الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيها الجنرالات: كفى عودوا لثكناتكم

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2023 / 8 / 4
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



من خلال تجربة تاريخية طويلة، عبر العالم، فلقد كانت الأنظمة العسكرية أنظمة ديكتاتورية فاشلة بشكل عام، وانتهت معظم الدول التي حكمها العسكر إلى كوارث ومآس وطنية وبيئية واجتماعية، وحتى وجودية، بمعنى تم تقسيم بعض هذه الدول وتوزيع تركتها بين دول كبرى وإقليمية صغرى، والأمثلة أكثر من أن تحصى (يوغوسلافيا، العراق، ليبيا السودان..إلخ)، وكانت هذه الأنظمة العسكرية، وعلى الدوام، وبطبيعتها الفاشية، تنتهك القانون العام، وتتنكر لأبسط حقوق الإنسان وتعلـّق الدستور وتحكم بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية وتتحكم، كالعبيد، برقاب العباد.
ولقد كان لشعوب المنطقة، حقيقة، إرث أسود ومحزن مع الأنظمة العسكرية، التي أتت على ظهر دبابة، في ليلة ليلاء، ودخلت بها إلى القصور الرئاسية، وذلك بـُعيد انهيار الإمبراطورية العثمانية، ومن ثم نهاية فترة الانتداب التي كانت مرحلة انتقالية بين زوال دولة الخلافة الإسلامية العثمانية وظهور مخجل وقصير للدولة الوطنية عبر سايكس بيكو، التي يعارضها العسكر، ويا للمفارقة، رغم أنها –أي سايكس-بيكو هي من خلقت وأوجدت لهم هذه الكيانات التي يسيطرون عليها اليوم ويعربدون بها بالحديد والنار ويرفضون تسليمها لسلطات مدنية منتخبة ويقبضون عليها بالنواجذ والأسنان.
لم تنعم منظومة سايكس- بيكو أو مرحلة نشوء الدولة الوطنية الحديثة، بأي قدر من الازدهار والاستقرار والتعافي والتقدم والبقاء، بعدما تقدمت ما تسمى بـ"الجيوش الوطنية"، والتي لم يكن لها أي إنجاز مهني وحرفي عسكري يـُذكر اللهم إلا في قهر مواطنيها والتنكيل بهم، وعبر بعض الطغاة والجنرالات العسكريين، وقامت بالانقضاض على مؤسسات الدولة الرسمية الناشئة، واحتكرتها لنفسها وباتت هي الدول وعلى سنة وهَدي لويس الرابع عشر، وسيطرت على الثروة والقرار الوطني بالدبابة والبندقية ورفعت الشعارات الوطنية البراقة عالياً لتخدير البشر ودغدغة أحلام الأنام.
وتكابد المنطقة وشعوبها، اليوم، وتعيش في واحدة من أسوأ فصول وحقب التاريخ تفككاً وضعفاً وفقراً وجوعاً وإفلاساً وطغياناً وانعداماً للأمان والاستقرار وانهياراً للخدمات والبنى التحتية في عموم الدول التي سيطر عليه العسكر وما تسمى بـ"الجيوش الوطنية" التي استباحت شعوبها ومقدراتها وثرواتها وأفقرتها وهجرتها في أربعة أطرف الأرض وأسست لدول خلافة جديدة وملكيات وراثية عضوض لا تحول ولا تزول، وباتت الجيوش الوطنية مرادفاً ومعادلاً موضوعياً لتلك الجيوش الغازية من المستعمرين وبديلاً محلياً لها من حيث الإضرار بالمصالح الوطنية والتفريط بالاستقلال والسيادة الوطنية وإذلال الشعوب وقهرها وباتت مهامها شبه الوحيدة هي حماية عروش الطغاة من العسكر وكروش الجنرالات الذين يقبضون فيها على الماء والهواء.
وبعد هذه التجربة المرّة والمريرة مع ما تسمى جيوشاً وطنية، بات من الواجب والضرورة، وحفاظاً على ما تبقى من جغرافيا وسكان، وضع حد لتدخل الجيش بالسياسة وعمل الجنرالات بالاستراتيجيات وإدارة المجتمعات كونها تقع خارج اختصاصهم الحرفي الفعلي الذي هو عمل مهني وحرفي بحت ينحصر بالتدريب وتحديث الجيوش ورفع جاهزيتها والحفاظ على الأمن والأمان وحماية حدود البلاد والدفاع عنها ضد متلف المخاطر، ومن هنا نرى أنه في الدول المتحضرة، ذات الديمقراطيات العريقة، وكما هو الحال بمعظم دول الغرب المتقدم، يمنع ويحظـّر أن يكون وزير الدفاع عسكرياً، بالخدمة على رأس عمله (ربما جنرالاً متقاعداً)، ولا ينطبق هذا على رئاسة الأركان الذي هو منصب حرفي ومهني بحت، وكل وزراء دفاع تكتل "ناتو" القوي هم من المدنيين ومنهم نساء، نعم نسوة مدنيات يشغلن منصب وزراء للدفاع إذ يحظر أن يمارس العسكري أي عمل سياسي أو يكون له أي انتماء سياسي أو حزبي (خرافة ومهزلة الجيوش العقائدية والدينية)، كون ذلك يشكل خطراً على أمن الدولة وسلامة الجيش نفسه. وحين تسمع، اليوم، عن تشكيل مجلس عسكري هنا، أو هناك، لإعادة "استعمار" والإطباق على وإدارة بلد منهار ومفلس ومفكك وجائع ومحتل من عدة قوى أجنبية، وفرض الإرادة العسكرية عليه فهو أمر مرفوض قانونياً، وما هذا إلا نوع من الحماقة التي تعيي وأعيت من يداويها، وهي نمط آخر ومستغرب من تجريب المجرّب التي لا يمارسها إلا العقل المخرّب، وهي، عملياً، عودة للمربع الأول بعد حقبة طويلة كأداء من المعاناة والألم والاضطراب وعدم الاستقرار والفوضى التي جلبها العسكر وحكم الجنرالات وحقب الاستبداد، فعملياً، وكما هو الأنموذج الغربي الديمقراطي الحداثي المدني العصري، لا مكان ولا عمل للعسكر في الميدان السياسي الذي هو عمل مدني ومنصب مهني اختصاصي بحت، ومكان الجيوش فقط على الحدود وفي الثكنات، وما عدا ذلك فهو إعادة إنتاج ومجرد انتظار المزيد من المآسي والكوارث والحروب الأهلية والأزمات والنكبات والفوضى والمجاعات والانسداد العام.
أيها الجنرالات: لقد طفح الخيل، كفى عودوا لثكناتكم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟