الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اين يكمن قصور اليسار؟

سعيد مضيه

2023 / 8 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أعطاب في الوعي لا يلتفت اليها اليسار

حين أشار لينين على ممثلي كادحي الشرق في مؤتمرهم عام 1919بتحرير المجتمع من تخلف العصر الوسيط فقد ركز على الإنسان بذلك تحرير؛ فمتطلبات النضال الحداثي من اجل الديمقراطية والتقدم تقتضي تحرير أفراد المجتمع كافة من أصفاد التخلف وهي متشابكة في نسيج متين التماسك . على سبيل المثال طالب اليسار بتحرير المراة ، والمرأة في العرف الموروث ملك للرجل، وبذا يفهم تحريرها على انه نشر للإباحية. وانطلى التفسير المتخلف على أذهان تعيش التخلف. ومفارقات اخرى كثيرة.
اكتفى لينين بالتوصية بضرورة إعمال العقل والبحوث العانية ، حيث ان تخلف العصر الوسيط لم تناقشه الماركسية، التي ركزت أبحاثها على مشاكل الراسمالية وسبل الخلاص منها . فالجدل المادي لم يكتمل بما قدمه الغرب ومازال ينتظر من شعوب الشرق تقديم إبدانعاتها. وفي أواخر القرن الماضي أخضع التخلف الوجودي لما قبل الرأسمالية لبحوث علمية ، شارك بها مختصون عرب في مختلف العلوم الإنسانية وخرجوا بنتائج تضيئ الطريق للعملية التي بقيت قرنا كاملا تنتظر الإنجاز، وشكلت عقبة كاداء في درب التقدم، تعثربها المناضلون العرب في مسيرتهم الكفاحية، وبعضهم كسرت منهم الرقاب.
يعيش الإنسان العربي ظروفا وملابسات، ويواجه عقبات ليست من اختياره ؛ الموروث المتخلف لقي رعاية السيطرة الكولنيالية للامبريالية. وحسب تعبير شرابي "تاريخنا الحديث بكل سلبياته وإيجابياته هو من صنع الغرب بصورة مباشرة وغير مباشرة. لم نزل تحت سيطرة الغرب على الصعيد النفسي والحضاري، رغم ما تحقق من استقلال شكلي".

أبرز عقبات التخلف واخطرها في الحياة الاجتماعية هو تبخيس الإنسان، أفرادا ومجموعات ومجتمعات، ألْهم التبخيس النظرة الفوقية من جانب الغرب، وما لازمها من قهر واضطهاد، حتى ان القاهر فقد التعاطف مع ضحيته ونزع عنها الخصائص الإنسانية نظرا لتقبلها القهر والاضطهاد، وفقد التعاطف مع معاناتها.
رصد هشام شرابي، الباحث في علوم الاجتماع، الموروث الثقافي لا يحمي الكيان الوطني؛ المجتمعات العربية مبرمجة منذ العصر الوسيط؛ قرون الاستبداد السابقة تركت آثارها المخربة للوعي، ما يؤكد استنتاج فرويد، كما أشار شرابي، "انتظار الجماهير الفرج على يد بطل يملك السلطة والقوة، بطل منفرد(ضابط يتحرك منتصف الليل أو فدائي ) يرد لها حقوقها السليبة (شرابي:111). من إنجازات علم النفس التحليلي اكتشاف ظاهرة "اللاوعي الثقافي، مخزونا ثقافيا متوارثا يوجه الميول والرؤى ويحدد السلوكات بشكل عفوي... أكد فرويد على أهمية العقل اللاواعي، والافتراض الأساسي لنظرية فرويد هو أن العقل اللاواعي يحكم السلوك بدرجة أكبر مما يعتقده الناس". بدل ان يشكل حماية للكيان الوطني كان نقطة ضعف نفذت منها سيطرة الغرب المادية والروحية. أظهرت الأبحاث العلمية اانكشاف المجتمعات العربية امام قيم الثقافة الامبريالية واختزنتها في الوعي الاجتماعي العربي؛ تعزز تبخيس الذات، وعبرت الى الوعي الاجتماعي العربي قيم الرأسمالية المبتذلة، "عالم الرأسمال يخفي شروره بالتمويه والكذب ... ظاهرة الخبل الكامنة في صميم مجتمعات الغرب ، والتي عبر نيتشه عنها بلغة الفلسفة والشعر ، وأشار فرويد اليها بلغة التحليل النفسي وعلم النفس، وكشف عنها ماركس بلغة النقد الاجتماعي والجدلية التاريخية ، واتفق الجميع على ان هذا المجتمع الغربي لا يقوم فقط على الاستغلال والقهر والعنف بل ايضا على مقدرة هائلة للكذب والتمويه على النفس وحجب الحقيقة عن الذات"، حسب تقدير شرابي.

التبخيس ماثل أيضا في تبخيس للذات، رصده هشام شرابي وغيره من الباحثين "منذ التماس مع التوسع الامبريالي ونحن نعاني من شعور بالنقص تجاه الغرب، نستمد منه(بلمثقفينالدارسين في الغرب) بدون تفحص او تقييم انماطا ونماذج من السلوك والفكر ونقبلها بلا سؤال لمجرد انها اوروبية أو أميركية المصدر؛ الغرب رمز لما هو متقدم ورفيع ومتفوق حتى لقد اصبحنا ننظر لأنفسنا والى مجتمعنا وإلى تاريخنا من خلال نظرة الغرب الينا، همنا ان نحظى برضاه وبإعجابه. وهذا يعكس تحقيرنا لأنفسنا كمجتمع وكأفراد. المجابهة مع الغرب غلب عليها الطابع الثقافي التجريدي.لأنفسنا."
نصادف تبخيس الذات أيضا في التقاعس عن رد التطاولات الأجنبية وقبول القهر وتداعياته . تفرع من التبخيس تظرية الجبرية، ومضمونها ما حاول به معاوية التستر على أساليب المكر والخديعة والشوكة للاستئثار بالحكم ، بعد اختطافها وتحويلها الى ملك عضوض. ثم أشاعها النظام الأبوي ورعاها على مدى قرون، نماذج من الوهن والدونية الذاتية، فهي بالممارسة عفوية تنعكس على الجمهور عمى بصيرة ، وفي جوهرها إحجام عن التأثير بالمصير الوجودي وعجزعن التهيئة للمستقبل، وفقدان المستقبل بالنتيجة .
نجد تبخيس الذات والجبرية أيضا في العزوف عن الديمقراطيةوعن المشاركة في الحياة السياسية، مع تقبل خرافة المستبد العادل ؛ وكذلك في عدم التجاوب مع دعوات التضامن والتعاطف مع ضحايا القهر في سحون الجلادين؛ او الاحتفاء بالمناسبات الوطنية وذكرياتها ، حيث الجماهير لا تقيم وزنا لمشاعرها أو لمواقفها، و تستخف حتى بدور لها تقرير المصير الوطني .
ويقبع التبخيس كذلك دافعا لتبادل مشاعر الازدراء والتمييز ضد الأقليات الطائفية والعرقية والعشائرية، جيش لحروب أهلية أضرم لهيبها الاستعمار والصهيونية..

عبرت ثقافة الامبريالية بكل حمولتها من تمييز عرقي واستعلاء وعنف وكذب من فجوة التخلف الثقافي والاقتصادي، عززت منطوياتها المهينة لإنسانية العربي وللمجتمعات العربية عامة. نقل ا شرابي عن غرامشي مقولته بصدد "القهر اللاقسري"- أي قهر الحاجة يتجلى مع استيراد السلع المتطورة من الغرب. المجتمعات تفهم سلع الغرب رموزا للقدرة والرقي الخاص بالغرب، ولا قِبل للشرق به ؛ لا تدرك ان ذلك كله حصيلة معرفة بقوانين الطبيعة وتطبيقاتها. منذ عصر محمد علي في مصر والطلبة يطلبون العلم من الغرب وما خطر ببالهم إنتاجه في أقطارهم. إقرار طوعي بالعرقية الذاتية، الأشد خطرًا من القهر المادي زمن الاحتلال المباشر . القهر ملموس ومدرك ومرفوض لذلك- نقول ان "القهر اللاقسري للاستعمار الثقافي يمكن النظر إليه على أنه السياق الأوسع الذي تنهض فيه ثقافة المستعمِر طامسة لثقافة المستعمَر". [94].
أضافت ثقافة الامبريالية المزيد من تبخيس الإنسان وضاعفت تفرعاتها في الحياة الاجتماعية فعانت المجتمعات العربية التمييز العرقي والطائفي والعشائري ، الى جانب الفتن والحروب الأهلية ، وكذلك اقتصار مراكز رسمية عليا على طائفة معينة وحرمان الآخرين. حتى حق المواطنة بات مشروطا. اندمج التخلف بالتبعية للامبريالية سياسيا واقتصاديا وثقافيا ونفسيا. "الاستعمار الحديث فرض سيطرته بتحويل المستعمَر من كائن يثق بنفسه ومتمكن مما يقوم به الى مخلوق لا يؤمن إلا بقدرة الآخرين، كما لاحظ شرابي [90]غدت "ادبيات الاستعمار أشد وقعا من الاحتلال العسكري.

عملية التحرر الإنساني، بناءً عليه، تشمل التحرر من جهالة التخلف وقيمه وعلاقاته الاجتماعية وصولا الى التحرر من الكولنيالية والصهيونية ، الراعيتان للتخلف العربي، مسخرا – التخلف- لإحكام السيطرة ومنع التقدم؛ بينما التقدم في ميدان الوعي والفكر والثقافة يمضي بسيرورة صراعية بين القديم والحديث تتم أثناء معاناة مشاكل الحياة اليومية ومكابدة علاقاتها الاجتماعية، وإدراك حاجاتها ، وعبر النضال الوطني التحرري .

ونفس النتيجة يتوصل اليها نصر أبو زيد الباحث في التراث بمنهجية العلم - الحاكمية للمتسلط الاجنبي تمتد إذعانا لتسلط الأجنبي. والنتيجة هي ارتكاز تفهمنا للواقع على الوهم والعاطفة لا العقل والحقيقة العلمية. كانت كل محاولة لإزالة الوهم وإصلاح الخطأ تقاوم بشدة ، نظرا لارتباط الوهم بمصالح اجتماعية وسياسية قائمة وبحاجات نفسية متأصلة".
بالعجز ومجافاة معطيات العلم والتهرب من المسئولية تواجه المجتمعات العربية كواسر التوحش الامبريالي. بتعبير شرابي "في المجتمع العربي احتل التبرير محل النقد ؛ فتميز الفكر العربي المعاصر بخروجه عن خط المعرفة العلمية ( معرفة الذات والنقد الذاتي ) واندفاعه في متاهات تجريدية وتهربه من مجابهة الواقع وكشفه".

ضمن المنهجية العلمية للبحث العاني أصدر شرابي عام 1975 "مقدمات لدراسة المجتمع العربي". في مقدمة الطبعة الثالثة يحيل التخلف الى طبقة "البرجوازية الإقطاعية"، مفهوم ركّبه بالتعاون مع صديقه مختار عاني؛ وفي المؤلف التالي، انجز تأليفه عام 1988 وترجم الى العربية عام 1992 أطلق على المجتمع مجاز "الأبوي " أو "البطريركي "، كناية عن التسلط والانفراد بالقرار وفرض الأوامر. منطلق البحث في المؤلفيْن هو مثال العائلة كمؤسسة اجتماعية، فيها تتبلور شخصية الفرد؛ فالأب، إذ يتعسف في التسلط ، إنما يكيف، بصورة عفوية تلقائية غير واعية ، الأبناء لتسلط قاهريه. والقيم التي تسود العائلة من سلطة وتسلسل وتبعية وقمع هي التي تسود العلاقات الاجتماعية بصورة عامة ، وهي قيم الطبقة المهيمنة في المجتمع. توصل شرابي الى طبقية الحياة الاجتماعية العربية وطبقية الثقافة والاقتصاد والسياسة. في "المقدمات" ، ثم في البحث المعمق التفصيلي،"البنية الأبوية". في المجتمع الأبوي لا يفسح الفرد للمستقبل سوى مجال محدود وغامض. النظام الأبوي يفضل الولاء على الكفاءة ، ويعمد المتزلفون من حاشية الحاكم الى اقصاء الكفاءات خارج البلاد. والمجتمعات العربية بذلك طاردة للكفاءات، رغم افتقارها للكفاءات. نظر شرابي الى المجتمعات العربية الأبوية كافة مجتمعا واحدا ذا بنية أبوية متجانسة ربطته بالتبعية للامبريالية، راعية التخلف العربي، ومنها تنتقل قيم المجتمع المبنية على القمع والكبت، تتم على عدة منازل ، أولاها واهمها الأم ، إذ تلعب دورا هاما وحاسما من حيث أثرها في تكوين شخصية الطفل . الفظاظة والانفعالية والمعاملة العشوائية يتخللها الزجر والكبت والتعنيف تنتج الانحرافات. بالمقابل المراة المتعلمة والمتسامحة حنانها كام وهدوؤها وسعة صدرها ينمي شخصية ديمقراطية تنحو للحوار واحترام الرأي الآخر.
خلص شرابي من هذه الحقيقة الموضوعية الى اعتبار تحرير المرأة جانبا عضويا من تحرير المجتمع.

ميز شرابي في البنية الأبوية المستحدثة بتأثير التماس مع الامبريالية، غياب التقليدية الأصيلة وبالمقدار نفسه غياب الحداثة الحقة، غياب البرجوازية الوطنية الناضجة وغياب الطبقة العاملة قاطرة التقدم والديمقراطية . الثقافة التحتية مع التنوع المحدّث شاعت على الأقل في صفوف المتعلمين في جامعات الغرب فنشأوا "مثقفين محدّثين" . ليس للحداثة الأصيلة من عدو أشد بأسا من هذا التشكل الاجتماعي الذي يعاني انفصاما حضاريا(شرابي [41).

اطلق مهدي عامل على التركيبة الاجتماعية السائدة "البنية الكولنيالية"، واعتبرها "العائق امام القضاء على العلاقات الاجتماعية الموروثة؛ بل ان الأخيرة ليست موروثة ، علاقات ينتجها في تجددها المستمر هذا الشكل الكولنيالي نفسه من نمط الإنتاج ال أسمالي".اما نصر أبو زيد ، الباحث في لتراث ، فاستعار مفهوم "الحاكمية ".
الى جانب التبخيس واصل النظام الأبوي هدر الإنسان.. هدر الفكر والوعي والطاقات، وأخطرها هدر الفكر يصيب حيوية المجتمع ونمائه في الصميم . إذ يتركه في حالة انكشاف وفقدان المناعة تجاه الضغوط الخارجية المتنامية. وبتقييم الباحث في علم النفس الاجتماعي ، الدكتور مصطفى حجازي، فإن "تعطيل التفكير وكذلك تهميش الأفراد من شأنهما إضعاف نشاط الجزء المختص بالتفكير من الدماغ والحد من الضبط العقلي وفتح السبل للانفعالات والنزق". السلطة المستبدة تحظر بكل الوسائل الفكر المغير للواقع وهو ما يطلق عليه حجازي " تعقيم الفكر من قدرته التخصيبية التغييرية". يخلص حجازي الى ان هدر الكيان الإنساني ذاته من خلال رده إلى مستوى النشاط العصبي الموجه لإشباع حاجات البقاء البيولوجي. ... يعطل استخدام الدماغ، ولا يبقى سوى الجزء المسمى " الهيبوثولاموس" ، وهو كتلة في وسط الدماغ لا يزيد وزنها عن خمسة غرامات ، أي ما يشكل خمسة وثلاثين بالمائة من الواحد بالمائة من وزن الدماغ البشري الراشد. وهذه تضبط وظائف الأكل والنوم والجنس والانفعال(حجازي: 167)
ويفد الهدر العقي أيضا من "البيئة الرتيبة الخالية من المثيرات والإثارات ، كما هو الحال في أنظمة القمع والمنع والتحريم ، تعمل على ترقيق القشرة الدماغية ، وبالتالي إلى تدهور الكفاءة الذهنية. ويتجلى ذلك في قصور التخطيط والانتباه وصناعة القرار وحل المشكلات وتشكيل الخيارات وتنفيذها . ترقيق القشرة الدماغية تحد من الضبط العقلي مما يفتح السبل أمام غلبة السلوك الانفعالي الاندفاعي(حجازي: الإنسان المهدور-169)

يرى شرابي أن وطأة الهدر اشد من القهر؛ فالأول يغيب الوعي حتى بالاستلاب، وهو غاية ثقافة الليبرالية الجديدة. تتمثل خطورته في لوذ المهدور الى آليات نفسية دفاعية يداري بها استلابه، وأبرزها الاكتئاب والغضب والتدمير والانشطار الذاتي . الهدر أخطر من القهر . فالثاني يترك الإنسان واعيا لمحنته ساعيا للخلاص ؛ بينما في الهدر يستخدم الفرد او المجموع نسقا من آليات الدفاع لتجنب معرفة دوافعهم ومشاعرهم اللاواعية. وكثيرا ما تقدم عنصرية الغرب الأقنعة لستر مخلفات الهدر والكبت في النفسيىة الاجتماعية. أصعب من مكافحة الهدر تقصي الآليات والأساليب اللاواعية المستخدمة في التستر على الهدر او تاريره.
في عصر الاستهلاكية تتعاظم إغراءات الانهيار، ليس الخلقي فقط بل في قيمة الإنسان إلى مجرد مستهلك . فقد حملت هيمنة اقتصاد السوق مزيدا من أخطار انتشار أفات الفساد الكوني من رشاوى ومحسوبيات وتبييض أموال وتهريب المخدرات والسمسرات . باتت الحصانة الخلقية القيمية ضرورية للحفاظ على التوازن الذاتي والاحترام الكياني ؛ وباتت تنطوي على أهمية حيوية من حيث الجهد البناء طويل الأمد.

وتأثي خاصية التمويه إحدى آليات التستر على السلبيات؛ التمويه خاصية سلبية اخرى، يتبعها الغرب للتستر على عيوبه وأزماته، مفهوم مستمد من علم النفس، ويعني حجب حقيقة شيء ما او واقع ما بمختلف الطرق والوسائل. تبدأ عملية التمويه في البيت وتستمر في المدرسة، ثم يمارسها المجتمع في مؤسساته وعلاقاته كافة. بالتمويه تتمكن الثقافة الاجتماعية المهيمنة من فرض نظراتها وقيمها وأهدافها، وتشمل حقول العلم والفلسفة الى جانب الدين والإيديولوجيا والسياسة والأخلاق. في حالة كهذه يصعب اعتماد الفرد على رأيه او النظرالى الأمور باستقلال فكري، فهو سجين آراء تأتيه من الخارج، وبذا يبتعد الفرد عن حقيقته ويصبح مسيرا للقوى والمصالح المهيمنة في المجتمع حوله. تعبر عملية التمويه عن نفسها سلوكيا في تجسيد العلاقات الفكرية في سلوك يقبل الأمر الواقع كما هو دون تساؤل. والتمويه هو الذي يصنع الوعي الخاطئ الذي يجعلنا نرى العالم من خلال نظارات تصنعها ثقافتنا الاجتماعية والواقع المسيطرفيها ، فندعم القوى المسيطرة علينا وتستغلنا، ونرفض بملء إرادتنا سبيل التحرروالانعتاق. ان الخطوة الأولى نحو نظرة علمية هو رفض التمويه السائد واستعادة الثقة بالذات، وذلك بامتلاك الإدراك النقدي والمعرفة الذاتية.
ومن ثم كان الإدراك الذاتي والمعرفة النقدية والوعي الاجتماعي فهما وإدراكا وعملا ، في معالجة هذه المعضلة. نقد الفكر الغربي السائد في ثقافتنا الحاضرة، والذي قبله أجيال المثقفين السابقة دون تردد ووضعته مثلا اعلى لكل علم وفن ومعرفة في العالم، وذلك لاستنباط الطرق السليمة التي يمكن اتباعها للتغلب على عوامل التمويه الكامنة فيه، ولهضم القوى الإيجابية التي ينبثق منها.
.
يتجلى هذا في سلوكات الفصائل المسلحة تجاه الناس، رغم أنهم ينتمون لنفس الشريحة التي يمارسون ضدها القهر والهدر. يرى فرويد أن تأثيرات اللاوعي تكشف عن نفسها بعدة طرق, بما في ذلك الأحلام، وفي زلات اللسان، المعروفة الآن باسم "زلات فرويد". في الواقع، الهدف من التحليل النفسي هو الكشف عن استخدام آليات الدفاع هذه وبالتالي الكشف عن اللاوعي بالتحليل النفسي، وجعله وعيا.
لم تستوف المقالة معالم العطب والعطالة في الوعي الاجتماعي، فالتعليم والتربية يقبعان في تلافيف الحياة الاجتماعية اداة لإعادة غنتاج التخلف. وهي مجرد احد عوامل التخلف . ونترك التكملة لمقال تال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة يدعو الدول العربية لاتخاذ موقف كالجامعات الأمريك


.. 3 مراحل خلال 10 سنوات.. خطة نتنياهو لما بعد حرب غزة




.. جامعة كاليفورنيا: بدء تطبيق إجراءات عقابية ضد مرتكبي أعمال ا


.. حملة بايدن تنتهج استراتيجية جديدة وتقلل من ظهوره العلني




.. إسرائيل تعلن مقتل أحد قادة لواء رفح بحركة الجهاد