الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجد لليمن واللعنة على الأوغاد صُنَّاع الكوارث و المحن! (1-3)

منذر علي

2023 / 8 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


اليمنيون الفقراء يستنشقون الدُّخَان، ويبتلعون الأحزان ويربحون الموت، ووطنهم يسقط في قبضة الأوغاد. وفي غفلة من الوعي الوطني، واغتيال الأبطال وسيطرة العملاء والأنذال، المستعمرون يعودون، والرجعيون ينبعثون من مقابر الأموات، والوطن يتفتت. الزعماء الطارئون يهربون أو ينصرفون أو ينحرفون، والعمالقة الوطنيون يشيخون أو ينسحبون، بكرامة، من المشهد، والأقزام والتافهون يبرزون، ويستأسدون على الشعب. المجد للوطن والموت للأوغاد صُنَّاع الكوارث والمحن، واللعنة على مكر التاريخ!
***
اليمنيون ومقاومة الاستعمار والرجعية:
الاستعماريون والرجعيون في بلادنا انكسروا ثم انتصروا . إذْ على الرُغم من المقاومة المتقطعة، وغير المنتظمة، ضد قُوَى الغزو الخارجي، إلاَّ أنَّ الأوضاع في اليمن ظلت شبه هامدة منذ أن سيطرت بريطانيا وتركيا على بلادنا في النصف الأول من القرن التاسع عشرة وتمكنهما، بما يتلاءم مع مناطق نفوذهما، من تقسيم اليمن بينهما إلى شمال وجنوب سنة 1904.
غير أنَّ الإرادة الوطنية للنخب السياسية اليمنية، استيقظت من سباتها الطويل في مطلع الثلاثينيات من القرن المنصرم، وترتب على ذلك نمو وعيها السياسي الوطني، بفعل تفاعلها مع المناخ الفكري والسياسي التحرري في العالم العربي، ولاسيما في مصر وسوريا والعراق والمعسكر الاشتراكي.
وفي مطلع الأربعينيات ومنتصف الخمسينيات من القرن الماضي، شرعت النخب السياسية في تنظيم نفسها في جمعيات فكرية ونقابات عمالية وأحزاب سياسية وخلايا عسكرية، ودخلت في مواجهة سياسية وفكرية مُباشرة مع القُوَى الإقطاعية والاستعمارية في شمال اليمن وجنوبه. ولمزيد من الاطّلاع على تاريخ هذه المرحلة، يمكن للقارئ الكريم أنْ يعود إلى كتابات عبد الله باذيب، وأحمد محمد نعمان، ومحمد محمود الزبيري، ومحمد أحمد نعمان، وقحطان الشعبي، وسلطان أحمد عُمر، وعمر الجاوي، وعبد الله البردوني وغيرهم.
وفي مطلع ومنتصف الستينيات، تمكنت النخب الوطنية من أسقاط نظام الإمامة في الشمال، وطرد المُستعمر البريطاني من الجَنُوب، وتقويض سلطات السلطنات الإقطاعية التي كانت محمية ومدعومة من الاستعمار البريطاني خلال الحِقْبَة الممتدة من سنة 1839 حتى سنة 1967.
ومنذ سنة 1962 حظيت النخب السياسية الوطنية اليمنية بدعم الجمهورية العربية المتحدة، بقيادة جمال عبد الناصر، والاتحاد السوفيتي، فيما حظيت النخب السياسية الرجعية، المُبعدة من السلطة، في الشمال والجنوب، بدعم السُّعُودية والقوى الاستعمارية.
وفي خضم الصراعات السياسية المحتدمة بين قُوَى الثورة وقوى الثورة المضادة، سعت النخب الوطنية إلى بناء الدولة الوطنية الجديدة، بدعم المعسكر الاشتراكي، فنجحت في جوانب وأخفقت في جوانب أخرى، وسعت النخب الرجعية إلى استعادة سلطاتها القديمة، بدعم المعسكر الرَجعي، فأخفقت في البداية، ولكنها سرعان ما استعادت المبادرة ولا سيما عقب الهزيمة العربية في 5 يونيو سنة 1967، واستطاعت خلال المدّة الممتدة من سنة 1967 حتى سنة 2012 أنْ تتخلص، جسديًا ومعنويًا، من النخب الوطنية اليمنية، وبلغت انتصاراتها الذروة، حينما سيطرت على مقاليد الحكم سنة 2014 في صنعاء، ومكنت القُوَى الإقليمية ولا سيما السُّعُودية والإمارات وإيران من غزو اليمن و استباحة الوطن، وإحكام قبضتها على السلطة في عدن سنة 2018، وبسط سيطرتها العسكرية على الجُزر والموانئ والسواحل اليمنية.
***
المشهد السياسي القائم والمتغيرات الإقليمية:
السادة الإقليميون، القريبون والبعيدون، العجم والعرب، الإيرانيون والأتراك والبريطانيون والأمريكيون والقطريون والسعوديون والإماراتيون، يعبثون باليمن، بسبب ركاكة الدولة اليمنية وضعف وتبعية النخب اليمنية للقوى الخارجية. هذه حقيقة لا يمكن نكرانها أو القفز عليها أو تجاهلها عند النظر إلى المشهد السياسي اليمني وإلى الأوضاع المضطربة والمتشابكة في اليمن والتأثيرات المسلطة عليه من كل حدب وصوب. فيما قادة الجماعات اليمنية التابعة للدول الإقليمية، كانوا وما زالوا غارقين في أوهامهم السياسية البدائية، لا تشغلهم أوجاع وهموم الشعب اليمني، ولا يعنيهم مستقبله، فهم ينفذون حرفيًا ما يُطلبَ منهم، ويأكلون بشراهة من موائد سادتهم، وينعمون بالعيش الرغيد مع أسرهم ويرقصون طربًا لانتصارات أسيادهم، ولا يبالون بموت شعبهم ومستقبل وطنهم.
هذا هو المشهد السياسي في اليمن، ولكن خلال العام الماضي والأشهر الأخيرة من العام الجاري، حدثت تطورات خارجية، جديرة بالتأمل، تطورات على أكثر من صعيد، من شأنها أن تُغيِّر المشهد السياسي في اليمن في الحِقْبَة المقبلة. ويمكن عرضها بإيجاز على النحو التالي:
(1) تركيا:
سعت تركيا، في الأشهر الأخيرة، بفعل أزماتها الاقتصادية المتفاقمة، إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية، والسياسية بالسُّعُودية، والإمارات، وإسرائيل، وفي ذات الوقت مارست تركيا ضغطًا على الجماعات العربية الإسلامية المقيمة فوق أراضيها وقيَّدت نشاطها. كما أنَّ تركيا، وبسبب كارثة الزلزال وتداعياته الاقتصادية والسياسية واضطرارها للانكفاء على ذاتها، والتوجه لإعادة الأعمار، وبسبب الضغط المتنامي للأحزاب القومية التركية العنصرية المعادية للأجانب، ولا سيَّما للعرب، قبيل الانتخابات المرتقبة يوم غد الأحد، في 14 مايو 2023، ضاعفت ضغطها، بل أوحت بلؤم، منذ وقتٍ مبكر، إلى الجماعات الإسلامية المحسوبة على اليمن، كحزب الإصلاح، و إخوان مصر وتونس وسوريا، المقيمين في أراضيها ألا يتمسكوا بأطراف ثوبها القديم المهلهل، وعليهم ألا يتطلعوا إلى الخلافة العثمانية الغاربة، وعليهم أن يكفوا عن البكاء على زمن ولى ولن يعود، ومن الأفضل لهم أن يحزموا حقائبهم ويعودوا إلى أوطانهم، و يجددوا خطابهم السياسي، كما عمل نجم الدين أربكان، مع تلميذه النجيب رجب طيب أوردغان، و يتعاطوا مع شعوبهم بواقعية سياسية جديدة، فتركيا المعاصرة ليست معنية بالماضي العثماني البعيد إلاَّ بقدر خدمة الحاضر؛ أي أنَّ تركيا معنية بالحاضر وبالمستقبل و بالمصالح القومية للدولة التركية المعاصرة التي تسعى، انطلاقًا من عظمة ماضيها العثماني، إلى التوسع الجغرافي وتعزيز صناعتها ومكانتها الاستراتيجية في العالم، وليس الانشغال ببيع المسابح واحتضان المعذبين في الأرض من الدول الإسلامية الذين يتطلعون إلى الماضي العثماني الغارب.
(2) إيران والسعودية:
وبالأمس القريب، فأنَّ إيران المهمومة بالملف النووي وبأوضاعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الصعبة من جرّاءِ الحصار الاقتصادي والسياسي، تصالحت مع السُّعُودية بفضل المساعي الصينية، وطلبتْ من أنصار الله، وإنْ بشكل أقل نذالة من تركيا، أنْ يستغلوا زمن الهدنة، ويرسخوا هيمنتهم السياسية والدينية بواسطة مدونة وظيفية إيمانية مُحكمة، تتيح لهم القبض على قلب السلطة، وإزاحة نقائضهم ومن لا يثقون بهم، بطريقة ماكرة، وتعزيز هيمنتهم المطلقة على الدولة وعلى الحياة العامة والخاصة للشعب في الشمال اليمني. كما طلبت إيران من أنصار الله أنْ يوسعوا نفوذهم في الجبهات الرخوة، أينما كان ذلك ممكنًا، ويرفعوا من سقف مطالبهم، ويواجهوا الحصار للمنافذ البحرية التي تقع تحت سيطرتهم، بحصار الموانئ البحرية التي تقع تحت سيطرة خصومهم، وتطوير قواتهم العسكرية في أماكن سيطرتهم، استعدادًا لاتفاق سياسي مُربح مع دول الجوار، وهو ما يبدو أنهم سيظفرون به. الأمر، بطبيعة الحال، مرهون بوضع إيران، في ظل الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية المتنامية عليها والمسارات المختلفة للأزمة، باتجاه السلام أو الحرب، وبآفاق تطور العلاقات السُّعُودية الإيرانية. السُّعُودية، بالنظر إلى انكسارها العسكري في اليمن، ومحاولة منها للهروب من تكاليف الحرب، وبعد أنْ تمكنت من السيطرة السياسية الكاملة على الشرعية و بسط نفوذها في المحافظات الجنوبية، بدأت تميل إلى التصالح المُربح ليس مع إيران وحكومة أنصار الله في صنعاء فحسب، بل ومع سوريا وغيرها، والتركيز على تنمية أوضاعها الاقتصادية ضمن ما يعرف بمشروع 2030.
(3) الإمارات:
ويبدو أنَّ الإمارات رتبت أمورها مع سلطنة عمان خلال زيارة رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، إلى مسقط، في 27 سبتمبر 2022. فالمتداول في الأوساط السياسية، هو أنَّ الإماراتيين طلبوا من العمانيين أنْ يمارسوا ضغوطاتهم على أنصار الله لتمديد الهدنة والوصول إلى حلول سياسية للأزمة اليمنية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف السياسي، عمد الإماراتيون لاستخدام وسائلهم الاقتصادية الهائلة لجذب العمانيين صوب غاياتهم السياسية، فَوَقَّعُوا على عدد من الاتفاقيات الاستثمارية والتجارية مع الدولة العُمانية، كما كانت الإمارات قد خطت، في وقت سابق، ذات الخطوة مع تركيا.
تُرى كيف انعكست التحولات الإقليمية على المشهد اليمني؟ سنحاول الإجابة عن هذا السؤال ومقاربة بعض القضايا المتصلة به في الأيام المقبلة.
للحديث بقية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب