الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات عابرة سبيل/ اليوم الثالث

رولا حسينات
(Rula Hessinat)

2023 / 8 / 4
الادب والفن


اليوم الثالث: عيد ميلاد

الجمعة الرابع من آب، الساعة التاسعة صباحاً...حول الطاولة الصغيرة في المطبخ الصغير والذي بالكاد يتسع لثلاثة من الأشخاص الجالسين...
-أمي أعلم أنك تقومين بكل شيء من أجلي...
بعد صمت قصير وتنهيدة نطقت: أرأيت يا ولدي بالكاد أصبح هذا المطبخ الصغير يتسع لكلينا فقط دون أن نفكر في ثالث لنا.
-أرجوك أمي لا تبدأي بالدراما، تعلمين أنَّ اليوم هو عيد ميلادي و...
قاطعته بفرحة عامرة: أردت أن أجعلها لك مفاجأة..انظر...قمت إلى إحدى خزائن المطبخ وفتحتها كانت هناك علبة صغيرة ملفوفة بشريط أنيق، وبطاقة...أخرجتها برفق واستدرت إليه... وقلت: عيد ميلاد سعيد، هاقد بلغت السادسة عشر من العمر يا صغيري وأصبح لديك شاربان وبدأ صوتك يشتد غلظة...سامحني لم أستط...
-أمي إنها هديتك منذ خمس سنوات زجاجة من العطر وبطاقة مكتوب عليها: هاقد كبرت يا صغيري...
لم أستطع التحدث أمام شاب يبدو أنه قد كبر فجأة، وآثرت الصمت.
-أعلم أنك تبذلين قصارى جهدك لتبدين سعيدة، أعلم أن أبي توقف عن منحك سلامه منذ زمن بعيد وقد توقف أيضاً عن إرسال المال للمساعدة في إعاشتنا. لم أعد صغيراً لتنبهينني بأن عليّ أن أكون مهذباً في الحديث عن أبي...أعرف أيضاً أنك وضعت الكثير من الأزهار عند صورته كي تجملي حقيقته أمامي...ولكني يا أمي كبرت، ولم أعد بحاجة إليه...لقد نسينا مع أمرأة لعوب...
-قاطعته: عيب عليك...
-من قال أنه عيب...رجل وأحب امرأة لعوب يتمتع معها في حياته...أنت جميلة وهادئة وامرأة تصنع المستحيل...ولكنك لست لعوباً وهو ببساطة لا يستحقك، فكري في الأمر هكذا...
حاولت أن أبتلع الحجر العالق في حلقي وألتهم بصمت دموعي المالحة التي مازالت قادرة على حفر أخاديد في وجهي...وقلت: دعنا من هذا وافتح هديتك...سأقوم بصنع قالب من الحلوى تعلمت وصفته من الإنترنت يوم أمس...
-أمي...أريد أن أقيم حفلاً كبيراً لأصدقائي لقد مللت قوالب الحلوى...أريد أن احتفل بالسادسة عشر...
-هذا جميل حقاً...ولكن تعلم أن الموازن...
-أعلم ما ستقولينه...الموازنة لا تسمح، وهناك الكثير من الأولويات، الوضع الاقتصادي خربان، ولو كنتي تستطيعين أخذ نصف الشهر إجازة من عملك لفعلتي لارتفاع أسعار البنزين وأنك تحاولين العثور على عمل آخر...كل هذا أعرفه ولكنك لست متفاجئة بيوم ميلادي...أنا لست مثلك لا أقدر تواريخ حياتي المهمة...أنت لا تحتفلين بعيد ميلادك وأنت حرة في تهميش تبقى من حياتك ولكنني لن أكون نسخة عنك...
-ما رأيك بأن نقيمها في بيت جدك أو أن نعزم أقرباءنا...
-لا يا أمي أنت تواسين نفسك بالزج بهؤلاء في خصوصية حياتنا، ألا تعلمين أنهم منذ زمن بعيد قد توقفوا بالسؤال عنك...لم يهاتفوك أو يجعلوك ضمن مجموعات الواتس أب خاصتهم... أتنكرين أنهم لا يزورونك في الأعياد، وأمثل بأنني سأذهب مع أصدقائي فقط لأتركك تبكين...وحين أعود تسألينني سؤالاً واحداً: هل استمتعت. نعم يا أمي استمتعت كثيراً ومازلت...أتعرفين ما أريد أن أفعله...أريد أن أكون ذلك الغريب الذي يتزوج فتاة غريبة لأنجب الكثير من الغرباء...لا تقلقي سأكون مختلفاً قليلاً عنهم بأنني سأسأل عنك وأزورك في قليل من الأيام...عندما تصبحين عجوزاً وتحتاجين إلى طقم أسنان.
ضحكت من كل قلبي..وقلت: يبدو أنني قد غفلت عنك كثيراً...وتركتك تشاهد الكثير من الأفلام الأجنبية...
-لا يا أمي ليس الأمر متعلقاً بالأفلام الأجنبية إنه يتعلق بك...
-كيف؟
-أريدك أن تعاملينني مثل الآخرين الذين تتابعين معاملاتهم في عملك ولا تنسين تواريخهم المهمة، والذين تسعين جاهدة لحل مشاكلهم...أريد فقط أن يكون لي تعريف كلمة الآخرين في قاموسك.
-حتى (الآخرين) أنصحهم...ومع ذلك تريد حفلة عيد ميلاد فليكن لا بأس سأقيم لك حفلة عيد ميلاد.
-لا تخافي لقد كنت أدخر المال لعيد ميلادي، ولكنك مدينة لي به سأقسط المبلغ لك على دفعات ميسرة...أرأيت أن أبنك أصبح رجلاً... فقط أريد المكان، أريد لبيتنا أن يدخله الفرح وأريدك أن تتزيني وأن ترتدي فستاناً جديداً...لا تخشي شيئاً لقد أدخرت المال الكافي لذلك أيضاَ، كما أدخرت المال لمصفف الشعر.
-ماهذا هل سطوت على بنك؟!
-لا لقد كنت أدرس وأعمل...و أقول لك أني أستمتع مع أصدقائي.
لم أدرِ إلا حينها أن صغيري قد كبر...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب