الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجهزة القمع في النظام المخزني : البوليس السياسي ، والجهاز السلطوي الطقوسي وزارة الداخلية ، بين الاستمرارية والتجديد .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


" البوليس السياسي قرصن لائحتي الفيسبوكية هذا الصباح ، وقطع الكونكسيون عن منزلي ، وعطل زر التعليقات في الهاتف النقال حتى لا اتواصل مع العالم الخارجي .. انني معرض حتى للقتل بدفع شمكار لقتلي ، او توريطي في نزاع مفتعل الذي نتيجته ، إمّا التصفية ، او توريطي في نزاع قد يدخلني السجن ظلما كما حدث في المرة السابقة ، خاصة ومنذ أسبوع وضعت ملف تجديد الجواز السفر بمقر المقاطعة الحضرية الرابعة ، من بين مقاطعات تتولى الرصد والتتبع والوشاية والتشهير .. " هذه الدراسة سأبعثها من Cyber .
ان التطرق لموضوع القمع في المغرب ، وكما جاء في العنوان أعلاه ، لا يخص فقط البوليس السياسي الذي تمثله " مديرية الاستعلامات العامة " RG بالمديرية العامة للأمن الوطني " ، كما لا يخص " المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني " DGST ، وليس وحده قمع الجهاز السلطوي الطقوسي الذي يجتهد اكثر من اللازم بالظهور بتمسكه ب " الاهداب الشريفة " ، والمعني هنا وزارة الداخلية ، وانما إضافة الى هذه الأجهزة ، هناك جهاز الدرك صاحب الأدوار الخطيرة ، حيث يتنافس المنافسة الشديدة مع جهاز البوليس السياسي بشقيه ، ومع الجهاز السلطوي الطقوسي لوزارة الداخلية ، في الظهور بمظهر الآلة المرتبطة والمدافعة عن النظام المخزني ، والأكثر من غيرها ارتباطا ب " السدة العالية بالله " ،وهناك جهاز اخر يشتغل بنفس المعنى ، وان كان دوره اقل ، هو جهاز " المفتشية العامة للقوات المساعدة " التي تنتمي الى الجيش ، وتعمل بكثافة لذا وزارة الداخلية ، التي توظفها في حماية النظام العام ، سواء فض المسيرات والتظاهرات ، او عند تواجدها رهن إشارة " القيّاد " ، ورجال السلطة في المقاطعات الحضرية ، وبالمكاتب الإدارية بالبادية المغربية .. لذا فالتصنيف هذا ضروري ، رغم محاولة الظهور باستقلالية هذه الأجهزة عن بعضها ، في حين تشتغل كشخص واحد ، والجميع يقدم نفسه " الخادم المطيع لإهذاب الدولة العلوية " او الدولة المخزنية التي تغلب فقط الجانب الأمني الضيق ، ولا علاقة لها بمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تهم الشعب المغربي وتهم المواطنين المغاربة .
لذا فالتطرق لموضوع القمع في المغرب ، هو تطرق لهذه الأجهزة ، التي وحدها واكثر من غيرها تعطي عنوان الدولة ، بالدولة ( الديمقراطية ) او الدولة الاستبدادية والطاغية والدكتاتورية . طبعا الموضوع من الأهمية بمكان ، وذا حساسية مفرطة على جميع الواجهات ، وخاصة عندما تتناوله بالبحث والتقييم الدول الديمقراطية ، كالبرلمان الأوربي ، والاتحاد الأوربي ، والولايات المتحدة الامريكية . فالتطرق لهذا الموضوع يثير طبعا ، عدة قضايا نظرية منها بالأساس ، التحليل الطبقي لتحديد طبيعة الطبقة الحاكمة التي تمارس القمع كحالة بطولوجية نفسية مريضة ، والطبقات الكادحة التي تعاني من قمع الأجهزة القمعية للدولة المخزنولوجية ، النيوبتريمونيالية ، النيورعوية ، النيوبتريركية ، والثيوقراطية المزيفة ، والطقوسية الغارقة في التقاليد المرعية ... فالبحث في طبيعة القمع بالدولة المخزنية البوليسية ، هو بحث ودراسة لطبيعة الدولة برمتها كأداة وأجهزة قمعية ، ويصبح من ثم المُسائل ، هو مسألة الديمقراطية عامة ، وضرورة التمحيص في مفاهيم " الامن " وفي مفاهيم " الحريات العامة والفردية " ... الخ .
ان هذه الدراسة لا تطمح ، وليس الغرض منها ، تناول الموضوع بهذا العمق والشمولية ، رغم أهميتها ، وسنقتصر فقط على استعراض اهم الأساليب القمعية التي يلجأ النظام المخزني البوليسي ، في صراعه من اجل البقاء والاستمرارية ، مستندا الى بعض الخلاصات التحليلية كنتائج متداولة ومسلم بها .
ومن ضمن هذه الخلاصات ، نستحضر بادئ ذي بدأ ، الظروف العامة التي دخل فيها الاستعمار الى بلادنا ، بهدف احتلالها عسكريا ، في جو الانتفاضات الشعبية العارمة المسلحة وغير المسلحة التي انتشرت كثورات ضد النظام المخزني العشائري بفاس ، فالانتفاضات الشعبية العارمة في صلب توجهها ، كانت ضد الدولة العلوية ، ومنها ضد السلطة المركزية المخزنية التي وضعها الشعب المغربي برمته في قفص الاتهام ، على اثر تخاذلها وعجزها عن حفظ السيادة الوطنية ، بل تواطؤها المكشوف مع الاستعماريين ، مقابل حفظ مصالحها ومصالح حفنة من الاقطاعيين الذين ترتكز عليهم . ولا تخفى على احد الظروف التي تم فيها عزل وخلع السلطان عبد الحفيظ تحت الضغط الشعبي ، والنضال الجماهيري ، والفرصة الأخيرة التي أُتيحت للسلطنة كحكم ، في شخص عبد العزيز الذي لم تتم مبايعته الا تحت شروط محددة – كتابيا – وعلى رأسها تحمل المسؤولية في العمل على توقيف التدخل الاستعماري ، وتنظيم الجهاد من اجل طرد الدخلاء الغزاة . وان تخاذل السلطان الجديد في القيام بالمهمة الملقاة على عاتقه ، كنظام ، بل وارتماءه هو الاخر في أحضان الاستعمار ، هو الذي اجج انتفاضة الجماهير ، ودفع بها وحركها في اتجاه العمل المباشر ، من اجل اسقاط هذا النظام .
ومن الثابت تاريخيا ، ان تدخل القوات الأجنبية الفرنسية ، هو وحده الذي تمكن من توقيف الانتفاضة المسلحة الشعبية البربرية المغربية الزاحفة من الجنوب ، كما تمكن من فك طوق الحصار العسكري الذي فرضه الشعب المغربي على العاصمة فاس ، لإسقاط النظام المخزني المتواطئ .
وبدون الاطالة في هذه الجوانب التاريخية ، نود التأكيد على خلاصة أولى كنتيجة وحقيقة ثابتة ، وهي ان شرعية النظام المخزني قد سقطت قبيل التدخل الاستعماري على يد الشعب المغربي الثائر ، سواء من الناحية السياسية والرسمية بتخلي السلطان عن نص العقد الذي لازم مبايعته ، او من الناحية العملية على يد الانتفاضة الشعبية المسلحة . وهذا التدخل الأجنبي هو وحده الذي تمكن من إبقاء السلطان فوق كرسي الحكم يحكم ، مع تحويل السلطة الفعلية تدريجيا الى نظام احتلال الاستعماري .
الآن ننتقل مباشرة الى ظروف ( الاستقلال ) الشكلي ، لنؤكد خلاصة ثانية مرتبطة بالأولى ، وهي ان الاستعمار عندما اقبل على تغيير اساليبه تحت ضغط النضال الوطني البطولي ، بعدما يناهز اكثر من نصف قرن من الاحتلال المباشر ، والتجأ الى أسلوب الاستعمار الجديد ، فان إنجاح هذا التحول كان يفترض بالنسبة اليه ، إيجاد طبقة محلية يعتمد عليها كوسيط ، ومستغل في نفس الوقت ، لتمديد استنزافه لخيرات البلاد الى ابعد مدى ممكن ، وشدها اليه بحبال التبعية ، مع ضرورة توفير الأدوات والأجهزة اللازمة لذلك ، ومن ثم اقباله على تسليم " شرعية الحكم " من جديد لحليفه المحلي ، وحرصه على صيانة أجهزة الدولة الاستعمارية كما هي ، وخاصة منها الأجهزة القمعية . وليس من المبالغة في شيء القول بان أجهزة القمع المخزني المغربية الراهنة ( البوليس ، المخابرات ، السلطة ، الدرك ، الفرق الخاصة ، الإدارة ، الجهاز القضائي .... الخ ) ، هي في الأساس من صنع الاستعمار ، تم تسليمها ووضعها بين ايدي حلفاءه ، واستمر تطويرها وتجديد اساليبها بتأطير مباشر او غير مباشر من طرف الخبراء الأجانب الى يومنا هذا . ولقد اعتبرت هذه الأجهزة كلها ، هي الضمانة الحقيقية والعملية ، زيادة على الضمانات الطبقية والسياسية ، لإنجاح خطة الانتقال الى مرحلة الاستغلال بأسلوب الاستعمار الجديد .
وهكذا ، فان أجهزة القمع الراهنة لم تكن في اصلها نتاجا محضا لتطور الصراع الطبقي الداخلي ، بل هي بالأساس أجهزة اوجدها الاستعمار ، لفرض استمرار النظام المخزني اللاشرعي تحت مظلته ، عن طريق العنف والاكراه ، علما بان النظام الاستعماري نفسه لا شرعي من الدرجة الأولى ، تمت مغربتها في مرحلة لاحقة ، مع استمرارها في نفس الوظيفة : حماية الشرعية المطعون فيها ، زيادة على توفير شروط النهب والاستغلال الفاحش ، من خلال ابعاد الجماهير عن مراكز التقرير ، وتزوير ارادتها ، وضرب نضالها ومقاومتها ، وباختصار : ضمان بقاء الحكم المطلق عن طريق القمع والعنف بشتى الأساليب .
ومجمل هذه الخلاصات والنتائج المترتبة عنها بالتأكيد يكون لها انعكاسات على طبيعة القمع الذي يمارس ببلادنا ، وطبيعة اجهزته . وهذا ما سنحاول تبيانه من خلال استعراض موجز لأساليب القمع لدا النظام المخزني البوليسي المغربي ، كتجديد واستمرارية للإرث الاستعماري والمخزني العتيق .
1 ) أسلوب العنف المباشر : التقتيل الجماعي ، الاغتيال والإرهاب .
ان هذا السلاح الفتاك الذي يلجأ اليه النظام المخزني البوليسي ، كلما مال ميزان القوى لصالح الشعب ولصالح الجماهير الشعبية ، ونهضت هذه الأخيرة للتعبير عن سخطها والدفاع عن حقوقها ، إمّا في شكل انتفاضة شعبية ، او من خلال خوض النضال السياسي ، وصياغة شعاراته الثورية الصائبة ، وفقا لأهداف استراتيجية واضحة ، إذْ ذاك يتخذ النظام المخزني البوليسي المرعوب قراره السياسي في اعلى مستوى طبعا الملك ، لتسخير اجهزته القمعية لممارسة أساليب العنف المباشر الاتية :
ا--- التقتيل الجماعي ، كما شاهدنا بشكل خاص في الريف سنة 1958 ، والريف ، قضية ناصر الزفزافي ومن معه ، و الدارالبيضاء سنة 1965 ، والدارالبيضاء في سنة 1981 ، وكل الشمال المغربي ، أي بما فيه الريف في يناير 1984 ، ومراكش كذلك التي رفعت فيها شعارات يسارية ، وتقدمتها حركات يسارية مغربية من اليسار الجديد، وانتفاضة 1990 خاصة بفاس ، زيادة على كل الانتفاضات الفلاحية ذات الطابع المحدود ، والتي ووجهت بنفس طريقة التقتيل هذه ، واودت بحياة مئات المواطنين الأبرياء ، ان لم نقل الآلاف منهم . وتجدر الإشارة الى ان هذا الأسلوب له امتداداته وجذوره في الطريقة التي كان يواجه بها النظام المخزني ، مقاومة الجماهير الشعبية في المناطق الخارجة عن سلطته ، أي ما يسمى ( ببلاد السيبة ) بلاد الثوار ، غير متردد في تنظيم الحرب ( بالمعنى الحرفي للكلمة ) ضد الجماهير ، وتسخير جيشه المرتزق للهجوم على القبائل البربرية الثائرة على النظام المركزي الطقوسي ، ومحاولة اخضاعها عسكريا ، ونهبها نهبا تاما ، وممارسة التقتيل الجماعي في حقها . وكانت هذه وسيلته الوحيدة لضمان بقاءه واستمراره .
ان نفس الهم في التسلط والبقاء ، والخوف من المستقبل ، هما اللذان يجعلان النظام الحالي يلتجئ لنفس الأسلوب ، وبالضبط عندما يهدد في وجوده ، وتطرح الجماهير أهدافها الاستراتيجية والمستقبلية الواضحة ، وتناضل وتتعبأ من اجلها .
وليس من قبيل الصدف ان نراه ، خلال قمعه الدموي ضد الانتفاضات الشعبية ، يركز بشكل خاص على تقتيل الشباب والأطفال ، كما شاهدنا خلال انتفاضتي الدارالبيضاء ( 1965 ) و ( 1981 ) ، وكما شاهدنا في يناير 1984 بكل شمال المغرب وبمراكش ، وكما حصل في انتفاضة 1990 .. فقتل الشباب والأطفال ، لانهم رمز المستقبل وقوته البشرية في نفس الوقت .
كما انه ليس من الصدفة كذلك ، ان يعبر النظام المخزني صراحة عن فزعه ورعبه الدائم ، من نضال الشباب وتحركهم المتصاعد . وهذا مثلا ما عبر عنه الخطاب الرسمي في 1981 بشهداء كوميرة ، وعبر عنه بعد انتفاضة 1984 بالاوباش . وقد سبق نفس التعبير غداة احداث الدارالبيضاء سنة 1965 ، عندما ذهب الى تنبيه وتحذير رؤساء الأحزاب السياسية من خطر الشباب الذي قال عنه انه يهدد جيلا برمته ، سواء كحكم او كقيادات وطنية .
ب --- الاغتيال : ويستهدف أساسا المناضلين السياسيين او النقابيين الذين يشكلون رمزا للنضال السياسي الثوري ، ويجسدون طموحات الجماهير الكادحة في التغيير الجذري ، وبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية ، زيادة على ما يقومون به من نضال شخصي صائب وفعال ، ويقدمونه من تضحيات في سبيل ذلك ، وما يلعبون من دور أساسي في توجيه النضال الشعبي ، وانارة الطريق امامه ، وصياغة أهدافه البعيدة والقريبة ، بالكلمة والكتابة ، او من خلال الممارسة العملية في الساحة .
وهذه كانت حالة المهدي بن بركة ، عمر دهكون ، عبد الرزاق لمروري ، نعيم كمال ، حسن الطاهري .... والقائمة تطول وتطول اذا اضفنا لها من ماتوا بالمعتقلات السرية الغير قانونية كسجن تزمامارت الرهيب .. الخ . اما قضية عبدالله بها ، الذي ( دهسه ) لقطار مسرعا على الساعة السابعة مساء من شهر أكتوبر ، فتلكم قضية أخرى . وعندما تتم تصفية عسكريين رميا بالرصاص ، ومن دون محاكمات من قبل ضباط كبار وموظفون كبار ، كإدريس الصري ، في المعتقل السري النقطة الثابتة 1 و 2 و 3 ، فهل المغرب اضحى مجزرة لذبح الناس من دون محاكمات ؟ .
فآلة القمع كانت تحصد كل من وجدته في طريقها من دون تمييز . فعدد الذين صفاهم الجهاز السلطوي بأدرعه البوليسية المختلفة في الصحراء هو عدد مخيف ، حيث لا يزال الى الان اكثر من 520 صحراوي مفقودا .. ولم يظهر له اثر ..
اذا كان النظام يلجأ الى اغتيال المناضلين ، القياديين منهم والقاعديين ، فلأن نضالهم السياسي والاجتماعي ، لا يقل أهمية وخطورة بالنسبة اليه عن الانتفاضات الجماهيرية ، والانفجارات الشعبية الواسعة ، يلتقي معها في نفس التوجه ، التوجه الاستراتيجي مرة أخرى ، يرعبه ويهدده ، والذي يتوجب قمعه بأشرس الوسائل وأكثرها فتكا وبدائية في نفس الوقت ، الاغتيال السياسي والتقتيل الجماعي بدافع سياسي كذلك .
ج --- الإرهاب المقنن على صعيد الدولة المخزنية : ويشمل مجموعة من الممارسات والأساليب ، تمهد للأساليب الاجرامية السالفة الذكر ، او تكملها ، ومن بينها ، الاختطافات المنظمة ، والتي تجري في واضحة النهار ، وبتحد كامل للرأي العام الداخلي والخارجي ، ولمنظمات حقوق الانسان الدولية ذات المصداقية في قرارتها التي تصدرها سنويا عن مجال الديمقراطية وعن مجال حقوق الانسان في المغرب . ان التعذيب الوحشي الذي يتعرض له المعتقلون السياسيون ، ومعتقلي الرأي ، ودعاة الدولة الديمقراطية ، والمنددين بالفساد وفاضحيه ، والذي اودى بحياة العديد منهم داخل السجون الرسمية كما في المعتقلات السرية ، وكذا أساليب التخويف والانتقام التي لا تمس المواطن المعني لوحده ، بل تذهب الى تشريد عائلته واقاربه زورا وتعسفا ، والاعتقالات والمحاكمات البوليسية الصورية ، التي يزخر بها تاريخ ( الاستقلال ) الشكلي ، سواء منها المحاكمات السياسية الكبرى ، او تلك التي استهدفت وتستهدف المناضلين افرادا وجماعات ، والتي لم تتوقف وتيرتها خلال حقبة الملك محمد السادس ، واخذت لها صورا كاريكاتورية ، بفبركة وتزوير المحاضر البوليسية ، لرمي الناس ظلما في سجون الملك المختلفة ..
والحقيقة ان إحصاءً كاملا لنتائج هذا القمع الممنهج والعنيف والمباشر ، خلال فترة حكم الحسن الثاني ، او خلال فترة محمد السادس بعد انقلاب تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 ، وضحايا التفجيرات ، وضرورة تعرية حقيقتها امام الرأي العام الدولي ، والرأي العام المغربي .. يحتاج الى مجهود خاص ، ويتطلب مجلدا كاملا ، اذا ما اراد الاحاطة بكل احداث التقتيل الجماعي ، والاغتيال السياسي ، والاختطاف ، والتعذيب ، والمحاكمات الصورية ، والاجراءات الانتقامية التي تعرض لها شعبنا خلال هذه الحقبة ، وبملابساتها السياسية والاجتماعية .
سنكتفي من جانبنا اذن بالتأكيد هنا ، على ان هذا النوع من القمع ، يسلط أضواء كافية ، من خلال الوقائع والاحداث المعاشة ، على طبيعة النظام القائم في المغرب ، كنظام يمارس الحكم المطلق ، لا ولن يسمح طواعية بانتقال ، ولو جزء بسيط من السلطة الفعلية الى ايدي الجماهير ، ولن يقبل سوى بالواجهات والمؤسسات الشكلية التي تخدم نفس الحكم ، او تغطي على طبيعته ، وتمنحه التبريرات اللازمة لأجل التسلط ، والبقاء كنظام مفترس .
الا ان أسلوب العنف والقمع المباشر هذا ،لا يمكن للنظام ان يمارسه بشكل دائم ، وفي أي وقت وحين ، لأنه يشكل في الحقيقة سلاحا ذا حدين ، غالبا ما يعود عليه بنتائج عكسية ، من خلال تأجيج التناقض الأساسي بين النظام ، واوسع الجماهير الشعبية ، وترسيخ سخط ونقمة هذه الأخيرة ، فضلا عن تنمية التناقضات الداخلية للنظام نفسه ، وخلخلة اجهزته ، وتأثرها بانعكاسات التناقض الأساسي المذكور . ومن ثم فان النظام يعتبر هذا الأسلوب الاجرامي ، بمثابة السلاح الفتاك المفضل ، لكنه السلاح الذي يستعمل عند الضرورة فقط ، أي عندما يشرع ميزان القوة في التحول بشكل ملموس لصالح الشعب ، جماهيريا وسياسيا .. في حين انه يستعمل مجموعة من الأسلحة القمعية المتنوعة ، والمتجددة باستمرار ، والتي تكتسي خطورة وفاعلية مماثلة ، من خلال استعمالها الدائم والمستمر في مستويات مختلفة ومتنوعة كذلك .
2 ) أساليب قمعية متنوعة ومتجددة .
في هذا السياق ، نرى الحكم القائم في المغرب ، يجتهد باستمرار في تجديد وتنويع اساليبه القمعية الدائمة ، لكي تشمل كل المرافق ، وتضمن تأطيرا واسعا للمجتمع ، وتأثيرا فعالا في كل الاتجاهات ، الافقية والعمودية ، مكتسبة بذلك طابع التعميم والشمولية ، الى درجة يرتفع معها مفهوم القمع الى مرتبة مذهب وعقيدة وايديولوجية في حكم الطغيان والاستبداد ، والدكتاتورية ...
ومن خلال ابحاثنا المعمقة لدراسة النظام المخزني ذي الأنماط والاشكال المختلفة ، وتفكيكه بالتحليل العلمي الملموس للواقع الملموس ، نجد تطبيقات هذا المفهوم أولا في المستوى الاقتصادي من خلال استغلال فاحش ، وممارسات تعسفية ، كما نشاهد في المدن والبوادي ، من خلال انتزاع الأراضي لأصحابها ، وتفقير صغار الفلاحين وتشريدهم ، او من خلال تهميش ملايين المواطنين في المدن ، وسد آفاق الشغل والعيش في وجههم ، او تجاهل الحد الأدنى من القوانين الاجتماعية بالنسبة للعاملين منهم ... وما ظاهرة الهجرة المكثفة من البوادي في اتجاه المدن ، ومن المغرب عامة في اتجاه اوربة ، الا تعبيرات بسيطة عن شراسة هذا القمع الاقتصادي والاجتماعي ، الذي يستهدف اقتلاع جذور جماهير واسعة ، والزج بها في أوضاع " المنفى الاضطراري " ، سواء داخل البلاد ، او في خارجها . وما ظاهرة الرشوة المعروفة ، بل المقننة والمشجعة من طرف الدولة ، الا تعبير بسيط كذلك ، عن طبيعة التعامل بين هذه الدولة النيورعوية ، والنيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية ، الكمبرادورية ، الثيوقراطية المزيفة ، الطقوسية الهائمة في التقاليد المرعية ، وربة الافتراس العام لثروة المفقرين ، الذين يزدادون فقرا على فقر .. فطبيعة التعامل بين هذه الدولة والمواطنين ، قوامه الابتزاز والتعسف ، وخرق ابسط حقوق المواطنة ..
اما على الصعيد الاجتماعي ، فغير خاف على احد ان سياسة التجهيل ، وحرمان ملايين الأطفال والشباب من التعلم والمعرفة ، وتشجيع ظاهرة تفشي الانحلال الاجتماعي والضياع ( الاجرام ، الفساد ، تعاطي جميع أنواع الممنوعات ... الخ ) ، كلها أساليب نصنفها ضمن القمع الاقتصادي الاجتماعي المسلط على فئات واسعة من الشعب المغربي ، كذلك الشأن بالنسبة للسياسة النخبوية في ميادين الصحة ، والشغل ، والسكن ، والنقل .. الخ . واذا كان هذا التنوع في القمع يسري في صفوف جماهيرنا الشعبية دونما تمييز ، فإننا نرى النظام يدفع اليه أحيانا ، بأهداف سياسية مُبيّتة ، مكنته من تكسير كل الهيئات التي كانت تحاصره في غلوه المفرط ، عند مزاولته السلطة . فاين نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، والاتحاد المغربي للشغل ، وأين اقوى حزب في الساحة الوطنية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ..فالعشرات وربما المئات من العمال يتم تسريهم والرمي بهم الى الشارع ، ليفترسهم غول البطالة والتسكع والحرمان . وأين هؤلاء وعائلاتهم من قوتهم اليومي .. سعيا وراء تركيع الجميع ، وتفكيك الهياكل والتنظيمات التي بقي يشم فيها شيء من روح الوطنية والشهامة المغربية .
اما على صعيد القمع السياسي البحث ، فإننا نجد النظام قد استفاد من تجربة المحاكمات السياسية الكبرى ، التي غالبا ما تتحول الى محاكمته هو بنفسه ، وتخلق موجة من التضامن داخليا وخارجيا ، تعود بفوائد سياسية على النضال الجماهيري عامة ، فعمل بمقتضى ذلك ، على رسم خطة تضمن له ممارسة القمع السياسي بشكل معمم وواسع ، عن طريق أدوات متسترة ومرنة عند الاستعمال ، لكنها لا تقل خطورة وفعالية في مواجهة المد النضالي المتصاعد ، وضربه قاعديا ، والحيلولة دون تجدره وتعمقه . هذا هو الدور السياسي الذي اسند للمحاكم المسلحة بالقوانين الردعية والقمعية ، وكلنا نتذكر قانون " قانون كل ما من شأنه ... السيئ الذكر ، والقانون باسم الإرهاب بعد انقلاب / تفجير الدارالبيضاء في مايو 2003 .
بهذه الطريقة ، حاول النظام المخزني ، ولا يزال ، شل نضال المنظمات الجماهيرية الحقيقية ، وخاصة منها المنظمة الطلابية " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب / ا و ط م / Unem " ، ال " ك د ش / CdT " ، وكذا ضرب القواعد الحزبية والمناضلين السياسيين ذوي الارتباط المباشر بالجماهير ، العاملين وسطها ولأجل خدمتها ، دونما تمييز بين هذا الحزب او ذاك ، لكن فقط بهدف منع الوعي والتأطير والممارسة التنظيمية والجماهيرية .
و لا فائدة في التأكيد هنا ، على ان " استقلالية القضاء " عامة ، وعندما يتعلق الامر بالمناضلين النقابيين والسياسيين خاصة ، ما هو الاّ قول فارغ المعنى ، لا علاقة له بالحقيقة . وقد لا يتسع المجال هنا لتعداد الأمثلة التي تكذبه بشكل قاطع ، والتي توضح ان خرق القوانين والتبعية المطلقة للبوليس السياسي ، وللقرار السياسي ، وللجهاز السلطوي الطقوسي، وعامة للجهاز التنفيذي ، هي القاعدة بالنسبة للقضاء المشدود بمصالح الطبقة الحاكمة ، والمسخر لخدمتها .
وفي هذا السياق ، نرى أحيانا ان القرار السياسي هذا ، الصادر عن الحكم المخزني لأجل توجيه ( العدالة ) ، واملاء القرار عليها ، لا زال يحن الى العهود المخزنية البالية ، والطقوسية القروسطوية ، كما نلمس في مفهوم " العفو " الذي يمارسه الحكم تجاه بعض " القادة " ، يمر أولا بتربية ( دار المخزن ) ، والعقاب الشديد لمجرد القول بفكرة مخالفة ، وينتهي بالعفو الأحادي الجانب الذي يشترط فيه الركوع والتوبة وتقديم " صكوك الغفران " ... ونجد هذا في نظرة الحكم لمختلف الهيئات والأحزاب التي يرفض تمثيليتها ، ويعتبرها مجرد أدوات للتعبته السياسية المفضلة : لعبة " القمع والانفتاح " ، وشد التوازن بين مختلف المتناقضات الموجودة ، او التي يتوجب خلقها ، عملا بالشعار الاقطاعي المعروف : شعار " فرق تسد " . فالنظام يعتبر ان الشرعية ، كل الشرعية ، له وحده ، يستمدها من مؤهلات مادية روحية يمتلكها دون سواه ، وبالتالي ، فإنّ كل من خرج عن " الطاعة " والخضوع للحاكم المطلق ، فانه عن " الامة الإسلامية بأسرها " ( حسب التعبير الرسمي ، وحسب طقوس القصر الغارقة في التقاليد المرعية )، فيباح فيه اشد العقاب ، بما في ذلك القتل والاغتيال .
وفي تعداد الأسلحة القمعية المتجددة والمتنوعة ، نجد النظام يولي اهتماما بالغا للجانب الأيديولوجي والدعائي ، من خلال ضجيج اعلامي يومي واسع النطاق ، تجند له كل الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية ، لانزال الدعاية الرسمية المنهجية بشكل مكثف ، عبر خليط من المفاهيم المادية والروحية الكاذبة ، لا يخرج اهتمامها عن هدف واحد : تبرير وتثبيت شرعية الحكم المطعون فيه ، والدعاية لسياسته ، وسياسة حلفاءه الامبرياليين من جهة ، والتعتيم والتشويه الإعلامي في حق القيم ، والمبادئ ، والاعمال الوطنية والتقدمية ، سواء على المستوى الوطني ، او القومي ، او الدولي . وهذا التطبيل والتهليل حول الأيديولوجية السائدة واصحابها ، والذي لم ينقطع ليل نهار، ليس مجانيا بطبيعة الحال ، بل انه يستهدف أساسا ، استيلاب المواطن ، والحيلولة دون اكتسابه وعيا كاملا ، بوضعية الاستغلال السائدة ، وتقديم هذه الأخيرة كشيء منزل يتوجب القبول به ، والخضوع له ، وبالتالي ، فان هذا أيضا أسلوب من أساليب القمع غير المباشرة ، والتقليل من فرص نهوضها واقبالها على النضال ، والدفاع عن النفس ، سواء على المستوى المطلبي والاجتماعي ، او على المستوى السياسي .
واذا كان هذا النوع من القمع الموجه للعقول بغرض شلها وتخديرها ، يكتسي طابعا خفيا متسترا ، فإننا نجد امثلة حية مماثلة في مجال الحريات بشكل عام ، بدءا بحرية التعبير التي تخضع لضوابط محددة ، إمّا عن طريق الرقابة المباشرة ، او من خلال فرض الرقابة الذاتية على الفرد او الجماعة ، وصولا الى ابتذال مفهوم الاقتراع العام ، وتزوير الإرادة الشعبية بشكل واضح مباشر ، كما شهد تاريخ ( الاستقلال الشكلي ) عبْر مسلسل المهازل الانتخابوية التي انفضح امرها للرأي العام الداخلي والخارجي على حد سواء .
ان دوس كرامة المواطن عمدا ، وجعله يشعر ويقبل بالواقع الطبقي ، والتفاوت الحتمي ، بين الغني والفقير في الحقوق كما في الواجبات ، وتكميم أدوات التعبير عن القيم والمبادئ الوطنية والتقدمية ، ومحاربة التنظيم النقابي والسياسي محاربة عشواء ، كلها أساليب تستهدف التحكم البوليسي في الحياة السياسية في البلاد عامة ، مع إعطاء العناية والاسبقية للبادية المغربية بشكل خاص .
وخلاصة القول ، ان الحكم القائم في المغرب ، قد اجتهد بشكل خاص طوال السنين الأخيرة من موت الحسن الثاني ، في إيجاد أدوات وأساليب قمعية متنوعة ومتجددة ، يتوخى من خلالها تعميم القمع ، وتوسيع نطاقه ومجالاته ، والرفع من فعاليته عبر حضور يومي ظاهر او متستر ، مع محاولة التقليل من ردود الفعل ، التي بإمكان القمع العنيف والمباشر ان يثيرها ..
ولا يفوتنا ان نذكر ان الاسلوبين ، العنف الاجرامي المباشر ، والقمع المعمم ، لا يتناقضان في شيء ، بل يكملان بعضهما البعض الآخر ، ولكل واحد منهما وظيفته الخاصة التي قد تتزامن مع وظيفة الثاني ، او تتفاوت معها في الزَّمَكان . فالعنف المباشر هو الأداة الرادعة الفتاكة التي يراد بها التدخل في الوقت المناسب ، للحيلولة دون تحول ميزان القوة لصالح الشعب والجماهير . اما الأساليب المتنوعة الأخرى ، والتي لا تخلو من عنف كذلك ، تلعب دور القمع اليومي الشامل والحاضر في كل مكان وبشكل دائم ..
ولا يفوتنا كذلك ان نرد على الدعاية الرجعية التي يروج لها النظام المخزني البوليسي ، تحت شعارات " الديمقراطية " والمسلسلات السياسوية الزئبقية ، والتي تريد ايهام الرأي العام ، بان الحكم في المغرب ، قد غير من طبيعته من تلقاء نفسه ، وانتقل من وضعية حكم ونظام مطلق ، الى نظام " تعدد الأحزاب " ، و " النقابات " ، و " الحريات الفردية والعامة " ، بل وحتى " الليبرالية " الممسوخة .. وهذه الدعاية المغرضة التي ساهم فيها بعض " الزعماء " المغاربة " الكارتونيين " . بل يذهبون ابعد من ذلك ، ويؤكدون ان المغرب اصبح " احسن بلد ديمقراطي في العالم الثالث " .. ، يتأثر بها كذلك ، بعض الأصدقاء والحلفاء ، انطلاقا من رؤية مبسطة ، ومقارنة سطحية بين الأوضاع السائدة في الأقطار العربية ، خاصة الجزائر التي لها عندهم حساسية من درجة مفرطة ، وبين الساحة المغربية التي تفيض حيوية ونشاطا بجمعياتها واحزابها وصحفها ، واهمهم عدالتها . وان النظام النيوبتريمونيالي ، والنيورعوي ، والنيوبتريركي ، الطقوسي ، القروسطوي ـ والثيوقراطي المزيف ، قد اختار الديمقراطية بديلا عنها . وللرد عن كل هذا ، وتوضيح الخطأ ، في منطلق هذا التقييم ، ونكتفي بالملاحظات الأساسية الآتية :
1 – ان وجود الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والصحف ، هي مكاسب حققها الشعب المغربي خلال كفاحه البطولي ضد الاستعمار نفسه ، وتمكن من فرضها خلال هذا العهد ، وبالتالي ، فان النظام الذي نصب نفسه على رأس البلاد غداة ( الاستقلال ) الشكلي ، وبتعاون مع الاستعمار الجديد ، قد وجد نفسه مضطرا للتعامل مع هذا الواقع القائم ، خاصة وان ميزان القوة كان لصالح القوى الوطنية التقدمية عامة ، وانه لم يتمكن من قلب هذا الميزان ، الاّ من خلال الانقلاب والانفراد بالسلطة ، والاعتماد على القمع كوسيلة أساسية للبقاء والاستمرار ، رغم حالة ضعفه الدائم الناجمة عن افتقاره ، لأي شرعية وطنية او تاريخية ، وبالأحرى شعبية وجماهيرية .. مع العلم ان النظام العلوي هو من ادخل فرنسا لاحتلال المغرب ، بمقتضى معاهدة او اتفاقية الحماية .
وباختصار ، فان ما فرضه الشعب المغربي من إمكانيات التعبير والنضال ، لم تكن يوما هدية من هدايا النظام ، او نتيجة ل " دمقرطة ما " ، بل انها نيلت بفضل تضحيات جسام ، وكفاح دؤوب ومرير ، سواء في عهد الاستعمار ، او خلال ( الاستقلال ) الشكلي . وما لائحة شهداء الشعب المغربي ، ولوائح السجناء والمختطفين والمشردين والمعطوبين ، الاّ ضريبة عن مثل هذا الكفاح البطولي ، لكنها لم تكن ضريبة مجانية ، بل انها حققت ما حققته من مكاسب على درب التحرر والانعتاق .
2 – ان طبيعة الحكم المطلق ، لم تتغير قيد انملة . وما طبيعة الدساتير الممنوحة والقوانين المعمول بها ، والتي تمركز السلطات التشريعية منها و التنفيذية في يد هذا النظام ، الذي اختزل في شخصه ، ولوحده مفهوم وعنوان الدولة ، زيادة على السلطة الروحية التي منحها لنفسه زورا وتسلطا ، وما الاحتكام لممارسته لهذا الحكم ، الذي لا يتوانى عن الطعن في سيادة الشعب علانية ، واحتكار السيادة له وحده دون سواه ، والمطبوع بطابع القمع الدموي الشرس ، الاّ اذلة قاطعة على ان " دار لقمان لا زالت على حالها " ، وان حالة الضعف فقط ، هي التي ترغم النظام على إيجاد واجهات " ديمقراطية " شكلية ، موجهة للاستهلاك الخارجي ، ومشدودة بشكل حديدي الى " جدلية القمع والانفتاح " السيئة الذكر ...
المطلوب اذن ، ليس الاكتفاء بالمقارنات السطحية ، لكن انصاف الشعب المغربي في كفاحه الطويل والصبور ، وتثمين مكتسبات هذا الكفاح ، وتقديم السند والمعونة ، والتضامن من اجل تحقيق اهداف التحرر الوطني الكامل للمغرب . وهي اهداف لا شك انها لصالح كل الشعوب الافريقية والعربية ، وكذا حركة التحرر على الصعيد العالمي ..
3 – لمحة عن طبيعة أجهزة القمع . ليس من السهل تفكيك وتحليل الجهاز القمعي المخزني ، لكننا كمحللين ودارسين لهذا الجهاز ، سنصب على تحليل الجهاز بالعلاقة مع نوع الدولة التي لها الجهاز ، لأنه يسمى بجهاز الدولة . بل ان العنوان الشائع عند العامة ، هو تسميته بالمخزن . فللتأكد من طبيعة هذا النظام خاصة هيكله الجامد ، وللتأكد من حقيقة أساليب البطش والإرهاب التي يمارسها في حق جماهيرنا الشعبية ، نعود لإلقاء نظرة سريعة على طبيعة الأجهزة القمعية نفسها ، التي ورثها عن " سلفه " ، الذي منحه الشرعية و" الحماية " في نفس الوقت : الاستعمار بصيغتيه القديمة والجديدة .
أكدنا أعلاه ، ان طبيعة الحكم في المغرب لم تتغير ، كما اشرنا الى ذلك كم مرة لهذه الطبيعة الاقطاعية الرأسمالية الهجينة . لان السؤال الذي حير كل مشتغل في الشأن العام ، خاصة في صفته المخزنية ، هو كيف ان هذا النظام قد حافظ على اصوله الاقطاعية ، وخاصة بالنسبة لبنياته الفوقية ، مع استيعابه لبنيات رأسمالية ، ودمجها في الهياكل القائمة ، وبالتالي ، استيعاب كل الأساليب الاستغلالية الرأسمالية ، والمناهج البرجوازية .. عدا المزايا ، والفوائد ، والقيم التي حققتها الثورات البرجوازية ، والمتجسدة فيما يسمى بالديمقراطية البرجوازية ، بفضل كفاح وضغط الفلاحين والعمال .. فهو بالتالي ، نظام شاذ يكاد يكون فريدا من نوعه ، من حيث استمرارية طابعه الاقطاعي المشدود للقرون الوسطى ، واستيعابه لهياكل رأسمالية عصرية في نفس الوقت .
ونجد طبعا انعكاسات وتأثيرات هذه الطبيعة الهجينة في كل المستويات ، سواء بالنسبة للهياكل والبنيات القائمة الاقتصادية والاجتماعية ، ذات الطابع المزدوج ، او المتعدد الاشكال ، او بالنسبة للإيديولوجية الاقطاعية العتيقة السائدة ، الممزوجة بتلقيحات برجوازية باهتة ، او بالنسبة للسياسة الرسمية التي تسعى عبثا ، الى التوفيق بين جوهر النظام الطقوسي المطلق ، وقيام مؤسسات " ديمقراطية " كتقليد ممسوخ للنمط البرجوازي الغربي .. ونجد هذا في طبيعة أجهزة القمع كذلك ..
وهكذا ، فان أجهزة القمع في الدولة المخزنية ، التقليدانية ، النيوليبرالية ، والنيورعوية ، و النيوبتريركية ، الثيوقراطية المزيفة ... الخ ، " متعددة البنيات " أيضا .. فمن جهة ظل الجهاز القمعي ، المخزنولوجي ، الطقوسي ، والقروسطوي قائما ، ولم تدخل عليه سوى بعض التحسينات المهزوزة في الشكل وفي الأسلوب ، وشيء من التطور في أدوات القمع المستعملة ، وهو الذي يبدأ بجهاز أعوان السلطة ، " المقدمين والشيوخ " ، والمتعاونين معهم في المدن والبوادي من اجل إحصاء انفاس المواطنين ، ومراقبة الكبير منهم والصغير ، ويمر بأجهزة المخابرات المبثوثة في بعض الزوايا ، والمعتمدة على الشعوذة والتلغيم .. ورؤسائهم من الخليفة الحضري ، القايْد ، رئيس الدائرة ( كان يسمى بقايْد ممتاز ) ، الباشا ، الكاتب العام والعامل والوالي .. ولينتهي هذا التركيب المخزني العتيق بأجهزة التعذيب ، والقتل ، والاختطاف ، والاغتيال ، والإرهاب تماما كما كان الحال في عهد (المولى) إسماعيل ، وغيره من السلاطين والملوك ، والدكتاتوريين الاقطاعيين المتعطشين الى البطش وسفك الدماء ..
ومن جهة أخرى ، نجد ان النظام قد قام بتطوير جهازه البوليسي الموروث عن الاستعمار ، وعمل بتأطير مباشر من الجهات الامبريالية ، على رفعه الى مستوى مستلزمات العصر ، وتقنياته الحديثة ،بدءً باستعمال الأساليب النفسية في التتبع والمراقبة والتحقيق ، وصولا الى الاشتغال باللجان المختصة والملفات المدروسة .. والعقل الالكتروني ..
وهذان الهيكلان لا يناقض الواحد منهما الاخر ، بل انهما يتكاملان وينسجمان ، كما اننا نجد قاسما مشتركا لهما في الاعداد المتعددة من " المخبرين " الذين يستقطبهم النظام ، استفادة من ظروف القهر الاقتصادي والاحتياج التي يعمل على ادامتها وتعميقها باستمرار ، كما نلاحظ ان الهيكل الأول يجيب عامة على ضرورات ممارسة العنف الاجرامي المباشر ، كما كُنْت ضحيته مرات عديدة بتوجيه من المدير العام للبوليس السياسي المدعو عبداللطيف الحموشي ، والوزير المنتدب في الداخلية سابقا المدعو الشرقي ضريس ، ووزير الداخلية المدعو عبد الوافي لفتيت ، وهذا الطاقم يشتغل طبعا تحت اشراف ( صديق ومستشار الملك ) رئيسهم المدعو فؤاد الهمة .
واذا كان الهيكل الأول مختص في ممارسات العنف الاجرامي المباشر ، فان الثاني يتولى دراسة " التوجيه " والتدقيق في الخطط الجهنمية التي تستهدف ضرب وتفتيت قاعدة القوى الوطنية التقدمية الحقة ، بالأساليب الأكثر خبثا وتسميما ومنهجية .
ويتمتع هذان الهيكلان المتكاملان بكل الوسائل والأدوات اللازمة لممارسة عملهما الخسيس والدنيء ، حيث نجد ان الفرق الخاصة ، والعصابات المسلحة المفصولة بعضها عن البعض الاخر ، هي التي تمنحها في الحقيقة ، احسن مثال عن " التعددية " التي يتشدق بها النظام المخزنولوجي البوليسي .. وهناك فرق ضمن هذا الهيكل الثاني تسمى بفرقة العمليات التقنية " التي تتولى الاعمال القذرة ، كالاختطاف خارج القانون ، والقتل والاغتيال ... أي كل ما يتصوره عقلك من الاعمال الاجرامية OT " Les opérations techniques " .
وبدون ادنى مبالغة ، يمكن القول بان جهاز القمع في المغرب ، هو " القطاع " الوحيد الذي يضمن لنفسه سيرا عاديا متطورا ، قياسا بالأزمة الخانقة التي تشهدها مختلف المرافق الاقتصادية والاجتماعية .. وهذا ليس من قبيل الصدفة ، علما بان القمع لدا النظام ، هو القاعدة الصلبة التي يرسي عليها أسس الاستمرارية والبقاء . وهذا ما ذهب اليه ، تجنبا لانعكاس الازمة الاقتصادية على سير كل الأجهزة ، الى تأمين تمويلها المتزايد عن طريق " المعونات " الخارجية ، وخاصة منها تلك التي تأتي من دول الخليج كالسعودية زمن الحسن الثاني ، والامارات العربية المتحدة .... الخ . ولا فائدة في التأكيد أيضا ، على ان التأطير والتوجيه والتكوين يتم اليوم باطر وطنية ، فيبقى للخبراء الأجانب من أمريكيين وفرنسيين ، واليوم إسرائيليين دور يؤكده الاتفاقيات المبرمة ، والتعاون ، ونوع العلاقات التي تجمع الدولة المخزنية ، بهذه الدول ، وبدول أخرى غيرها .. مع التأكيد على تعدد الأجهزة ، والفصل في اختصاصاتها ، لضمان التحكم في حجمها ، ولجعلها تراقب بعضها البعض الاخر في نفس الوقت .
ويجب الاعتراف ان النظام المغربي قد توفق فعلا في المجهود المتواصل الذي بدله خلال اكثر من ستين سنة ، في تطوير وتحسين هياكل اجهزته القمعية ، الى درجة أصبحت معها هذه الأجهزة تتمتع بمستوى عالمي ، وشهرة مرموقة ، وسمعة ذات صيت ، حيث ذاع صيتها في الوطن العربي وفي افريقيا .. فاذا كانت بلادنا تعاني ، مثلها مثل بقية بلدان العالم الثالث ، من ظاهرة " هجرة الادمغة " ، فإنها تمتاز عن هذه البلدان بكونها تعرف أيضا ، تصدير " الأطر البوليسية الكفؤة " ، في قمع الشعوب ، وكبح تطلعاتها . فكم عدد الرؤساء الافارقة ، استفادت دولتهم من خبرة الأطر الأمنية المغربية ذات المستوى العالي ، وكم طلبات الرؤساء الافارقة وهم يتهافتون على استيراد مثل هذه الأطر ، لحمايتهم من غضب شعوبهم ، ونضال قواها الثورية . ناهيك عن الأدوار التي لعبها الامن المغربي لتثبيت امن دول الخليج .
وتجدر الإشارة الى ان الأجهزة القمعية البحثة ، ذات الطبيعة والمستوى المذكور ، لا تعمل بشكل معزول داخل المجتمع المغربي ، بل تحظى ب " ترسانة " من الأجهزة الإضافية المكملة ، والتي لا يقل دورها في القمع خطورة وشراسة ، ومن ضمنها أساسا الجهاز الإداري المرتشي في المدن والبوادي ، الذي لا تنطلي " استقلاليته " على احد ، إذ انه جهاز مسخر للمراقبة والمتابعة السياسية أولا وقبل كل شيء . بل ان دوره التنفيذي المباشر في القمع والابتزاز والاعتداء على المواطنين ، ودوس حقوقهم ، والوقوف بشكل مكشوف الى جانب الاقطاعيين والبرجوازيين ، خدمة مصالحهم الاستغلالية في واضحة النهار ، الى درجة الاندماج في مصالهم ... دور معروف ، بل ومقنن ومجهر به ، من خلال النصوص الرسمية للدولة ، والتكوين الدقيق الذي تلقنه ل " رجال السلطة " ...
والى جانب الإدارة ، يقف القضاء أداة طيعة في يد جهاز البوليس السياسي المحافظ ، على مصالح الطبقة الاقطاعية / البرجوازية ، فالاحكام تصدر بناء على محضر البوليس ، حيث يتم تحويل الحق باطلا والباطل حقا ، حسب مستلزمات خدمة الحكم وقاعدته الاجتماعية والسياسية . هذا زيادة على أجهزة الاعلام بمختلف الوانها ، وما تلعبه من دور خطير وإرهاب فكري مستمر .
--- نضال الجماهير هو الأقوى :
كانت هذه لمحة مختصرة عن طبيعة الأجهزة القمعية التي سخرها النظام لتأطير مجتمع بكامله ، أفقيا وعموديا ، باستعمال اعتق الأساليب المخزنية والاقطاعية ، والأكثر حداثة و" عصرنة " كذلك . لكن هل هذه الأجهزة تسير بشكل آلي ومنسجم حسب رغبة الحكم وتوجيهاته المحددة ؟ . وهل الصورة قاتمة بهذا الشكل ، بحيث تغيب إمكانية الرد على هذا القمع الشامل الذي يحاول التحكم في جذور المجتمع وشرايينه ؟
رأينا في بداية هذه الدراسة ، كيف ان النظام القائم في المغرب ، لا يستمد شرعيته سوى من النظام الاستعماري اللاشرعي هو نفسه ، وكيف انه ينفي السيادة على شعب باسره ، وينفرد بها لوحده ، بتبريرات روحية وأخرى مادية واهية ، كما اكدنا على طبيعته القارة كحكم مطلق ، حافظ على اصوله الاقطاعية ، واندمج بشكل تبعي عضوي في النظام الرأسمالي ، ورأينا بالتالي ، كيف انه في حاجة حياتية وحتمية ، للقمع كوسيلة في الحكم ، وقاعدة أساسية له ، لا تتغير سوى اساليبها واشكالها بما يرفع من مستوى فعاليتها ، ويضمن لها تطويق الشعب ، والتسرب الى جسم المجتمع باسره ، كمثل مرض سرطاني مزمن ..
بقي لنا ان نؤكد من جهة أخرى ، وبشكل قاطع ، على ان النظام باعتماده على القمع ، سواء بأساليبه الاجرامية العنيفة المباشرة ، او بطرقه المتعددة العالية في الفنية والتقنية ، لم ولن يتمكن من حل التناقض الأساسي الذي يتواجه فيه ، بشكل تناحري مع أوسع الجماهير الشعبية المغربية ، واوسع فئات هذا الشعب الكادح ، التواق الى التحرر والعدالة الاجتماعية .
والحقيقة ان النظام لا يعمل سوى على تأجيل هذا التناقض ، وبرفعه في نفس الوقت ، الى درجة اعلا من الحدة والوضوح .. فسواء مارس حلقة من حلقات القمع الدموي الهمجي ، او حلقة من حلقات مسلسلاته الانفتاحية / القمعية الفاضحة ، فانه لا يعمل سوى في اتجاه الانتقال الى مرحلة يرتفع معها وعي الجماهير ، ونضجها ، وتمرسها ، وحنكتها في النضال الجماهيري الواسع النطاق ، وفي العمل السياسي والتنظيمي على حد سواء ، الى اعلى مستوى .
ومن المعروف ان من ضمن أساليب المواجهة التي يمارسها النظام واجهزته القمعية ، هناك أسلوب الحرب النفسية التي تسعى الى التضخيم والتهويل ، من قدرة هذه الأجهزة ، وحضورها في كل مكان وزمان ، وتمكنها من تلغيم كل ما هو منظم في الإطارات الجمعوية ، او النقابية ، او السياسية ، وبث عيونها وآذانها في كل مرافق المجتمع وقطاعاته .. وهذه الحرب النفسية تستهدف طبعا ، تخويف المواطنين ورعبهم ، و إذكاء الشك والتشكيك فيما بينهم ، وجعل الحذر وفقدان الثقة يحتلان الأولوية في العلاقة بين المواطنين ..
الا ان هذه الأساليب كلها ، مادية كانت ، ام نفسية وروحية ، وهذه الترسانة من الأجهزة والأسلحة المادية ، او الفكرية والأيديولوجية والسياسية ، لا يمكنها ابدا ان تصمد امام نضال الجماهير ، وهو يتقدم نحو مواقع افضل وامتن ، بصلب صموده وثباته ، ويتقدم في حل اشكالاته السياسية والتنظيمية ، ويرتفع بها الى المستوى المطلوب من الضبط والاحكام .
فهذه الأجهزة نفسها تم بناء قاعدتها بأفراد من الشعب .. فهي اذن ، ليست خالية من التناقض وحسب ، بل انها تعيش اجمالا ، نفس التناقضات الطبقية الصارخة التي يعيشها المجتمع بأكمله ، وتتأثر بها ، وتتفاعل مع انعكاساتها اليومية ، وهي بالتالي ، قابلة للانفجار والتفتيت ، بمجرد ما يميل ميزان القوة لصالح الجماهير بشكل ملموس ..
وهذا الشعب المكافح الصبور ، لا بد وان يحقق تكتل قواه الحية ، في وحدة وطنية حقيقية متراصة الصفوف ، ولا بد ان يفرز في الساحة النضالية والميدان ، طليعته الواعية المنظمة ، التي ستقود كفاحه المنظم كذلك ، وستفجر طاقاته الجماهيرية الهائلة التي ستجرف حتما ، بكل هذه الأجهزة : بتنظيماتها ( العصرية ) او العتيقة ، بأسلحتها الأيديولوجية او الحربية ، بمئات وآلاف المخبرين والوشاة المتعاونين معها ..
هذا ما علمتنا تجارب العديد من الشعوب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نادين الراسي.. تتحدث عن الخيانة الجسدية التي تعرضت لها????


.. السودان.. إعلان لوقف الحرب | #الظهيرة




.. فيديو متداول لحارسي الرئيس الروسي والرئيس الصيني يتبادلان ال


.. القسام: قنصنا جنديا إسرائيليا في محور -نتساريم- جنوب حي تل ا




.. شاهد| آخر الصور الملتقطة للرئيس الإيراني والوفد الوزاري في أ