الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع حاوية قمامة

حسن عطا الرضيع
باحث في الشأن الاقتصادي وكاتب محتوى نقدي ساخر

(Hasan Atta Al Radee)

2023 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية



حوار تخيلي بين " نباش" يجمع البلاستيك من القمامة مع حاوية القمامة أمام منزل مسؤول سياسي.
على مدخل عمارة سكنية فاخرة يسكنها مسؤول يعمل في مجال السياسة والتجارة في آن واحد ويعرف جيداً من أين يجب أن تُوكل لحم الكتف، مسؤول سياسي كان فقيراً مُعدماً لا يجد قوت يومه إلا بصعوبة، وبُحكم صدفة كانت أفضل من مليون ميعاد، مَن الله عليه ليعيش حياة من البذخ والثراء لم يَحلم بها في سنوات طفولته وريعان شبابه، كان حُلمه الحصول على فرصة عمل بسيطة أو بناء غرفة سكنية وبداخلها دورة المياه إضافة لمطبخ صغير وصالة ضيافة ليتمكن من الزواج وبناء أسرة، ودراجة هوائية كوسيلة نقل للذهاب إلى العمل والسوق لشراء الاحتياجات دون الاضطرار لدفع فتات الأموال على سيارات الأجرة، ما كان يعتبره حُلماً في أهم سنوات حياته أصبح حقيقة لكن بمستويات مضاعفة، فالغرفة على سطح المنزل أصبحت عمارة سكنية كاملة، وفرصة العمل أصبحت فرص لا تُعد ولا تُحصى أصبح المال بيده كما الماء في حنفيات المنزل، آلاف وعشرات الآلاف من الدولارات أصبح دخله الشهري ليس من عمله في وظيفة ما بل من تعدد وتنوع مصادر الدخل، أصبح أغلب وقته يُتابع شاشة البورصة وبُحكم العادة والممارسة امتلك معرفة اقتصادية وقدرة على التنبؤ كما لو كان دارس علم الاقتصاد، فهو كغيره من المسؤولين يمتلك عقلية التاجر فتحقيق الثراء يتطلب تفتيتاً للمخاطر عبر عدم وضع البيض كله في سلة واحدة.
أمام بيت هذا المسؤول يُمر عامل فقير وبيده حديدة طولها 50 سنتيمتر (سيخ حديدي الذي يُستخدم في تسليح المنازل) يستخدمها في نبش حاويات القمامة للبحث عن البلاستيك والألمونيوم لتجميعها داخل أكياس نايلون وبيعها لتجار الخردة.
يستيقظ هذا العامل في ساعات الفجر الأولى، يمشي مسافات طويلة وبيده السيخ الحديدي وعدة أكياس من النايلون الفارغة على أمل أن يملئها بعبوات من الألمونيوم مثل عبوات الكولا إضافة للبلاستيك، ويا حبذا لو وجد بعضاً من النُحاس فحينها فقد ضحكت له سماء غزة البائسة.
مع بدأ مؤذن المسجد بالآذان لصلاة الفجر يبدأ العامل بنبش حاوية القمامة مُستخدماً السيخ الحديدي، حظوظه هذه المرة وفيرة فالحاوية مليئة وكادت أن تنفجر من حجم القمامة الكبير، بدأت ملامح الفرح تظهر على وجه هذا العامل المطحون، امتلئ كيس النايلون الأول وامتلئ معه وجه العامل بالفرح فهو الآن قد ضَمن توفير مصروف أسرته، قال في سره : الحمد لله، صحيح أنا كل يوم بَتحسبن على المسؤولين اللي خلونا نضطر لنبش القمامة لكن اليوم رزق وفير, الله يطيل بعمرك أيه المسؤول .
فجأة صرخت حاوية القمامة في وجه هذا العامل، أسمع، هذا المسؤول ينعم بالخير وحياته فوق الريح على حساب معاناتكم ، أنا شايف حياة البذخ للمسؤول الذي يظهر على وسائل الإعلام ويُظهر حالة من الزهد ، لكن يستغلون مشاعركم أيها الغلابة أنتم البؤساء الأصل أن يكون لكم موقف .
.. أهلاً أيتها الحاوية التي تحتفظي بقمامتنا وتحمينا من الخطر إضافةً لكرمك فأنتِ لا تبخلي علي بما تحتويه من قمامة جزء منها أصبح ولها سوقها، وأعرف أنكِ الأكثر معرفة بواقع الأسر وظروفنا نحن العمال الفقراء والمسؤولين المُتخمين، لكن ما باليد حيلة فالعين بصيرة واليد قصيرة.
هذه مشكلتكم، حجمكم كبير وتأثيركم لا يُذكر، أنتم بالمقارنة مثل فيل يخشى من مواجهة نملة، ارفعوا أصواتكم والعنوا سارقي رغيف خبزكم، طالبوا بحقوقكم وذَكروا المسؤول بأنه عندما لا يتوفر الغذاء للفقراء لن يتوفر الأمن للأغنياء وُجلهم يرتبط بعلاقة وثيقة بالحاكم التاجر .
.. صحيح أحنا الأغلبية لكن المسؤول يمتلك من القوة ما يجعلنا نخشى أن نُطالب بحقوقنا أحنا بنمشي الحيط الحيط، بيكفي فقر وجوع وكمان اعتقال في السجون.
هل تعلم صديقي عندما تمشي بجانب الحيط لن يحميكم من خطر أن يُهدم الحيط فوق رأسك بفعل فاعل، مشيكم الحيط الحيط جعل المسؤول يتمادى أكثر ويتعايش مع هذه الحالة، سيسرق رغيف خبزك، سيسرق فرصة عملك ، سيسرق أحلامك ، سيسرق حصتك في العلاج والتعليم، سيفرض عليك المزيد من الضرائب ويُحملك عبء فواتير كهرباء منزله ووقود مركبته ورفاهيته ورفاهية أسرته ومن هم من عظام الرقبة ، أنتم السبب في ذلك، ألم تتعلموا من تجارب الشعوب التي ثارت وحققت أهدافها نحو العيش الكريم والكرامة الإنسانية.
.. المصيبة إذا طالبنا بحقوقنا وخَرجنا نقول لا للفقر لا للجوع لا للبطالة سيتهمنا المسؤول بأننا نتساوق مع أجندات خارجية وأجهزة مخابرات دولية هدفها النيل من صمود ومقاومة شعبنا، وسيتم اعتقالنا على تلك التهمة والتي تعني أننا خسرنا كل شيء، فالسمعة والإشاعة السيئة تُسقط دول، فما بالك بفقير مُعدم، لا تنسي أيتها الحاوية أن هناك شغلتان في البلد النامي لا يسمعها أحد: فضيحة غني وموت فقير.
ما دام أنكم بنظر المسؤول أجندات وتتعاونون مع أجهزة مخابرات عالمية، فأنتم أصبحتم ضحية لهذا المسؤول المهوس أمنياً، هو يعرف أن تحرك الناس ومطالبتهم بحقوقهم يعني أن شرعيته أصبحت على المحك، لذلك لا تمنح المسؤول اللص والفاسد والمُتخم فرصة لأن يمتلك شرعية للحكم ، لا حُكم إلا الشعب ومن خلال الشعب، هل تعرف أن المسؤول ينظر إليكم بكل استياء وازدراء يصفكم بأنكم نباشون ومتسولون وتسيئون للمظهر الحضاري للبلد، رغم أنكم تُغامرون بمستقبلكم وأوقات راحتكم وتتجاوزون نظرة الناس إليكم من أجل لقمة العيش، تلك اللقمة التي تتحصلون عليها بجهد وبذل فهي ليست مجانية ، بينما لقمة العيش عند المسؤول ليست مُرة أو صعبة.
.. نعم يتهمنا المسؤول بأننا نباشون ، لكن هذا شكل من أشكال العمل الاقتصادي، ننبش القمامة للحصول على البلاستيك والألمونيوم لكي لا نُمد أيدينا للناس ، نحن نباشون صغار ننبش لأجل فتات المال، بينما المسؤولون نباشون كبار قد نبشوا البلد وسرقوا المال العام وأكلوا الأخضر واليابس ولا زالت كروشهم تتوسع وأرصدتهم في البنوك تتعاظم ومشاريعهم قد زاحمت الجميع، نحن نباشون صغار نعتاش على النبش لأجل إطعام أبنائنا فالنبش ليس نُزهة.
أحسنت لا شك فهم نباشون كبار، لا بارك الله فيهم ، استمروا في نبشكم وكلوا من عرق جبينكم وتأكدوا بأن من لا يعمل لا يُحترم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو