الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات العراقية الكويتية... قراءة تأريخية

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2023 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


جاء أول ترسيم للحدود بين الكويت والدولة العثمانية عام 1913 بموجب المعاهدة البريطانية -العثمانية لعام 1913 والتي تضمنت اعتراف العثمانيين باستقلال الكويت وترسيم الحدود. وقد نصت المادة السابعة من المعاهدة على أن يبدأ خط إشارات الحدود من مدخل خور الزبير في الشمال ويمر مباشرة إلى جنوب أم قصر وصفوان وجبل سنام حتى وادي الباطن وأن تكون تبعية جزر بوبيان ووربة وفيلكا وقاروه ومسكان للكويت، وبينت المادة السادسة أن تبعية القبائل الداخلة ضمن هذه الحدود ترجع للكويت . وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين احتلت بريطانيا الأراضي العثمانية في العراق. وقد طالب أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح في نيسان عام 1923 بأن تكون حدود الكويت هي ذات التي كانت زمن العثمانيين . وقد رد المندوب السامي بالعراق السير بيرسي كوكس على طلب الكويت باعتراف الحكومة البريطانية بهذه الحدود. وقد سعت بريطانيا بتعمد تصغير ميناء العراق على الخليج لكي لا تهدد أي حكومة عراقية مستقبلية النفوذ والسيطرة البريطانية على الخليج. أعترف رئيس وزراء العراق نوري سعيد بالحدود بين الكويت والعراق عام 1932 .
طالب العراق عام 1939 في عهد الملك غازي بضم الكويت إليه، إلاّ أن بريطانيا الدولة المسؤولة عن حماية الكويت يومذاك لم تسمح بذلك .جدد العراق ثانية في عهد حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس وزراء الجهورية العراقية , مطالبته بضم الكويت إلى العراق بوصفها قضاءا تابعا لمحافظة البصرة ضمن تشكيلات العراق الإدارية زمن الحقبة العثمانية, وذلك عندما أعلنت بريطانيا عن نيتها منح الكويت صفة الدولة المستقلة عام 1961. لم توافق بريطانيا على طلب العراق , كما عارضته بشدة دول الجامعة العربية بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان خصما لدودا للزعيم عبد الكريم قاسم , وقامت هذه الدول بإرسال بعض القطعات العسكرية للدفاع عن الكويت يوجه أي إجتياح عسكري عراقي محتمل , حيث كان العراق قد أرسل بعض قطعاته العسكرية إلى الحدود العراقية الكويتية .
سقطت حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم بإنقلاب عسكري دموي في شباط عام 1963, نفذه حزب البعث العربي الإشتراكي واحزاب التجمع القومي , ومساندة بعض الأوساط الدينية والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الملا مصطفى البرزاني وشركات النفط العاملة في العراق , ودعم مصر جمال عبد الناصر , وتمويل كويتي سخي للإنقلابيين . وينقل عن أحد أبرز قادة الإنقلاب الذي تولى منصب نائب رئيس الوزراء المدعو علي السعدي أمين سر قيادة حزب البعث يومذاك بأننا جئنا للحكم بقطار أمريكي .
إعترفت حكومة الإنقلاب بالكويت عام 1963وأصبحت عضوا في الأمم المتحدة منذ ذلك الحين . ويذكر هنا أن الإتحاد السوفيتي قد وقف حائلا أمام عضوية الكويت بهيئة الأمم المتحدة بإستخدامه حق النقض ( الفيتو ) وكذلك جمهورية يوغوسلافيا , عند إعلان إستقلالها عام 1961 مناصرين بذلك عبد الكريم قاسم بمطلبه بضم الكويت , بينما نالت الكويت عضوية الجامعة العربية خلافا لميثاق الجامعة الذي يستلزم قبول العضو الجديد موافقة جميع أعضاء دول الجامعة , وعدم الإكتراث لمعارضة العراق العضو المؤسس للجامعة بعدم قبولها . بذلت الكويت جهودا كبيرة لترسيم حدودها مع العراق , دون جدوى مع الحكومات العراقية المتعاقبة في ظل أوضاع العراق المضطربة في عقد الستينيات من القرن المنصرم, بسبب كثرة تعرضه لإنقلابات عسكرية كان آخرها إنقلاب السابع عشر من تموز عام 1968 الذي أفضى إلى إستقرار نسبي في العراق لعقد من الزمن .
شهدت العلاقات العراقية الكويتية إستقرارا نسبيا حتى مطلع العام 1990 , بإستثناء هجوم قامت بها القوات العراقية على مركز الصامتة الحدودي التابع للكويت، تبع الهجوم العراقي توغل القوات العراقية لمسافة ثلاثة كيلو مترات داخل الأراضي الكويتية. وكان ذلك في 20 آذار عام 1973 . ويذكر أن الكويت قد سمحت في نيسان من عام 1969 لبعض قطعات الجيش العراقي بالتمركز في بعض الأراضي الكويتية للدفاع عن ميناء أم قصر ضد التهديدات الإيرانية في تلك الفترة، إلا أن العراق لم يقم بسحب قواته بعد زوال هذه التهديدات ممارساً أساليب الضغط المختلفة لاستمرار وجود هذه القوات، وقد مدّ سلاح الهندسة العراقي في عام 1972 طرقا لإمداد القوات العراقية خلف المراكز الحدودية الكويتية، طلبت الكويت بوقف إنشاء الطريق كونه يعتبر تعدي للأراضي الكويتية.
ساندت الكويت العراق في الحرب العراقية الإيرانية التي إستمرت لمدة ثمان سنيين ( 1980 – 1988 ) , تكبد العراق خلالها خسائر مادية فادحة . كان الاقتصاد العراقي في وضع صعب بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية بسبب الديون المترتبة بحقه جراء هذه الحرب التي إستنزفت موارده المالية . مارست الكويت بعض الضغوط لترسيم حدودها مع العراق , ظنا منها أن العراق في وضع مالي سيئ بعد خروجه من حرب ضروس طويلة إحترق فيها الأخضر واليابس , وهو بهذا الوضع بأمس الحاجة لإعادة إعماره , وطلب العون لمساعدته من الدول الأخرى وعدم الدخول معها في منازعات , وهو بهذه الحالة ليس بوسعه سوى تقديم التنازلات لها في بعض القضايا ومنها ترسيم الحدود مع الكويت , لاسيما أنه قد قام بترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية حيث تنازل لهما عن أراضي عراقية واسعة تفوق مساحتها مساحة الكويت برمتها .
لم تفلح الكويت بمسعاها كما فلح الأردنيون والسعوديون , لذا لجأوا إلى ممارسة سياسية الضغط على العراق إقتصاديا , بسيطرتها على بعض أبار النفط العراقية في منطقة الرميلة , وإغراق السوق النفطية بزيادة إنتاجها من النفط وضخه إلى الأسواق العالمية بهدف خفظ أسعاره , خلافا لرغبة العراق الذي يتطلع لرفع أسعاره لحاجنه الماسة إلى الموارد المالية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب , وفوق هذا وذاك مطالبة العراق بتسديد أموال وصفتها بأنها ديون بذمة العراق , بينما يراها العراق أنها منحا مالية لدعم العراق بمجهوده الحربي ضد إيران ليس دفاعا عن العراق فحسب , بل عن عموم منطقة الخليج العربي وفي مقدمتها الكويت المهددة بتصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إليها بحسب العقيدة الإيرانية .
حاول العراق إقناع الكويت الكف عن ممارسة سياسة ليّ الأذرع دون أن يلقى أذنا صاغية , الأمر الذي دفع الرئيس العراقي صدام حسين إلى إرتكاب حماقة لا تعقل في العصر الحديت , فبدلا من إنتهاج سياسة التروي ومعالجة الأمور بالتعقل والحكمة والنفس الطويل , قام بإحتلال الكويت بكاملها في الثاني من آب عام 1990 , وبذلك قد أتاح فرصة ذهبية لا تعوض للولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط في ظروف دولية باتت فيه القطب الوحيد الأعظم الذي يتحكم في العالم في نظام دولي جدييد يتشكل حديثا لم تتضح معالمه بعد .
طلبت الحكومة الكويتية التي إتخذت من المملكة العربية السعودية مقرا لها , المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية إخراج القوات العسكرية العراقية من الكويت , مع تحمل الحكومة الكويتية كامل نفقاتها حيث تملك الحكومة الكويتية مدخرات مالية وإستثمارات كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوربية , فضلا عن أن إحتلال العراق للكويت يمثل تهديدا خطيرا للمصالح الغربية بعامة ومصالح الولايات المتحدة بخاصة , ويخل بموازين القوى في الشرق الأوسط ويهدد مصالح إسرائيل . وبدون الدخول بتفصيلات أكثر , فقد شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الحرب على العراق عام 1991 والتي أفضت إلى أخراج القوات العسكرية العراقية من الكويت ,وعودة الأسرة الكويتية الحاكمة إليها , وإجبار العراق على دفع تعويضات الحرب كاملة حسب ما تقرره الولايات المتحدة الأمريكية .
وما يعنينا هنا تشكيل مجلس الأمن الدولي لجنة لترسيم الحدود بين البلدين وموافقة العراق على الالتزام بقرارات اللجنة. أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم ( 833 ) عام 1993 الذي نص على ترسيم الحدود بين العراق والكويت التي يبلغ طولها ( 216 ) كلم، ورفضته الحكومة العراقية حينذاك. واضطرت بعد ذلك للموافقة عليه عام 1994 بعد ضغوطات من دول عديدة، وأدى ذلك الترسيم إلى استقطاع أراض عراقية من ناحية صفوان وأم قصر فضلا عن تقليص مساحة المياه الإقليمية العراقية , حيث تخنق سواحله على الخليج العربي، وهو أمر حيوي لإقتصاده . لذا فأن الحدود العراقية الكويتية البحرية بحسب الناطق الرسمي لوزارة الخارجية العراقية ما زالت غير مرسمة لغاية الآن .
ولعل من المفيد أن نشير إلى أن مسألة فض النزاعات الحدودية بين الدول من اختصاص محكمة العدل الدولية، فهي الجهة الوحيدة التي بإمكانها أن تفض هذه النزاعات وتكون قراراتها ملزمة للدول المعنية . ولا يصح أبدا فرض ترسيم الحدود من قبل أية جهة كانت من تكون , وإنما يتم ترسيمها عبر التفاوض بين الدول المعنية في ظروف دولية مستقرة دون ضغط أو إكراه , وهذا لم يكن متوفرا في حالة ترسيم الحدود بين العراق والكويت عام 1993 , حيث كان العراق مكبلا بقيود ثقيلة , أبرزها بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة التي ألزمت العراق بالإذعان التام لقرارات مجلس الأمن الدولي . وهذا يدعو إلى إعادة التفاوض بين العراق والكويت لترسيم الحدود بينهما دون ضغوط أو شروط مسبقة لضمان حقوقهما طبقا للقانون الدولي , وليس هناك مانع من وسيط دولي لتسهيل التفاوض فيما بينهما .
وثمة مسألة أخيرة لابد من التطرق إليها , هي هذه الزوبعة المفتعلة الآن عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي حول تفريط العراق ببعض أراضيه لصالح الكويت , وكأنها حدثا جديدا بينما يعرف القاصي والداني أنها من مخلفات غزو الكويت وإحتلاله عام 1991 . وهنا نقول إن كانت هناك أراضي عراقية قد سلبت من العراق , فأن المسؤول الأول عنها صدام حسين بغزوه الكويت وموافته على كل ما ترتب على ذلك , كما أنها ليست المرة الأولى التي يفرط فيها صدام حسين بأراضي عراقية , فقد منح أراضي عراقية بمساحات واسعة تفوق مساحة الكويت لكل من الأردن والمملكة العربية السعودية وكأنها أملاكه الشخصية , كما تنازل عن حقوق العراق في شط العرب لشاه إيران بموجب إتفاقية الجزائر المعقودة بين العراق وإيران عام 1975 , ثم عاد ونقضها عام 1980 مما تسبب بحرب ضروس بين العراق لثمان سنوات , تكبد العراق خلالها خسائر مادية وبشرية هائلة , ليعود بعدها إلى إقرار الإتفاقية ثانية برسالة وجهها شخصيا إلى الرئيس الإيراني يومذاك هاشمي رفسنجاني عام 1990, وموافقته على كل الشروط الإيرانية وكأن حرب الثمان سنوات وتضحيات وخسائر العراق كانت مجرد نزهة لديه .
لذا يحدونا الأمل أن تتغلب لغة الحوار البناء بين الدول وحل المشاكل على وفق مبادئ العدل وأحكام القانون لضمان كل ذي حق حقه , بعيدا عن أشكال الغطرسة والتشنج ليعيش الجميع بأمن وسلام ويتمتع بحياة حرة كريمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24