الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


براعة السرد في ( طائر التلاشي )

عقيل الواجدي

2023 / 8 / 5
الادب والفن


للقاص محمد رشيد الشمسي
لم تكن القراءة لي في يوم ما الّا حالة اكتشاف مضافٍ للذاتِ قبل ان تكون اكتشافا لنتاجِ الكاتب ، هو يقينٌ آخر في أن أمضي متحديا حالة الركود التي تعتريني حينما لا اجدُ من يستفز فكري بمغاير أختلف معه أو اتفق ، العقول التي تنتج المغايرَ هي العقول التي يمكن لها ان تستنير من أقل قبس لتضيء عالما ماكنا لندركه لولا تقنية الابداع التي تمتلكها تلك العقول ، العقول المفكرة غير الرتيبة ، العقول التي تحلق بك الى فضاءاتٍ تستلزم منك ان تكون جديرا بهذا التحليق ، من لا جناحين له لاشك لن يبلغ غايته ولن يدرك حقيقة ما خُفي عنه ، وأحد هذين الجناحين أن تمنح الكاتبَ من الاهتمام بما يوازي الجهد الذي بذله من خلال القراءة المتأنية الناتجة عن يقين أنَّ لا شيء يُكتب ُعبثا خاصة حينما تكون للكاتب تجارب كتابية إبداعية جيدة تؤهله في انْ يحظى برتبة الكاتب في عالم يعج بالكثير الكثير مما يحتاج انْ نتوقف عنده ونؤشر بشجاعة الى من لا يرتقي الى مستوى الابداع بداعِ التفريق حتى لا يتوهم البعض انهم في مرتبة سامية . اما الجناح الآخر فهو في انْ تكون على مستوى عال من الحيادية تجاه شخص الكاتب الذي وللأسف يكاد يكون احد العقبات التي يقف عندها الكثير من النقاد حينما يصبح النقد مُشخصنا فتجد المواقف الشخصية حاضرة عنده غير ملتفت ( الّا لمن قال لا ما قال ) .
طائر التلاشي : رواية صادرة عن دار ليسزتومانيا 2023 للكاتب محمد رشيد الشمسي .
الكتابة عالم رحب على ضيقه وضيّق على اتساعه ينشر لك من الدروب ما انْ امتلكتَ خيالا جامحا وتضيق بك المسالك حين تُعييك الفكرة . لذا لن يبلغَ نهاية المضمار الّا من قويت ارادته واستجابت له مَلَكته من ترويضٍ للفكرة وانصياعٍ للمفردة .
طائر التلاشي ، الرمزية المتفتقةُ عن استنتاجات يمكن للقاريء انْ يصل بها الى حيث يريد ، رمزية بلا غموض وتجلٍ دون تسطيح ، هو العمق الذي يأسر انتباهك فيشدك نحو التقصي دون تكلف ، هي رمزية المعنى لا رمزية الشخوص بمسمياتها الغريبة والتي اجدها – الأسماء – الى حد كبير منسجمة مع الموضوع الذي تخلى عن تاريخيته ليكون بلا دلالة زمن محدد ، فهو الماضي المتوقع الحدوث في ذات الوقت .
اعتمد الكاتب على ثيمة توزعت بهيأة رسائل أراد ايصالها عبر موضوع استطاع انْ يجمع خيوطه بطريقة ذكية دون انْ تنفلت من يديه بانتقالاتٍ توزعت عبر فصولها الستة .
توخالو ، الطائر الذي اعتمدته مخيلة الكاتب ليكون محور روايته متناولا من خلالة عدة حالات ( مشاكل ) يمكن اسقاطها على أي زمن ، ممكنة الحدوث رغم غرائبيتها ، هو القوتُ الذي اعتمد عليه سكان الجزيرة التي اتخذت من اسم الطائر اسما لها ، توفر الطائر ألغى رغبة سكان الجزيرة في البحث عن بديل لها ، الاعتقاد بعدمية نفاده أركن الأرواح الى الكسل وقيد الايدي عن العمل وهو تماما ما تعانيه الكثير من البلدان التي تعتمد ما هو متوفر غير ملتفتة الى إمكانية نفاده ، وهو تماما ما أفصح عنه حكيم الجزيرة( تخاخا ) محذرا إياهم من نفاده حتى اُتهم بالجنون .
- هذا الطائر بدأ يتلاشى، ولا يموت !!
- خائف عليكم !! ستتلاشون مثل هذا الطير ، كفوا عن أكله ، اذهبوا الى صيد السمك والحيوانات البرية والطيور الأخرى . / ص11
فكان مصيره – تخاخا – مصير كل مفكر ونابغة ومجدد في مجتمع جاهل ، ذات المصير ينالهم ، أقل مافيه النفي ، فالشعوب التي تجتر ماضيها تبقى مقيدة اليه راسفة في اغلاله ، تصمُّ اذانها عن كل مايوقظها من غفلتها .
استطاع الكاتب ان ينقلنا الى عدة محطات في روايته حينما بدأت حالة التلاشي بسكان الجزيرة وانعدام الموت ، تلاشي الأجساد الى حيث لانهاية ، تضاؤل في الحجم الى حد عدمية الرؤيا لا عدمية الوجود ، حتى اصبح الموت أمنية لا يمكن نوالها ( وحسب المنايا ان يكن أمانيا ).
وأنا اقرأ الرواية باحداثها الغريبة الممتعة لا اعلم لماذا مر في خاطري الكاتب الفرنسي الكبير البيركامو ، استشعرت ذات التقنية التي وجدتها في رواية الطاعون التي تحتاج من القاريء انْ يمنح مساحة كبيرة من فكرة للتواصل مع الرواية ، الروايات التي لا تمنحك نفسها بسهولة تمنحك فرصة التحدي لسبر اغوارها ، ان تكون كاتبا آخراً لها بمفهوم آخر بمتعة الاستنتاج خاصة وانت تكتشف إمكانية الكاتب الفذة في وضع لمساته بكل احترافية ، الأسلوب الذي كتب به القاص لم يعيبه ابدا تخليه عن الروح الشاعرة وهو ينسج جمله ، هي احترافية النثر الذي اجاده الكاتب وذكاؤه الذي تجلى في الكثير من الانتقالات والاجابات والتصورات التي اخذت مساحة كبيرة من الرواية ، الحضور الواعي دليل تفوق يندر انْ تجده ، لقد كان الكاتب حاضرا على طول مسار روايته ، لم يغبْ لذا كان بارعا في سرده ، غير متكلف .فقد كان ناقدا واعيا للواقع بأسلوب امتلك ناصية الاجادة فيه .
طائر التلاشي رواية تستحق الكثير من الاهتمام من قبل النقاد والدارسين ، رواية رصينة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة