الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النيجر - أرض غنية وشعب فقير

الطاهر المعز

2023 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


شهدت منطقة غرب إفريقيا سبع انقلابات، خلال سنَتَيْن، وشهد النِّيجر ثلاث محاولات انقلابية، خلال نفس الفترة، فشلت الأولى سنة 2021، قبل تولي الرئيس محمد بازوم السلطة بأيامٍ قليلة، وفشلت الثانية في آذار/مارس 2023، خلال زيارة خارجية للرئيس، ثم نفذت قوات الحرس الجمهوري يوم الإربعاء 26 تموز/يوليو 2023 ثالث محاولة انقلاب، خلال سنتَيْن - مُباشرةً إثر صدور قرار تغيير قائدها- واحتجزت الرئيس محمد بازوم في القصر الجمهوري بالعاصمة نيامي، فيما يعاني سكان البلاد من أزمة اقتصادية زادت من حدّة الفقر، رغم اليورانيوم والألماس والذهب والفحم، في ظل تعرُّض البلاد لهجمات المجموعات الإرهابية التي تنشط في مالي وبوركينا فاسو ونيجيريا، وخلافًا لحكومات البلدَيْن الجارَيْن – مالي وبوركينا فاسو – اللذَيْن طلبا من القوات الفرنسية مغادرة بلدَيْهما، وافق رئيس النّيجر محمد بازوم، الذي عُرِف بموالاته للغرب، ويُلَقَّب ب"رجل فرنسا"، على زيادة عدد القوات الفرنسية بتِعِلّة "مكافحة الإرهاب"، كما امتنع عن المُشاركة في قمة روسيا وأفريقيا بسان بطرسبورغ، وأعلنت قيادة الجيش، خلال الساعات الأولى، موالاتها للرئيس محمد بازوم، لكن رئيس أركان الجيش أعلن يوم الخميس 27 تموز/يوليو 2023، تأييد العسكريين الانقلابيين، "تفاديًا للإقتتال الدّاخلي". أما ممثلو الحرس الجمهوري فقد أعلنوا إن سبب غضبهم هو "تدهور الأوضاع الأمنية وسوء إدارة البلاد".
تقع النيجر غربي إفريقيا، على مساحة 1,3 مليون كيلومتر مربع، ولا يقطنها سوى 24 مليون نسمة (سنة 2021)، من بينهم حوالي 80% في المناطق الحدودية مع نيجيريا وبنين، من ناحية وحدود بوركينا فاسو ومالي من ناحية أخرى، فضلا عن العاصمة "نيامي"، ولها حدود مع سبع بلدان هي الجزائر وليبيا شمالاً، وتشاد، شرقًا، ونيجيريا وبنين جنوبًا، وبوركينا فاسو ومالي، على حدودها الغربية، ولذا فهي لا تُطلّ على البحر، وتستخدم موانئ الجيران، وخصوصًا "بينين".
أقامت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية للطائرات الآلية (بدون طَيّار) في النيجر، وأعلن وزير الخارجية الأميركي "أنتوني بلينكن" خلال زيارته للنيجر ولقاء رئيسها في آذار/مارس 2023 "تقديم مساعدات بنحو 150 مليون دولار للنيجر ودول الساحل"، ودعم قرار الرئيس محمد بازوم تنفيذ عمليات تحديث للجيش وتحسين التّدريب وزيادة العتاد العسكري، و"التحديث" مجرد غطاء لعزل الموالين للرئيس الأسبق محمد إيسوفو، بما في ذلك قيادات الجيش، في إطار صراعات بين أجْنِحَة السلطة.
تُعتبر النيجر إحدى أفْقَر بلدان العالم، رغم ثرواتها المنجمية، وتمتلك أَحَدَ أكبر الاحتياطيات العالمية من اليورانيوم الذي تستغله شركات فرنسية مُعَوْلَمَة، كما تُعتَبَرُ النيجر من أهم ركائز البرنامج العسكري الأمريكي لإفريقيا "أفريكوم" وأعلنت الولايات المتحدة إنفاق نحو 500 مليون دولار في العقد الأخير على تحديث جيش النيجر في شكل منح ومساعدات، وهو في الواقع مبلغ صغير لا يتجوز خمسين مليون دولار سنويا، كما أعلن الإتحاد الأوروبي تقديم "منح ومساعدات إنسانية"
يعتمد اقتصاد البلاد على الزراعة والصيد واستغلال الغابات، ويُشكّل القطاع الزراعي حوالي 45% من الناتج المحلي الإجمالي والمصدر الرئيسي لدَخْل ملايين المواطنين، بينما تحتكر فرنسا، القوة الإستعمارية السابقة ( 1890 – 1960)، اليورانيوم منذ عُقُود، في حين تواجه النيجر أزمات اقتصادية وإنسانية مستمرة، وأعلن الرئيس محمد بازوم معالجة الوضع الإقتصادي ب"تحرير" بعض جوانبه وخصخصة ما تبقّى من القطاع العام، بدعم من صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي.
يسلّط الانقلاب الأخير، وهو السابع، منذ تاريخ الإستقلال الشَّكْلِي، سنة 1960، الضوء على تدهور الوضع الإقتصادي والإجتماعي في النيجر، وكذلك على تراجع النفوذ الفرنسي والأميركي، في دول "السّاحل الإفريقي" ( الدول الواقعة جنوب الصّحراء الكُبْرى)، حيث أنشأت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية لوجيستية هامة لحلف شمال الأطلسي، وقاعدة طائرات آلية أمريكية، ولذلك سارعت الولايات المتحدة وفرنسا إلى إدانة الإنقلاب على الرئيس الذي دعم مليشيات "الدّعم السّريع" في السّودان، ومَتَّنَ علاقات بلاده مع الإمبرياليتَيْن الأمريكية والفرنسية اللتَيْن تنهبان موارد البلاد التي تُعَدُّ واحدةً من أفقر دول العالم، وفق مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، ويعيش قرابة 43% من سكانها في حالةَ الفقر المُدقع، وفق البيانات الرسمية لحكومة النيجر، وتتخوف فرنسا والولايات المتحدة من تَوَجُّه قادة الإنقلاب نحو روسيا والصين، لتصبح ثالث دولة ينحسر بها نفوذ الإمبريالية الفرنسية في غربي أفريقيا، بعد خسارة مالي وبوركينا فاسو، ما قد يجعلها تخسر رابع منتج عالمي لليورانيوم، إذ يُغطي يورانيوم النيجر 35% من الاحتياجات الفرنسية من هذه المادة، ويُمَكِّنُ محطاتها النووية من توليد 70% من الكهرباء المستخدمة في فرنسا التي لها قواعد عسكرية (بها رسميا 1500 جندي)، وفق موقع صحيفة "فاينانشيال تايمز" (27 تموز/يوليو 2023) التي تتوقع زيادة النُّفُوذ الرّوسي في إفريقيا الغربية، وفي إحدى عشر دولة إفريقية...
تنتج النيجر اليورانيوم والذهب والفحم والنفط ومعادن أخرى، وتحتل البلاد المرتبة الرابعة عالميا في إنتاج اليورانيوم وبها سادس أكبر احتياطي عالمي، وتبلغ حصتها نحو 7% من السوق العالمية لليورانيوم، ويحتوي باطن الأرض مجموعة متنوعة من المعادن كالفحم والذهب، وتشكل المعادن نحو 40% من إجمالي صادرات البلاد، ونحو 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ورغم هذه الثروات الباطنية، تحتل النِّيجر المرتبة 174 في قائمة الدول الأكثر فقرا في العالم والتي تضم 177 دولة.
تقع أهم مناجم اليورانيوم في منطقة أغاديز، شمال غرب البلاد، وهي منطقة صحراوية قليلة الزراعة، وتستغل الشركات الأجنبية هذه المناجم وهذه الثروات، منذ أكثر من أربعة عقود، وبالخصوص شركة "أورانو" الفرنسية (أريفا سابقًا) بواسطة فرعها في النيجر ( سومايير) الذي يُشغل الأطفال، ولما حاول أحد الرؤساء التفاوض مع الصين لزيادة إيرادات البلاد من اليورانيوم، نظمت الدّولة الفرنسية انقلابا ضدّه، بذريعة "عدم احترام الدّستور"، وأنتجت النيجر أكثر من ثلاثة آلاف طن من اليورانيوم سنة 2021، أو حوالي 7% من الإنتاج العالمي، وفق بيانات البنك العالمي.
تم اكتشاف مناجم الذهب سنة 2014، ويتوقع أن تتجاوز عائدات الذهب عائدات اليورانيوم في غضون سنوات قليلة، وفق موقع وزارة الإقتصاد الفرنسية ( السّلطات الفرنسية هي مَصْدَر معظم البيانات التي تخصّ النيجر وبعض مناطق النفوذ الأخرى في غرب ووسط إفريقيا)، وتقع المناجم في وادي دغادو، وموقع "تشيباراكتن" ("(Tchibarakaten بالإضافة إلى مناجم عشوائية في سلسلة جبال آير، وعلى نطاق أصغر في منطقة ليبتاكو ويستخرج من قبل شركة واحدة فقط، تحمل ترخيصين في منطقة ليبتاكو، وفق موقع وزارة الاقتصاد الفرنسية، وأعلنت وزارة المناجم النيجرية سنة 2018 وجود نحو 200 موقع رسمي لغسل الذهب، ويعيش أكثر من 800 ألف شخص من التنقيب عن الذهب في البلاد.
أصبحت النيجر بلدًا منتجا للنفط، في أواخر سنة 2011، في حقل أغادم الذي تديره الشركة الصينية ( CNPC ) وينتج نحو 20 ألف برميل يوميا؛ وتُدير نفس الشركة الصينية مصفاةً محلية صغيرة، ويتوقع أن يرتفع إنتاج النيجر من النفط إلى نحو 120 ألف برميل يوميا، تستهلك منها البلاد سبعة آلاف برميل، وتُصدِّر معظم الإنتاج، عبر خط أنابيب إلى ساحل "بِنِين" بإشراف شركة النفط الوطنية الصينية (سي إن بي سي)، كما تحتوي أراضي النيجر، وفق اكتشافات أواخر ستينيات القرن العشرين، احتياطيات كبيرة من الفحم، يُستخدم جزء منها لتوليد الكهرباء الضرورية لتشغيل مناجم اليورانيوم، وكذلك للإستهلاك المحلي في البلاد، منذ 1981، كما توجد بباطن أرض النيجر عدة معادن أخرى، بكميات متواضعة، منها الجبس والحجر الجيري والملح والفضة والقصدير... ولم تتحسّن حياة المواطنين رغم هذه الثروات التي تستغلها الشركات الفرنسية بشكل خاص...
قد تخسر الولايات المتحدة وفرنسا مواقع في النيجر أو غيرها من بلدان إفريقيا والعالم، لصالح الصين أو روسيا، ضمن صراعات دَوْلِيّة على النفوذ وتقاسم مناطق العالم، في إطار النظام الرأسمالي العالمي، لكن ما الفائدة التي قد تحصل لشعب النّيجر ولشعوب العالم من مثل هذه التّغْيِيرات الفَوْقِيّة؟ هل يُؤَدِّي إرساء "عالم مُتعدّد الأقطاب" ( الذي تدعو له الصين وروسيا) بدل هيمنة "القُطْب الواحد" (كما تتمسّك به الإمبريالية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي) إلى استفادة الشعوب من الثروات وإلى نظام اقتصادي وسياسي واجتماعي عادل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح