الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق سويديّة ـ ما الذي يحدث في السويد؟

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2023 / 7 / 31
السياسة والعلاقات الدولية


أوراق سويديّة
ما الذي يحدث في السويد؟
لقد وقعت أو أوقِعت مملكة السويد في دهليز من دهاليز السياسة الأمنيّة الجديدة عليها، حيث كانت المملكة في سلام وتسالم مع أكثر دول العالم ومع حياديّتها مع الكثير من الحروب والأوضاع التي تدهورت فيها العديد من الدول سابقًا. حيث كان يحكمها قانون الحياديّة بشكل راقٍ ومنظّم الى درجة كبيرة. بعد عدّة عقود من التسالم والتفاهم ونتيجة للعديد من التطورات على مستوى العالم وعلى مستوى أوروبا خاصّة بعد دخولها الإتحاد الأوروبي تبيّنت وتوضّحت العديد من المشاكل. ومن الأمور التي ساعدت على هذا الوضع هو نمو التطرّف واليمين المتطرّف في أوروبا عمومًا ممّا إنعكس على السويد بشكل مباشر. ولا يخفى ما لسلبيّة الإنتماء الى تحالفات غير متكافئة ثقافيًّا أو جيوسياسيًّا أو غير متكافئة إقتصاديًّا وهو الأمر الأكثر تعقيدًا، ذلك الذي لعب الدور الأكبر في نموّ اليمين المتطرّف الذي يسعى في نضاله السياسيّ والفكريّ في الرجوع الى الأقلمة وقوانين داخل البلد دون هذه التحالفات. أي يريد إعادة الوضع السياسيّ والإقتصاديّ والماليّ الى نهج البلد السّابق أي في فترة ما قبل الدخول الى الإتحاد الأوروبيّ حيث الوضع الأفضل من وجهة نظره، بعيدًا عن التحالفات ومنها هذا الإتّحاد الأوروبيّ الذي أثبت في العديد من تجاربه أنّه أصبح بالفعل جثة هامدة يراد أن تبث فيها الروح، وهيهات! فبعد أن لوحظت العديد من السياسات النابعة من عدم وجود المشتركات الحقيقيّة بين بلدانه، فنظرة الى ما حدث لتلك البلدان في أزمة كورونا أثبتت هشاشة هذا التحالف ستعطيك هذه النظرة إنطباعًا الى أنّ هذا التحالف (الإتّحاد!) الهشّ آيل الى الضمور شيئًا فشيئًا. واليوم نلاحظ هشاشته بعد الحرب في أوكرانيا والتشتّت الواضح والخضوع للولايات المتّحدة الأمريكيّة في كلّ توجّهات هذا الحلف.
أقول إنّ نمو اليمين المتطرّف في السويد وكنقطة أخرى لنموّه هو الوضع الأمنيّ على مستوى أوروبا بعد التأثير الواضح لوجود ثقافات متعدّدة، وعدم وجود حوار ثقافيّ واضح ما بين هذه الثقافات رغم كلّ السياسات التي تحاول أن تساهم في هذا الحوار دون نجاح يذكر. حيث مازال عدد من هذه الثقافات في حالة صراع وتناحر، وكذلك وجود اللاحوار ما بين الأديان والعقائد المتعدّدة في عموم أوروبا، بالرغم من وجود التسامح وبعض التعايش في السويد ما بين هذه الثقافات لكنّ المشكلة التي لا تستطيع البلديات حلّها مثلًا تجمّعات هذه الجموع من ثاقفة واحدة في مكان أو منطقة واحدة حيث سبّبت الكثير من المشاكل بفعل عدم وجود أسس للحوارأو تآلف بين الثقافات في البلد الواحد، والمنطقة الواحدة (للإنصاف هناك الكثير من الهدوء والتعايش في بعض البلديات، لكنّ السبب الأساس الذي يلاحظ هو نمو بعض التطرّف في بلديات أخرى) هنا لعب اليمين المتطرّف دوره الواضح في إظهار العداء على الملأ لأيّ ثقافة شرقيّة أوغربيّة،إسلاميّة أو مسيحيّة خارجيّة أو يهوديّة أو أيّ ديانة أخرى. فالرغبة عند المتطرّف هي إقصاء الآخر مهما يكن. وإن سار هذا الآخر في صفّ اليمين المتطرّف هذا وإن إنتمى من جديد لقومه أو دينه أو عقيدته، فهناك ما يمكن أن يقصيه به ولا يقبل بوجود الآخر بالمطلق. في السويد منذ نموّ التيّارات المتطرّفة وفق الأسباب التي ذكرتها أخذ يصعد في الإنتخابات الديمقراطيّة في السويد وصعد من نسبة 2% بالمئة قبل عدّة سنوات الى 20,54% حيث حصل على 73 مقعدا عام 2022 من مجموع 349 مقعد في البرلمان (الريكستاغ). والتي توزّعت بعد إندفاع اليمين المتطرّف بالشكل التالي:
حصل الاشتراكيون الديمقراطيون على 107 مقاعد، ديمقراطيو السويد (أي المتطرّفون) على 73 مقعد، المحافظون (بيدهم الحكومة الإئتلافيّة مع الحزب السابق) 68 مقعد، حزب اليسار (يمكن إعتباره معارضًا في الكثير من القرارات والتوجهات) 24 مقعد، حزب الوسط 24 مقعد، الديمقراطيين المسيحيين 19 مقعد ، حزب الخضر 18 مقعد وحصل الليبراليون على 16 مقعدًا. .
في الوقت الحالي هناك العديد من المشاكل نضجت وكبرت وفق الوضع عمومًا حينما لعبت مقاعد البرلمان لحزب ديمقراطيي السويد البالغة 73 مقعدا دورًا في تشكيل الحكومة التي فاز فيها المحافظون بنسبة ضئيلة لم تستطع تشكيل الحكومة وبعد مناورات سياسيّة وصلت الى أن يأتلف ديمقراطيو السويد أي الحزب اليمينيّ المتشدّد مع المحافظين وأصبحوا يتحكّمون بالكثير من سياسة الحكومة. وهنا يقوم هذا الحزب المتطرّف بالضغط على الحكومة بأيّ مشاريع مقترحات تخصّ الداخل والخارج على حدّ سواء. ومن هذه المشاريع التي طرحت هو الإنسحاب من الإتّحاد الأوروبي ذلك المشروع الذي يسعى إليه اليمين المتطرّف بالإضافة الى وجود عدّة مشاريع على النطاق الداخليّ منها مثلًا المجال المتعلّق بالتغيّر المناخيّ الذي يربط ما بين التغيّر الذي يحدث في مناخ السويد ومناخ الدول الأوروبيّة الأخرى، وميثاق الهجرة التأريخيّ. من هنا نلاحظ أنّ الأوراق التي يلعب بها اليمين المتطرّف كثيرة ومنها ما ذكرنا وهي من الفرص المهمّة التي يعتقد أنّ اليمين المتطرّف سيحصل ربّما على المزيد من المؤيّدين في المستقبل القريب أي في الإنتخابات القادمة بإعتبار أنّ هذا الحزب يستغلّ الفرص تلو الفرص للسيطرة على أكبر كميّة من المؤيّدين بدغدغة مشاعرهم من خلال هذه المشاكل وغيرها. لكنّ الشيء الذي أعتقد أنّه سيلعب دورًا مهمًّا في المستقبل هو دخول الجانب الأمنيّ للبلد على الخط بقوّة بعد تطوّرات خطيرة منها قيام بعض المعتوهين والتافهين بإستغلال قضيّة حرق الكتب المقدّسة للدفع ببعض المشاكل الى الأمام خدمة للتيّار اليمينيّ المتطرّف (أعتقد يلعب هذا التيّار بهذه الورقة من وراء حجاب!) والذي تلتقي مصالحه مع مصالح هؤلاء المعتوهين والعنصريّين الآخرين. حيث تقدّم عدد من اليمينيين المتطرّفين بإقتراحات عديدة منها مثلًا ما يتعلّق بالشؤون الداخليّة والعدالة بحيث يمكن للسويد أن تعمل خارج سياسة اللجوء والهجرة التي يمارسها الإتحاد الأوروبيّ منذ سنوات عديدة. وبالتالي ستجعل السلطات المسؤولة بحيث تسمح بفرض الضوابط الصارمة والشديدة لمراقبة الحدود والقيام بإبعاد من لم يحصل على الإقامة. حيث قامت السلطات بالفعل بإرجاع 6000 لاجيء الى بلدانهم منذ بداية هذا العام 2023، وهي ثلاثة أضعاف الرقم لنفس الفترة في السنة الماضية. وهنا نلاحظ الضغط المستمرّ من خلال هذه الأسباب والمقترحات الى الضغط على الحكومة لتغيير الكثير ممّا يتعلّق بالهجرة، وللأسف هناك العديد من الأسباب التي تشجّع اليمين للتقدم الى الأمام كما حصل في مسألة حرق السفارة السويديّة في بغداد من قبل بعض الجهلة، حيث خدموا اليمين المتطرّف بشكل كبير بحيث غطى إعلامه على جريمة حرق نسخة الكتاب الكريم بهذه الحادثة المؤسفة. حيث صرّح مثلًا ريتشارد جمشوف المتطرّف المعروف وهو عضو في حزب ديمقراطيي السويد (أس دي) في بيان مثير للجدل الدّاخلي والإقليميّ من على قناة الحزب ريكس، حول الإسلام وعن شخصية النبي الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام، رغم تحفّظ وتنصّل الحزب من هذه التصريحات، لكنّ البيان كان سيئًا ووقحًا الى الدرجة التي جعلت الحزب الديمقراطيّ الإشتراكيّ يطالبه بالإستقالة من رئاسة لجنة العدل في البرلمان السويديّ. حيث كتبت زعيمة الحزب ماغدالينا أندرسون على إنستغرام يوم الخميس أنّ هذا ينخرط في مجادلات مباشرة مع العالم الإسلامي (خاصّة بعد التهديدات المستمرّة من قبل عدد من الدول الإسلاميّة بقطع الكثير من العلاقات الإقتصاديّة مع السويد إن تكرّر هذا الأمرّ. وقد صرّح عدد من السياسييّن على أنّ هذا الخطاب إنّما هو خطاب دعاية كراهيّة ضدّ الإسلام وبالتالي سيعرّض البلد الى الخطر الأمنيّ. بينما الكثير من السياسيين الآخرين يريدون علاقات جيّدة مع العالم الإسلامي ناهيك عن التسامح الكبير الذي يعيشه البلد منذ سنين طويلة.
لقد خدم هذا اليمين عدد من القضايا منها ما ذكرناها ومنها الوضع الإقتصاديّ الذي يتراجع بسبب التضخّم المستمرّ في إقتصاد أوروبا وبالتالي أثّر على السويد بشكل مباشر. حيث تدهورت الكرونة السويديّة وزيادة غير طبيعيّة في أسعار المواد الغذائيّة وغيرها من المواد الأخرى. لقد كانت ومازالت مملكة السويد تستقطب الكثير من الناس المهاجرين من شمال أوروبا ومن جنوبها ومن العديد من الدول الأوروبيّة والدول الأخرى لكثير من الإستقرار في الكثير من النواحي، لكن في السنوات الأخيرة بدأ التراجع الواضح في عدد من التوجّهات. لقد أصبح مصير الحكومة الحاليّة صعبًا بالفعل فلربّما يؤدّي هذا الوضع الى سقوطها إذا ما إستمرّت الأحوال على هذا الشكل. ناهيك عن الوضع الأوروبيّ تجاه اوكرانيا والمساعدات المستمرّة التي تستنزف إقتصادات دول الإتّحاد الأوروبيّ ومنها السويد. حيث نجح بوتين في سياسته في الضغط على تلك الدول إقتصاديًّا والآن يضغط بإتّجاه يتعلّق بالجانب الغذائيّ، ولعمري هذه طامّة كبيرة إن لم تكن كبرى، تخدم كذلك اليمين المتطرّف في السويد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقطة تُظهر بايدن يغفو خلال قمة في أنغولا


.. صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية




.. مراسل الجزيرة يرصد الموقف التركي من التطورات الجارية في سوري


.. انفجار صندوق كهربائي بسيدة مرت أمامه في منطقة كوماس البيروفي




.. هل تحكم حلب هيئة انتقالية؟.. الجولاني يكشف خطته في سوريا