الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغامرات اللغة أو الماوراء الشعري : قراءة في بعض قصائد الشاعرة سنيا الفرجاني

محمد العرجوني
كاتب

(Mohammed El Arjouni)

2023 / 8 / 5
الادب والفن


الحلقة الأولى :

لا بأس أولا أن أقدم للقارئ، بشكل مختصر ووجيز الشاعرة سنيا الفرجاني، قبل أن أقدم قراءتي لبعض نصوصها:
شاعرة تونسية مولودة في 20 سبتمبر 1976.
حاصلة على الأستاذية في التاريخ من كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس.
مؤسسة ومديرة بيت محمود درويش للشعر بجزيرة جربة منذ العام 2014.
عضو في جمعية التنشيط الثقافي بالمركز الثقافي المتوسطي بجزيرة جربة.
صدر لها 6 دواوين:
1- صباح الخزامى سنة 1998 بتونس .
2- إمرأة بني باندو، الصادر عن دار برسبكتيف للنشر ضمن سلسلة موسوعة الشعر التونسي الحديث سنة 2016 .
3- فساتين الغيب المزررة،الصادر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب سنة 2018.
4- ليس للأرض باب وسأفتحه، الصادر عن دار زينب للنشر بتونس سنة 2019.
5- ال 45 بتوقيت أبي، الصادر عن دار الأمينة للنشر بمدينة القيروان سنة 2022 .
6- أقبض على الخاتمة، الصادر عن دار أبجد للترجمة والنشر في بغداد سنة 2023.
فضلا عن أن قصائدها نشرت وتوزعت بعدد كبير من المجلات والجرائد العربية والدولية على غرار القدس العربي الزمان بلندن والحركة الشعرية بالمكسيك ودبي الثقافية، وبالصحافة التونسية والعربية عموما.
كما ترجمت قصائدها إلى الفرنسية ضمن مجموعة من شاعرات بعض البلدان العربية تحت عنوان: Florilège au féminin، من ترجمة الشاعر والروائي والمترجم المغربي محمد العرجوني، الصادر بفاس، المغرب بدار مقاربات 2018.
ثم إلى الفرنسية والإنقليزية ضمن شعراء بعض البلدان العربية تحت عنوان: Florilège II، من ترجمة الشاعر والروائي والمترجم المغربي محمد العرجوني (فرنسية) والشاعرة والمترجمة السورية هند زيتوني (إنقليزية)، الصادر بباريس عن دار النشر Polyglotte،2021
وأخيرا ترجمت لها مجموعة من القصائد إلى اللغة الفرنسية من قبل الشاعر والروائي والمترجم المغربي محمد العرجوني، مدبجة بمقدمة لنفس المترجم، تحت عنوان: Au-delà de la poésie، الصادر عن دار الأمينة للنشر بمدينة القيروان، 2023.
كما ترجمت نصوصها أيضا إلى الإيطالية، في أنطولوجيا شعرية صدرت بالإيطالية في روما في عمل ضخم بين مركز تونس للترجمة ومترجمين من إيطاليا في كتاب يحمل عنوان أنطولوجيا الشعراء التونسيين. علما أنها شاركت في عدة ملتقيات شعرية داخل تونس وخارجها...



كتوطئة:

"لا يكتب الشعر بإلهام، لا تصدقوا هذه القصة القصيرة.
الشعر يأتي بالتهام مفرط للتفاصيل الموجودة والمخفية.
حالة افتراس غريبة يليها افتراش للغة وارتماء على أكتافها."
سنيا الفرجاني

أول تعريف للشعر صادفته إلى حدود الساعة، وهو يحمل بداخله ما يثير الإعجاب ويشجع على التبني. تعريف ينفي ما يتم تداوله على أن الشعر ينتمي إلى دائرة الندرة، لأنه إلهام لإضفاء نوع من الهالة على حالة تخص فقط "بعض المحظوظين" الذين يستطيعون التبرك بالإلهام خلافا لبقية الناس. هكذا تعتبر الشاعرة هذا الرأي بمثابة "قصة قصيرة"، أو خرافة لا مصداقية لها. فالشعر بالنسبة إليها، يسكن في "التفاصيل الموجودة والمخفية"، التي غالبا ما لا يلاحظها أصحاب الإلهام، وجب التهامها. من هنا يصبح "حالة افتراس غريبة. والشعر في نفس الوقت لعبة ب/ ومع اللغة على مستوى التجانس، ما يؤدي إلى "افتراشها" والتنعم بنعومتها. وهو ما تومئ إليه وتجرنا إلى الانتباه إلى هذا التجانس، كما هو الحال حينما تجعل الإلهام التهاما والافتراس افتراشا، حتى نكاد نؤمن بأن اللغة ليست اعتباطية كما يعتقد اللسانيون. أو لنقل بأنها تصبح اعتباطية حينما تفقد ثقتها فينا. نعم اللغة أيضا تتحلى بهذا الإحساس الإنساني لأنها وليدة الإنسان، فيمكنها التحلي بالثقة أو بعدمها. لكنها حينما تبادلنا الثقة، آنذاك تهدينا صدقها وصداقتها فتبين لنا بأن التجانس الفني والمتقن بمهارة وبداهة مذهلتين، يجعل من الكلمة كائنا ذا نبض، فنلمسه ونحس به كما يحس بنا، فيكون الالتهام، كما نلتهم أعز شيء لدينا، لكن ليس أي التهام، إنه التهام الجزيئات الصغيرة، المحيرة. فهل من الصدفة أن تكون الجزيئات هي دائما المحيرة كما هو الشأن أيضا بالنسبة لفيزياء الكم؟
انطلاقا من هذا التعريف، وقبل مقاربتي لبعض قصائد الشاعرة، والحديث عن تجربتها "الشعرية"، استحضر هذه الأسئلة التي غالبا ما تطرح خلال عدة مناسبات حول ما سمي بالشعر الحديث: لماذا الشاعر يختار الغموض؟ وهل هناك اختيار، أي فعل مدروس بإتقان؟ أم هناك استيلاء؟ استيلاء اللغة والخيال عليه...؟ وليس له بُد حينها إلا أن يخضع لعملية الاستيلاء هذه. إذن، هل دور اللغة هنا هو التواصل؟ هل دورها الإخبار؟ هل دورها شحن المعرفة؟...أم دورها فقط جمالي برغبة من اللغة التي تتحايل عليه...؟
يبدو أن الشاعرة لا تبحث عن شيء من كل هذا. هذه أسئلة غالبا ما تطرح من قبل المهووسين، الباحثين عن المعنى أو الذين ينتظرون من الشعر أن يكون شفافا كالزجاج وتتعدد وظائفه. حتى أصبح غالبية القراء ينتظرون من الشعر أن يكون بيانا سياسيا أو برنامجا اجتماعيا...
الشاعرة سنيا لا تبحث عن هذا. هناك بعض الكائنات دورهم هو المساهمة في تنشيط الدورة الإنسانية بكل سليقة، كما هو دور القلب في تنشيط الدورة الدموية، من غير أن يختاروا هذا الدور. وُجدوا خصيصا من أجله. الوجود هنا مرتبط بهذا الدور كي تتقوى الحياة وتستمر. لهذا لدينا الأعشاب التي تصنع منها الأدوية و الأحجار التي ننعتها بالكريمة والمياه العذبة و المعادن التي تنعت بالغالية والنفيسة كالذهب، والحيوانات الوفية الخ... وفي صنف الإنسان نفسه نجد من ينفخ الخير بكل تجلياته. الشاعرة سنيا الفرجاني تدخل في هذه التصنيفات. لم تختر أن تكون شاعرة. هي هكذا كتلة من لغة متنورة وطاقة من خيال. خيال يتسرب عبر اللغة. كان من الممكن أن يتسرب عبر فرشاة وقماش. وبسليقتها هذه تصبح وسيطة بين الماوراء الشعري والقارئ. ليست زجاجا شفافا وإنما كرة بلورية لا تفشي بشيء إلا لمن له قدرة على التعامل مع هذه الكرة البلورية. هي تعبُر بنا نهر الشعر إلى مكان الخلد حيث الخيال يسري من غير عقال. عالم الميتاشعر. فأمام نصوصها التي تذكرنا بما قاله الكاتب الفرنسي شاتوبريان حول كتابه "أتلا"(1801) (Chateaubriand : Atala)، حينما طُلب منه تعريفه (1): "إنه شكل من أشكال القصيدة، نصفها وصفي والنصف الآخر درامي"[...]ثم يضيف:"إذا استعملت هنا مصطلح القصيدة، فهذا لأنني عاجز عن توضيح فكرتي بطريقة أخرى. فأنا لست من هؤلاء البربريين (البعيدين عن اللغة) الذين لا يفرقون بين ما هو نثري وما هو شعري. إن الشاعر، رغم ما يقال عنه، يظل إنسانا بامتياز". وهو الشيء الذي يفسره الكاتب الفرنسي جيرار ديسون (GÉRARD DESSONS) (2) حينما يقول عن القصيدة بأنها "تهم العلاقة مع الذات. فإذا كانت القصيدة عبارة عن مغامرة لغوية، فهذا يعني أيضا بأن الأمر تعبير عن مغامرة الذات. بمعنى أن الذي يكتب، فإنما يفعل ذلك كي يصبح، من خلال القصيدة، ذلك الذي مازال لم يكن. الأمر الذي يفسر بأن القصيدة تظهر، في كل مرة، في حلة فريدة. ثم يردف قائلا معلقا على ما قاله شاتوبريان(3): "إن التخمين نفسه من خلال التعبير:"شكل من أشكال القصيدة"، يعبر في نفس الوقت عن الخاصية غير الملائمة للأجناس التقليدية – هنا، القصيدة التي يتم مزجها بالشعر- والتي تحول دون تسمية كتابة جديدة، والإحساس بأن مفهوم القصيدة هو الذي ينطبق عليها أحسن، وذلك راجع بالضبط إلى كل ما وظفته من ذاتية على مدى تكونها".
هكذا يتضح لنا بأن حيرة التجنيس، كانت وماتزال بيننا خاصة حينما نجد أنفسنا بين نصوص إبداعية لا تدخل قي خانة جنس معروف. لهذا أمام مثل هذه النصوص، وكما هو الشأن بالنسبة لنصوص الشاعرة سنيا الفرجاني، أجدني أتحدث عن ماوراء الشعر أو الميتاشعر، تماما كما نتحدث عن الطبيعة وعن ماورائها، نتحدث عن طبيعة الشعر الملموس وعن ماورائه. الشعر الملموس أو الفزيائي الذي يعتمد على الأرقام وعلى القياس وعلى التوزيع الصوتي ويصبح هكذا صناعة تقليدية (artisanat)، وبالمقابل هذا الميتاشعر الذي لا نقبض عليه بالأرقام لأنه ليس فيزيائيا. بل بالحدس لأنه حس، أو ربما يدخل في غرائب الفيزياء الكموكية...
الشيء الذي يجعل نصوصها تبدو كطلاسم بالنسبة لبعض المتلقين الذين اعتادوا على "التهام" المعاني المبثوثة عوض "افتراس ثم افتراش اللغة" بما تحمله من صور مدهشة، علما أن هو ذا المفتاح الذي يجعل من نصوصها غنية من كل المناحي مع الانتشاء بسحر اللغة ومغامراتها وقدرتها على الإيحاء وليس على الإدلاء.
لهذا وجب التفاعل بشكل طبيعي مع كتاباتها. لابد من ثقة ببن القارئ وبين نصوصها، لأنها حية وَتنبض. يكفي أن تحس بك اللغة التي تشكلها وتثق في تعبدك لتفتح لك أبواب الانتشاء والمعاني القوية التي تهتم بالإنسان في كينونته...
لهذا كله قمت بالاشتغال على عشر قصائد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل