الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفريقيا وتفكيك النظام العالمي أحادي القطب

فهد المضحكي

2023 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


سرّع الصراع العسكري بين روسيا والغرب - في أوكرانيا - حدوث بعض التغييرات المهمة للغاية في الاقتصاد السياسي الدولي. ففي الوقت الذي دفع فيه الصراع أوروبا - التي تؤدي أعمالها تحت ضغط هائل من الولايات المتحدة- إلى وقف شرائها للنفط والغاز من روسيا، سمح ذلك أيضا لروسيا بتحويل مواردها، المادية وغير المادية، إلى مناطق كانت في السابق على هامش أولوياتها. بعبارة أخرى، بينما اعتقد الغرب أنه قادرًا على «عزل» روسيا عن طريق قطعها عن أوروبا، أدى هذا «الارتداد» إلى دخول كبير ومظفر لروسيا في أماكن مختلفة من العالم. يتجلى هذا بشكل واضح وكبير جدا في أفريقيا، حيث تبرز موسكو اليوم كلاعب كبير. الباحث والمحلل السياسي الباكستاني رافي سلمان شيخ كتب مقالا ترجمته «قاسيون» يذكر فيه، كانت القمة الروسية الأفريقية التي عقدت مؤخرا في موسكو، حدثا ناجحا للغاية، ما يشير إلى الوتيرة الفعلية للتكامل بين روسيا ودول القارة الأفريقية. يشعر الغرب بكل تأكيد بجنون العظمة عندما ينظر إلى ما يحدث، فهو يرى بأن التوسع الروسي في القارة الأفريقية يأتي على حساب نفوذه التقليدي فيها. لكن ما يثير قلق الغرب أكثر من ازدياد بصمة موسكو بشكل متسارع في إفريقيا، هو واقع أن الجغرافيا السياسية التي تحكم هذا التأثير المتزايد، والتي تصب في صالح الشراكة الروسية الإفريقية. يقول رافي شيخ بالنسبة لروسيا «وكذلك بالنسبة لحلفائها، بما في ذلك الصين»، يمكن أن تكون القارة الأفريقية أحد رائدي العالم متعدد الأقطاب الذي تحاول كل من روسيا والصين بناءه للتخلص من الهيمنة الأمريكية أحادية الجانب.

ثمة تقرير صدر العام الماضي 2022 نشرته نيويورك تايمز، هو خير مثال، حيث أشار: «على مدى السنوات القليلة الماضية كان هناك ارتفاع حاد في انتقاد فرنسا من قبل مستعمراتها السابقة في إفريقيا، حيث هناك شعور متجذر لدى شعوب هذه الدول بأن الممارسات الاستعمارية والمواقف التي تسعى للسيطرة لم تنته أبدا». على العكس من ذلك، فروسيا تعرض التجارة بدلا من الهيمنة الاستعمارية التي يحاول البعض إدامتها منذ «فترة ما بعد الاستعمار». بصرف النظر عن كونها أكبر مصدر للأسلحة إلى القارة لسنوات عديدة، فقد زادت موسكو أيضا من صادراتها من النفط إلى أفريقيا، خاصة بعد العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. تشير التقارير إلى أن روسيا أرسلت 214 ألف برميل يوميا من المنتجات البترولية المكررة إلى أفريقيا في شهر ديسمبر 2022، أي ما يقارب من ثلاثة أضعاف الكمية التي كانت تصل من روسيا إلى إفريقيا في شهر ديسمبر 2021. يتجه كم كبير من النفط الروسي إلى دول غرب إفريقيا، مثل غانا، وذلك لأول مرة منذ عام 2018. زادت دول شمال أفريقيا، مثل: المغرب، من مشترياتها من النفط الروسي. كما زادت المغرب من وارداتها من الديزل الروسي، حيث زادت من حوالي 600 ألف برميل لكامل عام 2021، إلى مليوني برميل في يناير 2022. تونس بدورها، وهي التي لم تستورد أية منتجات نفطية من روسيا تقريبا في عام 2022، حصلت على 2,8 مليون برميل في يناير الماضي.

ما يبرز حقًا في هذه المرحلة، أن العديد من الدول الأفريقية تثور ضد تأثير أسيادها الاستعماريين السابقين، وبدلاً من ذلك ترتبط بروسيا. إن أفريقيا كما هو واضح من السياسة الدولية الحالية هي بعيدة عن أن تنضم للولايات المتحدة في محاولتها تشكيل تحالف عالمي ضد روسيا. بل على العكس من ذلك، فأفريقيا تتبع سياسة تخدم مصالحها على أفضل وجه، حيث تستمر في شراء النفط الروسي على الرغم من تهديد العقوبات الأميركية. من الواضح أن هذه لمحة سريعة عما ستبدو عليه السياسة الدولية في بيئة متعددة الأقطاب. من هنا يمكننا أن ندرك، أن دور أفريقيا في خلق عالم متعدد الأقطاب ليس دورا ضئيلا، فهي تلعب دورًا مهمًا فيه من خلال علاقاتها العميقة مع الصين أيضًا. فبالنظر إلى أن مبادرة الحزام والطرق الصينية هي بمثابة تحرك مضاد ضد الخطط الجيوسياسية الأميركية لاحتواء الصين، فليس هناك من أن ينكر أن المشاركة النشطة لأفريقيا هي قاعدة لهزيمة الاحتواء الأمريكي، وتسهيل صعود الصين كقوة عالمية. تعد الصين أكبر مستثمر أجنبي في أفريقيا، حيث بلغت التجارة الثنائية 254 مليار دولار أمريكي في عام 2021، و282 مليار دولار.

نظرًا لكون روسيا هي أكبر مورد للسلاح إلى أفريقيا، ولكون الصين هي المستثمر الأكبر في القارة، فإن أفريقيا مرتبطة جيدًا بـ«القوى التعديلية» العازمة على تفكيك النظام العالمي أحادي القطب الذي يهيمن عليه الأمريكيون. أفريقيا هي واحدة من القارات التي يتم فيها تفكيك نظام العالم القديم بنشاط من خلال التحالف بين القوى الأفريقية المحلية والقوى الخارجية. بالنسبة للعديد من الدول الأفريقية التي بدأت بالفعل بتمزيق رايات مستعمريها السابقين، فالعلاقات مع الصين وروسيا هي إحدى الآليات الحاسمة التي يمكن أن تساعدهم في تجنب عبء الاستعمار الجديد بشكل أكثر فعالية مما كانت عليه الحال حتى الآن. بالنسبة لروسيا والصين، كلما زادت مواقف هذه الدول الأفريقية حزمًا ضد مستعمريها السابقين، كان ذلك أفضل للعالم متعددة الأقطاب الذي يحاولون بناءه.

في يوليو الماضي استضافت مدينة بطرسبيرغ، القمة الروسية-الأفريقية الثانية بحضور 54 من قادة الدول الأفريقية، وكان الهدف من هذه القمة تنويع مجالات التعاون الروسي الأفريقي من خلال تعزيز الشراكة في الغذاء والأمن والتكنولوجيا. يقول الباحث الأثيوبي د. عبدالرحمن أحمد، إن العلاقات الأفريقية الروسية قوية ومتينة، ولاشك أن روسيا قدمت الكثير من الدعم للدول الأفريقية للتحرر من فترة من الاستعمار الغربي الذي وقع عليها في فترة الثلاثينات والخمسينات والستينات. وإن تطور تلك العلاقة، في الآونة الأخيرة، يؤكد الرغبة الأفريقية في التعامل مع الروس، وظهر ذلك في التوجه الأفريقي نحو المعسكر الشرقي، وإن صح التعبير نحو الصين وروسيا. وتأتي أهمية العلاقة الروسية-الأفريقية في المجال الاقتصادي، ورأينا أن روسيا أعفت القارة الأفريقية من ديونها، والتي تقدر بـ20 مليار دولار، وأنها قادرة على مد أفريقيا بالحبوب، كذلك في مجال نقل التكنولوجيا وخاصة تكنولوجيا البنى التحتية، علاوة على التعاون الأمني، ولذلك نرى القمة الثانية «روسيا-أفريقيا» مهمة جدا لدول أفريقيا، وأيضًا بالنسبة لروسيا؛ لأن أفريقيا تعد المتنفس الخارجي لها من العقوبات الدولية. تذهب بعض التحليلات إلى أن العالم يتحول بإرادة واعية نحو التعددية القطبية، وأسفر وهم «عزل روسيا» الذي تعيشه دول الغرب عن التفاف من دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية حول مراكز أخرى من ببنها روسيا والصين، بحثا عن مكان تحت الشمس بعيدا عن الإملاءات والضغوط والعقوبات واوهام التفوق والاستثنائية. في حين يرى الصحافي البرازيلي التقدمي بيبي إسكوباز، ثمة إجماع واسع أنعكس في القمة على أن أفريقيا أصبحت قطبًا للنمو الاقتصادي في الجنوب العالمي، والخبراء الأفارقة يدركون ذلك، إذ أصبحت مؤسسات الدولة أكثر استقرارًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أفريقيا ليست بحاجة لاقطاب بل للتنمية والاستقرار
د. لبيب سلطان ( 2023 / 8 / 5 - 19:22 )
السيد الكاتب
عرف العالم من خلال الحرب الباردة بين القطبين انها كانت ساخنة في دول العالم الثالث وجرت على اراضيها بدء من كوريا وفيتنام وصولا للشرق الاوسط وافريقيا ودمرت ما دمرت وبقيت الدول العظمى جالسة على اعراشها وقامت نظما ديكتاتورية في كل مكان تناصر هذا العرش او ذاك..
ان الفترة التي تلت تعدد الاقطاب وانتهاء الحرب الباردة شهدت نمو النظم الديمقراطية في اغلب دول العالم الثالث وانصرافها للتنمية
محاولة بوتين اعادة سيناريو القطبيات معناه اعادة جعل دول افريقيا ساحة للحروب وهذا كان وراء ارساله فاغنر لدول افريقية ..لنصرة نظمها الديكتاتورية وفي مداه البعيد توجيه عشرات ملايين الافارقة لعبور البحر المتوسط الى اوربا وجعل اليمين القومي العنصري فيها يصعد للحكم وهو مواليا لبوتين في العييدة ومنه يخلق قطبا ويرجع امبراطوريته العتيدة على جماجم الافارقة والشعوب المجاورة مثل اوكرانيا
العالم اليوم يعرف انه دون قطبيات افضل وافريقيا لاتحتاج بوتين بل تحتاج للديمقراطية الاستقرار والتنمية وكذلك نحن . في العالم العربي
تبا لتعدد القطبيات التي تنظرون لها ..فهي تعني جر بلداننا لتكون ساحة جديدة للقتال

اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة