الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرق القرآن (قلة أدب) ويتناقض مع أسس (الليبرالية)!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2023 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


بغض النظر عن دوافع هذا السيد العراقي المغترب المسيحي الهارب للخارج من حرقه للقرآن، هل هي الرغبة في الشهرة لعل وعسى يحصل على شهرة كشهرة (سلمان رشدي)!!، أو هو دافع ثأري شخصي كأن يكون قد تعرض لمعاملة سيئة من بعض المسلمين داخل العراق وأراد بهذا فش غله وارواء غليله من خلال إيذاء المسلمين في أقدس مقدساتهم بتدنيس وحرق القرآن للتعبير عن الحقد والكراهية، أو يكون الدافع منفعي شخصي كأن يكون الغرض بالنهاية هو الحصول على اللجوء في الغرب!، فبعض هؤلاء العرب الفارين من جحيم بلدانهم أو من فشلهم الشخصي – وفي سبيل الحصول على جنسية غربية – تظاهر بالإلحاد أو تبديل دينه بل وجدنا حتى من تظاهر بأنه شاذ جنسيًا (مثلي) من أجل الحصول على اللجوء الانساني على طريقة (الغاية تبرر الوسيلة) .... لكن - وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية لهذا المعتدي - فإن ما فعله بصراحة ينم عن ضيق أفق بل وقلة أدب وعدم ذوق !!، وكذلك الحال فما لو قام مسلم بتحطيم (الصليب) أو (صنم العذراء) أمام المسيحيين!، وفوق هذا وذاك فإن هذا الفعل يتعارض مع أسس وغايات الليبرالية كفلسفة انسانية واجتماعية!


الفلسفة الليبرالية التي تقوم على احترام وتقديس كرامة الانسان وفردانيته وحريته الشخصية وملكيته الخاصة وخصوصيته لا تترك مجال (الحرية الفردية الشخصية) سواء في مجال (الكلام والتعبير) أو مجال (الأفعال والتصرفات) بل حدود ولا قيود!، بل تقول بشكل واضح وحاسم: ((حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين)) ((مجالك الشخصي ينتهي حيث يبدأ مجال الآخرين)) فهل يمكنك مثلًا وأنت في حافلة (باص) أن تطلق العنان لغازات بطنك الكراهية الرائحة بدعوى أنك شخص حر وأن من حقك أن تطلق العنان لتفريغ غازات بطنك الكراهية في أي زمان وأي مكان بكل حرية وأمان!!؟؟ ولكن ماذا عن أنوف وأحاسيس الآخرين !!؟؟ هل من حقك أن تزعجهم طوال الرحلة التي تقطعها الحافلة وتكدر صفوهم برائحة بطنك الكراهية بدعوى أنك تمارس حقك في الحرية الشخصية !!؟؟ هذا غير معقول وغير مقبول !!... وهكذا وبهذا المثل البسيط علينا أن نفهم ((ما هي حدود الحرية الشخصية الفردية؟؟))، فالفرد ليس موجودًا في فراغ أو في الغابة بل هو موجود في مجتمع منظم ومقنن وهو مجتمع الافراد في جملتهم ومجموعهم وليس من العقل ولا من العدل أن نترك كل فرد يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء بشكل مطلق وبدون قيود ولا حدود ولا مراعاة للذوق العام بدعوى الحرية الشخصية!، عندها ستصبح غابة !! بل أسوأ من الغابة ، فالغابة لها قوانينها وحدودها الطبيعية التي تنظم سير الحياة فيها !!


هنا في بريطانيا وهي - أم الليبرالية - ومنها ومن كتاب (التسامح) للمفكر والفيلسوف البريطاني (جون لوك) في القرن السابع عشر وُلدت الليبرالية كفلسفة اجتماعية لا يمكن في هذا البلد بريطانيا السماح والتسامح مع التصرفات العدائية التي تهين مشاعر الآخرين الدينية افرادًا وأقليات، فهذا سلوك عدواني ، فقد اكتوت بريطانيا عبر تاريخها بالتعصب الديني!، فالتعايش لا يمكن أن يكون بدون ((التسامح والاحترام بين الأديان والاعراق والافراد))!، لذا هنا في بريطانيا نجد رقابة صارمة في المدارس باعتبارها مؤسسات تربوية وطنية أساسية على هذا الأمر ، أتذكر أن تلميذًا انجليزيًا في المدرسة الإبتدائية التي كان يدرس فيها ابني كان منفلتًا وكان لديه توجهًا عنصريًا ضد المسلمين ربما أخذه عن ذويه، فهو ما ينفك أن يتفوه بعبارات نابية تسخر من الاسلام والنبي محمد أمام زملائه المسلمين، ولهذا قامت المدرسة باستدعاء والديه وحذرتهم من هذا الأمر ، لكن الولد استمر في سلوكه العدواني فقامت إدارة المدرسة بايقافه عن الدراسة لعدة أيام كعقوبة له على هذا السلوك لكن يبدو أنه لم يرتدع بهذه العقوبة، فأنتهى الأمر بطرده من المدرسة !! وهو الانجليزي ابن البلد الأصيل !!


والشاهد أن الليبرالية كفلسفة انسانية واجتماعية تنطلق من التسامح – وخصوصًا التسامح الديني - كأساس للتعايش...... صحيح أنها فلسفة تقدس الحرية الشخصية للفرد ومجاله الشخصي وحقوقه الانسانية والمدنية بشكل لا مساومة عليه لكنها في الوقت ذاته تطالب هذا الفرد بضرورة ووجوب احترام حريات الآخرين ومجالهم الخاص والعام!، الآخرين كمجتمع وطني له أخلاقياته ومقدساته وخصوصياته الثقافية، والآخرين كأفراد لهم خصوصياتهم الفردية، وبدون هذا ستصبح الحرية الشخصية أداة للفوضى ولزعزعة السلم الاجتماعي، ولهذا ولدت الليبرالية كفلسفة اجتماعية في أوروبا في حقبة كانت تعاني فيها من التعصب الديني المسيحي سواء ضد المذاهب المسيحية الآخرى أو ضد اليهود أو ضد الافراد الملحدين واللادينيين!، فجاءت الليبرالية في تلك الحقبة السوداء من تاريخ أوروبا المحتقنة بالتعصب الديني والمذهبي تنادي بالتسامح الديني تجاه الأقليات الدينية وتجاه الافراد كأساس وصيغة للتعايش داخل بريطانيا ثم للتعايش داخل اوروبا ثم تحولت لاحقًا كرسالة للتعايش الانساني بين البشر وعمدتها (التسامح والقبول بالآخر المختلف دينيًا ومذهبيًا ولونيًا ووطنيًا وقوميًا) ، حيث الكل يراعي خصوصيات الكل، والكل يراعي حقوق الكل، والكل يراعي كرامة ومشاعر الكل، وهكذا تكون المجتمعات البشرية مجتمعات انسانية متحضرة!.


هذا هو الأساس في الفلسفة الليبرالية كأساس ثقافي لهذه الدول الغربية، لكن الإيمان بهذه القيم الليبرالية ليس على درجة واحدة في كل الدول الغربية ولا هو على درجة واحدة في البلاد الواحدة في كل الإزمان!، فالإيمان بأي شيء وأي عقيدة (دينية أو سياسية) أو أي زعيم يزيد وينقص حسب ظروف ومتغيرات كثيرة، فتارة يكون هذا الايمان قويًا عاليًا شديدًا لامعًا ، وتارة يتعرض للضعف والانحسار والانخفاض والخفوت والبهوت!، والشيء المؤكد أن الليبرالية كفلسفة وثقافة اجتماعية غربية تمر بأزمة كبيرة في عصرنا وتعاني من حالة من الضعف في مواجهة التيارات اليمينية (الوطنية والقومية والدينية) والتوجهات الشمولية والشعبوية الصاعدة الآخذة في النمو والتمدد خصوصًا مع زيادة الأزمة الاقتصادية العالمية وزيادة ظاهرة الهجرة غير النظامية!!، ولا احد يدري كيف ستصير الأمور لكنني ارجح ان بريطانيا هي أكثر الدول ليبرالية وليس من السهل جرها لملعب الشمولية والشعبوية والعنصرية، فالروح الليبرالية متغلغلة فيها الى حد عميق وكبير!!، وليس من السهل هزيمته بخلاف فرنسا مثلًا !!
*****************
(*) (سوان موميكا) الظاهر في الصورة : هو من قام بحرق المصحف وتدنيسه في السويد، وهو يبلغ من العمر37 عاماً، ويقول عن نفسه إنه "عراقي ليبرالي علماني ملحد، ومعارض للحكومة والنظام العراقي"!، ويقول بأنه "قد أسس وترأس حزب الاتحاد السرياني بين أعوام 2014 -2018". ... ولد سلوان في محافظة نينوى شمالي العراقي، ذي الغالبية المسيحية السريانية، وانتقل بعد إنهاء دراسته الابتدائية مع عائلته إلى مدينة بغداد، قبل أن ينتقلوا جميعاً إلى مدينة أربيل في كردستان العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بالكيل الذي تكيلون يكال لكم
ابن الرافدين ( 2023 / 8 / 5 - 13:36 )
ايها الكاتب المحترم
مع انتقادنا الشديد لحرق القرآن واحتقاره علنا ، واستنكارنا لهذا التصرف الغير مسؤول ، اتمنى ان تجيب القراء هل يحق للمسلمين ان يعلنوا بكل وسائلهم الخطابية في المساجد والنشرات وصفحات التواصل الاجتماعي ان التوراة والإنجيل محرفة ، وان عقيدة المسيحيين باطلة وان المسيح ليس بإله ولم يصلب هذه عقيدة غير المسلمين وهم احرار بما يعتقدون، فلماذا تحتقرونها علنا ، الا تعادل هذه الاهانات الموجودة بالقرآن حرقه ؟
لماذا لا تستنكرون تحقير عقيدة الآخرين في كتبكم وتريدون من ألآخرين احترام كتبكم وعقائدكم التي تهين مقدساتهم ؟


2 - جوابي لإبن الرافدين
سليم نصر الرقعي ( 2023 / 8 / 7 - 16:23 )
نعم يجوز لهم ذلك ويحق للقرآن أن يقول الأديان كلها باطلة ما عدا الاسلام ، أي يقولوا أننا غير مقتنعين بصحة الانجيل والاناجيل الموجودة بين أيدينا وأنها نسخ محرفة نتيجة النقل الخاطئ ، يحق لهم ولكل انسان أن يعبر عن قناعته الفكرية كما يحق لأي انسان أن يشكك في صحة القرآن وصحة نبوة محمد ، كل هذا مقبول ومفهوم لكن أن يصل الأمر إلى حد حرق نسخة من الانجيل أمام مسيحي العالم أو تحطيم صنم مقدس يعبده الهندوز أو البوذيين فهذا يدخل ضمن إزدراء الأديان واهانة المؤمنين بها ، علينا أن نفرق بين التعبير عن القناعات بعدم الإيمان بدين معين وانتقاده بطريقة فكرية مؤدبة تراعي مشاعر أصحابه وبين التهجم المهين والذي يتعمد الاهانة لأصحابه ، هذا فرق كبير بين الأمرين وإذا لم تعرف الفرق بين الأمرين فالمشكلة إذن من عندك وأنا لن ألومك فنحن في منطقتنا (العربية) بكل مكوناتها الثقافية والدينية لا نجيد لغة الحوار ولا نفرق بين ما هو نقد فكري وبين ما هو توجيه الاهانة للآخرين واحتقارهم !! تحياتي

اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من