الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكل النظام الدولي الجديد

آصف ملحم
باحث وكاتب

(Assef Molhem)

2023 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يتّفق معظم الباحثين على أنّ النظام الدولي، أو بشكل أوضح الجملة السياسية التي تشمل العالم كله، هو إطار فوضوي غير هرمي تتوزع ضمنه جمل (دول)، وهذه الجمل هي وحدات متشابهة وظيفياً. تتبادل الوحدات التأثير فيما بينها استناداً إلى قانون التآثرات interactions، أي التأثير والتأثير المتبادل أو مبدأ الفعل وردّ الفعل أو الحاجة والاستجابة، وفي الحقيقة لا توجد آلية أخرى لتشكّل العلاقات الدولية.
وهكذا، تنشأ حالة من التنافس بين الدول، نتيجةً للاختلاف في الدوافع والتصورات والأهداف والتطلعات والموارد والإمكانات، وقد يتطوّر هذا التنافس ليصلَ حدَّ الصراع، أي المواجهة المباشرة والالتحام، أو في أسوأ الحالات الحرب.
تقوم الدولة على مجموعتين من الأسس:
المجموعة الأولى - أسس معنويّة:
يمكن ترتيبها حسب تزايد سرعة تأثيرها وتناقص شدة التأثير كما يلي:
1- فلسفيّة: في هذا المستوى تتم صياغة نظرة الإنسان إلى الحياة والوجود والكون وإلى القيم العليا للجنس البشري، فهذه القيم تشكّلت عبر عصور مديدة من التطور والخبرة الإنسانية.
2- تاريخيّة: في هذا المستوى يمكن رؤية المُتَّجه العام لتطور الإنسان، فإرث الشعوب يحدّد منحى تطورها اللاحق، فالنّظر إلى الوقائع التاريخيّة يساهم في تحديد وعي الإنسان.
3- وقائعيّة: ترتبط بفهم حوادث الواقع، وهنا يبرز دور التعليم والإعلام في نشر المعارف والعلوم والثقافة والفنون والأديان، وبالتالي تكوين الشخص والمجتمع.
المجموعة الثانية – أسس ماديّة
يمكن ترتيبها أيضاً حسب تزايد سرعة تأثيرها وتناقص شدة التأثير كما يلي:
1- اقتصاديّة: ترتبط بإدارة حركة الأموال والبضائع، أي بمجمل العلاقات الاقتصادية بين الأفراد والدول.
2- صحيّة-جينيّة: وترتبط بالصحة الجسديّة للإنسان، وأثر المخدرات والكحول والتبغ وطرق الهندسة الجينية كأدوات في التأثير على صحة الأجيال القادمة ووعيها ورؤيتها للحياة.
3- عسكريّة: عناصر القوة في هذا المستوى كثيرة، أهمها: الجيوش، الشرطة وقوى الأمن الداخلي، التشكيلات العسكريّة، المجموعات الإرهابيّة والعصابات المسلّحة.
بناءً على ذلك، تشكّل هذه الأسس الستة اتّجاهات للتأثير بين الأطراف الداخلة في حالات التنافس والصراع. فالاتجاهات الخمسة الأولى هي من أساليب الحرب الباردة، أما الأخير فهو من أساليب الحروب الساخنة.
الآن يدور صراع في العالم، سيُفرز لاحقاً نظاماً عالمياً، لا يستطيع أحد أن يتكهّن بطبيعته أو أن يعطي توصيفاً دقيقاً له، ولكن يمكن أن نرسم الملامح العامة لهذا الصراع بناءً على المعطيات والمؤشرات المتوفرة بين أيدينا.
أعتقد أنّ الاستئناس بما قاله رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية سيساعدنا كثيراً في فهم ماهيّة الصراع، إذ كتب (مور) بعد يوم واحد من قيام العملية العسكرية الخاصة في حسابه على تويتر: مع الدمار والمأساة المتصاعدة بألم في أوكرانيا، علينا أن نتذكر القيم والحريات التي حصلنا عليها بشق الأنفس، والتي تميزنا عن بوتين، وهي ليست سوى حقوق الـ LGBT+.
وهكذا، نحن أمام تيّارين أو نزعتين أو جبهتين أو معسكرين:
الأول-تمثّله الليبراليات الغربية، سنسميه اصطلاحاً (الغرب).
الثاني-تقوده بعض الدول الكبرى، كروسيا والصين والهند وإيران والعالم العربي وغيرها من الدول الآسيوية والأفريقية واللاتينية، سنسمّيه اصطلاحاً (الشرق).
يكمن الخلاف بين هذين التّيارين في طريقة نظرتهما للفرد والمجتمع والعلاقة بينهما.
إذ أن (الفردانية) تصبغ الليبراليات الغربية؛ فالفرد هو نقطة البداية في تحليل جميع الظواهر المجتمعية. ومارغريت تاتشر نفسها عبّرت عن ذلك أفضل تعبير عندما قالت: (لا وجود لهذا الشيء الذي نسميه المجتمع). تدعي الليبراليات الغربية بأن البشرية انتقلت من (مملكة الضرورة) إلى (مملكة الحرية)، وبالتالي فالمُتَّجه الوحيد للتاريخ هو الحركة نحو شكل من أشكال (التناغم أو الانسجام أو التوافق المتين غير المشروط).
أما التيار الثاني فهو يدعو إلى تعزيز مؤسسات المجتمع والقيم المجتمعية التي تشكلت خلال (الطور الفطري الطبيعي) لتطور البشرية، أي في تلك الحقبة التي لم يكن لمنتجات التكنولوجيا تأثير على العلاقات بين أفراد البشرية؛ فالعلاقات الاجتماعية التي تبلورت في تلك الحقبة كانت متناغمة مع الطبيعة، بحركتها البطيئة والمتوازنة.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي متوسط عمر الجيل ومتوسط عمر التكنولوجيا المسيطرة في المجتمع. فالانتقال من جيل إلى جيل يتطلب حوالي 20-25 سنة (من ولادة الأم إلى ولادة الطفل)، وهذه المدة ثابتة في تاريخ البشرية. أما الوقت اللازم للتحول من تكنولوجيا إلى أخرى فكان كبيراً جداً في العصور القديمة ويصل إلى أكثر من ألف سنة. بدأت هذه المدة بالتقلص شيئاً فشيئاً، وفي الفترة ما بين 1917 -1941 تساوت هاتان المدتان. أي تساوت سرعتا تحديث المعلومات في المستويين الجيني (البيولوجي) والاجتماعي (الثقافي). وفي عصرنا الحالي أصبح متوسط زمن تحديث المعلومات في الوسط الثقافي أقلَّ بكثير من متوسط عمر الجيل (حوالي 3-6 سنوات)؛ أي أن الحالة الثقافية والمعرفية تتغير عدة مرات ضمن الجيل الواحد؛ أي أن إيقاع الحركة في الوسط المعرفي أعلى بكثير مقارنة مع الوسط البيولوجي.
وهذا يعني سباكة وإعادة تشكيل الإنسان، الذي هو جوهر الحياة وجوهر المجتمع وجوهر التطور، وتحويله إلى كائن آخر، إلى شكل من أشكال الروبوتات الاجتماعية، والقضاء على أسس الحياة الاجتماعية التي نمت وتطورت وترسخت خلال قرون من التآثر الاجتماعي بين أفراد البشرية!
لذلك نلاحظ أن النمط الغربي للحرية أصبح شكلاً من أشكال الإسراف، تجاوز الحاجة الإنسانية لها كطاقة نفسية-روحية تمكّن الإنسان من تحقيق ذاته وطموحاته؛ ففي الآونة الأخيرة ظهرت أنماط غريبة من الحريات، مثل:
حرية التعبير عن المشاعر، حرية تحسين المزاج، حرية ممارسة الجنس بعد الموت، انتشار مجتمعات الميم والحريات الجندرية، المطالبة بحق الإجهاض حتى عند اقتراب الولادة ... الخ.
لذلك لم يكن كلام الرئيس بوتين عبثاً عندما قال، في مقابلته مع صحيفة الفايننشال تايمز، عام 2019 على هامش قمة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية: (برأيي، لقد انتهت صلاحية الفكرة الليبرالية، فبعض عناصرها غير واقعية، وهذا يعترف به العديد من شركائنا الغربيين).
على المستوى الاقتصادي، فإن الليبراليات الغربية تعتمد ما يمكن أن نسميه (الاقتصاد المعولم) وهو شكل من أشكال (الاستعمار المالي الجديد)، فعن طريق شركاتها العملاقة العابرة للقوميات أو متعددة الجنسيات تحاول دمج الدول الأخرى ضمن تياراتها الصناعية والمالية. فالكثير من الدول تمتلك موارد وثروات هامة، لكنها لا تقوم باستثمارها، لذلك تتحوّل إلى دول تابعة ومقاولة، أو بشكل أوضح إلى دمىً، بيد أصحاب رؤوس الأموال في الدول الغربية. لذلك نلاحظ دائماً أن الولايات المتحدة تسعى إلى تقسيم الدول الأخرى إلى دول أصغر، فكلما كانت الدولة أصغر كلما سهل التحكم بها.
بناءً على ذلك، فنحن أمام نزعتين مختلفتين:
-نزعة استعمارية استعبادية استغلالية لباقي أفراد البشرية، ممثلوها مستعدون لاستثمار كل شيء لبلوغ مصالحهم السياسية. فالليبرالية الغربية مع أكثر الحركات الفكرية تطرفاً، كالصهيونية والنازية والفاشية والإرهاب لبلوغ أهدافها السياسية.
-نزعة إنسانية أخوية، تدعو إلى التكامل والتكافل والتعاون والاندماج بين أفراد البشرية كلها.
لذلك فإن التنافس العالمي سيكون بين هاتين الكتلتين وستتجلى هذه المنافسة على جميع المستويات، وقد تلجأ الليبراليات الغربية إلى إشعال الحروب بهدف السيطرة على موارد الشرق، وعلامات تسخين الصراع بين المعسكرين بدأت تظهر في أكثر من مكان في العالم.
= = = = =
زورونا في موقع مركز جي إس إم للأبحاث و الدرسات - موسكو
https://www.jsmcenter.org








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألمقدمات والنتائج
د. لبيب سلطان ( 2023 / 8 / 3 - 07:19 )
الاخ ملحم
في نهاية مقولتك تكتب هناك نزعتان مختلفتان في العالم :
-نزعة استعمارية استعبادية استغلالية لباقي أفراد البشرية، ممثلوها مستعدون لاستثمار كل شيء لبلوغ مصالحهم السياسية. فالليبرالية الغربية مع أكثر الحركات الفكرية تطرفاً، كالصهيونية والنازية والفاشية والإرهاب لبلوغ أهدافها السياسية.
الثانية ذات نزعة إنسانية أخوية، تدعو الى التكامل والتكافل والتعاون والاندماج بين أفراد البشرية كلهوترجع الثانية الى تحالف الشرق ايران وروسيا والصين (واضفت لها الهند وهي ليست منهم )
دعنا نثبت مقالتك : فها هي ميليشيات ايران تقيم الاخاء والتعاون والاندماج المليشياوي في العراق وسوريا ولبنان،فانت محق، وهاهو بوتين يقيمها مع اوكرانيا ....فيالك من عبقري في تصنيف العالم ، وتاريخا لا احد يعرف سوى ان النظم الدينية والقومية هي ارهابية نازية وفاشية ..ولم تر نظاما ليبراليا كان بينها ولليوم ..فاشيا اونازيا
اعتقد انكم تتصورون ان العقل والانسان العربي متخلفا وجاهلا ..ولكن في الواقع تجهلكم ياسيدي فهذه الخزعبلات البوتينية الولائية الستالينية ماعادت لها غير قيمة الانحطاط الرجعي السلف لعقل الذي كان متمركسا


2 - الرد على تعليق د. لبيب سلطان
الدكتور المهندس آصف ملحم ( 2023 / 8 / 3 - 12:15 )
من تسميهم ميليشيات في العراق و سورية و لبنان و أوكرانيا هم رجال الحق الذين يحاربون الشر الذي زرعته ليبرالياتكم المتحضرة!
فحزب الله و حركة حماس تحاربان الكيان الصهيوني، المدعوم من كل الليبراليات الغربية المتحضرة.
و الحشد الشعبي وغيره من الفصائل المقاومة التي تشكلت في العراق تحارب تنظيم داعش الإرهابي الذي دعمته الليبراليات الغربية المتحضرة.
أما أوكرانيا، فكل من زار كييف من صحفيين، بما في ذلك الصحفيين الغربيين سيرى بأم عينه الرموز النازية منتشرة في كل مكان، و الليبراليات الغربية دعمت وصول هؤلاء النازيون إلى الحكم بكل قوة.
ولو كانت الدول الغربية حريصة على حرية وسيادة الدول الأخرى:
فلماذا لا تدعم حق الشعب الفلسطيني في نيل حريته و استقلاله، فهذا الشعب مظلوم منذ أكثر من 70 عاماً؟!
تقدم كل أنواع السلاح لأوكرانيا، وهي تمتنع عن إصدرا بياني صحفي يدين إسرائيل في مجلس الأمن!
ولماذا تدعم الحركات الانفصالية في كردستان العراق و كوسوفو ...؟!


3 - فصائل الولائيين قتلت 800 شاب عراقي و20 الف جريح
د. لبيب سلطان ( 2023 / 8 / 3 - 13:09 )
تهانينا بمديحك لفصائل الولائية
وترديدك ادعاءات عصابات قتلة انتفاضة تشرين
وتدمير مدن اوكرانيا
وعصابات الاخونجيةمثل حماس وغيرها من يذيق شعب غزة الفقر والهوان
اذا ذولة همة العالم الجديد فطاح حظ هيج قطب فاكس يعتمد المليشيات والبلطجيىة مثل بوتين وبريغوجين
هذه نهاية مؤسية للماركسيين العرب ولكنها ربما المنطقية كونهم دومارددوا مايخرج من موسكو سواء ستالينية او خروشوفية او بوتينية ولكن على الاقل كان للاوائل منهم قضية فما هي قضية بوتين؟ انها ملوخية قومجية
تهانينا


4 - الرد على تعليق الدكتور لبيب سلطان
الدكتور المهندس آصف ملحم ( 2023 / 8 / 3 - 15:16 )
عندما تتحدث عن حوادث قتل ما، في أي مكان من العالم، فعليك تقديم الأدلة الكافية على ملابسات ما حدث
أما جرائم غربك المتحضر فهي أشهر من أن نقوم بالبحث فيها أو التدقيق بملابساتها، وهذا فقط للتفكير
1-استخدام السلاح النووي في اليابان
2-سرقة القارة الأفريقية و نهب خيراتها، و تلويث القارة الأفريقية بالصناعات الثقيلة و التهرب من الضرائب
3-إقامة المخابر السرية للأسلحة الكيميائية والبيولوجية في أفغانستان و العراق و أرمينيا و جورجيا و أوكرانيا، و شركات ابن الرئيس الأمريكي هانتر بايدن و صهر جون كيري لهم علاقة مباشرة بهذه المخابر
4-قصف العراق و يوغسلافيا سابقاً باليورانيوم المنضب
والقائمة طويلة
فهنيئاً لك بصحبة المجرمين


5 - الليبراليون العرب لايدافعوا عن الغرب
د. لبيب سلطان ( 2023 / 8 / 3 - 17:59 )
السيد ملحم
كل عمركم كنتم تدافعون عن الانظمة الديكتاتورية بدء من الاتحاد السوفياتي مرورا باوربا الشرقية واليوم بوتين
عكسكم فالليبراليين العرب وطنيون ولا يدافعون عن انظمة الغرب بل يدافعون ضد التشويه اللستاليني الاصل البوتيني الطرح اليوم ضد حضارة الغرب وقيمها العلمانية الديمقراطية من
السلفية التي تمجدونها ومن والمؤدلجين امثالكم
انها لنا معارك داخلية ضد السلفيين دينيين وبعثيين وستالينيين قدماء وجدد وتعليقكم كما وفي مقالتكم تثبت انكم والسلفية العربية عملة واحدة ذات وجهين ولاهم لكم سوى ترويج تهريج بوتين هكذا كان الحال دوما مع ماركسيينا العرب خوض معارك لحساب روسيا ستالينية كانت او بوتينية ، وشعوبنا اصبحت تعرفكم ولفظتكم


6 - الرد على تعليق الدكتور لبيب سلطان
الدكتور المهندس آصف ملحم ( 2023 / 8 / 3 - 23:30 )
تتحدث باسم الشعوب و توزع التهم علي و على الآخرين !!!!
بت أسأل نفسي: هل أنا أمام مثقف يحترم نفسه؟!!!
لا معنى لتضييع الوقت معك بالحوار
فأنت لم تقم بنقد مقالتي نقداً علمياً واضحاً

اخر الافلام

.. تونس.. كتيبات حول -التربية الجنسية- تثير موجة من الغضب • فرا


.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتفض اعتصام المؤيد




.. بصفقة مع حركة حماس أو بدونها.. نتنياهو مصمم على اجتياح رفح و


.. شاهد ما قاله رياض منصور عن -إخراج الفلسطينيين- من رفح والضفة




.. نتنياهو يؤكد أن عملية رفح ستتم -باتفاق أو بدونه-