الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتفاء بالأديب عبد الرحيم الشيخ يوسف

محمد سالم خليل

2023 / 7 / 29
الادب والفن


محمد خليل
احتفاء بالأديب عبد الرحيم الشيخ يوسف

إنه لمن دواعي السرور أن نلتقيَ في هذه التظاهرة الأدبيّة والثقافية المميزة احتفاءً بصدور المؤلفات الكاملة لقامةٍ إنسانية وأدبية تستحق جدارةَ التكريم! قامةٌ جمعت في أعطافها مكارمَ الأخلاق، جنبًا إلى جنب مكارمِ التربية والتعليم، والأدبِ والثقافة والإبداع.
حقًا إنها لمناسبةٌ سعيدة أن نجتمعَ معًا، هنا في مدينة الطيبة العامرةِ بأهلها الكرام، والتي أنجبت ولا عجب، في الماضي كما في الحاضر، أعلامًا في الأدب والثقافة والفكر، وفي بلديتها تحديدًا. في بلديةٍ هي الرائدةُ على مستوى الوسط العربي في احتضانها المبدعينَ العرب ودعمِهم، من داخل مدينة الطيبة ومن خارجها سواءً بسواء! لنحتفلَ معًا بإشهار هذه القطوفِ الدانية التي بين أيدينا. قطوفٌ فيها ما تشتهيه النفس الذواقة مما لذَّ وطاب من صنوف الكلام، شعرِه ونثرِه. فمنا الكتابةُ وعليكم القراءة! فالكتب، كنوزُ المعرفةِ، وغذاءُ العقلِ والروحِ معًا، كانت وما زالت وستبقى يَنبوعًا للثقافة ومصدرًا للعلم، ومعينًا للمعرفة لا ينضب، بها نرقى وبدونها نشقى، كحال مجتمعنا المزري هذه الأيام في عزوفه عن الكتب، وبعده عن الثقافة وانغماسه في الكماليات والمُلْهيات! نحن نعيش حالةً من البؤس الثقافي والعنف الاجتماعي للأسف الشديد!
لا أبالغُ إذا قلت: هذه الأعمالُ الكاملةُ ثمارُ رحلةِ حياةٍ ومشروعُ عمرٍ بكل المقاييس. مشروعُ عمرٍ لأديبٍ عاشقٍ للغةِ، صاغه من بنات أفكاره ومِداد يراعه، بعد أن "ذاق وعرف ومن عرف اغترف" كما ورد في الأثر!
احتفالنا اليوم يأتي أيضًا في سياق واجب الاهتمام بمجهود مبدعينا وحقهم علينا وهم على قيد الحياة، والاعترافِ بفضلهم على مشهد حركتنا الأدبية والثقافية الفلسطينية المحلية وغير المحلية، وإبرازِ إضافاتهم النوعية لنا كأفراد في مكتباتنا الخاصة، وكمجتمع في مكتباتنا العامة، وإكرامًا واحترامًا لهم، ولصاحبة الجلالة لغِتنا العربية الجميلة. فالمجتمع الذي يكرّم مبدعيه ويحترمهم إنما يكرِّمُ ذاتَه ويحترمُ أدبَه وثقافتَه.
قد تكون شهادتي مجروحةً بحق أخي وصديقي أبي بشير، لكنَّ الأمانةَ العلميةَ تقتضي منا جميعًا توخي الصدقَ في القول والفعل، لذلك أقول: عرفت أبا بشير وتعرفت عليه منذ ما يزيدُ على عشرين عامًا فوجدته أخًا كريمًا، وصديقًا مخلصًا وأديبًا حصيفًا، يستدعي الاحترامَ والمحبة، متقنًا فنَّ الصناعتين: شعرِه ونثرِه بفضل وعيه القرائي، فالقراءةُ هي التي تصقل الكتابة. يعمل بلا كلل أو ملل، والأهَمُّ من ذلك كلِّه، أنه يعمل بتواضعٍ وصمتٍ لا مثيلَ لهما، وبعيدًا عن الأضواء، لا يتحدث عن نفسه، ولا يهوى التظاهرَ والتفاخر، انطلاقًا من مبدأ أنَّ الفعل الكتابي هو الهواءُ الذي يتنفسه الكاتب، إنه تحقيقُ الذاتِ في الوجود والحياة، منتِجًا للمعرفة لا مستهلكًا لها فحسب، فالمياه إذا ركدت أسِنت كذلك هو الأديب! وإن كنا هو وأنا نختلف، من حينٍ لآخر، في التفكير والتعبير في بعض القضايا والمواقف، لكن تحتَ مظلةٍ من المودة والاحترام المتبادل، والرأيِ والرأيِ الآخر، وعلى قاعدة أن اختلافَ الرأيِ لا يُفسد للودِّ قضية!
ثم أضيف: لا أعتقد أن المديح والثناء يمكن أن يزيداه مكانة أو يضيفا له فخرًا، فهو غني عن التعريف وليس بحاجة إلى شهادةِ أحدٍ. الأستاذ عبد الرحيم اسمٌ إنساني وأدبيٌّ وثقافيٌّ له حضورُهُ، لاسيما في مجال عطائه المتميز. وجهودُه الإبداعيةُ في حقل التربية والتعليم والبحث والتأليف معروفةٌ لدى الجميع، وفي مدارسنا تحديدًا. وأما مؤلفاتُه، وحضورُه الثقافي والإبداعي، في مشهد حركتنا الأدبية والثقافية فيعرفها القاصي والداني. إنَّ الكتابةَ، بمنظورٍ ما، فعلٌ وجوديٌ بامتياز، وسلاحٌ قويٌ بكل ما للكلمة من معنى. وهي، إلى ذلك، مرآةُ الكاتب، لما تشتمل عليه من معانٍ ودلالات: فهي عاكسةٌ لصورة الأديب، ولمخزونِ ثقافته وجَلاءِ أفكاره، وأيضًا فيها ما فيها من روح المجتمع الذي ينتمي إليه. يقول عميد الأدب العربي طه حسين إن الأدبَ في النهاية "روحُ الأديب الذي أنتجه، وصورةُ عقلِه وقلبِه وعُصارةُ طبعه وذوقه"! (طه حسين: خصام ونقد، ص28، دار العلم للملايين، بيروت 1955).
أعترف أنه من الصعوبة بمكان، في هذه العُجالة المختصرة، أن أضعَ في دائرة النقد الأدبي موادَ الكتابِ بجزأيه: شعرهِ ونثرهِ، وآتيَ على الموضوع من جوانبه كافةً، أو أن أفيَ المحتفى به ومنجزَه، ما لهما من حق ومستحق وذلك لضيق المجال، ناهيك بأنها مسيرةُ حياةٍ عريضةٍ حافلةٍ بالنجاح والعطاء، تستوجبُ دراسةً متأنـِّيةً وموسَّعةً أفقيًا ورأسيًا، للوقوف على القيمة المضافة: معرفيةٌ وجماليةٌ وأدبيةٌ وثقافيةٌ بحجم هذا المنجز.
فإذا ما استوقفَتنا موادُ الجزءِ الأول الخاص بـ" ديوان العرب"، في قراءة أولية لوجدناها قصائدَ تنتمي إلى الشعر الواقعي: العمودي، والشعرِ المنثور وشعرِ الموشحات، والتي تحتفي، في معظمها، بأشكال الحياة. وقد جَمعَت من التجاربِ الشخصيةِ المتعالقة مع الشاعر إلى درجة التلازم والمُشاكِلةِ في الوقت نفسِهِ، مبنىً ومعنى، زمانًا ومكانًا وحضورًا للمجتمع الذي ينتمي إليه. إلى ذلك، فإننا نجدُها، على كثرتها، متنوِّعةَ المستوياتِ لكنها غنيةٌ ثريةٌ، تلامس أنواعًا متعددةً من الشعر: كشعرِ المناسبات، والوطنيات والغزل، والمدح، والرثاء. تُحيل العتباتُ النصية فيه على حمولاتٍ من الأفكار الشعرية الشخصية ذاتِ الطابع العقلي والوجداني النابعةِ من صميم واقع الحياة. أفكارٌ قريبةٌ إلى القلب على المستوى الشخصي والجمعي وعلى قاعدة: لكل مقام مقال، إن من حيثُ الأسلوب وإن من حيثُ المضمون. كان الهمُّ الأولُ فيها لشاعرِنا توضيحَ تلك الأفكار. لذلك نجده حريصًا على الكتابةِ بأسلوبٍ كلاسي هو السهلُ الممتنع. أسلوبٌ واضحٌ ومفهومٌ، وهو في الوقت نفسه، أقربُ ما يكون إلى الأسلوب الخبري بما يشتمل عليه من لغة السرد الممتع، وإن غلبت عليه التقريرية والمباشَرة! في حين لم تحظ الصورُ الشعرية المتخيلة وسيلةُ الشعر الأولى، ولا الانزياحاتُ اللغوية، أو الأسطورة والرمز بنصيب مماثل. يقول المرحوم محمد الماغوط "أنا لست شاعرَ الفكرة، أنا شاعرُ الصورة الفنية! وكان سبقه إلى مثل ذلك الجاحظ!
حاصل القول: تكلَّم لأراكَ، هكذا قال سقراط! واكتب لأراكَ قياسًا! وقد رأينا أبا بشير وعرفناه من خلال ما كتب، والكتابةُ، بمنظور ما، هي الكاتب! وبعد، لا يساورني أدنى شك بأننا أمام عمل أدبي جديرٍ بالقراءة، فيه تنوعُ الموضوعات، ومترعٌ بلغةِ الأصالة والمعاصرة والحداثة. عملٌ كلَّف صاحبَنا من التعبِ والوصبِ الكثير، بعد أن تعمد في درب الآلام! ناهيك بأنه يتسم بطابع خاص وأصالةٍ شخصية، كما يشي بذوقٍ أدبي رفيع وحسٍ مرهف يُتقن لغتي النظم والنثر في آن، مع تخيرٍ لافت للموضوعات التي يعرض لها وما يوافقها شكلًا ومضمونًا. كيف لا وأديبنا لا يُرى إلا وهو مسكونٌ بعشق "بنتِ عدنانَ" متيمٌ في إثرها! وفي ذلك حسبه!
أخيرًا: باسمي شخصيًا وبالنيابة عن منتدى الفكر والإبداع نبارك لأخينا أبي بشير هذا الإنجاز، كما نتمنى له العمر المديد، والعيشَ الرغيد، وأن يرفل بثوب الصحة والعافية لتحقيقِ المزيدِ من العطاء الإبداعي المتميز في قادم الأيام. وأختم قائلًا: شكرًا لكم، شكرًا للكلمة الطيبة، والشكرُ الموصولُ للُّغة العربيةِ التي جمعتنا على الخير والمحبة والسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي


.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه




.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان


.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو




.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف