الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرحين لمنظر الدبابة: الحجج الذرائعية لتقبل الجماهير الإنقلابات العسكرية.. دون مقاربات ما بعد الكولونيالية

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2023 / 8 / 1
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


فرحين لمنظر الدبابة: الحجج الذرائعية لتقبل الجماهير الإنقلابات العسكرية.. دون مقاربات ما بعد الكولونيالية
*************************
سلافوي زيزاك مقلوبا على رأسه
جاء انقلاب النيجر المفاجىء بكم كبير من التساؤلات، أولا لأنه تزامن مع إنعقاد قمة سانت بطرسبورغ روسيا-افريقيا 27-28 يوليو المنصرم، حيث حضر 49 رئيسا من بين 54 رئيسا، وجاء الانقلاب كرجع صدى لجلستين تم عقدهما في سانت بطرسبورغ تحت عنون "إنهاء الاستعمار"..، ورغم حرب الجنرالين في السودان، حضر المشير عبد الفتاح البرهان القمة الروسية الإفريقية، فهل ترك البرهان الخرطومةللقاء بوتين، أو الاتفاق مع يفجيني بريجوجين زعيم فاغنر في ردهات الفندق، لدفعه إلى التأثير في المتمرد حميتي زعيم جنجويد دارفور الذي تحول إلى قائد القوات الخاصة التي تحمي تهريب الذهب. ومن المدهش، أن يكتب الروس في تطبيق فكونتاكت Vk أن أبوظبي تشتغل كيمسار ذهب لصالح موسكو، بالاتفاق مع بريغوجين وحميتي على الأرض.
هذا الانقلاب مرفوض رسميا بالأطر التنظيمية لمنظمة الإتحاد الإفريقي، فالموقف القانوني الطبيعي والمنطقي للتحول الراديكالي، هو موقف الاتحاد الافريقي الرافض للإنقلاب العسكري وتجميد الدستور لفرض المرحلة الانتقالية، حيث يجبر الاتحاد الافريقي القوى الانقلابية على العودة للدستور والشرعية أو تحمل عواقب اللائحة 107 للاتحاد التي تقضي بتجميد عضوية الدولة في منظمة الاتحاد الإفريقي، وحرمانها من حقوقها، إلى أن تعود للشرعية. كما أن آلية دول الجوار تقنية ابتكرها وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة عند رئاسته مجلس السلم والأمن الإفريقي لجعل آلية القرب والجوار مانعا أمام تدويل النزاعات الافريقية، ومنع القوى الغربية من استخدام الأمم المتحدة لغزو هذه الدول. ويحدث الآن أن مجموعة إكواص تقوم بتهديد القيادة العسكرية في النيجر بالحرب!، إذا لم يطلق سراح الرئيس الشرعي محمد بازوم. ويرد قادة كل من النيجر وغينيا وبوركينافاسو أنهم يرفضون أي حرب على النيجر لأنه تدخل في الشأن الداخلي لهذه الدولة المجاورة. أما ميدانيا، يتشغل الجيش بإظهار الدعم الجماهيري لقراره المفاجىء رغم أنه أخبط مرتين المحاولة الانقلابية ضد الرئيس بازوم، لكنه لا يستطيع إخفاء حقيقة منع الطيران المدني للنيجر من النشاط تمهيدا لقطع عدة دول علاقاتها بالنيجر وتسليط العقوبات عليها. في تويتر، كتب أزوادي من مالي يدعى سعيد بن بلة أن زعيم الانقلاب قائد الحرس الرئاسي، جنرال متمرد، وردت ضده شكاوى كثيرة للرئيس محمد بازوم بأنه يجمع إتاوات قهرية على النيجريين، فسبقه الجنرال بالانقلاب، ويتجنب الجيش حرب الجنرالين الذي تعيشه السودان اليوم. يتكرر تنديد السودان والنيجر وغانا وغينيا ومالي و بوركينافاسو، بالعقوبات الإفريقية. ليقدم الانقلابيون مادة للقانونيين بعيدا عن حقيقة الميدان.
يقول العراقي هلال العبيدي أن شركة آريفا الفرنسية تستخدم 10./. فقط من اليورانيوم قادما من النيجر، لأنها تعتمد على يورانيوم كازاخستان وكندا، في حين أنها تشغل منجما واحدا بين 03 مناجم يورانيوم في النيجر. لكن هذا لن يمنع باريس من استخدام نفوذها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، لتحريك قواتها العسكرية لحماية سفاراها ومصالحها التي تتعرض للنهب والتخريب باستخدام جماهير تحمل الأعلام الروسية والشعارات التمردية تأييدا للانقلاب الذي أعلن وقف تصدير اليورانيوم نحو فرنسا.
بالعودة الى ما حدث في قمة سانت بطرسبورغ وانقلاب النيجر المتزامن، نلاحظ أن فلسفة المعارضة وعدم الامتثال Philosophy of Typism تنتشر كالنار في الهشيم، مع احتمالات انفجار الأزمة في السينغال وبينين، ليصبح قوس التغيير إعلانا للربيع الافريقي 2023 الذي يشكل امتدادا للربيع العربي2011. خارطة جيوسياسية للنفوذ يتم تغييرها حاليا استعدادا لإعلان النظام الدولي الرابع ودخول الصين كمستثمر في إطار مبادرة الحزام والطريق 2013، في الذكرى العاشرة لإعلان الرئيس الصيني شي جي بينغ، حيث يطمع الأفارقة في الحصول على حصص من مشروع التريليون دولار الذي ترصده الصين بهذا الخصوص. وقد أكد المحلل بيب اسكوبار أن المفاجأة في قمة سانت بطرسبورغ هي اعلان فكرة مبادرة ممر النقل الشمالي الجنوبي INSDC الذي سيؤسس طريق حرير (طريق بري وسكة حديد) من روسيا نحو الهند يمر عبر إيران، وطريق حرير آخر من روسيا نحو دول القارة الافريفية يمر عبر الأراضي المصرية.
بالعودة لإنقلاب النيجر، نعود الى التعليقات المسيئة للقوات الفرنسية والأمريكية على الاراضي النيجرية، فهل تقوم أبوظبي بتمويل هندسة زعزعة الإستقرار في هذه الدولة، أم أن خروج الجماهير الفاشية لدعم الانقلاب العسكري الأهوج، هو ثورة ريفية لمطحونين ومعذبين في الأرض، من حقهم التعبير، كما قال فرانز فانون عن العنف الثوري.
بإستطلاع شعبي عبر حسابات تويتر من النيجر، سنلاحظ صعود خطاب دعم الإنقلاب، وهو ما يذكرني بمقولة للسياسي الجزائري عبد الحميد مهري عن "فرحة الجماهير بمنظر الدبابة"، ويظهر هذا التطور ثلاثة احتمالات، إما أن الجيش هو من هندس خرجة الجماهير ضد نظام الرئيس بازوم، أو أن شعب النيجر مطحون ومعبأ ومشحون وخرج بكل عفوية، أو أن خروج الجماهير كفاجىء للجيش نفسه، لأنه يرفض عودة الرئيس بازوم شعبيا.

إنهاء الاستعمار... في ضيافة بوتين
في قمة سانت بطرسبورغ، سطع نجم العسكري الشاب إبراهيم تراوري الذي يذكرنا بالزعيم توماس سانكارا، جاءت كلمته القوية أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليؤكد أنه ضد النازية القادمة من أوكرانيا، تحدث تراوري بغضب عن نسيان الشعوب الافريقية التي تعاني من استمرار تغلغل النيوكولونيالية، ونادى تراوري القادة الأفارقة بعد الاعتذار عن اندفاعه الشبابي وقال، على إفريقيا أن تتخلص من قادتها الذين يشبهون الدمى في يد الامبريالية الكولونيالية الغربية. وكتب الروسي زاخار بريليبين في حسابه بفكونتاكت Vk أن التاريخ يعيد نفسه، لأن دول الساحل كلها كانت مدعومة بشعارات التحرر التي كان الاتحاد السوفياتي يقود من خلالها حملة ضد الكولونياليا الغربية في القارة السمراء.
ومن الجميل التذكير بما قاله فلاديمير بوتين حول دعم موسكو حق القارة السمراء في الحصول على مقعد دائم في مجلس أمن هيئة الأمم المتحدة، والحصول على مقعد في مجموعة العشرين G20، ناهيك عن الترحيب بعضوية دول افريقية في منظمة بريكسBrics، بعد إعلان الكريملين الروسي محو 23 مليار دولار ديون دول القارة الافريقية بشطب نهائي، مع برنامج لمنح 06 دول افريقية القمح الروسي مجانا، وتوريد القمح الروسي بصفقات تجارية مسعرة بأسعار ثابتة وغير غالية الثمن، دعما لاستقرار الأمن الغذائي الافريقي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء. غير أن رامافوزا زعيم جنوب افريقيا صرح أن افريقيا لم تحضر لطلب القمح المجاني، بل تتمنى اتمام موسكو صفقة البحر الأسود والاستجابة للنداء الافريقي لوقف الحرب الاوكرانية.

هل نحتاج لدراسات ما بعد الكولونيالية؟
التنظير لمكافحة الاستعمار يقودنا لمجموعة كبيرة من المقاربات والنظريات المناعضة للاستعمار، بداية من منظور رفض قابلية الاستعمار الذي تقدم به الاستاذ مالك بن نبي من الجزائر، وهو قريب من منظوري الايراني علي شريعتي والمصري عبد الوهاب المسيري حول النباهة والاستحمار لشريعتي واشكالية التحيز للمسيري. ونعرج لمقاربتي الجزائري المارتينيكي فرانز فانون حول نظرية العنف الثوري، ونظرية حرب العصابات اللاتناظرية اللاتماثلية التي قدمها الكوبي من أصل أرجنتيني أرنستو تشي غيفارا، ردا على المزاعم الكولونيالية بأن الثورة حلم تقدمي ريفي مناهض للحداثة!.
وتظهر بقوة نظرية ايميه سيزار للزنجوية/الزنوجة La Négritude بأنها محرك قوة وافتخار، وردة فعل ثقافية حادة ضد الاستعمار. ودراسات ما بعد الكولونيالية لبيل آشكروفت وإدوارد سعيد، حسن حنفي وعلي إبراهيم النملة. إضافة إلى نظرية هومي بابا لدراسات ما بعد الاستعمار والتي تتحدث عن التهجين (الاستعمار غير محبوس في الماضي ويواصل تأثيره في ثقافة المجتمع بالتوغل في حتضر ما بعد الاستقلال)، التناقض (حيث يفرض المستعمر هوية الجلاد كمتفوق، وهوية الضحية كحالم تدفعه الأوهام)، الاختلاف (بتمييز المستعمر عن عرقية الزنجي مثلا)، التمويه (بالاستيلاء الكولونيالي)، الفضاء الثالث (حين يزرع المستعمر ثقافة خالية من الثوابت)، التأثيرات (حين يفرض المستعمر منطقه إلى ما بعد الاستقلال عبر النخب المتغربنة!).
من اللافت أن يعيد الأفارقة للأذهان مشهد الرئيس فيليكس شيكيسيدي وهو يندد بخطاب الرئيس إيمانويل ماكرون. يندد المحامي الكيني دكتور باتريك لومومبا بظاهرة Mimicry حين يستخدم السياسي شخصية خادعة ويتصرف وفقا لها، ويشيد بفلسفة الاعتراض ورفض الامتثال Philosophie de Typisme التي ينطلق منها الثوار الأفارقة. ويعيد التذكير بمقولة الرئيس التنزاني السابق، الراحل جوليوس نيريري "لا يكفي أن تكون مولودا في إفريقيا، يجب أن تكون افريقيا داخلك".
إن ما يحدث اليوم حسب المحامي الكيني باتريك لومومبا، هو نتيجة تضحيات الزعيم الكونغولي باتريس باتريس لومومبا، والجنوب افريقي نيلسون مانديلا، و الدكتور بيكسلي كا إيساكا Pixley Ka Isaka مؤسس الكونغرس الافريقي. والزعيم الليبرالي ويليام توبمان William Tubman، والرئيس الملاوي هاستينغ كامازو باند Hastings Kamuzu Bande، والمناضل الشيوعي السينغالي سمبين عثمان Sembéne Ousmane الذي اقتيد للقتال في الحرب العالمية الثانية، ففر من الحرب ليصبح مخرجا مناهضا للاستعمار، تخرج من مدرسة السينما السوفياتية في موسكو، وكان الرئيس السينغالي الفرنكوفيلي العميل، ليوبولد سيدار سنغور يمنع بثها في قاعات السينما.
لا يمكننا نسيان أعمال المصري سمير أمين زعيم مدرسة الماركسيين الجدد ضد التبعية، والذي يكشف دور الارستقراطية المشبعة بفلسفة فكر" إجماع واشنطن" 1990 والذين يجمدون وضع الكليبوقراطية للفساد السياسي لصالح طبقة انتفاعية قليلة العدد، على حساب الأكثرية/الأغلبية المطحونة.
وبانتظار مستجدات التدخل العسكري الفرنسي المحتمل، سنراقب شكل الدعم الأمريكي والأوروبي للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يوجد حاليا في كاليدونيا الجديدة، التي كانت منفى الثوار الجزائريين. يذكرنا تواجد ماكرون في كاليدونيا بالفترة التي اختفى فيها شارل ديغول بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في مدينة على الحدود الألمانية الفرنسية، عشية آعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية، حيث يهندس جاك أتالي دورا لإيمانويل ماكرون لإعلان الجمهورية الفرنسية الجديدة، بعد ما حدث على إثر قتل الشاب نائل من الضواحي، حيث يسكن من يسميهم فرانز فانون "المعذبون في الأرض"...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحفظ عربي على تصورات واشنطن بشأن قطاع غزة| #غرفة_الأخبار


.. الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل أظهر ضعف الدفاعات الجوية الإير




.. الصين... حماس وفتح -احرزتا تقدما مشجعا- في محادثات بكين| #غر


.. حزب الله: استهدفنا مبنيين يتحصن فيهما جنود الاحتلال في مستوط




.. مصطفى البرغوثي: نتنياهو يتلاعب ويريد أن يطيل أمد الحرب