الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنية الخطاب السردي والخطاب الشعري في الرواية العربية (2)

فطنة بن ضالي
كاتبة، شاعرة

(Fatna Bendali)

2023 / 8 / 2
الادب والفن


نتناول هنا الفصلين الأول والثاني من كتاب "بنية الخطاب السردي والخطاب الشعري في الرواية العربية "حكاية بحار" و"رامة والتنين" نموذجا. فبعد المقدمة يعنون الباحث الدكتور عبد العاطي بانوار الفصل الأول بالزمن الروائي، فيمهد لدراسته في الروايتين بتمهيد يميز فيه بين اتجاهين أساسين في دراسة الزمن داخل العمل الأدبي: الاتجاه الأول يعتمد فلسفة الديمومة باعتبارها تمثل الواقع الحقيقي الذي يدوم ويقاس، ينطلق من سلسلة لحظات مضت صوب سلسلة لحظات قادمة فيدرس الزمن في مختلف حركاته وعلاقاته وتقنياته، وبلغ هذا الاتجاه حدا في التدقيق والعمق عند جيرار جنيت. أما الاتجاه الثاني فيستند إلى فلسفة اللحظة وإلى مفهومين جوهريين يرتبطان بها هما: البداية والتكرار، ويغلب عليه طابع ميتافيزيقي شعري، كما في كتابات جاستون باشلار ومرسيا إلياد. ويعرض تخطيطا موجزا لكل اتجاه، وعرضا لمفاهيمه وأدواته الأساسية. يقول: "وسنستعين بالاتجاه الأول في دراسة الزمن السردي داخل العمل الروائي الكلاسيكي " حكاية بحار " لحنا مينة وسنسترشد بالاتجاه الثاني في دراسة الزمن الشعري داخل رواية إدوار الخراط " رامة والتنين". " فيحلل الخطاب السردي فيما يخص علاقتين هما علاقة المحكي بالقصة وعلاقة السرد بها . ص 35.
وهكذا ، يدرس بنية الزمن في " حكاية بحار " من خلال ثلاث مستويات رئيسية يقول : " تمكننا هذه الرواية بحكم بنائها الكلاسيكي من الوقوف على ظواهر وتقنيات وبنى زمنية عديدة تتوزعه على ثلاث مستويات رئيسية : الترتيب الزمني، وسرعة النص، وطبيعة الزمن ". ص42. ويبحت في المستوى الأول الترتيب الزمنى من خلال: العرض والاسترجاع وأنواعه ووظائفه، والاستباق . ويحلل في الترتيب الزمني العلاقات بين تتابع الأحداث في القصة والشكل الذي اتخذه هذا الترتيب في المحكي وذلك من خلال التعارض بين زمن القصة وزمن الحكي . ويتحدث في العرض عن استقلال القصص من حيث بناؤها الفني. ويستجلي طبيعة الزمن فيها فيجدها زمنين: الأول الزمن التاريخي الذي يمتد من العقد الأول من القرن العشرين إلى نهاية العقد السادس وبداية السابع، والثاني زمن نفسي يتعلق بالذات ولا يخضع لمقاييس الزمن الداخلي أو الخارجي .بينما قسم الزمن في رواية "رامة والتنين" إلى متواليتين: الأولى وقائع ذات طابع اجتماعي وسياسي وتاريخي، والثانية مجموعة من الوقائع وأحداث تتصل بالطفولة والحلم والأسطورة والتصوف ، وهي متوالية أكبر من الأولى، ثم يستجلى خصائص المتوالية الأولى من خلال الزمن الوقائعي التاريخي وزمن اللحظة فيبين أنه :" لا يستطيع الباحث إذن أن يتتبع بشيء من الدقة معظم الإشارات الزمنية الواردة في الرواية لأنها لا تخضع لنسق زمني منظم ومحكم البناء. الرواية عبارة عن شتات من اللحظات المتشابهة على الرغم من اختلافها، والمختلفة على الرغم مما فيها من تشابه. والحدث ينفجر شظايا وجزئيات تنتشر على جسد الرواية، وكان المحكي ينسى مساراته وخطواته الأولى فيعود على أعقابه ليعبرها مرة ثانية وثالثة... ومن هنا نجد أكثر من إشارة للحدث الواحد وفي أماكن مختلفة." ص61. وتلميحات إلى تاريخ الإنسانية في القتل والقمع والتعذيب وأهوال الحرب الأهلية بلبنان. أما زمن الطفولة والحلم والرؤيا "فهو رؤية طفولية لا تتقيد بزمن مضى " وتلتقي والطفولة والحلم والشعر في زمن البدايات ، وترسم الر واية كذلك زمنا أسطوريا وهوزمن البحيرة الأسطورية الذي يتحدث عنه الفصل الثاني منها، ويتضح المنحى الصوفي في السعي المطلق على مستوى الحب والمعرفة والحرية، وعلى مستوى الرؤيا التي لا تعترف بالحدود، ويتتبع الباحث الإيقاع الطقوسي في الرواية فيجده " إيقاعا شاملا يغطي كافة مستوياتها، وذلك بفضل التكرار الذي يتخذ بعدين أساسيين: بعد أنثروبولوجي يتعلق بتكرار الأساطير والرموز والطقوس بصفة دورية، وبعد إيقاعي موسيقي يتعلق بتكرار الأصوات الكلمات والتراكيب، ويبدو أن هذا الأخير لا خلو من قيمة أنثروبولوجية. وسنتناول هذين البعدين – على مستوى تكرار الأصوات – جنبا إلى جنب بحكم العلاقة الحميمية بينهما. كما أشار رومان ياكبسون– في سياق حديثه عن التوازي الذي هو تأليف ثنائي يقوم على التماثل – ". ص79.وفي نهاية هذا الفصل يقارن الباحث بين الزمن في الروايتين معا قائلا: " ويتضح، من خلال ما سبق، التعارض بين رواية حنا مينا ورواية إدوار الخراط على المستوى الزمني، في صورة تعارض بين المختلف والمتماثل، المتصل والمتقطع، الخطي والمنكسر، السردي والشعري."
هكذا، ويعنون الفصل الثاني بالفضاء الروائي، ممهدا للدخول في مباحثه بتمهيد يتناول فيه أهمية الفضاء في الأعمال الأدبية والفنية يقول:" يعد الفضاء الروائي ظاهرة أدبية ذات أهمية قصوى، لا في حد ذاتها فحسب وإنما أيضا في علاقاتها المتداخلة والمعقدة بظواهر أخرى مثل الزمن الروائي ووجهة النظر، وبمجموعة من القضايا الأسلوبية والسيكولوجية والاجتماعية. وتعتبر هده الظاهرة تجسيدا لعلاقات تقاطع وتشابه بين العمل الأدبي والفنون التشكيلية." ص87.ويشير إلى أن كل رواية من هاتين الروايتين تتطلب تناولا وتحليلا يراعي نوعها وخصوصياتها في خلق الفضاء وتشكيله، ولذلك يتناوله في رواية "حكاية بحار في المستويات التالية: الرحلة والتنقلات المحدودة، ووصف المكان، ووصف الأشياء، ووصف الطبيعة. أما في رواية " رامة والتنين " فيتناوله في المستويات الآتية: وصف جسد رامة، وصف جسد المدينة، الوصف الذاتي، وقوائم الأشياء. وقد يستعين الباحث بالخطاطات لتبيين العلاقات والترتيب بين العناصر متى دعت الحاجة إلى ذلك. وينهي كل فصل بمقارنة واستنتاج فيقول في آخر هذا الفصل: "فتبين لنا، عبر مختلف مراحل التحليل والدراسة، أن رواية حنا مينه – بحكم اختياراتها الفضائية وبحكم التقليد الفني الذي تنتمي إليه شكل أدبي ذو بنية زمنية مهيمنة تخترق تشكيلاته الفضائية، وأن رواية إدوار الخراط – بحكم منحاها الشعري وتداخل الأنواع فيها ومضاتها للفنون التشكيلية – ذات شكل أدبي فضائي." مفندا القول بأنها رواية واقعية، ويرى أنها تستعصي على القراءة الخطية إذ إنها تهدم ما بنت لتعيد بناءه من جديد في دورة هدم وبناء لا تنتهي. وأخيرا " نستطيع القول إن ما يميز الرواية الواقعية "حكاية بحار" عن الرواية ذات المنحى الشعري "رامة والتنين" ليس هو الوصف والاهتمام بالتفاصيل من ناحية الكم، بل هو حضور هذه الظاهرة من ناحية الكيف والبنية والوظائف التي تضطلع بها. (يتبع).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??