الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستطيقا الشعر ونشاط الحواسّ -شاهداً أردت أن أكون- ليقظان الحسيني

كريم ناصر
(Karim Nasser)

2023 / 7 / 29
الادب والفن


هل تجاوز الشعر بيئته الأولى انتماءً وتقليداً كمعيار لنضجه الفنّي والرؤيوي واللغوي في مضمار الشعرية لتُصبح اللغةُ من منظور علمي ضرورةً حتميّةً في منطقها، ومدخلاً للحداثة نظراً إلى دورها المعرفي في بناء أيّ مكوّن أدبي أو فلسفي لتكوين ملامحه الفكرية والتحكم في مسارات تحوّلاته البنيوية؟
هل الشعر تجسيدٌ أدبيٌّ يقوم على ميكانزم اللغة ويتداخل مع حيثياتها؟
ما دور اللغة في تشخيصها للبلاغة الحديثة (الشعرية) وما سرّ توهّجها من منظور الحداثة، وهل اللغة نظام من العلاقات التي تكشف عنها السيميوطيقا (Semiotics) كمدخل لقراءة النص في مستواه الجمالي؟
هذا ما سنحاول استقصاءه في قراءةٍ تأويليةٍ لتجربة ذات دلالة فرضتها مستويات القصائد في الديوان الشعري الموسوم "شاهداً أردت أكون" للشاعر يقظان الحسيني.

واضح أنَّ أيّة قراءة نقدية لهذا المنجز الشعري قد تُعطي انطباعاً واحداً يكشفُ في العمق عن جوهر التفاصيل اليومية في مستواها الدلالي والإنساني معاً..
ولا غرو في ذلك أن تغدو التفاصيل مفاتيح وأسراراً وألغازاً للولوج فيها والكشف عن آثارها المتنامية، ما يعني أنَّ الواقعية الفنّية باتت معياراً وصيرورةً لأجواء الشاعر الطبيعية، وصبغةً يتّصف بها شعره، والحقيقة لم تكن بلاغة اللغة وامتداداتها الدلالية موضوعاً يشغل خياله ورؤاه ووعيه وفكره بغية تنقية مختبره الشعري، ما أدّى ذلك النقص إلى إضمحلال الصورة الشعرية كأثر جمالي وتلاشيها من سياقاتها اللغوية تماماً، ولهذا لم يأت ازدهار الشعر من منظورنا إلّا من منطلق إزدهار اللغة وانزياحاتها الجمالية، ولكنَّ هذا ليس لبّ القضية الجوهرية في الشعر ودلالته..
وقد يرى جان كوهن "أنّ الشعر انزياح أو انحراف عن معيار هو قانون اللغة" كمسوّغ لتنشيط الحواسّ، لا في كونه تضليلاً لمكنونات الوعي واللغة، هذا يعني أنّ الشعر في جوهره رؤيةٌ فنيّةٌ دلالية يستوحي من علم الإستطيقا (Aesthetics) موروثه الجمالي:
"سلاسلُ ترتفعُ وتنخفض
لا تمسكها قيودٌ
أنا رحلةٌ واحدةٌ أقابلك عند كلِّ النقاط" ص68

ومن فلسفة اللغة جوهرها الخصب:
"شقَّ قلبي وما من قمرٍ
يرحلون ولا يلوّحون" ص61

ومن أعطاف الواقعية تحوّلاتها الصاعقة:
"مدرّسنا المغمّس بوطنية مجيد بيعي يكرّر متهكّماً: الإنجليز نفعونا بشيء واحد
جلبوا لنا الدود الأسود ليقضي على الملاريا" ص42

وبهذا المعنى المنطقي وانطلاقاً من هذه القيمة الفنية فلم يكن الشعر في مفهوم الحسيني تجسيداً ذهنيّاً يتشرنق داخل قمقم البلاغة المعيارية، بل لم يناقض الشاعر تحوّلات النص اللغوية في ذروة فتوحاته وتَفجّر بؤره الأُسلوبية كمقياس لأصالته وآلية للتأصيل الفني لقصيدته والجنوح والمفارقة والإيجاز والتكثيف لصدم المتلقّي.

ومما نلاحظه في سياق استنتاجنا أنَّ كمون الكتابة في إطار الرؤية الواقعية الفنية لا ينفكّ يسري في أعطاف كلّ قصيدة ليكوّن وعيَ الشاعر ويعمّق رؤيته الفكرية تجسيداً لقيم يحفل بها الواقع، ولا غرابة أن تستبطن الوقائعُ المرّةُ مساحات الحلم والذاكرة والطبيعة لتفتح جدلاً عميقاً تتحقّق فيه رؤى الشاعر وخيالاته، وهذا ما يثري ديمومة التعبير في رحاب القيم النبيلة مقابل التداعيات الإنسانية وتهوّر البشر ماضياً وحاضراً:
"رأيتك أوّل رايات اليقين
ترفرفُ فوق جبالِ حلمٍ
وينابيع من الطهر" ص26

ولهذا لم يمنع تباين المستويات التركيبية ودلالاتها في بنية القصيدة من تنامي الصور الإستطيقية كامتدادٍ جمالي لديمومتها على حساب التداعي اللغوي، وما يلبث الشاعر أن يرصد الحالة الشعرية ويتصدّى لها لأنّه يمثّل محورها الأساس ما يُعطي انطباعاً قوياً بانصهاره الكلّي في خضمّ العملية الإبداعية والإندماج فيها والإنغماس في صلبها، وهذا ما يؤهّله كي يختار آليةً شعريةً مألوفة من وحي مدرسة الواقع والجنوح إلى الواقعية كمنفذٍ للتعبير الشعري عن أصدق المشاعر لاستشرافها في أحلى تجلّياتها الفنية ليثري بها قصيدته للسمو بكينونتها، لأنها أزميل الشعر وغايته.

لعلّنا لا نغالي كثيراً إذا ما أنصفنا الشاعر في غير مرّة نظراً إلى حقيقة اعترافنا بأحقيتهِ في الاحتفاظ بنمطٍ من الكتابة يكاد يستفيد من الاختزال كإطار فنّي له:

"لو عاد طفلك الرضيعُ
يستشرفُ الضفافَ
واشتهى شربةً من الفرات
مبشّراً بثأره" ص42

وهذه دلالةٌ تحيل في الأغلب إلى سلامة الوعي الذي يلخّص في إيجاز موهبته الفذّة، ورؤيته العميقة التي تتولّد منها نصوصه الشعرية في إطار يعمّق الشعور بالإحساس الجمالي والوجداني والمعرفة الحسيّة سعياً منه لاقتناص الصورة المقتضبة وبثّ الروح فيها استكناهاً لأسرارها من دون اللجوء إلى التزويقات اللفظية، والمحسنات البديعية والإيغال فيها كمحاولة للحدِّ من ترهّلها بما يضمن لها استقلاليتها، ومستوياتها الفنية مهما تخلخلت أنساقها وتخلّت بناها عن عناصر تسلسلها الكرونولوجي ضمن سياقاتها التركيبية بسبب نقص اللغة وضمورها أحياناً، فضلاً عن الإنزياحات المفرطة، والانثيالات الغنائية، والقافية وغياب الصورة الشعرية على حساب كثافة الفكرة، وليس التكثيف الدلالي، ولعلّ ما يخفّف من غلواء هذه الصورة ويميّز هذا المستوى الشعري من غيره هو جدلية الخطاب والتوحّد بالواقع ورصده وتتبّع ظواهر الحياة كمادة حيّة تغذّي أبجدية الشعر في جميع صوره الفنية بغية تكثيفها:

"الشطّ مرايا لموجاتٍ تجري
أخذونا شهوداً ضدّ عطا الشقيّ" ص40








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة