الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن تنسحب أمريكا من العراق..!

ابراهيم عباس نتو

2006 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


بعد كل ما أقدمت عليه أمريكا في العراق.. و ما "ضحـّت" به.. واستثمرته في داخله و في خارجه على المستوى المحلي و الإقليمي و العالمي، فإن ما أتوقعه هو أن أمريكا لن تنسحب من العراق، إلا ربما شكلياً.. أو بشكل انسحاب من هنا..و إبدال في هناك.. بطرائق "إعادة" الانتشار. إن أمريكا.. بعد نجاحها في القضاء على أي منافس معتبر، تنفرد منذ العقد الأخير من القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (الذي كان يتهاوى على كل حال)، و منذ عدة أحداث إستراتيجية أخرى و لو جاءت متوزعة: سقوط جدار برلين؛ الحرب العراقية الإيرانية؛ غزو و تحرير الكويت؛..الهجوم على أمريكا في عقر نيويوركها.. في 11 من سبتمبر/ أيلول...
حدث 11 من سبتمبر/ أيلول.. الذي رغم انه كان قاصماً / و "قاسماً مشتركاً أعظماً"..إلا أنه كان في نفس الوقت -على ضخامته و فداحته- بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعارين جميعاً.. و قام بتذكير الشرق قبل الغرب بمخاطر و خطورة منطقة مصدر الطاقة الأول (النفط)..و سلّط الضوء بوضوح أكثر على منطقة الشرق الأوسط بعامة..و الوطن العربي تحديداً..و جزء الخليج منها بإمعان أكثر.. و كان أن جاء "على البيعة" فتم تذكير هؤلاء و أولئك بأزمة النفط الكبرى في 1973 و ما حولها ..و هي التي بدأ الغرب جراءها، بقيادة أمريكا و وزير خارجيتها وقتها هنري كيسنجر، عملية /عمليات الرد، بل و الانتقام، الاستراتيجي و طويل المدى!
فإذا كان في منطقة الخليج (بمعاني) ما بين 25% و نصف بترول العالم.. إذا أضيفت العراق إلى دول الخليج الست ثم بعدها منطقة بحر خزر (بحيرة قزوين) ... فإنما علينا تصوره هنا هو ما يشبه أن يتجمع في يد مارد واحد مخزونُ مأكول و مشروب العالم..بينما غالبية بيوت العالم تنتظر في طابور يدور مرات حول الكرة الأرضية .. جائعة عطشى! و إذا لاحظنا – في المقابل-- مستوى استهلاك العالم..و خاصة الصناعي منه؛ فمثلاً، أمريكا و هي لا تصل نسبة سكانها إلـ 5% من سكان العالم ..بينما تستهلك ما بين 80 إلى 85% من موارد العالم.. فإنه –و مع کل "القیم"..و المفاهيم الدبلوماسية..و اتفاقيات جنيف..و بقية الاتفاقيات و المعاهدات و سائر الپروتوكولات..الخ، فسيبقى البقاء هو البقاء.. على طريقة نفسي نفسي!
ولا بورك فيمن كان السبب..و خاصة السبب المباشر لاحتلال العراق.. في شخص رئيسه السابق.. الذي غرر بنفسه و غرر به أعوانه.. وصور لنفسه –و صدق ما صوروه له.. بأنه ليس فقط "الزعيم" الأوحد.. و صاحب 98 اسماً حسنى..الخ، فلقد يسر ذلك "الزعيم" لذلك الذئب الكبير(أمريكا) بأن يهجم على ما دانى من الغنم..و جعلهم له لقمة سائغة لنهشه، و لقد كان ذلك التمكين بدءاً بدكتاتوريته الستالينية المطلقة التي مارسها حتى تجاه "الرفاق" من زمرته؛ ثم اعتدائه على جارته إيران في 8 سنوات عجاف؛ ثم الانكباب على جارته الأخرى الكويت، حتى خرج منها مدحوراً، و لكن بعد إنهاك قوى بلده و إفناء شبابه و محـْقِ هيبة شعبه و وطنه و أمته. [و هل نذكر حلبجة.. في الداخل؟]
أمريكا وجدتـْها!! و جاءتها الفرصة تقريباً إلى حد أقدامها.. و سبب لها كبير نعاجنا بأن ينهش الذئب بملء فمه و بلعومه. ثم جاءتها الفرصة لتنقض و لو تدريجياً..و ربما (في مراحل قادمة على كامل الخليج).. لتمسك بكامل الخليج (على أن تكون مسكة القبضة في تلك الحالة..و في هذه المرة بصفة مباشرة). بل و لعلها في طيات خططها إحكام السيطرة على منابع النفط من أواسط آسيا ..أذربيجان و ما حولها.. و إعادة إحكام القبضة على نفط الخليج.. مع إزالة أو على الأقل تحييد) ما بقي في طريقها –إيران و سوريا—حتى يخلو لها الطريق سالكاً لربط نفطي أذربيجان و الخليج.. إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.. ومنها --في خط مستقيم-- إلى أوربا، ..و إلى أمريكا بالطبع.
و الذي أراه –على المستوى الأوسع-- هو أن تربط أمريكا بين البحرين (هنا أعني بها: بحر خزر و البحر الأبيض) بإكمال سيطرتها المباشرة و غير المباشرة فيما بين نفط أذربيجان الدافق.. و نفط الخليج الغادق.. مع توصيل هذا و ذاك إلى سواحل شرق المتوسط العربي منها والإسرائيلي، و بالتالي: "من البحر إلى البحر"!.. فإن أوربا و من ورائها أمريكا تكونان قد ضمنتا مصدر الطاقة و الحياة لسنين و سنين و سنين..(ربما إلى أن تتمكنان من الاستغناء عن النفط كمصدر لحياتهم..بالبدائل التقنية المنتظرة منذ أزمة النفط الأولى..في 1973..و لا يزالون يشتغلون على ذلك.) و حتى يأت ذلك الحين.. فإن أمريكا (لن) تنسحب.
لقد صرفت أمريكا مئات البلايين/المليارات..و خسرت –إلى تأريخه-- ما تعدى الألفين من مواطنيها؛ و أيضاً كثيراً من المخاطرة بسمعتها و مركزها الكوني؛ و هي تعمل على إقامة أكبر مبنى (مجمع بنائي) يفوق أكبر سفاراتها في العالم حجماً، و بإدارة أكبر عدد من منسوبيها "الدبلوماسيين" في العالم (أكثر من 3000 موظفاًُ)؛ و تعمل على إقامة عدد من القواعد العسكرية العملاقة في أنحاء العراق. وحتى إذا ما بدا و أنها توارت عن الأنظار..و إذا ما قام السفير الأمريكي بتسليم صولجان أو نحوه إلى قائد عسكري عراقي أو إلى أحد رؤساء السلطة المحلية العراقية أمام كاميرات التلفاز و الفضائيات.. و حتى إذا هم أكملوا ذلك (المسرح) باحتفالية لإنزال العلم الأمريكي و رفع العلم العراقي.. فإن كل هذا و ذاك لن يغير في الأمر شيئاً.
لقد صرح رئيس أمريكا و معه وزير الدفاع.. و عبرا كلاهما في مناسبة عدة.. بعبارة مطلية بماء البلاغة، المزركشة بالألفاظ التي بدت و كأنها غير تسلطية، بل و كأنها من باب "الفروسية" الموشاة حتى بالإيثار..فجاءت العبارة و كأن أمريكا لا تنوى أبداً تثبيت الاحتلال و لا الرغبة في البقاء.. بقولهما: أمريكا لن تبقى في العراق ثانية أكثر مما يلزم، و لا ثانية واحدة أقل. و من هذه العبارة قد يفهم بأن أمريكا لا تعتزم البقاء أكثر مما يلزم. و لمن فاتته النكتة، فإنها تعبر عن شيء صحيح حرفي، فالمقصود (الحقيقي) هو العزم على البقاء بما لا يتعدى ساعة "عدم اللزوم"..ألا و هي ساعة نضوب النفط في المنطقة!! (أو)ساعة استغناء أمريكا والعالم الصناعي عن النفط كمصدر رخيص للطاقة (أو) بعد اكتشاف ما يكفي من الوسائل البديلة لتوليد لطاقة و لإدارة دفات الصناعة و الحياة بعامة هناك)، ..أياً من الحدثين كان أبعد!!
وإلا، فإن أمريكا هذه..و حتى بعد مضي 61 سنة على انتهاء الحرب العالمية الثانية.. و الهزيمة التاريخية الساحقة لقطبـيها اليابان و ألمانيا.. لم تنسحب سياسياً من هذين البلدين، حتى بعد توقيع "اتفاقيات" السلام، كالتي تم توقيعها..و في احتفال معلن و مفعلن و على رؤوس الأشهاد في سان فرانسيسكو. بينما يبقى الواقع بأنه و إلى يومنا هذا لا تزال هناك قواعد لأمريكا في اليابان؛ ففي جزر أوكيناوا -مثلاً-- هناك ما لا يقل عن 35 ألف جندي أمريكي، و كذلك القواعد البحرية مثل التي جوار ميناء يوكوهاما الشهير. ومثل ما في اليابان، فهناك من القواعد و المعدات والمشفيات العسكرية الأمريكية التي لا تزال قائمة (و مستمرة) في ألمانيا.. كما فيما بين فرانكفورت و في غرب البلاد حتى حدودها مع فرنسا فيما قبل سار بروكين، و ما بينهما في مانهايم و قرب بادن بادن و غيرها. و كذلك في كوريا (الجنوبية) و حتى بعد مضي 53سنة على انتهاء حرب أمريكا على كوريا التي نجمت عن وقف إطلاق النار و قيام الكوريتين (الشمالية و الجنوبية).. فلا يزال في كوريا الجنوبية حوالي 38 ألف جندي أمريكي في أنچونگ غرباٌ و بوسان غرباٌ.. و فیما بينهما!
قد يقول البعض: هذا قانون الغاب! هذا تسلط ! هذا استعمار جديد!؛ و لكن منطق المنتصر سيجيب بأنه لن ينسحب المنتصر هكذا من تلقاء نفسه، ناسياً كل الخسائر المادية والبشرية التي صرفها لقاء "النصر"؛ و لن يخرج (إلا إذا تم تعويضه..أو استعاض لنفسه ما يرضيه -و يكون ذلك في هذه الحالة: بقاء سيطرته! و لو بدا ذلك و كأنه بأيدي بعض أهل البلاد و لو بكوفيات محلية أو برانيص مخملية؛ و حتى لو تم تصويرهم و هو يحملون كل الشارات و الصولجانات الفضفضية و العبارات الدپلوماسية.. التي تنبي عن "الاعتراف" بالنظام "الحاكم" الجديد!!
إن الذئب المتضور جوعاً.. و خاصة ذا العضلات المفتولة.. لن يفلت بنعجة سائغة، لن يتركها تفلت من بين أنيابه. و بالنسبة لأمريكا و معها أوربا و أضرابها.. فإن المسألة مسألة بقاء..مساء حياة أو موت.
فلا ننتظر أن أمريكا ستنسحب من العراق، و لا من أمثالها ممن تم التغلب عليها من البلدان "النامية".
و لا بورك فيمن كان السبب الأكثر مباشرة: دكتاتوريّونا الأواحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو