الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين السياب والبياتي قراءة في التاريخ الادبي ( بمناسبة ذكرى وفاة البياتي)

رياض قاسم حسن العلي

2023 / 8 / 4
الادب والفن


من اكثر القضايا في التاريخ الشعري العراقي الحديث اثارة هي تلك العلاقة المضطربة بين السياب والبياتي.
وقد تناول المختصون هذه العلاقة بالبحث والتقصي ولكل واحد منهم وجهة نظره وقد لعبت الانتماءات العقائدية دورا مهما في بعض الاحكام التي خرجت من تلك الدراسات والقليل منها ماكان على درجة كبيرة من الحيادية.
وهنا لا بد من القول ان موهبة السياب الشعرية تتخطى بمراحل عديدة ما قدمه البياتي من منجزا شعريا فالسياب المجدد الاكثر فعالية في الشعر العربي الحديث في الموضوعات على الاقل وهو أي السياب كان ينقل المحلية الضيقة جدا ويوظفها في قصائد ذات بعد انساني واسع بينما البياتي اراد مغازلة مدن العالم كلها في نصوص لم تاخذ الصدى الذي كان يريده وسرعان ماطواها النسيان دون أن تترك تاثيرا واضحا في المشهد الشعري العراقي.
السياب لم يكن معجبا بشعر البياتي منذ البداية وقد صرح بذلك حيث قال: ”بت أخشی عليه كثيرا بعد أن قرأت دیوانه الأخير المجد للأطفال والزيتون فقد كان تكرار ممل لديوانه السابق أباريق مهمشة، كما لاحظت أن قصائده كانت شعارات سياسية منظومة تصلح مقالات افتتاحية (كتاب السياب النثري ص 194).
وفي حوار مع السياب في مجلة الفنون العدد 22 في 4 كانون الاول سنة 1957 سئله المحاور: ”لقد ذكرت في مقدمة قصيدتك (أغنية في شهراب) أن فيها محاولة جديدة، فما هو نوع هذه المحاولة؟ وهل صحيح انها مسروقة من قصيدة إليوت (أغنية العاشق) كما يقول عبد الوهاب البياتي؟ فرد عليه السياب بكل صراحة: ”لقد كانت قصيدة ذات بعدين. تقرأ معناها الظاهر، فتحس أنك تقرأ شعرأ لا تعقيد ولا غموض غير أن هناك معنی آخر وراء السطلح، إذا نفذت إليه ظهرت القصيدة في ضوء جديد أما ما يزعمه الصديق البياتي من أنها مسروقة من قصيدة إليوت (أغنية العاشق) فهو زعم لا يفيد شيئا أنه يظهر مدى جهل البياتي بشعر إليوت على أحسن الفروض – وأغراضه، في أسوأ الفروض –
أن نذكر شيئا مهما هو أن البياتي كان وما زال حتى الآن، في أحيان كثيرة، عالة على شعر إليوت، وعلى شعري أيضا وأستطيع إثبات ذلك بالنصوص لا بمجرد الكلام المطلق على عواهنه).
واتهم السياب البياتي بأن قصيدة الاخير (الملجأ العشرون) مسروقة فكرتها العامة من قصة نزار سليم (اشباح بلا ظلال) حسبما ذكره السياب في تعليقه في مجلة الاداب البيروتية سنة 1954.
وفي حوار نشره خضر الولي في كتابه (اراء في الشعر والقصة) يقول البياتي: (يظهر أن الشعر الحديث قد ابتلي أو الصقت به التهم، كما ابتليت الواقعية والصقت بها تهم شتي... ولعل السبب يعود إلى الشعراء أنفسهم لا إلى الشعر الحديث أو الواقعية... ويؤكد قولي هذا الرجوع إلى إنتاج شعرائنا المحدثين، ولنأخذ مثلا صديقنا الشاعر بدر شاكر السياب فأغلب قصائده التي كتبها منذ ثلاثة أعوام يظهر فيها أثر هجر الأسلوب الشعري والانحدار نحو النثر والسطحية والغموض، ويظهر أن تردي صديقنا في هذه الهاوية يعود إلى محاولاته في التعبير عن تجارب لم تنضج في نفسه إلى تأثره بالشعراء الذين يقرأ لهم دون هضمهم ودون اعتبار فوارق البيئة والوطن).
والبياتي رد على سؤال اسعد الجبوري حول استخدام الاساطير في شعره: (تلك أساطير غاية في الضعف والخواء واللا معنى. أنا مارست الكتابة حولها، ثم تركتها لبدر السياب عن قصد، ليغرق بغبارها وحده، وينتهي مريض بسل رموزها الوهميين.) وحينما سأله الجبوري: (تقول هذا عن بدر لأنك فشلت في احتواء رموز تلك الأساطير شعريا، أم بسبب نزعة الانتقام من غريمك الشعري السياب؟) اجاب بتهكم وسخرية: (يا معود. هو بدر بيه حيل حتى يكون غريما لي أو لأحد. هو ما قدر يتحمل ثقل الأساطير على الورق. لذلك لا تدع الأفكار تأخذك بعيدا) جريدة الاخبار البيروتية 2016/2/6
ويقول البياتي لنجم عبد الكريم في حوار نشره الاخير في كتابه (شخصيات عرفتها وحاورتها): (لا نازك ولا السياب استطاعا أن ينهلا من النور المشع القادم من بعيد في بنية القصيدة الجديدة التي جسدتها قصائدي الأولى. ولو أعدنا قراءة نازك والسياب لوجدنا أنها لا تحمل من الشعر الجديد إلا شكله، وكمْ تمنيت لو أنهما كتبا تلك القصائد بأسلوب الشعر التقليدي لكان ذلك أفضل لهما، وخاصة قصائد ديوان عاشقة الليل لنازك، وقصيدة هل كان حبا للسياب، لأن محاولتهما في هذين العملين تشبه محاولات شعراء المهجر التي بدأت منذ مطلع القرن، بينما قصائدي كانت تنشر في الصحف اللبنانية والمصرية، وكان يدور حولها جدل حاد لما أحدثته من ثورة في التجديد في بنية القصيدة الشعرية، ثم إن شهرة السياب والملائكة في ذلك الوقت لم تكن تتعدى حدود العراق) ويقول في نفس الحوار: (لما ظهر ديواني أباريق مهشمة وأحدث ذلك الضجيج المدوي في العراق وفي العالم العربي كله، وقرظه أغلب النقاد الكبار في الوطن العربي، واعتبروه الممثل الحقيقي الأول للحداثة الشعرية، أجج هذا الأمر حقدا في نفس السياب، فدفع ببعض الصغار من عديمي الموهبة الذين كانوا يحيطون به لمهاجمة الديوان، ومهاجمتي شخصيا، فضربت بهجومهم عرض الحائط ولذت بالصمت لأني صاحب مشروع شعري عالمي كبير ولا وقت عندي للمهاترات. ولم أعد أرى السياب إلا مصادفة. ولما بدأ المرض يدب في جسده التقيته في لقاء سريع في بيروت في إحدى دور النشر، ثم صادفته في لقاء عابر في أحد مقاهي دمشق) ويقول على ذمة نجم عبد الكريم: (ما أريد قوله أن روح التجديد التي كانت تسود في قصائدي، كانت أكثر قبولا عند الناس من كل أشكال التجديد التي استخدمها السياب في أشعاره. وهنا جوهر الاختلاف فالمومس العمياء وحفار القبور كانت أقرب ما تكون إلى القصص المختلقة لإثارة الشفقة، ولم يكن لها ارتباط بالواقع المعاش الذي كنت أتناوله في أشعاري).
ويذكر السياب في كتابه المثير للجدل كنت شيوعيا في صفحة 20 أن البياتي شاعر تافه وقد برز بشكل عجيب لخلو الميدان له، مقالات السياب هذه كانت قد نشرت في جريدة الحرية البغدادية سنة 1959 لكن السياب في 1961/12/11 يكتب رسالة إلى البياتي يستهلها بقوله (أخي الأعز ابا علي) وفيها شوق السياب إلى لقاء البياتي والرسالة بخط السياب وتوقيعه وموجودة.
الخصومة انتقلت إلى مجلة الآداب البيروتية حينما نشر كاظم جواد مقال في عدد تموز سنة 1954يتهم فيه البياتي بسرقة موضوعات قصائد ديوانه أباريق مهشمة من شعراء آخرين وفي الحقيقة أن هذه المقالة كانت ضربة قوية للبياتي وربما اعتقد هذا الأخير أن الدكتور سهيل إدريس يقف وراء هذا الرأي أيضا كما يذكر إحسان عباس في صفحة 227 من كتابه الشهير عن السياب مما دعا البياتي إلى نشر مقالة في إحدى الصحف يتهم فيها كاظم جواد وسهيل إدريس بالعمالة للاستعمار فما كان من السياب إلا أن أرسل المقالة إلى إدريس مبديا سخطه على هذه المقالة ويقول عن البياتي وعبد الملك نوري بأنهم وآخرين يشكلون عصابة متآمرة على القيم الخيرة والأدب المخلص وان ثمة قوى عمياء تسند البياتي مبديا نيته بإقامة دعوى قضائية ضد البياتي.
ومن المعروف لدى الكثير من الباحثين قضية سرقات البياتي وترجمات شعره إلى اللغات الأخرى والتي تمت بمعونة من بعض الشعراء في تلك اللغات بحيث يختلف شعره المكتوب بالعربية عن شعره المترجم.
ولكن المثير في تلك العلاقة بين الشاعرين هو دخول الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة على خط المنافسة فمن المعروف لدى كل من بحث في حياة السياب تلك العلاقة الخاصة بين السياب ولميعة لكن البياتي كان يصرح بأن لميعة تحبه هو وليس السياب
يقول البياتي: (كنت وما أزال جميلا تحبني النساء وتسعى إلى، السياب عانى من ذلك كثيرا) ويرد على عبد الحميد الصائح: (اسكت هذا الكلام مو وقته... السياب عاش الشعر، أنا عشت الحياة والشعر معا) علما بأن لميعة كانت تنتقد البياتي كثيرا وتقول عنه إنه لم يدخل مكتبة الكلية ولا مرة واحدة طيلة فترة الدراسة التي جمعتهما معا في صف واحد، وأنه كان يغار من السياب. وما أعرفه أنا، أن البياتي كان يعتمد دائما على مكتبته الخاصة ومراجعه في الأدب والبحث كما يذكر عبد اللطيف اطيمش في استذكار له.
ويرى كريم مروة في مقال له: (كانت اللقاءات الأولى بين البياتي والسياب لقاءات صداقة حميمة. وكان الاثنان يتبادلان قراءة قصائدهما، ويمارسان الملاحظات النقدية بموضوعية على كل قصيدة يقرآنها لأي منهما. لكن البياتي سرعان ما بدأ يكتشف، بعد صدور ديوانه (أباريق مهمشة) الذي نقله إلى موقع متقدم بين الشعراء الجدد، أن موقف السياب منه قد تغير، وأن السياب بدأ يشعر بأن منافسا حقيقيا له قد بدأ يظهر. وبرز ذلك في اهتمام النقاد بالبياتي إلى الحد الذي جعله أحد كبار شعراء الحداثة).
أرى أن أحد أسباب تلك العلاقة المضطربة بين الشاعرين هو خروج السياب من الحزب الشيوعي ونشره تلك المقالات التي فضح فيها الكثير من خفايا الحزب في العراق حيث حاول البياتي التملق للشيوعيين من خلال التشهير بالسياب لأنه أراد أن يحل محله في الحزب الشيوعي الذي لا يهمه الشعر بقدر ما يهمه الشاعر وكنت قد كتبت مقالا في هذا الصدد حول العلاقة بين السياب والشيوعيين تجدونه بعد هذا المقال.
بالإضافة إلى موهبة السياب التي لم يصل إليها البياتي حتى بعد أن تقدم به العمر ناهيك عن الطبائع الشخصية للبياتي التي تسعى إلى خلق أعداء وأحداث ضجة في افتعال الخصومات الشخصية ليس ضد السياب فقط بل ضد شعراء ونقاد آخرين كثر وربما نشأة البياتي في أحد محلات بغداد القديمة المعروفة بكثرة شقاواتها وتأثره بهم سببا في النزعة الهجومية والعدائية التي اتسم بها على مر تاريخه الشخصي والشعري.
-------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24


.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع




.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح




.. عوام في بحر الكلام - إلهام أحمد رامي: أم كلثوم غنت في فرح با