الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أهملت الجزائر خطاب الملك / خطاب المخزن المغربي.

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


استعملنا خطاب الملك كإجراء البروتوكول المتعارف عليه ، في المناسبات المماثلة . واستعملنا خطاب المخزن ، لان الخطاب حرره واخرجه المخزن الذي يحكم ، وليس محمد السادس الذي تكلف بالقراءة لعدة أسباب ، ووضعه داخل نظام المخزن مجرد نقطة في بحر .. فهل الملك المريض ، وحتى قبل ان يمرض ، كان هو من يحرر الخطابات ، ويُضمّنها تصوره للأحداث وللوقائع ، كالحسن الثاني الفاعل والرئيس الفعلي للمخزن ؟ .. فدور محمد السادس قبل المرض ، كان هو مجرد القراءة ، قراءة الخطاب حتى تمر مناسبة القاء الخطاب ، لان قراءة الخطابات ترهقه كثيرا .. ولم يكن هو من كان يحرر الخطابات ويصبغها بعطره الدال على إنجازه ..
لذا نتساءل . ماذا كان يريد المخزن الذي حرر خطاب الملك ، الذي اكتفى بقراءته ، من الجزائر حتى ترجاها وأكرر ترجاها ، بالدعوة لفتح الحدود المغلقة منذ سنة 1994 ، وإعادة العلاقات بين النظامين المخزني البوليسي ، والعسكري الجزائري الى سابق عهدها ، وهي علاقات لم تكن ابدا جدية منذ استقلال الجزائر في سنة 1962 ، وكان يتخللها ، وينتابها النفاق والمراوحة ، لتمر مناسبة من المناسبات مرور الكرام كسابقاتها ، فاندلاع حرب 1963 سنة بعد الاستقلال لم يكن طبيعيا . فهل الملك محمد السادس المريض ، هو من استشعر درجة الخطر والخطورة التي تنتظر المنطقة وتهددها ، ام ان من استشعر بالخطر المحدق ، وبالخطورة التي تحوم ، هو المخزن ، وليس الملك الخارج عن اية تغطية في الدولة ، وهي الحالة التي برهنت عليها قضية " ابوزعيتر " ، وتشدّد البوليس السياسي ضدهم ، لانهم سرقوا الملك ، فاستحوذوا على نظام الحكم بمباركة الملك شخصيا ، وعندما مرض المرض الخطير ، والكل يتذكر حالته ووضعه الصحي في فرنسا اثناء حضور الذكرى المئوية لنهاية الحرب الكونية الثانية .. فالملك محمد السادس يحكم كحاكم شكلي ، واصبح ومنذ زمان ، رهينة بيد المخزن الذي يحكم البلد باسم الملك الغائب عن الحكم الفعلي ، الذي يمارسه من حرر خطاب الملك الأخير ، حين حشر فيه المحاور التي تخدم مصالحه ، طبعا باسم خدمة مصالح الملك التي تتعارض مع مصالح المسيطرين الحقيقيين على دار المخزن ، التي تغولت زمن الملك المريض اكثر من اللازم والمعقول .. لذا لا نؤاخذ الملك على الخطاب وعلى ما جاء فيه ، لأنه وكالمعتاد اكتفى بالقراءة فقط ، وليس بفرض وطرح اصل الخطاب كما كان الحال زمن الحسن الثاني ..
اذن . ماذا كان يريد المخزن من وراء مضامين الخطاب ، وكان ينظر اليه من خلال المحاور الأساسية للخطاب .. ؟
بالرجوع الى اصل الخطاب ، ونظرا لطبيعة الخطورة المحدقة بالمنطقة ، وللأخطار التي تنتظرها ، وهي اخطار ترمز الى التشدد والى العنف المسيطر حتى على نوع الخطابات ، التي تلقى من قبل المسؤولين بالدولتين العسكرية والمخزنية ، فان اصل ومحور الخطاب المخزني الى عسكر الجزائر ، كان عنوانه التهدئة وضبط التصرف ، والنفس ، والتصرفات المختلفة ، حتى لا تزيغ عن جادة الصواب ، وتدخل المنطقة كلها في نظام اللاّأمن واللاّإستقرار ، مما قد يسبب في هزات أنظمة او هزات طبقات اجتماعية عند توافر عوامل وشروط غير مستساغة .
فهل الدعوة الى فتح صفحة جديدة بالمنطقة ، واغلاق ملف الخلافات والاختلافات بين النظامين ، التي تؤثر على وحدة الشعبين الجزائري والمغربي ، ووحدة شعوب المنطقة ، التي تهدد عرش الأنظمة الحاكمة ، خاصة اذا جرف السيل الجميع ، فان خطاب دار المخزن الذي القاء محمد السادس ، كان استشعارا بتهديد مصالح طبقات اجتماعية ، وبالتالي مساس التهديد بالأصل ، وليس فقط بالحواشي وبالضفاف . أي إمّا ان نكون او لا نكون ، لان الصراع استراتيجي ، وليس بثانوي يمس بعض المطالب التي قد تُحلّ بالتفاوض وبالوساطات ، فالأصل يتعلق بالوجود أولا ، قبل ترسيم الحدود . لان من يحسم صراع الوجود ، أكيد سينتصر في حرب الحدود ..
فهل كان حقا خطاب المخزن عاكسا لحقيقة دعوة الصلح ، خاصة عندما ركز الخطاب على تقديم وعْدٍ بِعدم الاضرار بالجزائر وبنظامها . ؟
ان الاتجاه العام الذي عكسته المواقع الاجتماعية المغربية ( المعارضة ) للنظام المخزني والبوليسي ، أجمعت على ان اصل الخطاب ، هو الخوف من ( الهزيمة ههه ) ، ويؤكدون على حتمية الهزيمة ، عندما يقارنوا ، ومن دون مراجع علمية ، بين النظامين المتعارضين العسكري الجزائري ، والمخزني البوليسي العلوي ، ويجمعون على ان النظام المخزني ، يخشى وبدرجة كبيرة الجيش الجزائري الأكثر قوة ، والأكثر تسليحا ، والذي هو على اتم الاستعداد لتحرير الجزائر الشرقية ( شرق المغرب ) لتحرير مدينة وجدة الجزائرية .. فهذا الخوف الواضح في نظرهم ، هو ما حدا بالمخزن محرر الخطاب الملكي ، التشبث بالواقعية ، وبحقيقة الأوضاع بالمنطقة . لان الجيش الجزائري كما يتبنّون ، وكما يفسرون ، قوة لا تقهر ، وهو من سيفرض ذاته في الساحة ، اذا نشبت هناك حرب ، رغم انها مستبعدة كحرب مباشرة بين الجيشين ، لأنها ليست في صالح احد .. لكن عندما يقارنوا من حيث القوة ، والتدريب ، والتسلح ، بين الجيش الجزائري ، والجيش المغربي ، يتحاملون على الجيش المغربي ، فقط لأنه جيش السلطان ، ويناصرون الجيش الجزائري ، فقط لأنه جيش ( الشعب ) ، وليس بجيش العسكر ، أي جنرالات الجيش ، هنا يكون التخندق السياسي هو سيد الميدان ، وتكون الارتسامات كلها خادعة ، لان الانتصار للجيش الجزائري على حساب الجيش المغربي ، غير مبني على معطيات اكيدة ، وانما يقف وراءه الاصطفاف السياسي لا غير . لذا فعند تركيزهم عند المقارنة بين الجيشين على عدد وعناوين التدريبات / المناورات التي يجريها جيش احدى الدول ، وهي مناورة الدولة وليس فقط جيشها ، فما يغيب عن هؤلاء ، ان قوة الجيش المغربي وبخلاف الجيش الجزائري ، هي قوة غير معروفة ، وتثير الالغاز ، و وتثيرحتى الشكوك التي تتغير ، كل مرة حصل جديد في ساحة الارض العسكرية للجيشين. فقوة الجيش الجزائري التي يتفاخرون بها ، تكون قد تعرت من خلال المناورات المنظمة ، في حين يحيط الغموض واللغز بقوة الجيش المغربي ، لأنه لا يؤمن بالمناورات عند تحديد او معرفة قوة الجيوش ، ومنه قوة النظام وقوة الدولة .. ان الاعتماد في تحديد قوة جيش من الجيوش ، لا يكون بالمناورات التي تنظم ، بل يكون بالنجاح في العمليات التي تقام بمناسبات مختلفة . فروسيا التي تنظم المناورات باستمرار ، غرقت في المستنقع الاوكراني ، واستعصى عليها دخول Kiev ، التي أصبحت Staline grade الروسية لألمانيا النازية . وهل دول الغرب ، وبما فيها الولايات المتحدة ، هي ضعيفة وجيوشها اكثر، لأنها لا تعول على المناورات في تقوية الجيوش ، وتقوية الدول ، مقارنة مع روسيا الاتحادية ، وحتى مع الصين .. وهل كوريا الجنوبية اضعف من كوريا الشمالية ، لأنها لا تهتم بمناورات الجيوش كاستراتيجية ..
والخلاصة التي وصلتها منابر ( المعارضة ) المغربية ، ومواقع التواصل الاجتماعية ، هي نفس الخلاصة والنتيجة وصلها الاعلام الجزائري برئاسة الجنرال " شنقريحة " ، والمواقع الجزائرية التي تنفخ في الجيش الجزائري .. و الدليل على النفخ في قوة الجيش الجزائري الذي ( لا يقهر ) ، ان المناورات الأخيرة التي نظمها الجيش الجزائري ، تم ترقيتها سياسيا الى مناورة الدولة الجزائرية ، وليس فقط الجيش الجزائري ، وطبعا سيكون من اضفى طابع الدولة الجزائرية على المناورة ، الحضور الشخصي للرئيس عبدالمجيد تبون هذه المناورة ، التي تم التعويل عليها كثيرا ، لتخويف وإرهاب الجيش المغربي ، ومنه تخويف الدولة المغربية ، من خلال الرسالة التي وجهوها شخصيا الى الملك محمد السادس ، رئيس اركان الحرب العامة ، وقائد الجيش ، وملك المغرب .. طبعا المناورة التي حضرها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ، اعطوها من الاوصاف اكثر من حقيقتها ، واكثر مما تستحق ، والتي يكون النظام المخزني يعيها ، ويعرف اصلها وحجمها ، وما تمثله من قوة بسبب النفخ ، والضعف ، بسبب الواقع الناطق بما فيه .. لذلك رغم الحضور الشخصي للرئيس تبون ، لإعطاء المناورة عنوان الدولة الجزائرية ، بما فيها ( الشعب ) ، فالنظام المغربي الذي يعرف حجم قوته التي يجهلها الطرف الاخر ، لزم الصمت ، بل انه تصرف وكأن لا شيء جرى قرب حدوده .. أي انه غير مبالي ، و غير متخوف ، ولا خائف ، وهنا فسكان مكة ادرى بشعابها .. لان حرب وقوة الجيش ، هي خدعة ومخططات ، وليست فنطازيا Une fantaisie .. وكما يقولون " عند الامتحان يعز المرء او يهان " .. ابعد الله عنّا وعنكم شبح الحرب ..
انّ رسالة الطبقة السياسية والاجتماعية الجزائرية كانت واضحة ، لأنها كانت تهديدا موجها لإسرائيل اكثر من النظام المغربي ، والصمت الذي لزمه النظام المخزني المغربي ، وعدم الانفعال والرد بالتصريحات التي قد تكون عنترية ، كان رسالة واضحة ، من جهة انه لا يعنيه ما يجري في الداخل الجزائري ، حتى ولو مناورات بالقرب من الحدود ، وحضرها او سيحضرها الرئيس الجزائري ، ومن جهة فرد النظام المغربي بعدم الانفعال كما يفعل ساسة الجزائر ، كان نوعا من الحكمة والرزانة ، التي اثبتها الجيش المغربي من مناورات الدولة الجزائرية ، ومن جهة ، اثبت النظام المغربي من موقفه هذا ، ان المغرب ليس من دعاة الحرب .. فماذا تغير في الساحة بعد انهاء الدولة الجزائرية لمناورتها التي لم تكن تخيف النظام المخزني ، ولا اخافت الشعب ، الواثق كل الثقة ، باستحالة مغامرة جزائرية فوق التراب المغربي .. لأنها ستكون دعوة الى المجهول ، والقادة في الجزائر واعون به ، وبمخلفاته التي ستكون وبالاً على الجميع ، وبالطبع ستفيد أحفاد Sykes – Picot الجدد ، الذين ينتظرون ان تنشب الحرب ، كمدخل للتدمير العام لكل المنطقة ..
فالاعتقاد بخوف المخزن الذي حرر الخطاب ، الذي قرأه والقاء الملك ، بقوة الجيش الجزائري ، مردود عليها للأسباب التي سقنا أعلاه . واعتقد ان اية مقارنة ، كان يجب ان تنصب مثلا على الجانب الاقتصادي والاجتماعي والعلمي . اما التركيز على الجيش لرسم نهاية معركة او حرب ، فيدل على انعدام النضج ، وافتقار المقارنة الى الوسائل التي تبقى مبهمة عند البعض ، ومفروشة عند البعض الاخر . وان من يشجع على الحرب ، وفي هذا الزمن الذي نعيشه ، هو شخص غير مسؤول ، وغير ناضج ، ولا يؤخذ به ولا بمقارناته .. مرفوع عنه القلم .
لقد دعا المخزن في الخطاب الذي أعطاه للملك لقراءته ، الجزائر الى فتح الحدود ، وطيّ الصفحة القديمة ، وبفتح صفحة جديدة تكون خيرا للجميع ، وللمنطقة برمتها ، خاصة وانها منطقة تحظى بالاهتمام ، لأنها سوق أساسي لتصريف الخيرات ، وتمتلك ثروات الغنى المختلفة ، التي تحدث القفزة النوعية انْ تم استغلالها الاستغلال الوطني الشعبي ، ولم تستعمل في النهب والسرقات ، وفي تهريب ثروة الشعوب الى الابناك الاوربية ، والى الملاذات الآمنة .
فهل بهذه السهولة في دعوة حكام الجزائر بفتح الحدود ، ستستجيب الجزائر ، وبسرعة غير متوقعة ، ستفتح الحدود نحو الاحسن مما كان قبل اغلاقها في سنة 1994 من طرف النظام الجزائري ، الذي لم يعجبه فرض النظام المخزني المغربي ، ، لتأشيرات الحدود ، على الجزائريين المجنسين فرنسيين ، بعد عملية فندق أسني الارهابية ؟
وهل التزام المخزن من خلال خطاب الملك ، بعدم الاضرار بالجزائر ، وانّ أيّ ضرر لن يكون هو سببه ، او منطلقا من أراضيه ، او منطلقا من أراضي أخرى غير مغربية ، كاف ليغير النظام الجزائري خططه ، وبسهولة سيثق في الوعود ، وفي التعهدات التي تبقى غير جدية ، ما دام ان المخزن وردا للتصرف بالمثل ، دعا الى نصرة " الماك " و " الرشاد " ، ودعا الى الاستفتاء وتقرير المصير لميلاد الجمهورية القبائلية ... فكيف والحال هكذا اكثر من متوتر ، سيثق النظام الجزائري في المعسول المخزني ، خاصة وهم يرددون ، ان في كل مرة يدعو فيها المخزن العلوي الى السلام ، والى إعادة الحياة بالحدود الى طبيعتها الأولى ، سينتظرون ضربة من ضربات المخزن في جهة جزائرية ما .. فحتى النيران التي ذبت في الغابات الجزائرية ، رمز فيها الى مسؤولية النظام المخزني عنها ، من دون تقديم الدليل الساطع الذي وحده يقر او ينفي مسؤولية النظام المغربي من وراء النيران التي اشتعلت ..
ان الصراع الجاري بالمنطقة ، هو بين النظام المخزني المغربي ، وبين نظام العسكر الجزائري ، وهو صراع استراتيجي ليس وليد اليوم ، فهو يعود الى السنة الأولى عن استقلال الجزائر في سنة 1962 ، لتنشب حرب الرمال في شنة 1963 . وهي حرب انتصر فيها النظام الجزائري ، لان الأرض التي قامت من اجلها الحرب ظلت جزائرية ، واعترف بها النظام المخزني عند توقيع اتفاقية الحدود مع النظام الجزائري ( 1971 ) ، واعترفت بجزائريتها الدولة العلوية ، وليس فقط النظام الذي وقع معاهدة الحدود ، عندما صادق البرلمان المغربي على اتفاقية الحدود التي تعترف بجزائرية الصحراء الشرقية في 1994 ، واعترف بها الملك محمد السادس في يناير 2017 ، عندما اعترف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار ، وطبعا اعتراف محمد السادس بجزائرية الصحراء الشرقية ، ونشر اعترافه بالجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد : 6539 ..
فالجزائر كبّلت النظام المغربي بهذه الاعترافات ، التي توجد نسخ منها بالأمانة العامة للامم المتحدة .. ومن ثم فهي لا تناقش قضية الصحراء الشرقية التي أصبحت جزائرية ، لكنها تناقش ازمة الصحراء الغربية ، حتى لا يظفر بها النظام المغربي الذي سيعوض خسارته للصحراء الشرقية . وما شجع النظام الجزائري على التمادي في تصلبه من ازمة الصحراء الغربية ، كونها قضية لم تبق محصورة فقط بين النظامين الجزائري العسكري ، والمخزني المغربي ، بل أصبحت قضية دولية انتصر فيها النظام الجزائري في حربه على النظام المغربي ، حين بدأ مجلس الامن وبالتسلسل ، يصدر القرارات كل سنة في شأن نزاع الصحراء الغربية ، وحين ارتقت هذه القرارات من الحل القانوني والتركيز على الحل السياسي ، وأصبحت القرارات تنصص على حل الاستفتاء وتقرير المصير . وهو حل يعتبرونه ديمقراطيا ، انتصرت له كل جموع العالم ، خاصة الدول الغنية والوازنة ، كالاتحاد الأوربي الذي يرفض حل الحكم الذاتي ، فأحرى ان يعترف بمغربية الصحراء ، وهو الموقف الذي دعا له البرلمان الأوربي وركز عليه كثيرا ، وهو الموقف رفعت رايته عاليا كتابة الدولة في الخارجية الامريكية ، عندما دعت الى تبني الحل الاممي ، والانتصار الى المشروعية الدولية ، والالتزام بالقرارات التي أصدرها مجلس الامن منذ سنة 1975 ، والقرارات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ، خاصة قرارها الشهير 1514 / السنة 1960 .
فكيف سيتنازل النظام الجزائري للنظام المغربي عن قضية الصحراء الغربية ، ودولتها التي اعترف بها النظام المغربي ، هي عضو كامل العضوية ، وقبل عضوية النظام المغربي ، بسنين بالاتحاد الافريقي ..
فخطاب المخزن الذي قرأه الملك دون معرفة فحواه ومراميه ، يحاول من خلال دعوته للنظام الجزائري بطي صفحة الماضي ، وفتح صفحات جديدة ، وفتح الحدود ، يريد ان يكسر الموقف الدولي المناهض لأطروحة مغربية الصحراء ، من خلال مدخل الجزائر العصي عن المحاولات الغير جدية . فإذا سحب النظام الجزائري دعمه لقضية الصحراء ، سيصبح التعامل مع القضية دوليا ، في منهى البساطة والسهولة ، فينجح المخزن البوليسي من جهة ، في دفع الجزائر لفتح الحدود ، وستكون هي الخاسرة في عملية إعادة الحدود ، والنظام المخزني هو وحده المستفيد .. ويكون تخلي الجزائر عن موقف دعم الجمهورية الصحراوية ، المدخل الكبير من الباب الكبير ، لمعالجة القضية الصحراوية بما ينتهي بها الى العدم دوليا ..
فهل نظام الجزائر مغفل الى هذا الحد الذي سيجعل من أي حل للمعضلة الصحراوية ، سببا في القضاء عليه جزائريا ، وعربيا ، ودوليا ، والجزائر اليوم وبفعل ازمة الغاز والطاقة تكون قد استرجعت موقعها ، ومواقفها في الساحة الدولية كما كانت في سبعينات القرن الماضي ، وحتى النصف الأول من ثمانينات نفس القرن .. فهل يجهل المخزن المغربي ، ان الحرب التي دارت لأزيد من ستة عشر سنة من 1975 الى 1991 ، واستأنفت منذ 13 نونبر 2020 ، انها كانت وستظل حرب وجود ، قبل ان تكون حرب حدود ..
وحتى اذا كان النظام الجزائري مغفلا بليدا ، وانطلت عليه خدعة المخزن البوليسي المغربي ، فالقضية الصحراوية لم تبق كأولها وبدايتها صراعا بين النظامين المخزني البوليسي ، والنظام العسكري الجزائري . ان قضية الصحراء الغربية أصبحت قضية اممية ، بيد مجلس الامن ، وبيد الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وتناصرها كقضية غير محسوم فيها ، الدول الوازنة كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي .. فالجمهورية الصحراوية هي عضو بالاتحاد الافريقي الذي اسسته ، وساهمت في تحرير قانونه الأساسي . والاتحاد الأوربي من خلال مواقفه الصلبة التي تعني الحياد ، ويدعو الى تبني القرارات الأممية ، و يرى ان وحده الاستفتاء وتقرير المصير المشار اليهما في قرارات مجلس الامن ، والجمعية العامة ( مجموعة 24 التابعة للأمم المتحدة ) ، سيحدد جنسية الصحراء الغربية .. وهو التبرير الذي استندت عليه محكمة العدل الاوربية في قراراتها الابتدائية ، وفي قراراتها الاستئنافية .. وهي القرارات التي دفعت بالاتحاد الأوربي الى الغاء اتفاقية الصيد البحري مع النظام المغربي ، بالنسبة لثروات الصحراء الغربية المتنازع عليها ..
فباي حق تستطيع الجزائر ، التي تطالب باعتماد مرجعية الأمم المتحدة ضدها ، أن تصبح وتتحول ضد هذه المرجعيات ، التي أصبحت من المسلمات التي يقترب وقتها بكثير .. ؟
لذا فالموقف من نزاع الصحراء الغربية ، اصبح امميا ، واصبح اوربيا ( الاتحاد الأوربي ) ، وافريقيا ( الاتحاد الافريقي ) ، وحتى عربيا عندما اعترفت موريتانية التي آل اليها نصيب وادي الذهب بالقسمة التي حددها اتفاق مدريد لسنة 1975 ، تعترف بالجمهورية الصحراوية ، وسورية ، و تونس السائرة على الخط الموريتاني ، ثم موقف مصر المتضرع بالحياد ، والحياد هنا يعني نصرة قرارات الأمم المتحدة ، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ..والالتزام بالأحكام القضائية ، سواء الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975 ، او الاحكام التي صدرت من قبل محكمة العدل الاوربية عبر مسافات متباعدة ، ابطلت الاتفاقيات المبرمة بين النظام المخزني ، وبين الاتحاد الأوربي ، الذي الغى اتفاق الصيد البحري الذي يخص ثروات المناطق المتنازع عليها ، والغير معترف بمغربيتها ..
ان اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء ، يبقى موقفا لدولة عضو بالأمم المتحدة ، لكن إسرائيل ليست عضوا بالاتحاد الأوربي الذي تعتبر دوله من الحلفاء الاستراتيجيين ، ونفس الشيء بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية التي رمت باعتراف Trump عرض الحائط ، ودعت الى الالتزام بالأمم المتحدة ، وبالمشروعية الدولية ، ودعت الى الالتزام بالتعاون ومن دون شروط مسبقة ، مع الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة Stefan de Mistura ..
واذا كان خطاب المخزن الذي القاه الملك ،متعارضا مع الحقيقة الفاقعة للعين ، فسيكون غبيا وهو كذلك ، اذا اعتقد وتصور استمالة النظام الجزائري لمواقف ستجعل منه هو أولا ، ضد الأمم المتحدة ، وضد الاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، وبقية دول المعمور في العالم .. فهل النظام الجزائري بليد ليغامر في شيء لم يعد له ، واصبح دوليا ، بيد الامم المتحدة الأكبر من النظام العسكري الجزائري ، والنظام المخزني البوليسي المغربي .. لذا فان النظام الجزائري ، سيعتبر خطاب المخزن الذي يظن انه خطاب الملك ، خطابا ناريا ، وحتى خطابا انتحاريا ، لان المراهنة على الجزائر للوقوف في وجه الأمم المتحدة ، هو رهان فاشل .. ورهان ( تقْميرة / قمار ) .. لكن النظام العسكري الجزائري الذي يدقق الحسابات ، لن يقامر بموقف ليس له وليس من عنده . لان قضية نزاع الصحراء هو اممي ، وليس جزائري كما يعتقد المخزن الذي ابان خطابه الأخير حصلته ، وارتباكه ، لأنه شعر واحس بسرعة الوقت في غير صالحه ، واقترابه من الحل المنتظر في اقل من سنتين ، وهو حل تيمور الشرقية كحل ديمقراطي تنظمه وتشرف عليه الأمم المتحدة . وطبعا فالجميع يدعي التزامه بالحياد في النزاع ، وان نتيجة الاستفتاء هي من سيحدد جنسية الإقليم المتنازع عليه .. وليس النظام الجزائري او نظام اثيوبيا ... فأمام هذه الحقيقة ، ولو أراد النظام العسكري الجزائري التآمر على قضية الصحراء ، استجابة للدعوة المخزن المغربي ، سيصبح النظام الجزائري واقفا لوحده في واد ، والمجتمع الدولي واقفا في واد آخر .. فماذا سيقول النظام الجزائري للاتحاد الافريقي ، وللاتحاد الأوربي ، ولمجلس الامن ، وللجمعية العامة للأمم المتحدة ؟
وقبل ان انهي هذا التحليل ، أود التذكير بموقف النظام الجزائري من دعوة مماثلة للمخزن المغربي ، قرئها الملك محمد السادس بمناسبة مماثلة ، حين اشترط حكام الجزائر لفتح الحدود ، توقف ( النظام المخزني عن تصدير الممنوعات الى الجزائر لتخريب الشباب الجزائري ) . فهل حقا ان النظام المغربي بلغ من البلادة قمتها ، لتصدير الممنوعات الى الجزائر ؟ . كلام وفي غياب الاذلة يبقى كلاما غير مسؤول ، ومردود عليه ، لأنه لا يجب الخلط بين التهريب الذي تلجأ اليه المافيا المحلية والدولية ، وبين السرعة في توجيه الاتهام بسبب قناعات سياسية الى دولة ،من دون أسباب واذلة موثوقة . . ..
الجزائر ربحت الحرب بعد ان ربحت كل معاركها .. حين أصبحت القضية الصحراوية قضية اممية ، من اختصاص الأمم المتحدة ( مجلس الامن ، والجمعية العامة ) ، ومن اختصاص الاتحاد الأوربي والبرلمان الأوربي ، والولايات المتحدة الامريكية ، وروسيا ، والصين الأعضاء الدائمين بمجلس الامن . دون ان ننسى الموقف الفرنسي الذي تغير بدرجة 160 ، لصالح الاستفتاء وتقرير المصير ..
المغرب مقبل على شيء ... ما هو ... ماذا .. الأوضاع وصلت الى نقطة اللاّعودة ، والى درجة من الخطورة .. والمخزن لا زال يغمض اعينه عن الحقائق التي تربكه وتفزعه ، ويتعامل معها مخزنيا ، في حين ان التعامل وفي مثل هكذا أوضاع ، يكون بالديمقراطية ديمقراطيا ، الديمقراطية الكونية ، وليس الديمقراطية المخزنية ، لأنه لا يوجد شيء يسمى بالديمقراطية المخزنية .. لأنه هو بدوره خائف ويخشى القادم الذي لن يكون الاّ مدمرا .. ستندلع انتفاضات فجأة ، ولن تكون مؤطرة من احد .. لكن ستتأطر حين يطول شكل الصراع ، لينتهي الى الحل الغير منتظر .. أي الغير معروف الاطار القانوني والسياسي .. والجيش وبخلاف الانتفاضات السابقة 1965 ، 1981 ، 1984 ، 1990 ، 20 فبراير .... لن يستطيع اطلاق رصاصة واحدة على متظاهرين سيكونون بالألاف ، يطالبون بالحقوق ، بالديمقراطية وحقوق الانسان .
ان الأوضاع الدولية تغيرت التغيير الجذري ، وفرنسا الصديق ، لم تعد صديقا ، وأصبحت عدوا ، تشتغل على أي شيء يضعف النظام المخزني البوليسي ، وحتى تغييره ، وهي سياسة الاوربيين اجمعين ، وسياسة الروس والصين ، والافارقة المجتمعين والمتضامنين في اطار الاتحاد الافريقي .
ان اطلاق الرصاص والشروع في قتل الرعايا المنتفضين ، سيحرك حالا المجتمع الدولي ، والمنظمات الدولية لحقوق الانسان ، والاتحادات ، كالاتحاد الأوربي ، والولايات المتحدة الامريكية ، مجلس الامن .. والمحكمة الجنائية الدولية ...
ومن غير المستبعد اذا طال الصراع وسيطول ، وغرق الجيش في دم الشعب المنتفض ، انتظار تدخل دولي ، سيلقي دعما ومناصرة من قبل المنتفضين ، وسينتهي الحراك ، ببقاء الدولة ، لكن دولة جديدة ليست مخزنية ، يعني دولة ديمقراطية ، وشكل هذه الدولة ستحدده الجماهير ومدى قوة الانتفاضة ، التي سيساهم في التعريف بها وحمايتها المجتمع الدولي ، الذي سيرفض ان تكون النهاية اسلاموية ..
الخلاصة . ان قضية الصحراء هي قضية الأمم المتحدة ، مجلس الامن والجمعية العامة ، وقضية الاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، والمجتمع الدولي .. ولم تعد قضية نظام جزائري في مواجهة نظام مغربي .. ولنفرض جدلا ان النظام الجزائري ، وتحت دعوات النظام المغربي ، قرر الاستجابة لطلبات النظام المغربي .. كيف سيتصرف النظام الجزائري ، امام هذه المنظمات والهيئات التي تتظاهر بالحياد ، وتدعو الى الحل الديمقراطي ،وتحت اشراف الأمم المتحدة ، والمجتمع الدولي .. فالنظام الجزائري سيجد نفسه في مواجهة المجتمع الدولي المالك الحقيقي لمكانزمات فض النزاع القائم منذ سنة 1975 .. . وسيصبح النظام الجزائري والنظام المغربي في اتجاه ، والمنتظم الدولي في آخر .. وهنا ولنفرض جدلا ان إسرائيل الدولة ستقف الى جانب النظام المغربي والنظام الجزائري .. فهل سيكون هذا بداية تطبيع جزائري إسرائيلي ، يكون نزاع الصحراء الغربية قد ساهم فيه بشكل كبير ، ام ان المساندة الإسرائيلية ستقتصر على النظام المغربي ، دون النظام الجزائري الذي سيجد نفسه حرجا ، اذا تعامل مع الدولة الإسرائيلية ؟
طرق الباب الجزائري ، كان سيعطي نتيجته لو انه حصل في سبعينات القرن الماضي ، أي كما تم اقتسام الصحراء بمعيار الغنيمة ، بين النظام الموريتاني والنظام المخزني ، كان تسليم جزء من قطعة الحلوى ، الى النظام الجزائري ليصل مياه المحيط الأطلسي ، مستساغا ومقبولا .. لكن الآن وبعد تدويل الصراع ، وتدخل الأمم المتحدة ، والاتحادات القارية ، اصبح مشكل الصحراء امميا ، من اختصاص مجلس الامن ، ومن اختصاص الجمعية العامة .. فكيف سينقلب النظام الجزائري على الأمم المتحدة ، وعلى الاتحادات القارية ، الاتحاد الافريقي والاتحاد الأوربي ، لإزالة المشروعية عن النزاع الذي دعا اطرافه اجمعين الى الحل الاممي ..
حل نزاع الصحراء الذي يجري امميا ، سيتسبب في تغيير جغرافية المنطقة ، وفي تغيير أنظمة معزولة ، وخلق دويلات جديدة ، وشعوبا جديدة .. سننتظر جواز سفر صحراوي ، وجواز سفر ريفي ... وهكذا ...
فمن المسؤول عن هذا الإفلاس ؟ يجب تقديم الحساب ، وتحريك القضاء في أي اطار ، من محاكمة الذين تسببوا في هذه الخسارة التي ستكون ضربة قوية لوحدة الجغرافية ، ولوحدة شعوب المنطقة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة