الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتابات عَرَضِية 3: الرقابة والصَمْتْ

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2023 / 7 / 29
الصحافة والاعلام


"إن البصيرة لم تعثر على موضوع يجمع بين الضوء الساطع والظلام الدامس مثل أعماق الإنسان..ثمة مشهد آعظم من البحر والسماء هو أعماق الإنسان" فكتور هوغو.
قادتني قراءة مقال UMBERTO ECO*الموسوم " مقدمة إلى العصور الوسطى ـ البرابرة والمسيحيون والمسلمون"** الى الاهتمام بقراءة ترجمة كتابه الموسوم "إبتكار العدو Inventing the Enemy " إلى الإنجليزية. يحتوي الكتاب بالاضافة إلى مقدمة المؤلف على العناوين التالية: إبتكار العدو، المطلق والنسبي، جمال اللهب، صيد الكنز، المسرات المخّمَرة، لا أجنة في الجنة، هوغو ـ هيلاس!: شاعرية الفائض، الرقابة والصمت، علم الفلك الخيالي، العيش بأقوال مأثورة، أنا ادموند دانتيس، يوليسيس: هذا كل ما نحتاجه…، لماذا لم يتم العثور على الجزيرة، أفكار حول وكيليكس، حول هوامش المؤلف.
يذكر الكاتب في المقدمة:
كان، من المفروض، عنوان هذه المجموعة: كتابات عَرَضِية لرُبما "من حين لأخر". لكن الشاغل الوحيد للناشر كان: أن مثل هذا العنوان المتواضع المبهرج قد لا يجذب انتباه القارئ، في حين أن عنوان المقال الأول Inventing the Enemy قد يثير الفضول - هو الذي حدد الاختيار النهائي. ما هي الكتابات العَرَضِية وما هي فضائلها؟ باختصار: هي تمرين في الخطاب الباروكي، بشكل عام حول مواضيع لم يكن للمؤلف أي اهتمام محدد بها. لقد استحوذَتْ على اهتمام المؤلف وشجعته على التفكير في شيء كان من الممكن أن يتجاهله لولا ذلك - وغالبًا ما يتبين أن موضوعًا مفروضًا من الخارج أكثر فائدة من موضوع ناشئ عن نزوة داخلية. ميزة أخرى للكتابة العرضية هي أنها لا تتطلب الأصالة بأي ثمن، ولكنها تهدف إلى الترفيه عن المتحدث وكذلك المستمع.
يتكون الكتاب من مجموعة من المقالات كُتبت جميعها خلال العقد الماضي ،التاريخ والمناسبة مذكورة في نهاية كل مقالة مما يؤكد على طبيعتها العَرَضِية (من حين لأخر):
الرقابة والصمت:
أولئك الأصغر سنا من بينكم قد يعتقدون أن "فيلين veline" فتيات جميلات ترقصن في البرامج التلفزيونية، وان الكازينو عبارة فوضى فوضوية( chaotic mess). يعرف أي شخص من جيلي أن كلمة كازينو كانت تعني " بيت دعارة" وبعد ذلك، من خلال الدلالة فقط أصبحت " في مكان ما فوضوي"، بحيث فقدت معناه الأولي، واليوم أي شخص، وربما حتى أُسقف، يستخدمه للإشارة إلى الفوضى. وبالمثل، ذات مرة كان "بورديلو bordello" بيت “دعارة brothe“، لكن جدتي، وهي امرأة ذات أخلاق مستقيمة، اعتادت أن تقول "لا تصنع بورديلو" بمعنى " لا تصنع الكثير من المشاغبات"؛ لقد فقدت الكلمة معناها الأصلي تماما. قد لا يعرف الأصغر سنا بينكم أنه خلال النظام الفاشي، كانت فيلين عبارة عن أوراق أرسلتها الإدارة الحكومية المسؤولة عن السيطرة على الثقافة ( تسمى وزارة الثقافة الشعبية ـ لم يكن لديهم ما يكفي من روح الدعابة لتجنب مثل هذا الإسم الغامض) إلى الصحف. أخبرت هذه الأوراق الورقية الرقيقة الصحف بما كان عليهم التزام الصمت بشأنه وما كان عليهم طباعته. لذلك أصبحت الفيلينا، في المصطلحات الصحفية، ترمز إلى الرقابة، والحث على الإخفاء، لجعل المعلومات تختفي.
ومع ذلك، فإن الخط الذي نعرفه اليوم ـ فتيات البرامج التلفزيونية هو العكس تماما: انهن كما نعلم جميعا، إحتفال بالمظهر الخارجي، والرؤية، بل والشهرة التي تحققت من خلال الرؤية الخالصة، حيث يدل المظهر الذي كان يُعتبر في يوم من الأيام غير لائق. نجد أنفسنا مع شكلين من أشكال veline، والتي أود مقارنتهما بشكلين من الرقابة. الأول هو الرقابة من خلال الصمت. والثاني هو الرقابة من خلال الضوضاء. لذلك، أُستخدم كلمة فيلينا كرمز: للحدث التلفزيوني؛ العرض؛ والترفيه؛ والتغطية الأخبارية، وما إلى ذلك. لقد فَهَمَتْ الفاشية ( كما يفعل الطغاة اليوم عموما) أن السلوك المنحرف تُشجعه تغطيه وسائل الإعلام له حقيقة. على سبيل المثال، لا ينبغي ان تفترض ان كل ما دار في أذهان التسلسل الهرمي الفاشي كان خاطئا ـ وصحيح تماما أننا نعرف عن أحداث ذات أهمية وطنية حدثت فقط لأن وسائل الإعلام تحدثت عنها. على سبيل المثال، الاحتجاجات الطلابية في عامي 1977 و 1989: لقد كانت أحداثا قصيرة العمر سعت إلى تكرار احتجاجات عام 1968 فقط لأن الصحف بدأت تقول "1968 على وشك العودة". أي شخص متورط في هذه الأ حداث يعرف جيدا أنها من صنع الصحافة، بنفس الطريقة التي تُولِدُ الصحافة هجمات انتقامية، وانتحار، واطلاق نار في الفصول الدراسية ـ الأخبار حول إطلاق النار في إحدى المدارس تُثير عمليات إطلاق نار في مدارس أخرى، وربما تم تشجيع عدد كبير من الرومانيين على اغتصاب السيدات المسنات لأن الصحف أخبرتهم أنه تخصص حصري للمهاجرين ومن السهل للغاية ارتكابه: كل ما عليك فعله هو التسكع في أي ممر للمشاة، بالقرب من محطة سكة الحديد، وما إلى ذلك.
إذا كان النمط القديم للفيلينا- الرقابة يقول،" لتجنب التسبب في سلوك يعتبر منحرفا، لا تتحدث عنه "، فإن ثقافة فيليناـ الرقابة اليوم تقول، لتجنب الحديث عن السلوك المنحرف، تحدث كثيرا عن أشياء أخرى". لقد تبنت دائما وجهة نظر مفادها أنه إذا اكتشفتُ، عن طريق الصدفة، أن صحف الغد ستتناول بعض الأخطاء التي ارتكبتها والتي من شأنها أن تسبب لي ضررا خطيرا، فإن أول شئ سافعله هو زرع قنبلة خارج مقر الشرطة المحلية أو محطة السكك الحديدية. في اليوم التالي، ستكون الصفحات الأولى للصحيفة مليئة بها وستنتهي جنحتي الشخصية كقصة صغيرة في صفحة داخلية للجريدة. ومن يدري كم عدد القنابل الحقيقية التي تم زرعها لجعل قصص الصفحة الأولى الأخرى تختفي. مثال القنبلة مناسب صوتيا، لأنه مثال على ضجيج كبير يُسْكِت كل شئ أخر.
الضوضاء تصبح غطاء. أود أن أقول أن أيدولوجية هذه الرقابة من خلال الضوضاء يمكن التعبير عنها، مع الاعتذار لفيتجنشتاين، بالقول،" حيث لا يستطيع المرء أن يتكلم، يجب على المرء أن يتحدث كثيرا". يُعد البرنامج الإخباري الرئيسي TG1 على التلفزيون الحكومي الإيطالي سيدا لهذه التقنية على سبيل المثال، وهو ملئ بالأخبار عن العجول المولودة برأسين وحقائب انتزعها لصوص صغار ـ وبعبارة أخرى، نوع القصص الصغيرة التي اعتادت الصحف وضعها على صفحة داخلية ـ والتي تعمل الأن على ملء ثلاثة أرباع الساعة من المعلومات، للتأكد من أننا لا نلاحظ أن القصص الإخبارية الأخرى التي يجب عليهم تغطيتها لم تتم تغطيتها.
قبل عدة أشهر، لاحقت الصحافة التي يسيطر عليها برلسكوني ـ رئيس الوزراء القاضي الذي انتقده عدة أيام من أجل تقويض سلطة القاضي، وذكرت أنه جلس يدخن على مقعد وذهب إلى الحلاق وارتدى جوارب فيروزية اللون .
لإحداث ضوضاء، ليس عليك اختراع القصص. كل ما عليك فعله هو الإبلاغ عن قصة حقيقية ولكنها غير ذات صلة، ولكنها تخلق تلميحا من الشك من خلال حقيقة بسيطة أنه تم الإبلاغ عنها. صحيح وغير ذات صلة أن القاضي يرتدي جوارب فيروزية، لكن حقيقة الإبلاغ عنها تَخْلِقُ اقتراحا بشئ لم يتم الاعتراف به تماما، مما يترك علامة وانطباعا.
ليس هناك ما هو أكثر صعوبة للتخلص من قصة ذات صلة ولكنها حقيقية.
كان الخطأ الذي ارتكبته صحيفة لا ريبوبليكا ضد برلسكوني هو إعطاء الكثير من التغطية لقصة ذات صلة ب(الحفلة في منزل نويمي) إذا كانت، بدلا من ذلك، قد أبلغت عن شئ من هذا القبيل ـ " ذهب برلسكوني إلى ساحة نافونا صباح أمس، والتقى بابن عمه، وتناولوا البيرة معا…كم هو غريب" ـ كان من الممكن أن تثير هذه التلميحات والشكوك والاحراج لدرجة أن رئيس الوزراء كان سيستقيل منذ فترة طويلة. وباختصار، يمكن الطعن في حقيقة بالغة الاهمية، في حين لا يمكن الطعن في اتهام ليس اتهاما.
في سن العاشرة أوقفتني سيدة في مدخل حانة وقالت: " سأعطيك ليرة إذا كتبت رسالة لي ـ لقد جرحت يدي". كَوْني طفلا محترما، أجبت أنني لا أريد أي أموال وسأفعل ذلك ببساطة كخدمة، ولكن السيدة أصرت على شراء الآيس كريم لي. كتبت لها الرسالة عند العود إلى البيت شرحت لأمي ما حدث. قالت : " يارب، لقد جعلوك تكتب رسالة مجهولة. السماء، تعرف ماذا سيحدث لنا عندما يكتشفون ذلك!" انظر "، شرحْتُ، "لا يوجد شئ فضيع في تلك الرسالة.": في الواقع كان موجها إلى رجل أعمال ثري، كنت أعرفه أيضا (كان لديه متجر في وسط المدينة) ورد في الرسالة التي كتبتها للمرأة "لقد لفت انتباهنا أنك تنوي طلب يد Signorina X للزواج. نود أن نعلمكم أن Signorina X من عائلة محترمة ومزدهرة وتحظى بتقدير كبير في جميع أنحاء المدينة". الأن، لا ترى، عادة، خطابا مجهولا يثنى على موضوع الرسالة بدلا من إدانتها. ولكن ما هو الغرض من تلك الرسالة المجهولة؟ نظرا لأن السيدة التي جندتني لم تكن لديها أية أسباب لقول شئ آخر، فقد أرادت على الأقل خلق عدم الارتياح. كان المتلقي يتساءل " لماذا يرسلون لي مثل هذه الرسالة؟ ماذا تعني عبارة" تحظى بتقدير كبير في جميع أنحاء المدينة " في الواقع؟ أعتقد أن رجل الأعمال الثري كان سيقرر في النهاية تأجيل فكرة الزواج خوفا من الإقامة في منزل مع شخص ثرثار للغاية.
هذا النوع من الضوضاء لا يتطلب حتى أن تكون الرسائل المرسلة ذات أهمية خاصة، لأن رسالة واحدة تضيف إلى أخرى، وتخلق معا ضوضاء. يمكن أن تأخذ الضوضاء في بعض الأحيان شكل لا لزوم له. قبل بضعة أشهر كان هناك مقال جيد لبيرسيلي في مجلة L Espresso، يقول: هل تدرك أن الإعلان لم يعد له أي تأثير علينا؟ لا أحد يستطيع أن يُثْبِتَ أن مسحوق صابون واحد أفضل من الآخر ( في الواقع كلهم متشابهون)، لذلك على مدى الخمسين عاماً الماضية، كانت الطريقة الوحيدة التي توصل إليها أي شخص تُظْهِر لنا ربات البيوت اللواتي يرفضن عرض حزمتين من الصابون في مقابل سعر حزمة واحدة لعلامتها التجارية الخاصة، أو الجدات الذي يخبروننا أن هذه البقعة المتمردة ستختفي اذا استخدمنا المسحوق المناسب. لذلك تقوم شركات الصابون بحملات مكثفة لا هوادة فيها، تتكون من نفس الرسالة، التي يعرفها الجميع عن ظهر قلب، بحيث تصبح مضربا للمثل : "أومو يغسل بياضا أكثر من الأبيض"، وهكذا. الغرض منه ذو شقين: جزئيا لتكرار اسم العلامة التجارية (في بعض الحالات يصبح استراتيجية ناجحة إذا اضطررتُ للذهاب الى سوبر ماركت وطلبت مسحوق الصابون، فسوف أطلب Tide أو Omo لأنني عرفت هذين الأسمين منذ خمسين عاما)، وجزئيا لمنع أي شخص من إدراك أنه لا يمكن مناقشة وبائية حول مسحوق الصابون ـ سواء مع أو ضد. ويحدث الشيء نفسه مع أشكال أخرى من الإعلانات: يُلاحظ بير سيلي، أنه في كل إعلان للهاتف المحمول، لا أحد منا يفهم، في الواقع، ما تقوله المواصفات. لكن ليس هناك حاجة لفهم ما يقولونه ـ أنه الضجيج الكبيرالذي يبيع الهواتف المحمولة. أعتقد أنه من المرجح ان الشركات قد وافقت بشكل مشترك على التوقف عن الترويج لعلامتها التجارية الخاصة والقيام بالدعاية العامة، لنشر ثقافة الهاتف المحمول. اذا اشتريت نوكيا بدلا من سامسونج، اقناعك بعوامل أخرى، ولكن ليس عن طريق الإعلان. في الواقع، تتمثل الوظيفة الرئيسية لضوضاء الدعاية في تذكيرك بالرسومات المعلنة ، وليس المنتج ذاته، حاول التفكير في أكثر الإعلانات متعة وامتاعا ـ بعضها مضحك للغاية، وتذكر المنتج الذي يتعلق به. من النادر جدا أن تتذكر اسم المنتج الذي يشير إليه هذا الاعلان: الطفل الذي يخطئ في نطق " Simmental أو ربما " لا حفلة بدون مارتيني" أو "Ramazzotti مفيد لك دائما". في جميع الحالات الأخرى، تُعُوض الضوضاء عن حقيقة أنه لا توجد طريقة لإثبات تَمَيُزْ المُنْتَجْ.
لا شك أن شبكة الانترنيت تولد أعظم ضجيج لا ينتج عنه أية معلومات، دون نية للرقابة. أو بالأحرى: أولاً تتلقى معلومات، لكنك لا تعرف ما إذا كانت موثوقة. ثانيا، تحاول البحث عن المعلومات على الإنترنت: نحن الأكاديميون والباحثون، يمكننا البدء في اختيار المعلومات التي نريدها فقط بعد عشر دقائق من البحث. معظم المستخدمين الآخرين عالقون في المُدَوَنات، أو على موقع اباحي، وما إلى ذلك، دون التصفح بعيدا، لأن التصفح لن يساعدهم في العثور على معلومات موثوقة.
بالنظر إلى حالات الضوضاء التي لا تفترض مسبقا أية نية للوم، ولكنها مع ذلك تميل إلى الرقابة، يجب أن نذكر أيضا أن الصحيفة ذات أربع وستين صفحة. أربع وستون صفحة أكبر من أن تُعطي أهمية حقيقية لأهم المعلومات. هنا مرة أخرى، سيقول البعض منكم، " لكنني أشتري صحيفة للعثور على الأخبار التي تهمني". بالتأكيد، لكن أولئك الذين يفعلون ذلك نخبة تعرف كيفية التعامل مع المعلومات ـ ويجب أن يكون هناك تفسير جيد للانخفاض المخيف في عدد الصحف التي يتم بيعها وقراءتها. لم يعد الشباب يقرأون الصحف. من الأسهل العثور على مواقع La Repubblica أو Corriere della Sera على الانترنت ـ هناك على الأقل كل ذلك على شاشة واحدة ـ أو قراءة الاوراق المجانية في محطة القطار، حيث يتم وضع الاخبار على صفحتين.
لذلك، نتيجة للضوضاء، لدينا رقابة متعمدة ـ هذا ما يحدث في عالم التلفزيون، في خلق فضائح سياسية، وما إلى ذلك ـ ولدينا رقابة لا ارادية ولكنها قاتلة، لأسباب مشروعة تماما في حد ذاتها (مثل عائدات الإعلانات، ومبيعات المنتجات، وما إلى ذلك)، يتم تحويل فائض المعلومات إلى ضوضاء. (هنا انتقل من الاتصالات إلى الأخلاق) خلق علم النفس والأخلاق الضوضاء أيضاً. انظرالى إلى ذلك الأحمق الذي يسير على طول الشارع، مرتديا سماعات iPod الخاصة به. لا يستطيع قضاء ساعة في القطار في قراءة الصحف أو النظر إلى الريف، ولكن عليه أن يذهب مباشرة إلى هاتفه المحمول خلال الجزء الأول من الرحلة ليقول" لقد غادرت للتو" وفي الجزء الثاني من الرحلة ليقول"أنا قادم للتو." الآن هناك أشخاص لا يستطيعون العيش بدون أو بعيداً عن الضوضاء. لهذا السبب، تُقدم المطاعم وهي أماكن صاخبة بالفعل، ضوضاء إضافية من شاشة التلفزيون ــ أحيانا اثنتين ـ إلى جانب عزف الموسيقى آحيانا. إذا طلبت إيقاف تشغيلها، فان الناس يحدقون بك كأنك مجنون. هذه الحاجة الكبيرة للضوضاء تشبه الدواء. انها طريقة لتجنب التركيز على ما هو مهم حقا. العودة إلى الداخل في النهاية، لا يزال بإمكان مثال القديس أوغسطين تقديم مثال جيد لعالم السياسة والتلفزيون. في الصمت وحده تصبح الوسيلة الوحيدة القوية للمعلومات فعالة حقاً ـ الكلام الشفهي. جميع الناس، حتى عندما يتعرضون للقمع من قبل الطغاة الأكثر رقابة، تمكنوا من معرفة كل ما يجري في العالم من خلال الكلام الشفهي الشعبي. يعرف الناشرون أن الكتب لا تصبح من أكثر الكتب مبيعا من خلال الدعاية أو المراجعات ولكن من خلال الكلام الشفهي. بفقدان حالة الصمت، نفقد إمكانية سماع ما يقوله الآخرون، وهو وسيلة الاتصال الأساسية والموثوقة الوحيدة. أود أن أقول إن إحدى المشاكل الأخلاقية التي نواجهها اليوم هي كيفية العودة الصمت. وإحدى المشكلات السيميائية التي قد نفكر فيها هي الدراسة الدقيقة لوظيفة الصمت في مختلف جوانب الاتصال، دراسة سيميائية الصمت: قد تكون سيميائية التحفظ؛ سيميائية: الصمت في المسرح؛ الصمت في السياسة؛ الصمت في النقاش السياسي ـ وبعبارة أخرى التوقف الطويل، الصمت كخلق للتشويق، الصمت كتهديد، الصمت كاتفاق، الصمت كإنكار، الصمت في الموسيقى. انظروا كم عدد الموضوعات التي يجب دراستها فيما يتعلق بسيميائية الصمت، لذلك أدعوكم إلى التفكير من خلال الصمت وليس في الكلمات.
[محاضرة أُلقيت خلال مؤتمر الرابطة الإيطالية للسيميائية 2009 ]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو