الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاقد الشيء لن يدافع عنه..!!؟

كريم كطافة

2006 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


يقولون أنه ثمن الحرية. وأقول؛ لا يا سادتي، هذه القرابين التي تتضرج بدمائها يومياً في مذابح المدن العراقية، ليست هي ثمن للحرية، بل هي ثمن لتثبيت الاستبداد وكل قيم القبح والتدهور والسقوط واللااخلاق. وهذه جميعاً ليست مجرد مفاهيم محلقة في الفضاء، بل هي كائنات لم تزل حية في وجدان وسلوك البشر، يدعمها ركام ثقيل من ماضينا الديني والقبلي. ليس الأمر قتال بين متراسين؛ أحدهما ينشد قيم التحرر والتطور والعصرنة وآخر منشد لاستعادة رفات ماض مضى وانقضى. بل، بين متراسين أحدهما يزاود على الآخر في تمسكه وتعلقه بكل ما يمت لتلك الرفات بصلة. والقرابين تتساقط برصاص وسيوف ومفخخات هذين الطرفين.
متراسان طالبانيان أحدهما يحارب باسم الشيعة والآخر للسنة. انتصار أحدهما لن يعني لنا أكثر من تبديل سياف بآخر، قبح بآخر، تخلف بآخر، سقم بآخر. أنهما نظائر لبعضهما، أحدهما يكمل الآخر، رغم كل العداء المستحكم بينهما.
من على طرفي متراس التناحر الديني، يعلن الطرفان؛ أنهما ضد الاحتلال. وهذا صحيح ومؤكد. لكن، ليس لأنه احتلال أجنبي لأرض الوطن، وإلا ماذا يكون الإيراني والسوري والمصري والأردني والباكستاني وغيرهم الكثير من الداخلين في دوامة الذبح والذبح المضاد، أليسوا كذلك أجانب..؟ هم يعادونه لأنه حمل وبشر بمشروع تحديث وعصرنة لهذه الرقعة من الكوكب، التي ما زالت تعيش خارج الحياة والتاريخ، بفعل أنظمتها الاستبدادية. مشروع حركته وتحركه مصالح رأس المال المتعولم. والمفارقة التاريخية أن هذا المشروع فيما لو تحقق، سيكون في صالح شعوب هذه الرقعة المبتلية بالاستبداد والفقر. لكن، ليس بغير ثمن أو من دون مقاومة، بل يتطلب الأمر أن يتحصن المجتمع بقواه الحية، القوى التي تنشد الحرية والعصرنة والتحديث والتي تعمل لصالح شعوبها وأوطانها.
لذا نجد هذا الاصطفاف الغريب الحاصل في البلد، حيث القوى التي تسعى وتعمل من أجل الحرية والعصرنة والتحديث، وجدت نفسها بوعي أو بدونه قد اصطفت في جانب الاحتلال، على خلفية فكرية وسياسية تقول؛ خروج قوات الاحتلال أمر سيحدث عاجلاً أم آجلاً، لكن من المفيد أن نستثمر الوقت والجهد للبدء في خطوات المشروع التنموي الكبير لبلدنا، وليستمر تحالفنا مع الأمريكان والغربيين حتى بعد خروجهم من بلدنا. على عكس متراس الماضي، الذي عمل ويعمل بكل ما أوتي من قوة ومن رباط الحمير، على عرقلة وتثبيط أية خطوة في هذا الإتجاه، عرقلوا مشاريع إعادة الأعمار، عطلوا الخدمات، دمروا ما تبقى من بنى تحتية. لكن، بالنتيجة هم عملوا من حيث يدرون أو لا يدرون على تثبيت وترسيخ ركائز الاحتلال. لأن الجيوش التي عبرت البحار وخاضت الأهوال، لن تنسحب قبل تثبيت ركائز المشروع الذي جاءوا من أجله، وإن كانت على ركام وأشلاء العراقيين..!! ومن يدري، قد تكون إحدى حيثيات المشروع، هو التخفيف قدر الإمكان من عدد السكان في هذا البلد، للتخلص من أعباءهم ولتسهيل خطوات المشروع. وهذه المهمة بالضبط هي التي تقوم بها الآن الجيوش الإسلامية المختلفة في أسماءها فقط، الجيوش المسؤولة عن الجثث التي تجمع كل صباح من على شوارع المدن ومبازلها.
قلت في مكان آخر؛ أن ما يجمع بين عصابات القاعدة ومن لف لفها من عشائر البعث وبين متاريس جيوش الشيعة المتناسلة كالفطر بالسماد الإيراني، هو أكثر مما يفرق بينهما. المتراسان يعلنان ويسعيان لأسلمة المجتمع. لقد تأكد لهما؛ أن أسلمة الدول والحكومات لن تعني بالضرورة أسلمة مجتمعات تلك الدول. والفرضية الكامنة خلف هذا الهدف، والتي يتحركون على أرضيتها؛ أن المجتمعات كافرة. الخصمان ينهلان من ذات المنهل وهذا يتسع لكل صاحب ضغينة ونفس مريضة. (قال الرسول) و(قال الإمام) تعويذتان لحجب الحياة والعودة لرفات الماضي، بهما يقتلون الإنسان ويهدمون العمران ويحرمون الجمال. يسفهون كل مخالف ومناظر لقبحهم ويتوعدونه بما يتيسر تحت أيديهم من تفخيخ أو تفجير.. (أسلم تسلم..) أو (ألست مسلم يا هذا..!! إذن عليك الموافقة والمشاركة بما أقوم به لأجلك!!)، بهاتين التعويذتين وغيرهما من التعاويذ، ذبحوا البشر كالخراف وأقصوا المرأة في دهاليز الحريم والجواري وحاربوا الجمال بكل مظاهره وحقروا الإنسان.. إذ لا قدسية إلا للنص ولحامل النص وإن كان مجرم حقير معوق عقلياً ونفسياً.. أليس هذا ما فعلوه في المدن والبلدات التي سقطت بسيوف الذبح والمفخخات، ألم يكن هذا هو الشكل الذي تجلت به مقولة (أسلمة المجتمعات) في الفلوجة والرمادي والموصل وبعقوبة والبصرة والثورة والعمارة..؟
لقد أصبح للتخلف في أرضنا فلسفة وللركود فقه وللقبح جنود ملثمون يجوبون شوارع المدن باسم هيئات الأمر بالمعروف والنهي على المنكر. قديماً كنت أظن؛ أن هؤلاء يشوهون دينهم عن جهل والدين منهم براء وكنت أنطلق في ظني ذاك من قاعدة عقلية تقول؛ لا يمكن للدين (أي دين) أن يكون بهذا القبح والإجرام. لأن كل الأديان والعقائد البشرية تنطلق من جذر واحد؛ هو حب الخير ونبذ الشر. وإن اختلفت فيما بينها في أشياء كثيرة، لكنها تعود وتتفق على أن اصل الخير كل ما هو مفيد للإنسان واصل الشر كل ما هو مؤذٍ للإنسان. ظل الإنسان وحياته محور تلك العقائد والأديان. لكن، هل ما زلت على يقيني ذاك..؟ للأسف أجد سوسة الشك تكاد تنهي ذاك اليقين..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ