الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا: نمر من ورق

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2023 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


أغرت الانتصارات الروسية السهلة في سوريا والقرم وجورجيا والشيشان وسياسات الأرض المحروقة هنا وهاك، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتقدم بخطوة أخرى لحصد الجائزة الكبرى والثمينة عبر السيطرة على أوكرانيا والتقدم نحو العمق الأوروبي وتهديده عبر عملية عسكرية أسماها بـ"الخاصة"، توقع لها ألا تستمر أكثر من أسبوعين يكون خلالها قد احتل "كييف" واعتقل زيلينسكي وأحضره موجوداً إلى أحد مراكز الاعتقال الروسية، وما أكثرها، ومن ثم تنصيب رئيس "دمية" حليف تابع للكرملين هناك. هكذا كان التصور الروسي لما يجري اليوم من عملية عسكرية لم تكن خاصة وخاطفة كما قيل، وها هي تدخل شهرها العشرين مع عدم وجود أي يقين وبصيص أمل بوقفها، فيما يغذّي الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، شرايينها بمختلف أنواع الأسلحة وينفخ في كيرها بمليارات الدولارات والمرتزقة من كل حدب وصوب.
لم تكن الحرب سهلة، ولا نزهة على الإطلاق، وبكل ما حملته من مفاجآت وتطورات لم تكن محسوبة أبداً، من قبل ماريشالات الكريملين العجزة، مثلما لم يكن لأحد، مثلاً، أن يتوقع تمرد وانشقاق فاغنر "طباخ" بوتين وصناعته الشخصية، وذراعه المالية والميليشياوية اليمنى، كذلك ظهور سلاح "المسيـّرات" الذي وصل لأبراج الكرملين وحلقت بعضها فوق مكتب الرئيس بوتين نفسه ووصل بعضا قلب المركز التجاري في موسكو، غير أن الأهم من هذا وذاك، هو ظهور الجانب الآخر الهش الضعيف والمتواضع والمهلهل والرث لروسيا، وعلى عكس تلك الصورة التي كانت مرتسمة في أذهان الكثيرين عن روسيا كقوة عظمى، بالكاد استطاع جيشها، المصنف عالمياً بثاني جيش بعد الأمريكي، أن يسيطر على عدة بلدات حدودية وغاص عميقاً في وحول قرى وبلدات أوكرانية صغيرة تكبـّد فيها خسائر فادحة بالمعدات والأرواح، فيما بدت روسيا كدولة معزولة محاصرة ووحيدة في هذا الصراع ومنبوذة على الصعيد الدولي، كما صدرت أحكام قضائية من الجنائية الدولية في لاهاي، وأوامر لملاحقة والقبض على، ومحاكمة بوتين باعتباره مجرم حرب الشيء الذي منعه من حضور قمة "البريكس" خوفاً من الاعتقال، وعلى المقلب الآخر، ظهر الغرب كحلف وكقوة متماسكة وعنيدة وموحدة في مواجهة مغامرة بوتين وطموحاته الاستراتيجية الإمبراطورية ومحاولاته إعادة الهيبة والسمعة لروسيا القيصرية، وتطويبها كقطب دولي فاعل في مواجهة "القطب" والقوة العظمى والوحيدة في عالم اليوم وهي الولايات المتحدة.
لقد تبين إذن، أن روسيا، بوجهها الجديد، وصورتها المتواضعة، لم تكن إلا نمراً من ورق، أصابت كثيرين بهلع وبصدمة استراتيجية وخيبة إيديولوجية مرّة ما توقعها مريدوها في أسوأ كوابيسهم، حيث لم تكن مؤهلة فعلياً وعملياً، لاعتلاء صهوة القطبية وبالتالي فرض نفسها وأنموذجها وتجربتها وقرارها على المجتمع الدولي، وهي تتوسل "المسيرات" والصواريخ البالستية والمعدات الحربية الأخرى "الذكية" من دولة كهنوتية ظلامية متخلفة قرو- وسطية، وتستجدي دعماً صينياً حذراً ومتوجساً ومتردداً، وتتوسل زعيماً ميليشياياً محلياً لوقف زحفه على العاصمة موسكو، فيما ظهر الجيش الروسي في موقف حرج وضعيف وهو يتلقى الصفعات الأوكرانية ويتخلى عن بعض مواقعه، مرغماً، وغير قادر على موازنة التكنولوجيا الغربية المتطورة، وكان إغراق "موسكوفا"، درة تاج البحرية الروسية، إهانة كبرى ومؤلمة لهذا السلاح في الأيام الأولى للحرب، أما العجوزات اللوجستية والميدانية والفضائح وروائح الفساد والتخبط في إدارة الحرب والترهل وبطء الإمدادات وانعدام الحيلة وسوء التصرف وإدارة الصراع دبلوماسياً وعسكرياً، وتصاعد الاحتجاج الشعبي وبروز تيار قوي، عسكري ومدني مناهض للحرب، كلها جعلت "بريغوجين" يصرخ في وجه سيده، وكانت، مع غيرها، دلائل ومؤشرات على أن روسيا لم تكن حتى بحجم قوة إقليمية (أوروبية)، كما وصفها ذات يوم الرئيس الأمريكي الأسبق "أوباما" وأكد أنها لم تبلغ ذاك الوعي الاستراتيجي ولم تصل بعد لسن الرشد "القطبي" وما يزال أمامها الكثير والكثير للولوج في عوالم القوى العظمى والفاعلة على المسرح الدولي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه