الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقول إنك قومي ماذا تقصد؟

سالم جبران

2006 / 11 / 6
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


عندما ظهر اصطلاح "القومي" عند الشعوب الأوروبية، في نهاية العصر الإقطاعي، كان "القومي" بشكل عام مؤيداً للوحدة القومية التي تهدم الحواجز الطائفية، وتتمسك باللغة القومية والفولكلور وتسعى إلى انصهار أبناء الأُمَّة الواحدة في كيان سياسي وثقافي واجتماعي واحد، كانت القومية شعاراً ثورياً واجتماعياً معاً، لخلق كيانات كبيرة تتسع للثورة العلمية والوحدة الاقتصادية. إن النضال لوحدة كل مقاطعات ألمانيا أو مقاطعات فرنسا أو مقاطعات ايطاليا في دولة واحدة، كان نضالاً هاماً وتقدمياً. والعهد القومي في أوروبا كان رافعة هامة للتطور الأوروبي العاصف.
وإذا عدنا إلى منطقتنا العربية فإننا نقول إن طلائع المفكرين في مصر وبلاد الشام والعراق الداعين للوحدة العربية كانوا تحسساً تاريخياً لحاجات المرحلة. إن السعي لتوحيد بلاد العرب، لو نجح، لكان مكسباً تاريخياً، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وربما كان منع المأساة الفلسطينية التي ينزف دمها إلى الآن.
ولكن الفكر القومي مرَّ بمراحل تاريخية، والفكر القومي الذي كان ثورياً وتقدمياً في مرحلة النضال لهدم الحواجز الإقطاعية والتقسيمات الإقطاعية الصغيرة وخَلْق كيانات قومية كبيرة فَقَدَ بريقه التقدمي والتاريخي في عهد الرأسمالية، عندما صارت الدول "قومية" فعلاً وموحدة. بعد هذه المرحلة صارت القومية الألمانية أساساً للفكر النازي وصارت القومية الايطالية أساساً للفكر الفاشي. وقامت الديمقراطية والاشتراكية واللبرالية والإنسانية والاجتماعية أساساً للفكر التقدمي في المرحلة التاريخية الجديدة، حيث تحولت " القومية" إلى وثن للاحتكارات وللقوى الرجعية واليمينية. وصارت أفكار حقوق الإنسان والمواطن والأخوّة الإنسانية والعدل الاجتماعي والمساواة للمرأة واحترام كل الأجناس والأعراق والثقافات واللغات هي هي المقاييس للفكر التقدمي والإنساني في المرحلة الجديدة اللاحقة.
لقد أصاب الفكر القومي، في عالمنا العربي، التحول التاريخي الذي أصابه في أوروبا. فعندما قامت الطلائع تدعو للوحدة العربية في ظل النظام الإقطاعي العثماني، كانت الدعوة القومية العربية وطنية وثورية وتقدمية. إن فكر أبطال التنوير العربي في القرن التاسع عشر إلى الآن يثير فينا الإعجاب والانبهار. وحتّى عندما قامت حركات قومية، في بلاد الشام والعراق ومصر، كانت تلك حركات لإقامة دولة قومية عربية واحدة من حدود الأطلسي إلى جبال ايران، ومن حدود تركيا إلى اليمن.
ولكن الفكر "القومي" ما لبث أن صار نقيضاً وعدواً للفكر الاشتراكي والفكر اللبرالي وكل أفكار التقدم الاجتماعي عموماً، ولذلك صار" الفكر القومي" فكراً ناطقاً بلسان الطبقات الاستغلالية، الإقطاعية والبرجوازية، وصار ناطقا. بلسان العداء لليسار، وصار شوفينياً وعنصرياً ضد الأقليات القومية كالأكراد، وفي أحيان كثيرة ضد الأقليات الدينية، أيضاً.
إن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان في بداياته قومياً بالمعنى التوحيدي والتحرري، لم يلبث أن صار حزباً فاشياً في العراق، يشكل الإرهاب الوحشي والقتل والتعذيب للمعارضة والتصفية العِرْقية للأكراد سمات أساسية من سماته. إن نظام صدام حسين سوف يدخل التاريخ بوصفه نظاماً فاشياً إرهابياً قاتلاً مغامراً دمَّر العراق وسهَّل عملية اقتحام الغزاة الأمريكيين للعراق.
والبعث الحاكم في سورية هو نظام طائفي (أين ذهبت القومية!؟) وعائلي وإرهابي يجعل مقدرات سورية لقمة سائغة للعصابة الإرهابية الدكتاتورية الحاكمة. إننا نسمع عن القمع الوحشي للأكراد، كما نسمع عن القتل الجماعي للإخوان المسلمين، كما نسمع عن ألوف السجناء بلا محاكمة في سورية، من أبطال الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، لقد ساهم البعث في سورية والعراق في تحويل اصطلاح "القومي" إلى اصطلاح سلبي، بل اصطلاح مخيف. فالقومي صار إقليمياً لا يمُت إلى "الوحدة القومية" بأية صلة والقومي صار عكس الديمقراطي واللبرالي والإنساني والاجتماعي. هناك رائحة فاشية في "قومية" البعث العراقي في حينه، والسوري حالياً.
إن الأمة العربية هي أمة عريقة، جذورها عميقة في التاريخ، ولن يتمكن أحد أن يضحك عليها أو يخدعها بالشعارات الكاذبة. فهل تحويل سورية إلى سجن كبير هو "قومية"؟ وهل احتلال لبنان ونهب خيراته هو "قومية"؟ وهل دعم سورية لحزب طائفي أصولي في لبنان لديه جيش خاص به يهدد الدولة وجيش الدولة هو "قومية"؟ وهل القمع الوحشي للفلسطينيين في لبنان وفي داخل سورية نفسها هو قمع "قومي"؟
إذا كانت الحركات الأصولية الدينية المتعصبة والإرهابية أحياناًُ، والمتخلفة اجتماعياً والمعادية للأقليات والمعادية للمرأة هي طاعون وهي مأساة لأمتنا العربية، فإن "القومية" الدكتاتورية الإرهابية المفسودة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً هي أيضاً مأساة. وهذا هو السبب التاريخي بأن الأنظمة "القومية" لم تتمكن أن تصد بنجاح، مدّ الأصولية الدينية. الفاسد لا يحارب الفاسد، والرجعي لا يصد الرجعي، والناهب لا يصد السارق. إن أنظمة البعث في سورية والعراق وكذلك النظام المصري لم تتمكن ولم يكن ممكناً أن تتمكن من عزل الأصولية الدينية ومحاربتها بقوة ونجاعة. لذلك، نلاحظ، على طول العالم العربي وعرضه، إرهاصات شجاعة لميلاد وتطور حركات ديمقراطية وعلمانية ولبرالية وإنسانية، حركات التعددية الثقافية وحقوق الإنسان وحرية المرأة ومساواتها الكاملة، بلا فذلكة وبلا شروط، حركات نريد للعلم والتكنولوجيا أن ينقلا أمتنا العربية إلى مصاف النهضة الإنسانية العالمية.
علينا أن نقول إن الإمبريالية الأمريكية ليست هي عدوة الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي، كما أن الأنظمة الدكتاتورية المفسودة والقاتلة في الوطن العربي ليست قادرة أن تهزم وتصد الغزوة الأمريكية الهولاكية على المنطقة العربية. صدام عندما غزا ايران كان عميلاً أمريكياً وعميلاً للأنظمة العربية المفسودة. وسورية الأسود شاركت تحت الراية الأمريكية في "الفزعة" العربية ضد صدّام عندما غزا الكويت. علينا أن نقول بكل الوضوح والقَطْع : إن الأنظمة المفسودة والإرهابية وعدوة شعوبها في المنطقة العربية ليست هي التي تحارب الاستعمار الأمريكي وليست هي التي تحرر الوطن. إنها مستعدة أن تتواطأ مع أمريكا، إذا كان السِّعْر مقبولاً فقط. الأنظمة الحاكمة في العالم العربي الآن هي أنظمة سايغونية وليست أنظمة هانويية، إنها عاجزة، وليست من مصلحتها تعبئة الشعب في النضال القومي الاستقلالي والاجتماعي والتقدمي، لأنها هي كأنظمة ضد انطلاقة الشعب وتحرره وكسره لقيوده وتحسسه لإرادته الوطنية وقدراته العظيمة الكامنة فيه.
وعندما نجد بعض "المثقفين" ممن يدَّعون أنهم "قوميون" ويزحفون على بطونهم للتسول عند النظام السوري فإننا نقول لهم لستم قوميين بل مرتزقة من أسوأ طراز، أنتم تنضمون إلى جوقة "السحاجة" للنظام الإرهابي. المثقف الحقيقي يجب أن يكون مع رياض الترك وعارف دليلة ورياض سيف ومأمون الحمصي وميشيل كيلو والدكتور اللبواني وأنو البني وعلي العبد الله وفاتح جاموس وخليل حسين وسليمان شُمَري وغالب عامر ومحمد محفوظ وألوف المناضلين السوريين الآخرين الأبطال. والمثقف الحقيقي يدعم بكل قوة المد الديمقراطي اللبناني رافع أعلام الاستقلال والديمقراطية لا القتلة محترفي الاغتيالات. والمثقف الحقيقي مَن يقف مع أبطال الديمقراطية وحقوق الإنسان المحشورين في ظلمات السجون في الدول العربية، في تونس والمغرب والسودان والسعودية وغيرها من أوطاننا المعذبة.
المثقف القومي العربي الحقيقي، في مرحلتنا الراهنة، هو الذي يقف ضد كل بطش وإرهاب وخنق للحريات وتبرير للتعصب الطائفي وإهانة للمرأة. المفكر الفلسطيني الخالد إدوارد سعيد الذي كان مقاتلاً شجاعاً دفاعاً عن الحق الفلسطيني والعربي العام وكان في الوقت نفسه عدواً سياسياً للنظام العربي الفاسد، من المحيط إلى الخليج. والمثقف الذي يقبل أن يكون كلب حراسة عند أنظمة القهر والإرهاب ليس مثقفاً بل كلب صيد في خدمة القتلة لا أكثر ولا أقل.
إن الأمة العربية بحاجة مصيرية إلى نهضة قومية اجتماعية ديمقراطية ذات مشروع متكامل للاستقال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة. والمساواة الكاملة الفعلية للأقليات القومية والدينية، ضمن إطار مواطنة عصرية فعّالة ديمقراطية ومساواتية.
هذا البرنامج الانتقادي للعرب يكون الحد الفاصل بين المثقف خادم الشعب والوطن والمثقف كلب الحراسة للنظام الفاسد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة