الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الزراعية في ظل اختصاصات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم ضمن دستور العراق لسنة 2005

عباس مجيد شبيب
باحث قانوني

(Abbas M. Alshemery)

2023 / 8 / 2
دراسات وابحاث قانونية


لعل السياسة العامة بصورة عامة من المفاهيم التي يصعب تحديدها ولطالما كانت سبباً الى نشوء اختلاف في الآراء بشان المقصود منها او تمييزها عن المصطلحات الأخرى فضلاً عن الوقوف على معناها سيما مع وجود هذا الاختلاف ، وعموماً فأن تعريف (الدكتور جيمس اندرسون) بكتابه صنع السياسات العامة ، يلفت الانتباه الى مضمون السياسة بقوله (فهي برنامج عمل هادف يوجه ويرشد الفاعلين المتعاملين مع مشكلة أو قضية تثير الاهتمام) ، واذا اردنا ان نفهم المقصود بالسياسة العامة علينا ان نحدد هذه السياسة ، واذا عدنا للتعريف فان السياسة العامة تتكون من البرنامج او المنهاج الذي يحدده من يصنعها وكيفية صناعتها ومن هم المشاركون في صناعتها ، عليه نبحث الموضوع كالاتي:
اولاً: ان مفهوم السياسة العامة برز واصبح بوصفه علما ًمستقلاً من العلوم من فترة طويلة ، ويمكن القول ان تدخل الدولة بالنشاطات الاقتصادية او ما يسمى بالدولة المتدخلة بعد مفهوم الدول الحارسة ، تُعد اول تأريخ لانطلاق مفهوم السياسة العامة ، سيما بعد النصف الاول من القرن العشرين وبعد الازمة الاقتصادية التي اجتاحت دول العالم في حينه والسياسة العامة تخضع لعوامل عدة وفاعلين ، وهي متغيرة ومتجددة وتختلف بحسب طبيعة النظام السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي لكل دولة ، وبالنتيجة فان السياسة العامة هي ما يصدر من الأجهزة الحكومية من قرارات لتنظيم النشاط الإداري مع مراعاة الفاعلين في عملية صنع السياسات العامة بعدهم من المؤثرين في ذلك ومنهم المجتمع المستهدف بها او المنظمات الناشطة في مجال صنع السياسة سواء كانت محلية او دولية ، ولذلك فان السلطة المعنية برسم السياسة العامة تصدر ما تراه مناسباً من تشريعات لتنظيم النشاط الإداري في المجال المستهدف.
ثانياً: بعد ان بحثنا بصورة موجزة عن مفهوم السياسة العامة بات من المهم البحث في الاختصاصات الحصرية التي تقع ضمن مهام السلطات الاتحادية والاختصاصات المشتركة التي تعد من مهام السلطات الاتحادية والاقاليم والمحافظات ومن ثم البحث في الاختصاصات التي لم ترد ضمن الاختصاصات الحصرية او المشتركة ومن المهم التمييز بين الاختصاصات التي تجري فيها صناعة السياسة العامة والجهة المعنية بها ، اذ ان الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية فأنها تكون ملزمة بصناعة السياسة العامة بوصفها تقع ضمن مهامها اذ ان الدستور تضمن بأحكام المادة 110 منه بالنص على ( تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الاتية :اولاً : - رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشان المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية .ثانيا : - وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها، لتامين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه .ثالثا : - رسم السياسة المالية، والكمركية، واصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وانشاء البنك المركزي، وادارته .رابعا : - تنظيم امور المقاييس والمكاييل والاوزان .خامسا : - تنظيم امور الجنسية والتجنيس والاقامة وحق اللجوء السياسي .سادسا : - تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد .سابعا : - وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية .ثامنا : - تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق، وضمان مناسيب تدفق المياه .تاسعا : - الاحصاء والتعداد العام للسكان )، اما الاختصاصات المشتركة فان الدستور اناط بالسلطة الاتحادية والاقاليم والمحافظات ادارة هذه الصلاحيات فقد نظمتها احكام المادة (114) من الدستور بالنص على (تكون الاختصاصات الاتية مشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقاليم :اولاً : - ادارة الكمارك بالتنسيق مع حكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وينظم ذلك بقانون.ثانياً : - تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسة وتوزيعها .ثالثاً : - رسم السياسة البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث، والمحافظة على نظافتها، بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم .رابعاً : - رسم سياسات التنمية والتخطيط العام .خامساً : - رسم السياسة الصحية العامة، بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم .سادساً : - رسم السياسة التعليمية والتربوية العامة بالتشاور مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم .سابعاً : - رسم سياسة الموارد المائية الداخلية، وتنظيمها بما يضمن توزيعا عادلا لها، وينظم ذلك بقانون).
ثالثاً: من خلال التدقيق في الاختصاصات الحصرية والمشتركة فأننا لاحظنا ان المشرع الدستوري لم يتطرق الى السياسة الزراعية ضمن أي منهما ولعل ذلك يدفعنا الى التساؤل عن سبب ذلك، سيما انه نظم الموارد المائية ضمن الاختصاصات المشتركة ولم يشر الى المحافظات، وبما يعني ان سياسة الموارد المائية تكون بالتنسيق بين السلطات الاتحادية وبين الأقاليم.
رابعاً: ان عدم الإشارة للسياسة الزراعية من المشرع الدستوري رغم تنظيمه لسياسة الموارد المائية ضمن الاختصاصات المشتركة يعني ان السياسة الزراعية تقع ضمن اختصاصات الأقاليم والمحافظات ، وقد نص الدستور بصراحة على ذلك بأحكام المادة (115) بالنص على (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم، تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، في حالة الخلاف بينهما ).
خامساً: اكد قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم(21) لسنة 2008 الموضوع انفاً بالنص على ذلك بأحكام المادة (2) بالنص على (أولا ً:- مجلس المحافظة : هو السلطة التشريعية والرقابية في المحافظة وله حق إصدار التشريعات المحلية بما يمكنه من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية .ثانياً :- تتمتع المجالس بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ويمثلها رئيسها أو من يخوله .ثالثا ً:- تخضع المجالس لرقابة مجلس النواب .رابعاً :- تكون الحكومات المحلية مسؤولة عن كل ما تتطلبه إدارة الوحدة الإدارية وفق مبدأ اللامركزية الإدارية .خامسا ً:- تمارس الحكومات المحلية الصلاحيات المقررة لها في الدستور والقوانين الاتحادية في الشؤون المحلية عدا الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية المنصوص عليها في المادة (١١٠) من الدستور .سادساً :- تدار الاختصاصات المشتركة المنصوص عليها في المواد (١١٢ و ١١٣ و ١١٤) من الدستور بالتنسيق والتعاون بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية وتكون الأولوية فيها لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما وفقاً لأحكام المادة (١١٥) من الدستور اما بشان الالتزام بالسياسة العامة فقد بين القانون بأحكام المادة (7 ) بالنص على (رابعاً : رسم السياسة العامة للمحافظة وتحديد اولوياتها في المجالات كافة وبالتنسيق المتبادل مع الوزارات والجهات المعنية وفي حالة الخلاف تكون الاولوية لقرار مجلس المحافظة .)، وكذلك بالنص بأحكام المادة (45) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم (ثالثاً: تلتزم المحافظة بالسياسة العامة التي يرسمها مجلس الوزراء والوزارات المختصة وللمتضرر الطعن بالقرار الصادر امام المحكمة المختصة خلال مدة (١٥) خمسة عشر يوماً من تاريخ التبلغ به ويكون قرارها باتاً ).
سادساً: نرى ان السياسة الزراعية تعد من اختصاص الأقاليم والمحافظات ولا تدخل ضمن الاختصاصات الحصرية او المشتركة وفق ما نظمه الدستور ولكن ذلك مقيد بنص المادة (80/أولا) من الدستور التي تنص على (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية:
اولاً: تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة، والخطط العامة، والاشراف على عمل الوزارات، والجهات غير المرتبطة بوزارة.) وكذلك الصلاحيات التي منحت الى رئيس الوزراء التي نص عليها احكام المادة (78) من الدستور التي نصت على (رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة يقوم بإدارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب.) .
سابعاً: لقد تصدت المحكمة الاتحادية العليا في بعض القرارات الى تنظيم الاختصاصات الحصرية والمشتركة وصلاحية المحافظات بإصدار التشريعات بما يتلاءم واحكام الدستور ذات الصلة وذلك ضمن الاتي:
1- تضمن القرار المرقم بالعدد (39/اتحادية/2012) الصادر بتاريخ 26/11/2012 بالنص على (...وحيث ان القرارين المذكورين ليس من ضمن الصلاحيات الحصرية للسلطة الاتحادية المنصوص عليها في المادة (110) من الدستور كما انهما لا يدخلان ضمن الاختصاصات التشريعية المنصوص عليها في المادة (61) من الدستور فلا تعارض بينهما وبين الدستور والقوانين النافذة...).
2- تضمن قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم بالعدد(59/اتحادية/2012و موحدتها 110/اتحادية/2019) الصادر بتاريخ 15/2/2022 التي نصت على (سابعاً: تحدد صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم وفقاً لما جاء في المادة(115) من الدستور والتي نصت على (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم، تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، في حالة الخلاف بينهما .).
3- تضمن القرار المرقم بالعدد (82/اتحادية/اعلام /2012) الصادر بتاريخ 8/7/2014 النص على (...ولأن مجالس المحافظات ملزمة عد مزاولتها لصلاحياتها المنصوص عليها في المادة(2/اولاً) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم(21) لسنة 2008 والصادر استناداً لأحكام المادة (122/ثانياً) من الدستور بإصدار القرار المشار اليه أعلاه خلافاً لأحكام قانون الجوازات رقم(32) لسنة 1999 عليه قررت المحكمة الاتحادية العليا الحكم بعدم دستورية القرار الصادر من مجلس محافظة ميسان بالعدد(84) في 12/11/2012...).
4- تضمن القرار المرقم بالعدد (64/اتحادية/2014) الصادر بتاريخ 23/6/2014 النص على (لدى التدقيق والمداولة من المحكمة الاتحادية العليا ومن دراسة الطلب الذي تضمن تفسير المادة(122/خامساً) من الدستور فقد وجد ان قانون التعديل الثاني لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم(21) لسنة 2008 قد اكد على ان مجلس المحافظة هو السلطة التشريعية والرقابية في المحافظة وله حق اصدار التشريعات المحلية بما يمكنه من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، وذلك يعني استقلال مجالس المحافظات بإدارة شؤون المحافظة فيما يتعلق بالاختصاصات الممنوحة لها بموجب الدستور والقوانين الاتحادية في الشؤون المحلية، عدا الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية).
5- تضمن القرار المرقم بالعدد (66 وموحداتها 71و 157و 224/اتحادية/اعلام /2018) الصادر بتاريخ 23/1/2019 النص على (وتجد المحكمة الاتحادية العليا ان ايراد أي نص في قانون يؤدي الى نزع اختصاص من اختصاصات السطات الاتحادية الحصرية او الاختصاصات المشتركة بينها وبين سلطات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز يعد مخالفاً لأحكام الدستور ويلزم الحكم بعدم دستوريته).
ثامناً: عليه واستناداً لما جرى الإشارة اليه فان السياسة الزراعية تقع ضمن اختصاص الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم مع مراعاة الالتزام بالسياسة العامة التي تعد من اختصاص مجلس الوزراء.

المستشار القانوني
د. عباس مجيد الشمري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أطفال فلسطينيون يطلقون صرخات جوع في ظل اشتداد المجاعة شمال ق


.. الأمم المتحدة: نحو نصف مليون من أهالي قطاع غزة يواجهون جوعا




.. شبح المجاعة.. نصف مليون شخص يعانون الجوع الكارثي | #غرفة_الأ


.. الجنائية الدولية.. مذكرتا اعتقال بحق مسؤولَين روسيين | #غرفة




.. خطر المجاعة لا يزال قائما في أنحاء قطاع غزة