الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايران من تصدير الثورة الى بناء الدولة (1)

آدم الحسن

2023 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


كي نتناول الوضع الحالي في إيران , هذا البلد الذي يتولى قيادته في هذه المرحلة رجال دين تحكمهم مفاهيم و ثوابت دينية تحدد لهم سلوكهم السياسي , و الى اين تتجه ايران لابد من الرجوع قليلا الى الخلف , الى ايام الثورة الإيرانية , تلك الثورة التي حجزت لنفسها مكانا في صفحات التاريخ بجانب الثورات الكبرى كالثورة الفرنسية و ثورة البلاشفة في روسيا القيصرية .
لم تسقط نظام شاه ايران دبابات قوات احتلال اجنبي و لم يسقطه انقلاب عسكري و لم تسقطه حرب عصابات شعبية مسلحة انطلقت من ادغال الغابات أو من كهوف الجبال و انما اسقطته تظاهرات سلمية اكتسحت شوارع المدن من اقصى شمال إيران الى جنوبها و من اقصى شرق إيران الى غربها و تكثفت تلك التظاهرات في شوارع العاصمة طهران .
لم تكن ساعة الصفر لإسقاط نظام الحكم الشاهنشاهي في إيران وقتا مجهولا أو سرا من اسرار متآمرين على السلطة يحددونه في غرف مغلقة و انما كان موعدا معلنا يعرفه كل الإيرانيين كما يعرفه نظام الشاه بكل اجهزته القمعية , موعد معلوم لدى كل اصدقاء تلك الثورة و لدى كل اعدائها .
لقد قتلَ و جرحَ الحرس الشاهنشاهي و اجهزة نظام الشاه القمعية ألاف المتظاهرين المحتجين السلميين و بدل من أن يقل عددهم ازدادَ عدد المحتجين و اشتد غضبهم , ذلك الغضب الذي ارعب كل ازلام نظام الشاه و اجهزته الأمنية , لقد رسمت تلك الثورة بدماء ثوارها اسطورة يصعب تصديقها .
و حين حطت الطائرة القادمة من فرنسا التي اقلت قائد الثورة الإيرانية رجل الدين الخميني في مطار طهران اختفى نظام شاه إيران و لم يعد له وجود و كأنه قد تبخر , حقا كانت ثورة شعبية لم يحصل مثيل لها في تاريخ البشرية و قد لا تتكرر مستقبلا .
إن نجاح الثورة الإيرانية بالشكل الذي تمت به و هي مخضبة بدماء ثوارها دفعت قادتها و على رأسهم قائد الثورة الخميني نحو التشدد و منحتهم ثقة بالنفس تجاوزت إمكانياتهم الفعلية حيث اخذت قيادات الثورة تطلق شعارات متطرفة وجدت لها صدى كبير في الشارع الإيراني , من هذه الشعارات " ازالة إسرائيل من الوجود " و " الموت لأمريكا " , لم يوضح هذا الشعار من هم امريكا التي يدعون لها بالموت هل هم الشعب الأمريكي أم الحكومة الأمريكية أم هي سياسة أمريكا الإمبريالية , شعارات متطرفة غير مسؤولة بجانب حرق العلم الأمريكي و الاسرائيلي .
لا شك ان حرق العلمين الأمريكي و الإسرائيلي معا له دلالات تصب في مصلحة النشاط الإعلامي لإسرائيل و للحركة الصهيونية و تخدم كثيرا اهداف اليمين المسيحي المتطرف في امريكا , فحرق هذين العلمين معا يعطى رسالة مفادها ان مصير الشعب الأمريكي و مصالحه و مصير اسرائيل و مصالحها مرتبطان و كأنهما مصير واحد مشترك , و هذا ما سعت اليه إسرائيلي منذ تأسيسها .
الغرور الذي انتجه نجاح الثورة الإيرانية على اقوى نظام استبدادي في الشرق الأوسط وفَرَ البيئة الملائمة لانطلاق خطابات نارية من على المنابر في جوامع ايران تدعو الى الثورة على كل الأنظمة القائمة في عموم البلدان الإسلامية و اشتدت النشاطات المعادية لهذه الأنظمة في مسارات مختلفة شكلت بمجملها اركان الدعوة لتصدير مبادئ الثورة الإيرانية الى هذه البلدان .
كانت الخطابات التي تدعو الشعوب الإسلامية للثورة على حكامها و اسقاط انظمتها و خصوصا نظام صدام حسين في العراق و اقامة انظمة اسلامية ثورية بديلا عنها جرس إنذار لكل الأنظمة في المنطقة و لإسرائيل و لأمريكا و حلفائها , فتشكلت كل الظروف الموضوعية لدفع النظام العراقي لشن حرب على إيران بمساعدة مالية غير محدودة من دول الخليج العربية و خصوصا من السعودية و الكويت .
خطط نظام صدام حسين للحرب العراقية على إيران بحيث تكون حرب سريعة و خاطفة لا تتجاوز امدها بضعة اسابيع , لكن حسابات النظام في العراق كانت خاطئة و تحولت تلك الحرب الى فخ مدمر للعراق .
دخل العراق في حرب دموية طويلة الأمد استمرت ما يقارب الثمانية سنوات راح ضحيتها مئات الاف من الشباب العراقي و هذه الخسائر لا تقل عن الخسائر التي تكبدها الجانب الإيراني حتى صح القول أن الطرفين المتحاربين , العراق و ايران , قد خسرا تلك الحرب , كانت حرب عبثية بكل ما تعنيه هذه الكلمة .
مع مرور الزمن صار واضحا أن نهج الجناح المتشدد في الحركة الإسلامية التي مسكت السلطة في ايران هو نقيض للبراغماتية و الواقعية السياسية فأخذ هذا الجناح يعمل على إيجاد منافذ فقهية تساعده على التكييف مع معطيات الواقع المتغير و افرازاته و اعتماد نهج أقل تطرفا و اكثر واقعية .
الحركة الإسلامية في ايران و التي يقودها رجال دين شيعة هي كأي حركة من حركات الإسلام السياسي فيها جناح متشدد و جناح معتدل , الجناح المتشدد يتمسك بما يعتبره ثوابت إسلامية لا تتغير مع الزمن , قد يصل هذا التمسك لدرجة الجمود العقائدي .
إن تورط ايران في حرب مع العراق لمدة ثمانية سنوات دون تحقيق أي نتيجة اضعف الجناح المتشدد في الحركة الاسلامية في ايران و جعله يتراجع خطوات عديدة عن شعاراته التي تدعو الى تصدير الثورة و مهدت الطريق لهذا الجناح كي يتخلى عن جزء من اللاواقعية السياسية و البدء في اولى الخطوات للانتقال من ايديولوجية تصدير الثورة الإسلامية الى نهج واقعي براغماتي لبناء الدولة الايرانية .

(( يتبع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. دعم صريح للجيش ومساندة خفية للدعم


.. رياض منصور: تغمرنا السعادة بمظاهرات الجامعات الأمريكية.. ماذ




.. استمرار موجة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات


.. هدنة غزة.. ما هو مقترح إسرائيل الذي أشاد به بلينكن؟




.. مراسل الجزيرة: استشهاد طفلين بقصف إسرائيلي على مخيم الشابورة