الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة يوليو وعودة عصر المماليك

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2023 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يتعجب كثير من الناس على إصطلاح المماليك الجدد الذى يطلقه البعض على ضباط ثورة يوليو وأسرة الجيش الحاكمة التى أسسوها والمستمرة حتى اليوم ، قليل من الناس فقط يتقبل هذا الإصطلاح على أنه مناسب تماما لعصر ثورة يوليو بضباطها ونتائجها على المجتمع المصرى ، وهؤلاء فى الغالب من أصحاب الدراية بالتاريخ لإن التشابه كبير جداً فى الواقع بين عصرالأقلية العسكرية المملوكية وعصر ضباط يوليو ، وربما يكون من المناسب اليوم ، وقد حلت بنا ذكرى هذه الثورة المشؤومة قبل أيام قليلة فقط من الشهر الماضى ، أن نحاول هنا توضيح لماذا يرى البعض إصطلاح عصر المماليك الجدد مناسباً تماماً لعصر ثورة يوليو ، ولماذا يجب أن نتخلص من عصر يوليو كما تخلصنا من عصر المماليك ، حتى ولو لزم الأمر إستدعاء محمد على جديد ، ومذبحة قلعة أخرى ، إذا سمحت الظروف ،،،
وكما هو معروف وصل محمد على إلى حكم مصر نتيجة لثورة شعبية فى مواجهة إرادة السلطنة العثمانية سنة 1805 ، لكن الواقع أن حكم محمد على لمصر لم يستتب إلا بالقضاء على المماليك فى مذبحة القلعة الشهيرة سنة 1811، وكان حكم الأقلية العسكرية المملوكية لمصر قد قام على ثلاثة أسس رئيسية ففى نظام الحكم ، الحكم لمن غلب ، وفى العقد الإجتماعى مع المصريين ، الأمن مقابل الثروة ، وفى الشكل العام للدولة ، دينى يتبع الخلافة العباسية، والتحالف مع طبقة رجال الدين ، فإذا ماحاولنا تطبيق هذه القواعد الثلاث على دولة مماليك يوليو سنجدها هى هى لم تتغير إلا فى الشكل فقط دون الجوهر، حيث حل عسكر مماليك يوليو الفلاحين محل الأتراك والجركس ،،،
قام ناصر بإنقلابه العسكرى ضد الملك فاروق ، آخر ملوك أسرة محمد على فى يوليو سنة 1952، لكنه لم يتمكن من الإستحواذ على السلطة الكاملة إلا فى حددود سنة 1954 بعد أن قضى على الأحزاب وأسقط الدستور وإعتقل الوفديين ، وقضى على منافسة زملائه العسكريين فى مارس 1954 ثم على الإخوان بعد حادث المنشية فى أكتوبر 1954، ثم عذل وإعتقال رئيس الجمهورية العسكرية الجديدة اللواء محمد نجيب فى نوفمبر سنة 1954 ، ليستولى بعد ذلك على حكم مصر دون منازع ويدخل فى مغامراته السياسية ضد الغرب والتى جعلت منه نجماً ساطعاً فى سماء سياسة الشرق الأوسط المشحون ضد الغرب الإستعمارى ، لكن يظهر له بمرور الوقت خصم فتاك تمثل فى صديقه ورفيق عمره المملوكى قائد الجيش الفاسد عبدالحكيم عامر ورجليه القويين صلاح نصر رئيس المخابرات وشمس بدران وزير الحربية ، والذى لم يستطع التخلص من نفوذهم القوى إلا بعد هزيمة 1967م وفشل محاولتهم الإنقلابية للعودة للسلطة ، والتى إنتهت بقتل أو إنتحار عبدالحكيم عامر وسجن صلاح نصر وشمس بدران ، لينفرد الديكتاتور المهزوم بالسلطة مرة أخرى ويسلم نيابة حكم المماليك لأنور السادات ، الزميل المنافق الوحيد الذى لم يدخل فى أى صراع على السلطة ضد سيده السلطان،،،
وصل أنور السادات للحكم بعد وفاة جمال عبدالناصر مباشرة فى سبتمبر 1970م ، لكن الواقع أنه لم يستطع الإستيلاء على السلطة الكاملة إلا بعد أن تخلص من رجال العهد الناصرى فيما عرف بالتخلص من مراكز القوى فى ثورة التصحيح مايو 1971م ، وهم على صبرى نائب رئيس للجمهورية ، وشعراوى جمعة وزير الداخلية ، محمد فوزى وزير الدفاع ، أحمد كامل رئيس المخابرات ، محمد فائق وزير الإعلام ، لبيب شقير رئيس البرلمان ، سامى شرف سكرتير الظاهر بيبرس جمال عبدالناصر ، وذلك بمساعدة رئيس الحرس الجمهورى الليثى ناصف الذى سيموت هو نفسه بعد ذلك سنة 1973م فى حادث سقوط غامض من شرفة منزلة بالعاصمة البريطانية لندن أثناء رحلة علاجية ، بنفس ظروف وفاة الفنانة سعاد حسنى ، والجاسوس المصرى أشرف مروان ، صهر جمال عبدالناصر، لينفرد أنور السادات بالحكم الديكتاتورى بعد ذلك حتى يظهر له منافس قوى فى شخص وزير الدفاع أحمد بدوى ، أحد رموز حرب أكتوبر 1973 ، ليدبر السادات إغتياله بعد ذلك فى حادث سقوط طائرة هليكوبتر فى مارس 1981، وذلك قبل إغتيال أنور السادات نفسه بأشهر قليلة فى أكتوبر من نفس السنة على يد بعض اعضاء الجماعات الإسلامية ، شريك الحكم المملوكى الذى لايقبل بالإقصاء ، وذلك بعد أن كان قد سلم النيابة لرفيق سلاح وبلديات و مهادن ، حسنى مبارك رئيس القوات الجوية فى حرب أكتوبر ،،،،
إستلم مبارك الحكم فوراً بعد إغتيال السادات وتمكن بمساعدة الجيش من السيطرة على الفوضى الداخلية التى أثارها إغتيال السادات ، ثم تمكن فى هدوء من العودة بمصر إلى محيطها العربى وإعادة مقر جامعة الدول العربية إليها إستغلالاً لتطورات الموقف فى صراعات الخليج ورغبة ديكتاتور العراق الديناصور صدام حسين فى فرض إرادته على دول الخليج بعد إنتصاره المزعوم على إيران سنة 1988م ، كما سار على خطى السادات فى توثيق علاقته بالغرب ، لكن مسيرة حسنى مبارك الظافرة نسبياً لم تسلم من وجود منافس خطير داخل الجيش هو المشير أبو غزالة وزير الدفاع ، والذى سيقوم حسنى مبارك بعزله فى هدوء سنة 1989 بناء على رغبة الأمريكيين ، الموقف الذى سيمر فى سلام نظراً لعدم رغبة أبو غزالة إثارة أى صراعات داخل صفوف جيش المماليك ، وسوف ينتهى حكم حسنى مبارك الطويل بثورة يناير سنة 2011م والتى ستنتهى تطوراتها بوصول أتابك العسكر ، وزير الدفاع ، عبدالفتاح السيسى إلى الحكم ، كأسوء نسخة من جميع نسخ المماليك ، جاسوس المغول ، والذى حاول مؤخرا عزل منافسه القوى رئيس الأركان، أسامة عسكر ، ولكن يبدو انه لم يفلح ،،،
فإذا ماإنتقلنا إلى الأساس الثانى الذى قامت عليه دولة المماليك ، أى الأمن مقابل الثروة ، سنجده هوهو لم يتغير منذ عصر الممليك الأتراك والجركس ، حتى عصر مماليك يوليو الفلاحين ، حيث ساد الرعب فى مصر العصور الوسطى من ظاهرة فساد العربان وهم بقايا عرب محمد الذين إحتلوا الشرق الأوسط منذ القرن السابع الميلادى ولكن ظل منهم بقايا لم تندمج فى حياة مجتمعات الزراعة والحرف تعيش على أطراف الصحارى وتهاجم القرى والضواحى فى كل فرصة تسنح لها وتقضى على الأخضر واليابس وتتركها خراباً بشكل لايقل خطورة تقريبا عما كان يفعله مرض الطاعون الأسود بسكان مصر والشرق الأوسط فى العصور الوسطى ، والواقع أن صعود نجم الجنود الأتراك فى سماء الشرق الأوسط كرقيق وجنود وهدايا للملوك منذ عصر المعتصم العباسى فصاعداً (833-842م) يعود إلى درجة كبيرة إلى قدراتهم القتالية العالية وقدرتهم على قمع الإضطرابات وفساد العربان وقد سيطروا على خلافة بغداد و ظهرت منهم دول فى مصر والشام كالطولونيين(869-905م) والإخشيدين (935-968م) ومنهم جاءت دولة المماليك التى حكمت مصر والشام لنحو ثلاثة قرون(1250-1517م) حتى هزيمتها أمام العثمانيين ، ثم شاركت العثمانيين الحكم بعد ذلك حتى حملة نابوليون سنة 1798 ،،،
كان الأمن الذى إستطاعت الأقلية العسكرية المملوكية توفيره للمصريين من خلال نجاحهم النسبى فى التصدى لهجمات العربان أحد أسس مشروعيتهم للحكم ، وكما كان يقال ، لايمكن قمع العربان إلا سلطان تركى قوى ، وهكذا حكم المماليك مصر والشام ووفروا الأمن النسبى فى ظل الفوضى التى أثارها بقايا عرب محمد فى الشرق الأوسط فى العصور الوسطى ، لكنهم مقابل ذلك قد إستولوا على معظم الثروة الزراعية المصدر الرئيسى للثروة فى ذلك الزمن وذلك من خلال سيطرتهم على حوالى ثلثى قرى الإلتزام وهى القرى التى كانت تؤجر بموجب عقود إلتزام بتوريد مستحقات وضرائب الدولة السنوية من ملتزم ، مملوكى فى العادة ، يدفع مقدماً ثم يحصل حقوقه بطريقته الخاصة من الفلاحين خلال مدة الإلتزام ، وذلك فى نفس الوقت الذى سيطرت فيه طبقة رجال الدين والأشراف على حوالى الثلث الباقى من الأراضى الزراعية من خلال نظام الأوقاف الدينية ، وهكذا توزعت الثروة الزراعية بين طبقة المماليك ورجال الدين وعاش المصريون أقنان فى الأرض ، أقنان مقابل بالسلام ،،،
إن هذا التوصيف يكاد ينطبق تماماً على عصر مماليك يوليو الذين إستولوا على الثروة المصرية ، حيث صادر النظام الناصرى الأراضى الزراعية من كبار الملاك وأعاد توزيعها على الفلاحين فى ضربة سياسية إعطى فيها لإنقلابه صورة الثورة الإشتراكية ، رغم أنه وفى المقابل قد أمم شركات الصناعة والتجارة عماد الثروة فى العصر الحديث ، كما أنشأ قطاع أعمال ضخم يتبع الدولة من شركات القطاع العام بنفس الذريعة الإشتراكية لكن إحتل ضباطه مجالس إدارتها بالكامل دون رقيب عليهم ، ليتطور الأمر فى النسخة السيساوية الأخيرة بشكل مكشوف من خلال شركات الجيش التى نهبت الثروة وإستولت على السوق وحرمت المصريين من لقمة العيش ، وذلك مقابل الحماية من جماعة الإخوان والجماعات الجهادية التى إستوطنت الصحراوات تماماً كعربان محمد ، فى سيناء والصحراء الشرقية والغربية وأقاصى الجنوب نفس سيناريو مماليك الأتراك والجركس ، فقط مع تغيير جنس المماليك ، من ترك وجركس غرباء إلى مصريين فلاحين محليين ،،،
فإذا ما إنتقلنا إلى الأساس الثالث وهو التحالف مع الدين ورجال الدين من أجل كسب شرعية الحكم الثابتة فى أعين مواطنى العصور الوسطى من المصريين والشوام ، نجد أن بيبرس الطاغية الجبار المشهور بالظاهر بيبرس ، والمؤسس الحقيقى لدولة المماليك فى مصر والشام ، وبعد أن قتل زميل الأمس قطز أثناء العودة من حرب المغول فى عين جالوت 1260م ، بدأ فى وضع أسس دولة المماليك وكان من أولى أعماله هو البحث عن أى رجل ضال من سلالة العباسيين التى قضى عليها المغول ليجعل منه خليفة وإهتدى أولا إلى رجل يسمى أبو القاسم أحمد ، ثبت القضاة نسبه العباسى ، فولاه الخلافة بإسم المستنصر بالله ثم أوفده فى جيش لمحاربة المغول فى العراق لكنه هزم وقتل هناك ، فولى بعد ذلك أخيه أبى العباس أحمد وحمله إلى القاهرة وخلع عليه لقب الحاكم بأمر الله، وأسكنه القلعة كالملوك وأسبغ عليه النعم والإقطاعات ليصبح وهو وذريته من بعده رمزاً للخلافة العباسية الزائلة والتى أصبحت دولة العصاابات المملوكية ممثلاً لها ، فى نفس الوقت الذى حافظ فيه على إمتيازات طبقة رجال الدين من خلال منحهم حقوق الإلتزام والإشراف على الأوقاف الدينية ، كما سبق ذكره ، وهو تماماً مافعله مماليك يوليو ، فبرغم صراعهم مع الإخوان فقد وثق جمال عبدالناصر علاقته بالأزهر من خلال الشيخ أحمد حسن الباقورى ، الإخوانى السابق ، وزير الأوقاف ومدير جامعة الأزهر فى عهد ناصر ، كما فعل السادات ومبارك مع الشعراوى الداعية الأزهرى الشهير ، والسيسى مع أحمد الطيب ، شيخ الأزهر، مقابل مراكز وعطايا وحرس خاص ومعاملة تشبه معاملة الملوك ،،،،
قد يبرر هذا الإستعراض السريع تسمية ضباط يوليو بالمماليك ، ومع ذلك فليس هذا هو المهم الآن ، المهم الآن أن ندرك فعلا ً أننا قد خسرنا قرن ونصف من تطور مجتمعنا الذى قطعه فى عصر أسرة محمد على فى مجرد اللحظة التى تمكن فيها ضباط يوليو من حكم بلادنا وإعادتها إلى عصر بربرية المماليك ،حيث لادستور ولا أخلاق ، حيث الحكم لمن غلب ، والأمن مقابل الثروة ، والتحالف مع رجال الدين الدجالين ، وأننا لكى نعوض تلك المأساة فأن علينا اليوم أن ننهض فورا ًو نكرر التاريخ ، و نبحث عن محمد على جديد ، ومذبحة قلعة جديدة ، وبأسرع مانستطيع ،،،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة