار ومضى مترنماً إلى البيت ، في انتظار الغد ، الذي سيأتيه بانتوم .
وسارت انتوم ، في غير عجلة ، وتمنت أن تصل فراشها ، وترقد فيه ، حتى ليلة الغد ، وهزت رأسها مبتسمة ، حين تذكرت أنها وعدت كارانا ، قبل قليل ، أن لا تنام ، ولا تأكل ، حتى يأتي إلى أبيها ليلة الغد .














" 4 "
ــــــــــــــــــ

دفعت انتوم باب البيتِ ، ودخلت إلى الفناء ، وعلى ضوء القمر الشاحب ، رأت أباها يقف قرب شجرة التوت ، التي تتوسط الفناء ، ومن الواضح أنه كان ينتظرها على أحرّ من الجمر .
وتوقفت انتوم مترددة ، وتطلعت إلى أبيها ، وقالت : طاب مساؤك ، يا أبي .
وبدل أن يردّ أبوها على تحيتها ، قال بغضب مكتوم : لقد تأخرتِ ، تأخرتِ كثيراً .
ولاذت انتوم بالصمت لحظة ، ثم قالت : أنت تعرف ، يا أبي ، اليوم عيد ، عيد اكيتو ، لقد تجولت مع صديقاتي في الساحة ، القريبة من قصر الملك .
وقال الأب : لكنّ صديقاتك جميعاً ، عدن إلى بيوتهن ، قبل حلول الظلام .
ولاذت انتوم بالصمت ، فقال الأب محتجاً : كنتِ كالعادة مع .. كارانا .
واتجهت انتوم إلى غرفتها ، وهي تقول : سيأتي كارانا لمقابلتك ، ليلة الغد .
وسرعان ما توقفت انتوم مذهولة ، عند باب الغرفة ، عندما سمعت أباها يقول متردداً حزيناً : لا فائدة ، يا انتوم ، من الأفضل أن لا يأتي كارانا .
والتفتت انتوم إليه ، وفي عينيها بريق عنيد غاضب ، فأبعد الأب عينيه الحزينتين عنها ، وقال : أعدي طعام العشاء ، إنني جائع .
وانصرفت انتوم لإعداد طعام العشاء ، وهي قلقة ساهمة ، ترى ماذا جرى ؟ هذه ليست عادته ، إن أباها يحبها ، ويسعى دائماً لإرضائها ، فليس له في الحياة غيرها ، بعد وفاة والدتها ، في العام الماضي .
وأتمت انتوم إعداد طعام العشاء ، ووضعته أمام أبيها ، ولم تتفوه بكلمة واحدة ، فقال الأب دون أن يرفع عينيه إليها : اجلسي ، وكلي معي .
لم تجلس انتوم ، بل ظلت جامدة في مكانها ، وقالت : قل لي أولاً ، ما الأمر ؟
ولاذ الأب بالصمت لحظة ، وتنهد متضايقاً مهموماً ، ثم قال : أنتِ تعرفين أنني أحب كارانا ، إنه شاب ناجح وجيد ، ولن نجد أفضل منه . . لكن ..
وصمت الأب ، وظلت انتوم تنتظر ، وطال انتظارها ، فقالت بصبر نافد : لكن .. لكن ماذا ؟
ورفع الأب عينيه إليها ، وقال : لم أخبركِ ..
وقاطعته انتوم قائلة : لكن ؟
وتابع الأب بصوت متردد : الملك دعاني إليه ، وأخبرني بنفسه ، بأنه جعلني كبير سقائي القصر .
وحدقت انتوم فيه ، وقالت : هذا الأمر يفترض أن يفرحك ، لكني لا أراك فرحاً .
وهزّ الأب رأسه ، وقال : غداً ستدخلين المعبد .
وشهقت انتوم : المعبد !
فرد الأب قائلاً : نعم
وتمتمت انتوم بصوت مختنق : أبي ..
فقال الأب : بأمر الملك شولكي .














" 5 "
ــــــــــــــــ

أوت انتوم إلى فراشها ، وتمددت متوترة قلقة ، لقد قالت لكارانا إنها لن تنام ، ولن تأكل ، ولن .. وهاهي لم تأكل ، ولا تستطيع أن تنام .
وتململت متأوهة ، نعم لم تأكل ، ولم تنم ، ولكن السبب يختلف ، لقد وعدت كارانا ، لأنه وعدها أن يأتي ليلة الغد ، ويلتقي بأبيها .
وها هو أبوها يقول لها ، إنّ من الأفضل أن لا يأتي كارانا ، فليلة الغد لن تكون في البيت ، وإنما في المعبد ، وبأمر من الملك شولكي نفسه .
واعتدلت انتوم في فراشها ، ما العمل ؟
هل تنتظر في فراشها ، حتى الغد ، ويأتي من يأخذها إلى المعبد .
ولماذا ؟ هذا ما لا تعرفه .
وغداً ، في أول الليل ، سيأتي كارانا ، ليلتقي بأبيها ، ويحدثه حديث العمر ، لكنه سيفاجأ بأن موضوع حديث العمر ، ليس في البيت ، وإنما في المعبد .
ونهضت من فراشها ، لابد أن يعرف كارانا بما يجري ، هذا من حقه ، ومن واجب انتوم أيضاً ، فقد يكون لكارانا رأي ، وقد يفعل شيئاً ، لكن ماذا بإمكانه أن يفعل ؟ إنه الملك شولكي ، وإرادته هي الحاسمة .
مهما يكن ، فكارانا لابد أن يعرف ، وتسللت انتوم من غرفتها ، وتوقفت في الفناء ، وتلفتت حولها ، وأنصتت إلى ما قد يصدر من غرفة أبيها ، لكنها لم تسمع شيئاً ، فأسرعت وفتحت الباب بهدوء ، ومضت تحت جنح الظلام إلى بيت كارانا .
وتوقفت على مقربة من البيت ، ولاحظت ضوءً خافتاً يصدر من إحدى الغرف ، لعلها غرفة كارانا ، واقتربت انتوم من الباب ، وطرقته برفق .
وبدل كارانا ، فتحت أمه الباب ، وحدقت في الظلام ، وتساءلت : من ؟
وتقدمت انتوم منها ، وقالت : أنا ، انتوم .
وبدت الدهشة على الأم ، وقالت مرحبة : أهلاً انتوم ، تفضلي .
فقالت انتوم مترددة : انشغلت اليوم في الساحة ، فلم أخبز ، ليتك تعطيني رغيف خبز حتى الغد .
وابتسمت الأم ، وقالت : لا تقولي هذا ، أنت ابنتي ، لحظة واحدة .
ومضت الأم مسرعة إلى الداخل ، وسرعان ما عادت ، وفي يدها رغيفان من الخبز ، قدمتهما لانتوم ، وقالت : لدي المزيد إذا أردتِ .
وأخذت انتوم الرغيفين ، وقالت : لا ، أشكرك ، رغيف واحد يكفي .
وصمتت لحظة ، وراحت تنصت ، ثم قالت : يبدو أن كارانا ليس في البيت .
وضحكت الأم ، وقالت : اليوم عيد اكيتو ، كما تعرفين ، والشباب يسهرون في مثل هذه الليالي حتى ساعة متأخرة ، إنهم شباب .
فاستدارت انتوم ، متهيئة للعودة إلى البيت ، وهي تقول : تحياتي لكارانا ، تصبحين على خير .
فردت الأم قائلة : رافقتك السلامة ، يا ابنتي .












" 6 "
ـــــــــــــــــــ

أفاقت انتوم قبيل الفجر ، وقد تورمت عيناها قليلاً ، أهو من قلة النوم ؟ أم من البكاء ؟ من يدري ، فانتوم أوت إلى فراشها ، والدماء تغلي في عروقها من شدة الغيظ والغضب .
لكن ما يعرفه أبوها عنها ، أنها قلما تبكي ، فما الذي ورّم عينيها ؟ إنها صلبة كأمها الراحلة ، ولهذا أحبت كارانا ، صحيح إنه طائش أحياناً ، ومتهور ، لكنه قوي وجريء ، وترى انتوم أنها ، يمكن أن تكون ، العقل المفكر والمدبر له ، في الوقت المناسب .
وعند شروق الشمس ، انتبهت انتوم إلى أبيها يناديها من الفناء : انتوم .
واعتدلت انتوم في فراشها ، لكنها لم ترد ، فناداها أبوها ثانية بصوت أعلى : انتوم .. انتوم .
ونهضت انتوم ، وفتحت باب غرفتها ، ودون أن تنظر إليه ، قالت : نعم .
واقترب أبوها منها ، وقال : بنيتي ، أعددت طعاماً للفطور .
ونظرت انتوم إليه ، لكنها لم تتكلم ، فقال أبوها : انتوم ، أنت لم تأكلي منذ البارحة .
وقالت انتوم ، دون أن ترفع عينيها عنه : سآكل في المعبد ، مع الكاهنات .
وهزّ الأب رأسه ، وقال : بنيتي ، أنت تعرفين إنني مجرد رجل بسيط ، سقاء ، ودخولك إلى المعبد ، كان بأمر من الملك شولكي .
وتساءلت انتوم بغيظ : لماذا المعبد ؟ لماذا ؟ هذا ما أريد أن أفهمه ، يا أبي .
وردّ الأب حائراً متأثراً : ليتني أعرف ، يا انتوم ، ليتني أعرف .
وصمت لحظة ، ثم قال : من يدري ، لعل الأمر أهون مما نتصور .
وصمت ثانية ، ثم مدّ يده ، وأمسك يدها ، ، وقال : تعالي ، يا ابنتي ، الطعام في غرفتي .
وسحبت انتوم يدها من يده ، وقالت : قلتُ لك ، يا أبي ، لن آكل .
وتوقف الأب ، ونظر إليها ، ثم قال : رأيت رغيفين من الخبز ، ولا يبدو أنهما مما خبزته .
فقالت انتوم : إنهما من أم كارانا .
ونظر أبوها إليها صامتاً ، فأضافت قائلة : ذهبت إلى بيتهم ليلة البارحة ، لكن اطمئن ، لم أرَ كارانا ، لأنه كان خارج البيت .
وقال الأب : بنيتي ، ليس لدي أي اعتراض على كارانا ، اصبري قليلاً ، حتى ينجلي الأمر .
وهنا طرق الباب ، فالتفتت انتوم إلى أبيها ، وقالت : لقد انجلى .
وفتح الأب الباب ، وإذا كبير الكهان نفسه يقف عند العتبة ، فقال : سيدي الكاهن ! تفضل ، تفضل .
ودخل كبير الكهان إلى الفناء ، ونظر إلى انتوم ، وقال : طاب صباحكما .
وردّ الأب قائلاً : وصباحك ، يا سيدي .
وتقدم الكاهن من انتوم ، وقال : بنيتي ، جئت بأمر من الملك لآخذك إلى المعبد .
لم تنبس انتوم بكلمة واحدة ، فرمق الكاهن أباها بنظرة سريعة ، ثم قال : هذا شرف قلما تحظى به فتاة في عمركِ .
والتفت إلى الأب ، محدقاً فيه ، وقال : لا داعي لأن ترافقنا ، سآخذها بنفسي إلى المعبد ، وسأوافيك بما يستجد فيما بعد .
واتجه بخطواته البطيئة نحو الباب الخارجي ، وقال : هيا ، اتبعيني ، يا ابنتي .
وتبعته انتوم ، دون أن تتفوه بكلمة ، فقال الأب بصوت دامع : رافقتك السلامة ، يا ابنتي .























" 7 "
ــــــــــــــــــ

تمنى كارانا ، وهو يتجول ، بين الناس المحتفلين ، في اليوم الثالث من عيد اكيتو ، أن يرى انتوم ، بين الفتيان والفتيات ، هذا إذا لم تسعَ هي إليه ، وتذكره بوعده .
لقد أخبرته أمه صباح اليوم ، حين كان يتناول طعام الإفطار ، بأن انتوم جاءتها ليلة البارحة ، قبل أن يعود من سهرته مع أصدقائها ، تطلب منها رغيفاً من الخبز ، وسألت عنه .
ولحظتها ابتسم كارانا ، فقد فكر بأن طلب الخبز حجة ، وإنما جاءت لتراه ، هذه ال .. انتوم الشجاعة حد التهور ، ومن يدري ماذا أرادت أن تقول له ، لابد أنها أرادت أن تحثه على مقابلة أبيها وإلا .. وآه من وإلا انتوم .
ورغم أن كارانا لم يرَ انتوم طول النهار ، في أي مكان تجول فيه من المدينة ، إلا أنه لم يتأثر أو يقلق ، فهي في مكان ما ترقص وتغني مع صديقاتها ، وعند المساء ستنتظره بفارغ الصبر ، وهو بالطبع لن يتأخر ، وسيقابل أباها ، ثم يتواعد معه ليزوره ثانية مع أمه ، هذه المرة ، وبعد أشهر قليلة ، سيسحب انتوم من انفها الجميل ، ويروضها على طريقته ، ويفرض عليها إقامة جبرية في البيت مع أمه ، ومن يلومه على ذلك ، أليست هي .. زوجته ؟
وعند حلول الليل ، مضى كارانا إلي بيت انتوم ، ليقابل أباها ، ويحسم الأمر معه ، وطرق الباب ، ووقف ينتظر ، وخفق قلبه فرحاً ، عندما سمع وقع أقدام تقترب ، إنها انتوم ، هذا ما تمناه ، وفتح الباب ، وهدأ قلب كارانا ، فبدل أنتوم ، أطل أبوها ، وقال : كارانا ؟
وحياه كارانا قائلاً : طاب مساؤك ، يا سيدي .
وقال الأب بصوت لاحظ كارانا أنه خال من الفرح : أهلاً كارانا ، تفضل أدخل .
ودخل كارانا ، وتوقف وسط الفناء ، وقال : أخشى أن تكون مشغولاً أو متعباً أو ..
وقاطعه الأب قائلاً : كلا ، لستُ مشغولاً .
وصمت لحظة ، ثم نظر إلى كارانا ، وقال : انتوم ليست في البيت ، يا كارانا .
وابتسم كارانا ، وقال : لابد أنها مازالت مع صديقاتها في الاحتفالات .
وهزّ الأب رأسه ، وقد علا وجهه الحزن ، فقال كارانا ، وقد غربت ابتسامته : أرجو أن لا تكون مريضة أو ..
وصمت لحظة ، ثم قال : إنني لم أرها اليوم في أي مكان من المدينة .
ونظر إليه الأب ، وقال بصوت دامع : انتوم دخلت المعبد صباح اليوم ، يا كارانا .
وتساءل كارانا مذهولاً : دخلت المعبد !
واستطرد الأب قائلاً : بأمر الملك .
ولاذ كارانا بالصمت ، لا يدري ماذا يقول ، والدماء تغلي في عروقه ، فقال الأب بصوت مستسلم : كارانا ، من الأفضل أن تعود إلى البيت .
وحدق كارانا فيه ، والغضب يتصاعد في داخله وصاح منفعلاً : لن أذهب إلى البيت ، وانتوم في المعبد لسبب لا أعرفه .
وفي الحال ، استدار كارانا ، وانطلق إلى الليل ، فلحق الأب به حتى الباب ، وصاح : كارانا ، توقف ، وعد إلى البيت ، ولننتظر حتى الغد .
لكن كارانا لم يتوقف ، وسرعان ما اختفى في الليل ،
فتوقف الأب قليلاً ، لا يدري ماذا يفعل ، ثم أغلق الباب
وأوى إلى فراشه .







" 8 "
ــــــــــــــــــ

اندفع كارانا داخل المعبد ، وبركان غضبه يزداد دمدمة ، وينذر بالانفجار ، وتوقف في الباحة يتلفت ، ورآه كاهن شاب ، فاقترب منه ، وقال : الاحتفال انتهى ، أرجو أن تغادر المعبد .
وحدق كارانا فيه غاضباً ، وقال : الاحتفال لا يعنيني ، إنني أبحث عن شخص .
وقال الكاهن الشاب بصوت هادىء : تعال غداً ، فالوقت كما ترى ليل ، يا سيدي .
ولمحتهما كاهنة من بعيد ، فتوقفت وراحت تراقبهما ، وقال كارانا : أنا أبحث عن خطيبتي .. انتوم .
وحدق الكاهن فيه لحظة ، ثم قال : انتوم ؟
وردّ كارانا : نعم ، انتوم .
فقال الكاهن الشاب : أنصحك أن تغادر المعبد ، مقابلة انتوم محظورة .
وقال كارانا بصوت متشنج ، وكأنه يهمّ بالقتال : لن أذهب قبل أن أراها .
وأقبلت الكاهنة عليهما مسرعة ، وقالت : مهلاً ، مهلاً ، ما الأمر ؟
وقال الكاهن : سيدتي ..
وصاح كارانا : سأراها مهما كلف الأمر .
ونظرت الكاهنة إلى الكاهن الشاب ، وقالت : اذهب أنت ، واترك الأمر لي .
واحتج الكاهن الشاب قائلاً : سيدتي ، إنه إنسان متهور ، خطر جداً .
وصاح كارانا به : أغلق فمك .
وهمّ الكاهن الشاب أن يرد عليه ، لكن الكاهنة دفعته برفق ، وقالت : اذهب أنت إلى الداخل ، اذهب .
وتراجع الكاهن الشاب ، وهو يحدق في كارانا ، ثم استدار ، ومضى إلى داخل المعبد ، فالتفتت الكاهنة إلى كارانا ، وقالت : والآن لنتحدث بهدوء .
فقال كارانا : جئت أسأل عن خطيبتي .. انتوم .
وتساءلت الكاهنة : انتوم خطيبتكَ ؟
فأجاب كارانا : نعم ، خطيبتي .
وتلفتت الكاهنة ثانية ، وقالت بصوت خافت : خطيبتك اكتوم هنا ، وقد جاءوا بها صباح اليوم .
وقال كارانا : أريد أن أراها .
وهزت الكاهنة رأسها ، فتابع كارانا قائلاً بغضب مكتوم : يجب أن أراها .
فقالت الكاهنة : لا يمكن ..
وقاطعها كارانا منفعلاً : لا أفهم لماذا هي هنا ..
وقالت الكاهنة : إنها هنا بأمر من الملك .
وحدق كارانا فيها مذهولاً ، وقال : ما السبب ! ولماذا انتوم بالذات ؟
وتلفتت الكاهنة حولها مرة أخرى ، ثم نظرت إلى كارانا ، وقالت : لا أريد أن أخدعك ، وأقول لك ، لا تقلق ، إن الأمر هين ..
وصمتت لحظة ، ثم قالت : من الصعب أن أوضح لك الأمر الآن .
ومالت عليه ، وهمست له بصوت خافت : تعال بعد منتصف الليل ، سأفتح لك الباب الخلفي ، وسأوضح لك كلّ شيء .
وهمّ كارانا أن يردّ عليها ، فتراجعت الكاهنة ، وهي تقول : اذهب الآن ، سأنتظرك بعد منتصف الليل ، لا تتأخر .









" 9 "
ــــــــــــــــــ

عند منتصف الليل ، كان كارانا يقف بالباب الخلفي للمعبد ، وسرعان ما فتح الباب قليلاً ، وجاء صوت الكاهنة من الظلام خافتاً حذراً : كارانا ، أدخل .
ودخل كارانا ، وإذا الكاهنة تقف خلف الباب ، فقالت له : جئتَ في الموعد .
ثم أشارت إلى شجرة قريبة ضخمة ، وقالت : تعال نقف تحت تلك الشجرة .
وسار كارانا في أثرها ، وتوقفت الكاهنة تحت الشجرة ، وقالت : كارانا ..
وتوقف كارانا على مقربة منها ، وقال : طمئنيني ، أرجو أن تكون انتوم بخير .
ونظرت الكاهنة إليه ، وقالت : إنها بخير ، لكن ..
وصمتت لحظة ، وقبل أن يرد كارانا بشيء ، قالت الكاهنة : هذه مشيئة الملك .
وفغر كارانا فاه ، وقال : لا أفهم .
وقالت الكاهنة : إن يوم الزواج المقدس قريب ..
وقال كارانا : الزواج المقدس !
واستطردت الكاهنة قائلة : وتعرف أن الملك شولكي ، يمثل فيه دور الإله تموز ، وإحدى الكاهنات تمثل دور الإلهة عشتار ..
وصمتت الكاهنة ، فقال كارانا : أنا أعرف هذا ، ويعرفه الجميع ، إنني أتحدث عن انتوم .
وقالت الكاهنة ، وكأنها لم تكن تصغي إليه : يفترض أن أقوم أنا بدور عشتار هذا العام ، لكن الملك استبعدني ، واختار بدلاً مني .. انتوم .
وشهق كارانا قائلاً : انتوم !
وهزت الكاهنة رأسها ، فقال كارانا : لكن انتوم فتاة صغيرة ، ثم إنها ليست كاهنة .
فقالت الكاهنة : ولهذا أمر بإدخالها المعبد ، وجعل منها كاهنة .
ومدّ كارانا يده إلى خنجره غاضباً ، وقال : كلا ، لن أسكت على هذا .
ومدت الكاهنة يدها ، وأمسكت يده ، وقالت : هذا لن يفيدك في شيء، يا كارانا ، فجند الملك في كلّ مكان ، ولن تفلت منهم .
فقال كارانا بصوت يضج بالغضب : أنا خطيبها .
وعلى الفور ، وضعت الكاهنة يدها على فمه ، وقالت له بصوت خافت : صه .
ثم أنصتت قائلة : أحدهم قادم ، لعله واحد من الحراس ، الأفضل أن تذهب الآن .
وأبعد كارانا يدها عن فمه بشيء من العنف ، وقال بصوت خافت : لن اسمح بهذا ، مهما كانت النتيجة ، إنها خطيبتي .
وتلفتت الكاهنة مرة أخرى ، وقالت : لديّ ما هو أفضل ، وقد تنقذ انتوم .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : غداً يأخذون انتوم مع الغروب ، وتدخلها كبيرة الكاهنات إلى غرفة الزواج المقدس ، في أعلى الزقورة ، ثم يقوم كبير الكهنة ، بأخذ الملك إلى عروسه تلك الليلة ..
وهمّ كارانا أن ينفجر بالكلام ، فقاطعته الكاهنة قائلة : مهلاً ، خلال هذه المدة ، ستصل أنت إلى انتوم ، عن طريق سلم داخلي سري ، سأقودك أنا إليه خلال الاحتفالات ، ويمكنك أن تهرب مع انتوم عن طريق هذا السلم نفسه .
وهنا ندت حركة من الظلام ، فدفعت الكاهنة كارانا برفق نحو الباب ، وقالت : اذهب ، الحارس قادم .
وذهب كارانا مسرعاً ، عبر فتحة الباب الخلفي الصغيرة ، فأغلقت الكاهنة الباب الخلفي ، وتسللت بهدوء تحت جنح الظلام ، ومضت إلى داخل المعبد .





" 10 "
ـــــــــــــــــــــ

منذ أن جاء كبير الكهنة بانتوم ، إلى المعبد ، صباح يوم أمس ، وهي رهينة هذه الغرفة المنعزلة ، لا تدخل عليها إلا كاهنة فتية ، تأتيها بما تحتاجه من طعام وشراب .
وقد حاولت مراراُ ، أن تعرف من الكاهنة سبب وجودها في المعبد ، إلا أن الكاهنة كانت لا تجيبها إلا بعبارة واحدة : لا أدري ، يا سيدتي .
وهذا الصباح ، جاءتها الكاهنة الفتية بطعام الفطور ، وقالت لها : سيدتي ، تناولي فطورك ، ستزورك كبيرة الكاهنات لتتحدث إليك .
وتناولت أنتوم قليلاً من الطعام ، رغم أنها كانت جائعة ، وابتعدت عن الصينية ، وجاءت الكاهنة الفتية ، وأخذت صينية الطعام ، وقبل أن تخرج ، قالت لانتوم : سيدتي ، ستأتي كبيرة الكاهنات بعد قليل .
وبعد قليل ، دُفع الباب ، ودخلت كبيرة الكاهنات ، وتطلعت إلى انتوم ، وقالت : طاب صباحك .
وردت انتوم قائلة : طاب صباحك ، يا سيدتي .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : من فضلكِ ..
وقاطعتها كبيرة الكاهنات بلطف ، ولكن بشيء من الحزم : أنت منذ البارحة ، وبأمر من الملك ، كاهنة من كاهنات هذا المعبد المقدس .
وهمت انتوم أن تتكلم ، فأضافت كبيرة الكاهنات قائلة : اليوم سيتم الزواج المقدس ، ملكنا المحبوب شولكي سيكون كالعادة الإله تموز ، وستكونين أنتِ .. الإلهة عشتار ، إلهة الحب والخصب .
وفغرت انتوم فاها مذهولة ، فقالت كبيرة الكاهنات : هذا شرف عظيم ، لم تحظَ به فتاة في عمركِ .
ولاذت انتوم بالصمت ، فقالت كبيرة الكاهنات ، وهي تتأهب لمغادرة الغرفة : بعد منتصف النهار ، ستأتيك كاهنة ، وستعدك لهذه الليلة المقدسة .
وبعد منتصف النهار ، جاءت الكاهنة الفتية ، ذات العينين السوداوين ، وتأملت انتوم ، وقالت : طاب يومك ، يا انتوم .
فردت انتوم قائلة : طاب يومك .
واقتربت الكاهنة منها ، وقالت : لقد زارتك كبيرة الكاهنات ، صباح هذا اليوم ، وأوضحت لك مهمتك ، فأنت اليوم الإلهة عشتار .
وقالت انتوم بصوت دامع : نعم ، ويا لها من مهمة .
وقالت الكاهنة في ابتسامة شاحبة : هذه المهمة تحلم بها الكثيرات ، يا انتوم .
ولاذت انتوم بالصمت ، فحدقت الكاهنة فيها ، وقالت : اسمعيني جيداً ، يا انتوم .
وشعرت انتوم بنبرة غريبة في صوت الكاهنة ، فرفعت عينيها إليها ، وقالت : نعم ، إنني أسمعك .
وتلفتت الكاهنة حولها ، ثم قالت : ما سأقوله لك ، يا انتوم ، يجب أن يبقى سراً بيني وبينك .
ونظرت انتوم إليها صامتة مترقبة ، فقالت الكاهنة : إنني لا أعدك بشيء ، ولكن يمكن أن تفلتي من هذه التجربة ، وهذا يتوقف عليك ، وعلى شجاعتك .
وقالت انتوم حائرة : إنني لا أفهم ما تقولينه ..
فقاطعتها الكاهنة قائلة : ستفهمين كلّ شيء في حينه ، ولكن عليك بعد أن نعدك للزواج المقدس ، أن تستسلمي بهدوء إلى كبيرة الكاهنات ، التي ستأتي قبل الغروب ، لتأخذك إلى غرفة الزواج المقدس ، في أعلى الزقورة .
وقالت انتوم بلهفة : سيدتي ..
فقاطعتها الكاهنة قائلة : ثقي بي .
وتراجعت بهدوء نحو الباب ، وهي تقول : لابد أن أذهب الآن ، دعيهم يعدونك لليلة .. الزواج المقدس ، حمتك الآلهة .
وقبل أن تتفوه انتوم بكلمة واحدة ، مضت الكاهنة إلى الخارج ، وأغلقت الباب وراءها .




















" 11 "
ـــــــــــــــــــــ

قبيل غروب الشمس ، وقد أعدت انتوم للزواج المقدس ، فتح باب الغرفة ، وأقبلت كبيرة الكاهنات ، وقالت : طاب مساؤك ، أيتها الإلهة عشتار .
وردت انتوم قائلة : إنني انتوم ، يا سيدتي .
فاقتربت كبيرة الكاهنات منها ، وقالت : أنتِ اليوم الإلهة عشتار ، إلهة الحب والخصب ، وستكونين الليلة زوجة الإله تموز .
ومدت يدها ، وأطبقت على يد انتوم ، وقالت : تعالي معي ، يا عشتار ، سآخذك الآن إلى فراش ..الزواج المقدس .
وخرجت انتوم من غرفتها ، وإلى جانبها كبيرة الكاهنات ، وكان في انتظارها عدد كبير من الكاهنات ، يحف بهن حرس مدججون بالسلاح ، فقالت كبيرة الكاهنات : الشمس تكاد تغرب ، فلنبدأ مسيرتنا نحو الزقورة ، حيث غرفة الزواج المقدس .
وسار الموكب تتقدمه انتوم ، وخرج من المعبد ، وراح يشق طريقه في شارع المواكب ، الذي يحف به الناس من الجانبين ، مهللين فرحين ، حتى وصلوا الزقورة ، التي كانت ساحتها الكبيرة تغص بالناس .
وعند سلم الزقورة ، توقفت كبيرة الكاهنات ، ووقفت انتوم إلى جانها ، وقالت : انتوم ، لنصعد السلم الآن ، إلى الغرفة المقدسة .
وأطرقت انتوم رأسها ، دون أن تتفوه بكلمة واحدة ، ومدت كبيرة الكاهنات يدها ، وأخذت بيد انتوم ، ثم قالت : هيا ، لنصعد هذا السلم .
وصعدت انتوم درجات السلم ، إلى جانب كبيرة الكاهنات ، حتى وصلت الطابق الأخير ، حيث غرفة الزواج المقدس .
ودفعت كبيرة الكاهنات باب الغرفة برفق ، وقالت : تفضلي ، يا إلهتي عشتار .
ودخلت انتوم الغرفة ، لكنها لم تلتفت إلى ما فيها من أثاث فاخر وطنافس نادرة ، فقالت كبيرة الكاهنات : إلهتي عشتار ، هذه غرفتك ، سأتركك الآن ، وسيأتي كبير الكهنة بعد قليل ، ومعه زوجك لهذه الليلة ، الإله العظيم تموز .
وأطرقت انتوم ، دون أن تتفوه بكلمة ، فاستدارت كبيرة الكاهنات ، وخرجت من الغرفة ، وأغلقت الباب ، وتركت انتوم وحدها.
ووقفت انتوم ، تنتظر بحيرة وقلق وأمل ، ما أشارت إليه الكاهنة ذات العينين السوداوين ، وإذا باب صغير جانبي يُفتح في هدوء ، ويطل منه كارانا .
وشهقت انتوم مذهولة : كارانا !
واقترب كارانا منها ، وهو يشير لها أن تلزم الصمت : هشششش .
وقبل أن تتفوه انتوم بكلمة ، أطبق كارانا على يدها ، وسحبها برفق نحو الباب الجانبي الصغير ، وقال : تعالي ، هذه فرصتنا ، لنهرب .
وهتفت انتوم قلقة : كارانا ..
ودفعها كارانا إلى الخارج ، وهو يقول : لا وقت للكلام الآن ، تعالي .
وخرج في أثرها ، ثم أغلق الباب .
وبعد قليل ، فتح باب الغرفة ، ودخل كبير الكهنة ، وهو يقول : تفضل ، يا مولاي ، أنت اليوم الإله تموز .
ودخل الملك شولكي ، وتلفت حوله ، ثم تساءل مندهشاً : أين الإلهة عشتار ؟
وانتبه كبير الكهنة ، إلى أن الغرفة كانت خالية ، فقال مذهولاً : مولاي ، لقد رأيت بنفسك كبيرة الكاهنات تصعد بها إلى هنا ، قبل قليل .
واندفع الملك شولكي إلى خارج الغرفة المقدسة ، والكاهن الأكبر في أثره ، وهو يصيح غاضباً : ابحثوا عنها ، في كلّ مكان ، أريدها الليلة ، حية أو ميتة .
فرد كبير الكهنة قائلاً : أمر مولاي .
في تلك اللحظة ، كان كارانا وانتوم ، يتسللان خارج المدينة ، متجهين نحو مجاهل الأهوار .. كطائرين فتيين .. يلوذان بعش بعيد دافىء آمن .


14 / 4 / 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??