الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدوية طيبة مصنفة مخدرة متاحة للبيع في صيدليات بغداد بدون وصفة طبية

احمد هاشم الحبوبي

2023 / 8 / 6
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


تستفحل في بغداد وكافة مدن العراق الأخرى ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب والشابات من كافة الشرائح الاجتماعية. وهو ابتلاء يضرب كل أنحاء العالم. إن تعاطي المخدرات ليس بالحدث الجديد علينا، إلا أنه كان محصوراً في مدىً ضيق جداً في أيام النظام السابق بسبب العقوبة الرادعة التي يتعرض لها المتعاطي والتاجر الذي يروِّج لها ويبيعها إضافة لضعف تواصلنا مع الدول المجاورة بسبب الحروب والقطيعة السياسية.

وشكّل أول ظهور ملموس لها مع قدوم العمالة المصرية في ثمانينيات القرن العشرين، فقد كانوا يتعاطون الحشيش ويكثرون من استخدام دواء السعال (التوسيرام) بسبب رخص ثمنه (كان ثمنه سبعة دراهم، أي أكثر من دولار واحد بقليل) وتوفره في الصيدليات. وبقي التعاطي محصورا بهم، لكن مع اندماجهم بالمجتمع، بدأ بعض العراقيين بالتعاطي. وبقي الأمر محدوداً جداً. لكن الحال تغير تدريجياً في العهد الجديد بفعل عدة عوامل أذكر منها:
1. منع بيع الخمور في العديد من المحافظات. وارتفاع أسعارها في المدن التي يسمح فيها بيعها.
2. ضعف سيطرة الدولة على الحدود مع إيران التي تشكل ممرا سهلا للمخدرات القادمة من أفغانستان، وسوريا التي بسبب ظروفها الحالية تحولت إلى أكبر منتج ومصدر لحبوب الكبتاگون في الإقليم.
3. ازدهار السياحة بنوعيها الديني والترفيهي، الأمر الذي عزز من التواصل الاجتماعي بيننا المجتمعات.
لكل ذلك، تفشى تعاطي المخدرات (= الحشيش والكريستال والكبتاگون ومواد أخرى أقل تداولاً) بين العراقيين وبالذات فئة الشباب دون سن الخامسة والعشرين، ممن ولدوا وترعرعوا في كنف العهد الجديد.

تلاحقُ أجهزة وزارة الداخلية المتاجرين والمتعاطين بلا هوادة، يشهد على ذلك أعداد المتاجرين الذين يُلقى القبض عليهم في مختلف أنحاء العراق. ورغم ما يطرق أسماعنا من حالات فساد وابتزاز يمارسها قسم قليل من ضباط التحقيق والقضاة لتحويل قضايا المقبوض عليهم بجرم المتاجرة من «متاجرة» إلى «تعاطي»، حيث تكلِّف هذه العملية بين مئتين إلى ثلاثمئة ألف دولار. إلاّ أن هذه الحالات المستنكرة لا تحجب حقيقة أن الدولة جادة في مكافحة هذه الآفة عبر الإيقاع بالمجرمين والعصابات التي تقف وراءهم. إلاّ أن كثرة المعروض وسهولة الحصول عليه تشي بأن الجهود المبذولة ما زالت غير كافية.

أسعار المخدرات في بغداد [ملاحظة: الأسعار مستقاةٌ من المتعاطين أنفسهم]:
1) الحشيش: السيجارة بخمس وعشرين ألف دينار. وثمن الغرام ونصف منه خمسين دولاراً، بما يكفي لأربع سجائر. وهو ثمن باهظ مقارنة حتى بالدول الأوروبية.
2) الكريستال: ثمن الغرام الواحد خمسة عشر ألف دينار حالياً. وقبل سنتين كان سعر الغرام الواحد خمسين ألف دينار.
3) الكبتاگون: سعر الشريط الذي يحوي عشر حبات يبلغ عشرة آلاف دينار.
وبسؤال بضعة متعاطين، عرفتُ أن الحشيش هو الأفضل. إلاّ أن ثمنه المرتفع وحاجة المتعاطين الدائمة لعدد متزايد من الجرع بمرور الزمن يجبرهم على البحث عن مادة آخر أرخص، وأشدد على «أرخص»، لبلوغ النشوة. وقد وجدوا ضالتهم في الأدوية الطبية التي تحوي مواد مخدرة، فهي رخيصة ومتاحة في الصيدليات ولدى وأصحاب البسطات في «إقليم سوق مريدي المنيع» والباب الشرقي وباعة الأدوية المتجولين الذين يبيعون حبوب «الباراسيتول» والمضادات الحيوية في الظاهر، وحبوب الهلوسة - لِمَن يريد - بشكل شبه ظاهر.

الغاية من هذا المقال هي تسليط الضوء على الأدوية المصنفة مُخدرة التي يمكن شراؤها من الصيدليات. لذلك لن اناقش «سوق مريدي» ولا باعة الأدوية المتجولين ولا المخدرات.

يتعاطى الشباب أنواعا مختلفة من الأدوية المخدرة عرفتُ منها «زانكس» و«ليريكا – حبة لولو»، «كلونازيبام – حبة رأس السنة»، «ترامادول»، «سومادريل»، «فاليوم» و«توسيرام - كولدين». وجميعها خطيرة جداً على صحة المرء العقلية والجسدية إذا ما تم تعاطيها دون إشراف وبكمية يحددها الطبيب حصراً. وتصبح مدمرة وقاتلة إذا تم تعاطيها بجرع كبيرة. وهو أمر يفعله كل المتعاطين. كما لا يجوز إطلاقاً التوقف عن تعاطيها بشكل مفاجئ بسبب اعراض الانسحاب الكارثية التي تنجم عن ذلك. ومن خلال متابعتي الشخصية لاحظتُ أن متعاطي هذه الحبوب ينتمون لكافة شرائح المجتمع، أغنياء وفقراء، متعلمين وأميين، من المدينة والريف، عوائل مفككة وعوائل متماسكة، مناطق راقية ومناطق شعبية وعاملين وعاطلين.

إن ثمن الشريط الواحد من هذه الحبوب أرخص من ثمن سيجارة حشيش. وأدناه قائمة بأسعار أشهر الحبوب المخدرة التي يتعاطاها المدمنون والمتاحة في الغالبية الساحقة من صيدليات العراق [ملاحظة: أغلب الأسعار مستقاةٌ من المتعاطين أنفسهم]:
1) "لولو" [Lyrica]: شريط يحوي عشر حبات بعشرة آلاف دينار (10000 دينار للشريط). يباع في الصيدليات "بموجب وصفة طبية" دون التدقيق في عمر المُشتري. ولا تتم مطابقة اسم المشتري مع الاسم الوارد في الوصفة.
2) "رأس السنة" [Clonazepam]: شريط يحوي خمس عشرة حبة بستة آلاف دينار (6000 دينار للشريط). يباع في الصيدليات "بموجب وصفة طبية" دون التدقيق في عمر المُشتري. ولا تتم مطابقة اسم المشتري مع الاسم الوارد في الوصفة.
3) زانكس [Xanax]: شريط يحوي عشر حبات بألفي دينار (2000 دينار للشريط). يباع في الصيدليات بدون وصفة طبية بغض النظر عن عمر المشتري.
4) فاليوم [Valium]: شريط يحوي عشر حبات بألف دينار (ألف دينار للشريط). يباع في الصيدليات بدون وصفة طبية بغض النظر عن عمر المشتري.
5) سومادريل [Somadril]: دواء ممنوع من التداول في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2008.
6) ترامادول [Tramadol]: شريط يحوي عشر حبات بخمسة آلاف دينار (5000 دينار للشريط). يباع في الصيدليات بدون وصفة طبية بغض النظر عن عمر المشتري.
7) كودين (توسيرام) [Codeine]: عبوة سعة 200 ملليلتر بخمسة آلاف دينار (5000 دينار للعبوة). يباع في الصيدليات بدون وصفة طبية بغض النظر عن عمر المشتري.

إن شرط توفر الوصفة الطبية لصرف حبوب «ليريكا - لولو» و«كلونازيبام – رأس السنة» شرطٌ ساقطٌ وبلا قيمة، فهناك اتفاق غير مكتوب بين الصيدلي والمتعاطي، يسهِّل للأخير الالتفاف على شرط الوصفة للحصول على مبتغاه بسهولة ويسر طالما كان مستعداً للدفع. يتم بيع أدوية الوصفة بأحد الطرق التالية:
1) وصفة طبية صحيحة يمكن استخدامها عشرات المرات ومن اشخاص مختلفين لأن البائع في الصيدلية لا يطابق اسم المشتري مع اسم الشخص الذي صُرِفَتْ له الوصفة.
2) وصفة طبية مستنسخة أو صورة لها في الهاتف النقال. حيث يشتري المتعاطي صورة الوصفة بخمسة وعشرين ألف دينار من باعة مختصين عبر الهاتف. ورغم ارتفاع ثمن الوصفة إلا أنه مجدٍ اقتصادياً حيث يمكن استخدامها مرات عديدة.
3) البيع بدون وصفة طبية، ولكن بثمن أغلى قليلاً، إذا كان المشتري زبونا دائما ومعروفا.

لا يكفي عرض للمشكلة، فلا بد من اقتراح الحل. ولكي يكون الحل ناجعاً، يجب أن يأتي بحزمة اجراءات متكاملة يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
1) منع صرف الأدوية المصنفة مخدرة بدون وصفة طبية أصلية غير مستنسخة أو مصورة. وأن تصرف للشخص الصادرة باسمه حصرا أو ولي أمره إذا كان الشخص دون السن القانوني. على أن يحدد في الوصفة عدد مرّات الصرف ومدة انتهاء صلاحية الوصفة.
2) إلزام كافة الصيدليات بمسك سجل بالأدوية المصنفة مخدرة يتم فيه توثيق مصدر الوصفة الطبية والشخص الذي صرفت له الوصفة.
3) إلزام كافة المذاخر بمسك سجل يوثِّقُ كل عمليات بيع الأدوية المصنفة للصيدليات والامتناع عن إعادة تجهيز الصيدلية قبل التحقق من مصير الشحنة السابقة.
4) منع الصيادلة من بيع أو تأجير اجازاتهم للعموم من غير ذوي الاختصاص. ويمكن الاستعانة بنقابة الصيادلة في هذا الخصوص، حيث تقوم النقابة بسحب إجازة الصيدلي وغلق الصيدلية التي لا يتواجد فيها صيدلي أو معاون صيدلي مجاز وفق القانون.
5) حصر بيع الأدوية المصنفة مخدرة التي يتعاطاها المدمنون بعدد معين من الصيدليات لكي تسهل متابعتها ومراقبة أدائها.
6) الحل الناجع والأكيد يكون بـ«الرقمنة»، أي بإدارة عمليات الاستيراد وبيع الجملة والمفرد عبر الحاسبة الالكترونية. وهذه عملية بسيطة متوفرة بالتأكيد في المذاخر لمتابعة الخزين الموجود وتعويضه. ويمكن تعميمها على كافة المذاخر والصيدليات. إن السيطرة على الأدوية السائبة يحدّ من إمكانية تسربها خارج القانون.
7) يقوم المواطن بإبلاغ السلطات المعنية عن «الصيدليات الفاسدة» وفضحها في مواقع التواصل الاجتماعي.
8) توعية الأهالي والمدمنين بأضرار الأدوية المخدرة ليتعرفوا على فداحة مخاطرها، ونشر أشكالها ولونها ليسهل التعرف عليها إذا ما وجودها بين أغراض أبنائهم وبناتهم، نعم بناتهم، فهناك الكثير من الشابات والمراهقات اللواتي يتعاطين المخدرات والحبوب جهاراً نهاراً.
9) تشديد الرقابة على تهريب الأدوية. فكثير من هذه الأدوية تدخل بشكل غير شرعي لتجنّب الضريبة والملاحقة القانونية عند بيع الأدوية المصنفة مخدرة.

وحتى مع هذه الإجراءات، فإنّ المشكلة لن تُحلّ جذريا، لكنها تسهم في ردع أصحاب «الصيدليات الفاسدة» الذين حولوا صيدلياتهم إلى دكاكين لبيع الأدوية المصنفة مخدرة للمتعاطين وليس للمرضى المستحقين. مع ملاحظة أن العديد من النقاط أعلاه واردة في قانون مزاولة مهنة الصيدلة الذي سأناقشه في مقال مستقل.

إن أزقّة وشوارع المدن مكتظةٌ بـالصيدليات حتى صارت أعدادها تناهز أعداد محلات البقالة. ويدير اغلبها باعةٌ غير مؤهلين قانونياً. وإذا ما استمرت الصيدليات في بيع الحبوب الطبية المخدرة خلافاً للقانون والسياقات فإن دورها التدميري لن يكون أقل فداحةً من دور مافيا ترويج وبيع المخدرات، فالمادة المباعة مُخَدِّرة وضارة جدا بصحة المتعاطي العقلية والجسدية والسلوكية. مع ملاحظة أن الصيدلي فوق الشبهات وبمنأىً من متابعة ورقابة الأجهزة الأمنية.

الصيدلية أحد مفاصل المنظومة الصحية التي تعنى بصحة المجتمع والفرد. ولذلك لا بد من تفعيل القوانين النافذة وإقرار قوانين جديدة لتستعيد الصيدلية دورها الصحيح في وطننا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح