الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتكار الأراضي الفلاحية والغذاء

الطاهر المعز

2023 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


يستخدم مصنعو الوقود ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية لإنتاج قصب السكر أو عباد الشمس أو فول الصويا أو غيرها من المنتجات التي لم تعد مخصصة لإطعام البشر أو الحيوانات، بل لإنتاج الوقود الحيوي "النظيف والمُحافِظ على البيئة"، كما يستخدم مصنعو الكهرباء عدة ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية لتركيب الألواح الشمسية كجزء من مشاريع الطاقة الكهروضوئية لشركات إنتاج الطّاقة الكهربائية المتجددة، وتضاعفت مساحة الأراضي التي تشغلها الألواح الشمسية بمقدار خمسة مرات خلال سنتَيْن، وكان من المقرر تركيب الألواح على الأراضي غير الزراعية، أو التي لم تعد صالحة للزراعة، مثل المحاجر القديمة أو الأراضي الصناعية المُهْمَلَة أو الأراضي القاحلة، ولكن يتم الآن تركيب معظم مشاريع إنتاج الطاقة المتجددة على الأراضي الزراعية، لأن حجم المشاريع على الأراضي المتدهورة أصغر حجمًا وأكثر تكلفة وأقل رِبْحِيّةً من الطاقة الشمسية المنتَجَة في الأراضي الزراعية الكبيرة التي تدُرُّ مكاسب كبيرة على شركات توليد الطاقة الشمسية وعلى كبار ملاك الأراضي.
تستهدف الصناعة الكهروضوئية الأشخاص الذين يُغريهم الرّبح فيُؤَجِّرُون أو يبيعون أراضيهم، وكذلك بعض المزارعين الذين تراكمت عليهم الدّيُون في المزارع التقليدية الكبيرة، ويَعتقدون إن تأجير أراضيهم يُشَكّل حلاًّ لمشاكلهم المالية، وتُشجّع الصناعة الكهروضوئية نموذج الزراعة المكثفة على مساحات واسعة من خلال استهداف المزارع الكبيرة فقط وارتفاع أسعار الأراضي الزراعية، ليتم بذلك إهمال المزارع الصغيرة ومحاصرتها بعشرات الهكتارات من الألواح الشمسية وبالمزارع الكبيرة التي تستخدم المُبيدات والأسمدة الكيماوية والكائنات المُعَدًّلَة وراثيا، كما يُؤَدِّي ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية (بفعل تأجيرها من قِبَل شركات إنتاج الطاقة الشمسية) إلى عدم تأجيرها أو بيعها للمزارعين الذين لا يستطيعون جمع المال الضروري للتّأجير أو للشراء، ويتعَمّد الملاك الأثرياء الإنتظار بضع سنوات، حتى تجتاح المناطق الحَضَرِيّة الأراضي الزراعية، ليرتفع سعر الأرض، فيتم تأجيرها أو بيعها للمضاربين العقاريين أو لشركات إنتاج الطاقة التي توصف بأنها "نظيفة"، مما يُساهم في القضاء على الزراعة العائلية التي تكافح من أجل البقاء.
أصبحت مشاريع الشركات الكُبْرى لإنتاج الطاقة الكهروضوئية على الأراضي الزراعية حكرًا على مجموعات صناعية ومالية أو مختصة في قطاعات لا علاقة مباشرة لها بإنتاج الكهرباء، مثل شركات النّقل أو التّجارة، لأن الأرباح مرتفعة بفعل الدعم المالي والحوافز التي تُقدّمها الحكومات، وبفعل انخفاض أسعار الأراضي في الأرياف، مقارنة بالأراضي في المناطق الحَضَرِيّة، وبذلك حَوّلت الشركات متعددة الجنسيات الأراضي الزراعية إلى مشاريع صناعية أكثر ربحية لَّأصحاب الأسْهُم، ودمّرت حياة صغار المزارعين ومربي الماشية، فضلا عن المصاعب الأخرى التي يُعني منها صغار الفلاحين كَالجفاف وتآكل التربة والمخاطر التي تُشكلها المواد الكيماوية على البيئة والأرض والحياة...
تواصل الشركات متعددة الجنسيات الاستيلاء على الأرض، ومن بينها أكبر شركات الكيماويات الزراعية في العالم، في إطار برامج ائتمان الكربون التي تستخدمها كذريعة لإخفاء انبعاثات شركات النفط والصناعات الغذائية والتكنولوجية الكبرى، وتعزز أنظمةُ عزل الكربون نموذج الزراعات الصناعية والتجارية وزراعة مساحات كبيرة من النباتات التي تُساهم في تآكل التربة وفي استنزاف المياه والموارد الطبيعية، وأصبح هذا النموذج من الزراعات الكُبْرى مسؤولًا عن أكثر من ثلث الإنبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري، ولذلك تكافح العديد من منظمات المزارعين ومجموعات المجتمع المدني في العديد من البلدان لمنع الحكومات من إصدار قوانين من شأنها أن تُدْمِجَ برامج زراعة الكربون الخاصة بالشركات ضمن الخطط الوطنية للحد من الانبعاثات.
إن الزراعة الصناعية لا تهتم سوى بتحقيق عوائد عالية، ولا تتردّد لحظةً عن استنزاف المياه والأرض واستنفاد العناصر المُغَذّية، فتلجأ إلى إضافة كميات متزايدة من الأسمدة الكيماوية ومن المبيدات (ومن الوقود الأحفوري) لزيادة الإنتاج، والنتيجة هي انخفاض كارثي في مستوى المواد العضوية في التربة، فقد فقدت تربة الأراضي الزراعية أكثر من نصف المواد العضوية وتضرر أكثر من ملياري هكتار من الأراضي الزراعية في العالم، خلال أقل من عقْدَيْن، ما أدّى إلى انخفاض غلة المحاصيل وزيادة تلوث النظم المائية عن طريق جريان الأسمدة، وبما أن المادة العضوية في التربة هي في الغالب الكربون، فإن هذه الزراعات الكبرى تساهم بشكل كبير في إطلاق كميات هائلة من الكربون في الغلاف الجوي، لتدْفُنها في الأراضي الزراعية بمناطق أخرى من العالم، وهكذا يتم تسميم مجمل الأراضي الزراعية
ما العمل ؟
هذه الشركات الزراعية متعددة الجنسيات مثل Yara ، أكبر شركة أسمدة في العالم ، أو Cargill ، شركة التجارة العالمية للسلع، وغيرها مسؤولة عن كارثة التربة والتلوث، لكن معظم حكومات الدّول الرأسمالية الكبرى تُمثّل مصالح هذه الشركات ومثيلاتها ولذلك ابتكرت طرقًا لتجنب الحد الفعلي من انبعاثات الوقود الأحفوري وتخزين الكربون في الأراضي الزراعية الفقيرة، ومُغالطة مواطني ومزارعي العالم عبر دفن الكربون المُنتَج داخل البلدان الرأسمالية في الأراضي الزراعية لصغار المزارعين أو في البلدان الفقيرة، وبذلك شكّلت برامج الغسيل الأخضر ( greenwashing ) وسيلة للإستيلاء على أراضي شاسعة لتعزيز السيطرة على الزراعة وإنتاج الأغذية.
لم تشجع الشركاتُ الزراعيةُ والحكوماتُ الزراعةَ العضويةَ والبدائلَ، مثل برامج الزراعة الإيكولوجية وإعادة توزيع الأراضي وإعادة توزيع النظم الغذائية لإعادة الكربون إلى التربة وتقليل الانبعاثات في النظام الغذائي، إذْ يمكن تقليل الأسمدة من خلال تعزيز أنظمة جذور النباتات أو التنوع البيولوجي للتربة، وبذلك تتم المحافظة على التربة وعلى سلامة البيئة، ويتطلب ذلك تشجيع وتحفيز طرق الزراعة المُستديمة، غير أن سياسة معظم الحكومات تخدم مصالح الشركات العابرة للقارات، ما أدّى إلى طرد صغار المزارعين - الذين يمتلكون المعرفة والخبرة والبذور اللازمة للحفاظ على تربة صحية - من أراضيهم وتم تجريمهم من قِبَلِ الشركات متعددة الجنسيات التي استحوذت على ملايين الهكتارات من الغابات والمراعي والأراضي الزراعية الخصبة وقضت على البُذُور والنباتات التقليدية لإفساح المجال لزراعة عدد قليل من أنواع المحاصيل المعتمدة على المواد الكيميائية.
إن دَفْن الكربون في المناطق الريفية هي مجرد عملية تحويل تم تصميمها بواسطة شركات الأغذية والأعمال الزراعية الكبرى التي تستفيد من نظام الغذاء العالمي الحالي، وتؤدي هذه الخطط المدعومة من السلطة السياسية إلى الاستيلاء على الأراضي المرتبطة بأرصدة الكربون، فالنظام الغذائي مسؤول عن أكثر من ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، ويجب أن تركز إجراءات تنقية المناخ أولاً وقبل كل شيء على تقليل الانبعاثات، وليس على نظام التعويض ونقل الكربون من مكان إلى آخر، ولكي يتم التعامل بفعالية مع أزمة المناخ، من الضروري القضاء على الأسمدة النيتروجينية والمدخلات الكيميائية الأخرى وتعميم الإنتاج الزراعي البيئي من خلال تشجيع أسواق الغذاء المحلية، في إطار الإجراءات التي تضمن وصول صغار المزارعين إلى الأرض والمياه، كما يجب تشجيع أنظمة بذور الفلاحين التي تركز على تطوير أصناف تتكيف مع السياقات المحلية، وهذا يتطلب القضاء على الإفراط في الإنتاج والإفراط في استهلاك الأطعمة عالية الانبعاث، مثل اللحوم ومنتجات الألبان وكذلك الأطعمة غير الضرورية وغير الصحية فائقة المعالجة كالمُعلّبات التي تُضاف لها العديد من المواد الضارة بالصحة والتي تروج لها الشركات الغذائية الكبرى باستمرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيلي ضد حزب الله.. هل نشهد غزة جديدة في بيروت؟ | #


.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: نست




.. المتحدثة باسم البيت الأبيض: الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق إز


.. رصد لأبرز ردود الغعل الإسرائيلية على اغتيال القيادي في حزب ا




.. وزير الخارجية اللبناني يتهم إسرائيل بـ-الإرهاب- بعد انفجارات