الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات الدولية في عالم متغير

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2023 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تعرف موسوعة ويكيبيديا،العلاقات الدولية بأنها: " تفاعلات ثنائية الأوجه ,أو تفاعلات ذات نمطين : النمط الأول هو نمط تعاوني والنمط الثاني هو نمط صراعي ,إلا أن النمط الصراعي هو النمط الذي يغلب على التفاعلات الدولية , برغم محاولة الدول إخفاء أو التنكر لتلك الحقيقة، بل أننا يمكننا القول أن النمط التعاوني الذي قد تبدو فيه بعض الدول , هو نمط موجه لخدمة صراع أو نمط صراعي آخر قد تديره الدولة أو تلك الدول مع دولة أو مجموعة دول أخرى. فعلى سبيل المثال نجد أن الأحلاف والروابط السياسية بين مجموعة من الدول هي في صورتها الظاهرية, قد تأخذ النمط التعاوني بين تلك الدول برغم حقيقة قيامها لخدمة صراع تلك المجموعة من الدول ضد مجموعة أخرى ", كما هو حال حلف شمال الأطلسي مثلا الذي يعرف بحلف الناتو .تأسس الحلف عام 1949م بناءً على معاهدة شمال الأطلسي التي تم التوقيع عليها في واشنطن في الرابع من نيسان عام 1949. يشكل حلف الناتو نظاما للدفاع الجماعي تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية. والمقصود بالأطراف الخارجية هنا , الإتحاد السوفيتي الذي كان يضم يومذاك خمس عشرة جمهورية سوفيتية اشتراكية هي : روسيا وأوكرانيا وأوزبكستان وكاخزستان وبيلا روس وجورجيا وطاجكستان وأذربيجان ومولوديفيا وقيرغزستان ولتوانيا وتركمستان وأرمينيا ولاتيفيا وإستونيا .
إتفق أعضاء حلف الناتو على إن الهجوم المسلح على أي منهم في أوروبا أو أمريكا الشمالية سيعتبر هجوما ضدهم جميعا. ويذكر أن ثلاثة من أعضاء الناتو (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة) هم أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي , يتمتعون بحق الفيتو ,وهم رسميا دول حائزة للأسلحة النووية. كان عدد دول أعضاء الحلف ( 12 ) دولة عند التأسيس , ليصبح الآن ( 30 )دولة . وهناك دول أخرى تسعى حاليا للإنضمام للحلف. وعلى الرغم من تفكك الإتحاد السوفيتي وعدم وجوده الآن فأن حلف الناتو ما زال قائما حتى الآن , بل العكس من ذلك فأنه يشهد توسعا بضم دول أخرى كانت يوما تحت النفوذ السوفيتي , وبشكل يرى فيها الروس تهديدا لأمن روسيا القومي بدون مبرر , وكان الأجدى بحلف الناتو التقارب مع روسيا بوصفها دولة أوربية كبرى, لتعزيز الأمن الأوربي وأمن العالم أجمع , بدلا من إستفزازها وزعزعة أمنها .
وكرد على تأسيس حلف الناتو قام الإتحاد السوفيتي وسبع جمهوريات اشتراكية أخرى من الكتلة الشرقية في شهر آيار من عام 1955 بتأسيس حلف وارسو في مدينة وارسو عاصمة بولندا خلال الحرب الباردة, كتوازن للقوى أو كثقل موازن لحلف شمال الأطلسي .
ولم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بتأسيس حلف الناتو , بل قامت بتأسيس أحلاف عسكرية أخرى في مناطق متعددة في العالم , بهدف إحتواء ما روجت له تحت عنوان التوسع الشيوعي الذي يمثل خطرا داهما على نظمها الرأسمالية, كان أبرزها :
1. حلف بغداد : تأسس في بغداد في الرابع والعشرين من شهر شباط عام 1955 , وضم في بادى الأمر كل من العراق وتركيا , وإنضمت إليه فيما بعد كل من بريطانيا وإيران وباكستان. إنسحب العراق رسميا من الحلف بعد إندلاع ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 ، وترتب على ذلك نقل مقر الحلف من بغداد إلى أنقرة بتركيا، وتغيير أسم الحلف من حلف بغداد إلى حلف المعاهدة المركزية .
2. حلف جنوب شرق آسيا : تأسس عام 1955، خلال الحرب الباردة في مدينة مانيلا عاصمة الفلبين ، كحلف عسكري للدفاع والتصدي للمد الشيوعي في دول جنوب شرق آسيا . ضم الحلف كل من أستراليا، فرنسا، نيوزيلندا، باكستان، الفلبين، تايلاند، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية . تفكك الحلف رسميا في 1977 .
3. حلف الريو : تأسس عام 1947 ويعد أقدم حلف تم إنشاءه عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، تم توقيع معاهدة حلف الريو في مدينة ريو دى جينيرو في البرازيل وحمل الحلف أسمها . ضم الحلف كل من الولايات المتحدة الأمريكية، الأرجنتين، البرازيل، التشيلي، كولومبيا، بوليفيا، كوبا، كوستاريكا، المكسيك، بنما، البيرو، الإكوادور، السلفادور، جمهورية الدومينيكان، غواتيمالا، هايتي، بروجواي، هندوراس، توباغو، أورغواي، فينزويلا، نيكارغوا، بارابادوس و ترينيداد .
وبالمقابل وقع الإتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية ,معاهدة إنشاء حلف الإتحاد السوفيتي الصيني في عام 1950 لمدة (30) عاما، وأطلق عليها " معاهدة الصداقة والتحالف والمساعدة المتبادلة بين إتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفيتية وجمهورية الشعب الصينية", للحيلولة دون فرض سيطرة اليابان وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية على شرق آسيا . وإنتهى مفعول المعاهدة عام 1971 .
وفي خضم الصراع الدائر بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , والمعسكر الشرقي بقيادة الإتحاد السوفيتي, إنبثقت حركة عدم الانحياز لمساندة نضال شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من المناطق في العالم من أجل الاستقلال . تأسست الحركة من( 29 دولة )، وهي الدول التي حضرت مؤتمر باندونغ عام 1955 في أندونيسيا ، والذي يعدّ أول تجمع منظم لدول الحركة . كان رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو والرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغوسلافي تيتو والرئيس الأندونيسي أحمد سوكارنو إبرز قادة الحركة .كانت جهود الحركة، منذ الأيام الأولى لقيامها، عاملاً أساسيًا في عملية تصفية الاستعمار، والتي أدت لاحقًا إلى نجاح كثير من الدول والشعوب في الحصول على حريتها وتحقيق استقلالها، وتأسيس دول جديدة ذات سيادة. وعلى مدار تاريخها، لعبت حركة دول عدم الانحياز دورًا أساسيًا في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين .
مثّل تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 نهاية الحرب الباردة والعداء المستمر منذ عقود بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وحلف وارسو، والذي كان السمة المميزة للحرب الباردة .وبذلك تسيدت الولايات المتحدة الأمريكية العالم بمفردها بوصفها القوة الأعظم في العالم الذي على جميع دوله تقديم فروض الطاعة والخنوع لجبروت الدولة الأعظم وتنفيذ أوامرها بما يضمن مصالحها أولا, والويل والثبور لمن يخالفها أو يشاكسها , فمزاج السيد الأعظم لا يتهاون مع كل من يعكر هذا المزاج ولو من باب الطرفة .
ولسوء الحظ لم يدرك بعض قادة الدول العربية مغزى هذا التحول الدولي الخطير في العلاقات الدولية , إذ راح البعض يلعب لعبا بهلوانية ماصخة , منها قيام صدام حسين بغزو وإحتلال الكويت في الثاني من آب عام 1990 , وإصراره على ضمها للعراق من طرف واحد دون أي إكتراث لمناشدة الكثير من الدول, بالتراجع عن هذه الحركة المجنونة التي قد تودي إلى دمار العراق برمته والعودة به إلى عصر ما قبل الصناعة , حيث بات العراق فريدا في موقفه دون مناصر , ولم تعد أمامه أية فرصة للمناورة السياسية واللعب على تناقضات مصالح الدول الكبرى كما كان يحصل سابقا في فترة الحرب الباردة , إذ باتت جميع الدول بما فيها جمهورية روسيا الإتحادية العدو اللدود للولايات المتحدة الأمريكية خاضعة لمشيئة الولايات المتحدة الأمريكية .وكانت النتيجة أسوء مما كان متوقعا , إذ لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بإخراج الجيش العراقي من الكويت فحسب , بل أنها أمعنت بتدمير العراق حكومة وشعبا تدمير شاملا دون رحمة .
وحيث أن بقاء الحال من المحال , فأن ثمة قوى دولية دون شك ستبرز إن عاجلا أو آجلا , لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية وربما إزاحتها عن عرشها أو في الأقل تقاسمها النفوذ الدولي . ولا نقول ذلك رجما بالغيب أو من باب التنجيم , بل من واقع أحداث التاريخ البعيد والقريب على حد سواء , حيث يلاحظ عنفوان الدول وتألقها وبلوغها أوج عظمتها , ثم إنحدارها وأفولها وسقوطها . وها نحن الآن نشاهد صعود الصين عملاقا إقتصاديا وتكنولوجيا بات يتخطى الولايات المتحدة في الكثير من المجالات وإزاحتها من بعض مواقعها حتى في داخل الولايات المتحدة الأمريكية . وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية حاليا إلى تشكيل تحالف دولي يضم بريطانيا وأستراليا ونيوزلندا والهند وأندونيسيا ودول جنوب شرقي لإحتواء النفوذ الصيني ومنعه من التمدد في هذه الدول . وبالمقابل يلاحظ أن هناك تقاربا أكبر بين الصين وروسيا في جميع المجالات وبخاصة في المجال الإقتصادي في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية , كما يلاحظ أيضا أن هناك تقاربا واضحا بين روسيا وكوريا الشمالية الدولتين النوويتين .
وكذا الحال بالنسبة لمجموعة دول بريكس صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في يكاترينبورغ بروسيا في حزيران 2009 حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية . تشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة العالم، وعدد سكانها يقارب نحو ( 40 % ) من سكان الأرض. ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول في العالم حاليا , وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة الأمريكية حيث تسعى هذه الدول إلى الإطاحة بهيمنة الدولار الأمريكي أحد أهم دعائم الإقتصاد الأمريكي من الهيمنة على التعاملات التجارية الدولية .
وها هي روسيا تستضيف اليوم على أراضيها قمة إقتصادية لعدد من دول أفريقيا في تحد واضح للولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى عزل روسيا , بل أنها ذهبت أبعد من ذلك بتحريض ما يسمى بمحكمة العدل الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في "جرائم حرب"، بسبب ضلوعه في عمليات خطف مزعومة لأطفال من أوكرانيا . ونتساءل هنا أين كانت هذه المحكمة الموقرة مما حل بأطفال العراق وشعبه من قتل وتشريد وتجويع إلى حد الموت وأمراض خبيثة جراء الغزو الأمريكي للعراق وفرض حصار ظالم جائر لا سند قانوني له طال جميع مفردات الحياة في العراق سنيين طويلة , إرتأته الإدارة الأمريكية سببا مبررا لإسقاط النظام السياسي في العراق.
وثمة تحولات أخرى يشهدها العالم , حيث يشهد حاليا تحولات سياسية وإجتماعية وتكنولوجية هائلة , يتوقع لها أن تغير مسارات دوله وتهز بعض كياناته , ولعل أخطرها ما يتعلق بتكنولوجيا الذكاء الصناعي وإنعكاساتها , وموجات التحولات القيمية والمفاهيم الأخلاقية في المجتمعات الغربية , وبخاصة ما يتعلق منها بإشاعة مفاهيم العلاقات الجنسية خارج قوانين الفطرة البشرية والطبيعة الإنسانية , الأمر الذي يهدد النسيج الإجتماعي وتفككه , ناهيك عن تعارضه مع كل المعتقدات الدينية والأعراف الإجتماعية المتوارثة عبر السنين .
وأزاء هذه التحولات الدولية المتسارعة على كل الصعد تقف دولنا العربية عاجزة مكتوفة الأيادي , يصارع بعضها البعض الآخر في قضايا أكل عليها الدهر وشرب , في جدل بيزنطي لا يقدم ولا يؤخر ,والعالم من حولنا يسير بخطى متسارعة لأمتلاك العلم والتكنولوجيا وكل مصادر القوة , بينما يتغنى البعض بأمجاد ماض تليد مضى لم يكن له فيه دور , بدلا من أن يسعى لبناء مجتمع زاهر بإمتلاك ناصية ومعطيات التكنولوجيا . باتت بلداننا مسرحا عبثيا للصراعات التي مزقتها أربا ,كما هو الحال اليوم في السودان والعراق وسورية وليبيا واليمن والصومال ولبنان وفلسطين وغيرها, وهي تندب حظها العاثر وتلقي باللوم على الآخرين لما حل بها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا