الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مليونا ين يابانيّ من أجل التحوّل إلى كلب

علي فضيل العربي

2023 / 8 / 7
الادب والفن


ورد في موقع العربيّة أن أحد اليابانيين ، اسمه " توكو " قد أنفق 22 ألف دولار أمريكيّ ليصبح كلبا ، و قام الياباني توكو بنشر فيديو على حسابه الذي يضم قرابة 40 ألف مشترك على يوتيوب. يظهر فيه خلال اصطحابه في نزهة على الأقدام ، قام خلالها بشمّ اللكلاب الأخرى في الحديقة و التدحرج على الأرض .
لقد حدث الأمر في العام الماضي عندما التقت قناة ألمانيّة بتوكو حسب ما جاء في صحيفة سترايخ تايم . و وفق الفيديو فقد قال توكو قبل النزهة أنّه يشعر بالتوتر و الخوف قليلا من المغامرة في الهواء الطلق ، لكن الفيديو أظهر أنّه تلقى ترحيبا حار من قبل المارة و حتى الكلاب الأخرى ، و قال أنّه أنفق ما يعادل مليوني ين على الزي الكامل المصمم حسب الطلب ليجعله يبدو ككلب حقيقي . و قد حصدت فيديوهاته عشرات الآلاف من المشاهدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي . و الغريب في القصة ، أن هذا الـ ( توكو ) - و انطلاقا من مبدأ الحريّة الفرديّة التي كفلها له قانون بلده الليبيرالي ، العلمانيّ - قد أنفق مبلغا ضخما ، لو أنفقه في موضعه المطلوب ، لأنقذ به عشرات الأسر في إفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينيّة ، من الجوع و العطش و الأمراض المعديّة . لكنّه أنفقه من أجل أن يصبح كلبا ، و كأنّ مجتمع الكلاب يعاني من ضعف النمو الديموغرافي و نقص في الأنفس الكلبيّة . و الأمر الآخر الذي يدعو إلى العجب العجاب ، كيف اهتدى هذا المخلوق الآدمي ، وهو الكائن الوحيد العاقل على أديم كوكب الأرض ، إلى هذه الفكرة الكلبيّة و السلوك الغريزي ، في الوقت الذي يسعى فيه الإنسان إلى مزيد من الرقيّ المادي و العاطفي ، و ينفق ، في كل لحطة ، المال الكثير و الجهد الوفير و الوقت الثمين ، من أجل بلوغ مبتغاه و تجسيد احلامه الورديّة ، بينا رام ذلك الـ ( توكو ) تحقيق حلمه الكلبي الذي يضعه في موضع أسفل السافلين ، و يخرجه من دائرة البشريّة و العقلانيّة و العلمانيّة . إنّه لسلوك عجيب أن ينفق رجل ( عاقل ) آلاف الدولارات بغيّة تجريد نفسه من الصفات الآدميّة و التمرّد على هويّته الإنسانيّة و الانضمام إلى سلالة النبح و العض و الدبّ على أربع و أكل الجيفة ، خلقها الله خلقا مغايرا لحما و عظما و دما و غريزة ، لخدمة الإنسان في السرّاء و الضرّاء .
و الأسئلة المطروحة : كيف كان شعور هذا المواطن الياباني توكو بعد انتمائه إلى " مملكة " أو " جمهوريّة " الكلاب ؟ و كيف سيواصل حياته بين " إخوانه " الكلاب ؟ و هل سيتزوج – مثلا – كلبة من عشيرته الكلبيّة الجديدة ؟ أم أنه سيغري أنثى آدميّة لتنضم إلى ذويه الجدد و تتحوّل إلى كلبة كي يتزوجها ، و ينجبان سلالة جديدة من الكلاب المتحوّلة عن جنس البشر ؟ ألم يكن جديرا به أن يكتب – و قد مرّ عام على مغامرته تلك – يومياته الكلبيّة ، و ينقل لنا – بكل أمانة – مشاعره لمّا تحوّل إلى كلب ؟ أم أنّه قد أصبح - بعد هذا التحوّل ، الذي فاق التحوّل الجنسي – مثل الكلاب لا يقرأ و لا يكتب و لا يتكلّم ؟
إنّ الله قد خلق الإنسان في أحسن تقويم ، و كرّمه بالعقل ، بينما يضع هذا اليابانيّ نفسه في اسفل السافلين . لقد أوصلت الفلسفة الماديّة الإنسان في الغرب إلى مجرّد آلة إنتاج و استهلاك ، و جرّدته من الروحانيات ، و قطعت صلته بالسماء . و قد أفضى به المنهج المادي إلى أزمة روحيّة و نفسيّة أفقدته هويّته الآدميّة . و إلاّ ما معنى أن ينفق هذا الـ " توكو " الياباني كلّ هذا المبلغ الضخم من أجل التحوّل إلى كائن نابح يسير على أربع ويعض بأنيابه و يتبوّل على جذوع الأشجار و يتغوّط أمام الملأ ، و يقذفه الأطفال بالحجارة إذا صادفوه في الطريق و يأكل الجيفة و من المزابل و القمامات ، أيّ أن التحوّل إلى عالم الكلاب سيترتّب عنه سلوكات كلبيّة لا عهد له بها . لكنّه – حتما - سيجد صعوبة في تعلّم المشي على أربع و اكتساب ودّ الكلاب و كيفيّة النباح و الزواج من كلبة تحبّه و يحبّها ، بغية الإنجاب و المحافظة على السلالة الجديدة .
إن العالم المعاصر قاب قوسين أو أدنى من السقوط الانهيار و قد روت لنا قصص التاريخ أنّ نهاية الحضارات و سقوط الأمم و الإمبراطوريات العظيمة لم يكن بسبب حروب الأعداء الخارجيين ، أو جوائح اقتصاديّة و ماديّة و إنّما كان سبب ، سقوطها و نهايتها ، تفكّك نسيجها الاجتماعي و فقدان بوصلة الوازع الأخلاقي و تخلّي الفرد فيها عن منظومة القيّم . إنّ سقوط الحضارات و المدنيّات القديمة و انهيارها و أفولها كان نتيجة حتمية عندما انحرف العقل عن سبل الرشد و بلغ سنّ اليأس . فالقوّة الماديّة ليست صمّام أمان لرسوخ الحضارة و استمرارها و ازدهارها ، و قد تتحوّل – غالبا – إلى قوّة سلبيّة رعناء ، هدّامة . و المتأمّل لآثار الحضارات الآفلة في حوض النيل و بلاد الرافدين و بلد الشام و سواحل البحر المتوسط الجنوبيّة ، يدرك – جيّدا – القوّة الماديّة لتلك الحضارات و اتّساع نفوذها العسكري . إنّ أفول الحضارات و تفسّخها ، ناتج – حتما – عن شعور الفرد فيها بالإشباع المادي و الجفاف النفسي و الفراغ الروحي ، أيّ طغيان القوّة الماديّة و ضمور الطاقة النفسيّة ، ممّا يؤدي إلى شعور الفرد برغبة جامحة في البحث عن حياة خارج ناموس الفطرة الإنسانيّة .
يقول رونيه جيرار "محاضرة بعنوان: "عنف اليوم، العنف الدائم " :
" إنّ عالمنا مهدّد أكثر من أي وقت مضى بعودة الشغف القرباني ومغامرات أخرى شيطانية يعجّ بها القرن العشرين. لكنه أيضا أكثر غنى بالوعود من كلّ العوالم السابقة. إنّ إمكانياتنا الإبداعية كما التدميريّة تزداد باستمرار. وما يشكّل خطرا في هذا القرن القادم لا ينفصل عمّا يجعل منه بشكل مؤكّد ، الأكثر دهشة و نرجو ذلك ، الأكثر سلمية في التاريخ الإنساني " *

نخشى أن يخرج علينا أمثال " توكو " الياباني بـ ( تقليعات ) أخرى ، فينفقون أمولا ضخمة من أجل التحوّل إلى أبقار أو ثيران أو احصنة أو حمير أو بغال أو قطّط أو جرذان أو معزأو نعاج أو حشرات طائرة أو زاحفة ( نمال أو عناكب أو بعوض ) لأنهم وجدوا – حسب زعمهم - في هذه العوالم الحيوانيّة و الحشريّة ما لم يجدوه في عالم الإنسان ؛ وجدوا راحتهم و أمانيهم و معاني وجودهم .
إنّ الحياة البشريّة الفطريّة مهدّدة بالانقراض ، مثلما انقرضت الديناصورات و كائنات أخرى ، لا بسبب انعدام ضرورات ، أو تغيّرات مناخيّة ، كازدياد حرارة كوكبنا و الجفاف أو جيولوجيّة ، كالزلازل و البراكين و الفيضانات ، أو بسبب أوبئة فتّاكة و معديّة و مستعصيّة العلاج أو إقدام المجانين السياسيين و العسكريين على استعمال أسلحة الدمار الشامل في حسم الحروب ، و إنّما الخطر الذي يتهدّدها هو السلوك البشري اللإنساني المنافي للفطرة التي فُكر عليها ابن آدم . و أخطرها على النسل الشذوذ الجنسي أو المثليّة ، أو ما أُطلق عليه " مجتمع الميم " المُروّج له في الشرق و الغرب ، و المقنّن ضمن مباديء حقوق الإنسان . إنّ الحريّة حق فطري ، و قد نصّت على ذلك و صانته كافة الأديان السماوية و القوانين الوضعيّة المناهضة للعبوديّة و الاستغلال . و ما " توكو " الياباني ، فما هو إلاّ ثمرة مرّة من ثمرات الفلسفة الماديّة العاريّة من القيّم الروحيّة النبيلة . و قد يقول البعض : إنّ ما قام به "توكو" هو مجرّد سلوك فرديّ منعزل ، و ليس سلوكا نمطيّا يعكس المجتمعين الياباني و الغربي . فأجيبه : إنّ أمثال " توكو " الياباني كثيرون في المجتمعات الغربيّة و الشرقيّة . و مازالت بعض القبائل في أدغال الأمازون و أعماق إفريقيا و آسيا تعبد الأصنام و تـتّخذ بعض الحيوانات و الحشرات آلهة تقدّسها وتعبدها و تقدّم لها القرابين من بني البشر . لكن الفرق بينها و بين " توكو " الياباني أن ّ بعض تلك القبائل البدائيّة لم يصلها علم أو دين و لم تتذوّق طعم حضارة القرن الواح و العشرين ، أمّا " توكو " الياباني فقد تشبّع بالحضارة المعاصرة في مجتمع يقدّس العقل و يتنفّس العلم الدقيق و يمثّل قمّة التكنولوجيا المتطوّرة .
و السؤال الذي يشغل العاقل منّا ، إلى أين تتّجه بنا فلسفة الغرب الماديّة ؟ إلى أيّ مدى ستصل بنا في غمرة محاولة الذكاء الاصطناعي الهيمنة على الحياة البشريّة ؟
ما الذي كان ينقص هذا الـ ( توكو ) الياباني في عالمه البشريّ ؟ و هل حقّق سعادته و اطمأنتّ نفسه عندما ( زعم ) أنّه تحوّل إلى كلب ، و وجد ترحابا من إخوانه الجدد ( الكلاب ) ، و تقبّلا من أبناء جنسه و تفهّما لما أقدم عليه ؟ فلا حول و لا قوّة غإلا بالله العلي ّ العظيم .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
* نصوص حول العنف بقلم ، رونيه جيرار: – ترجمة : عبد الوهاب البراهمي – صحيفة المثقف 04 آب / اغسطس 2023 م .


آ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل