الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اطار تفاهمات جديدة بين الولايات المتّحدة والنظام الايراني حول قضيّة - الملف النووي -- علاقات وسياقات وأهداف !!

نزار فجر بعريني

2023 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الجزء الثاني،
مقدّمة:
خلال النصف الأول من عام 2023، وفي المرحلة الحالية من التسوية السياسية الأمريكية (١). يدخل تشابك العلاقات بين حكومات الولايات المتحدة وإيران و"إسرائيل" ، أصحاب أكبر مشاريع سيطرة إقليمية، مراحل أكثر تعقيدًا، حيث يسعى الجانبان الإيراني والأمريكي بنشاط للوصول إلى صفقة حول قضية "الملف النووي". من المنطقي أن يترك أي إطار محتمل للتفاهم بين واشنطن وطهران آثارًا كبيرة على أمن إسرائيل القومي ومصالحها في المنطقة. هذا الأمر يدفعها لمواجهة العواقب المحتملة بجميع الوسائل الممكنة ويفتح أبوابًا لصراعات بينية جديدة.
لفهم أهم أبرز أهداف هذه الصراعات ومآلاتها الممكنة، من المفيد التوقّف عند بعض الاعتبارات الرئيسية.
١ إذا أخذنا اوّلا بعين الإعتبار ما يعتقده البعض بأنّ قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018 كان يتناقض مع المصالح الإسرائيلية،(طالما كان الهدف الرئيسي المُعلن للاتفاق النووي الشامل (JCPOA) في عام 2015، هو تقييد برنامج إيران النووي بتوافق، وضمانات دولية)،وما تتناقله تقارير متطابقة ثانيا عن وجود اتصالات مكثفة وجدية بين الولايات المتحدة وإيران لوضع إطار جديد، لتفاهمات جديدة،(في السياق الأشمل لإجراءات التسوية السياسية الأمريكية ، فمن الطبيعي أن تؤدّي إمكانية تحقيق صفقة تفاهمات شاملة ، وهو المرجح، إلى جني إيران فوائد مالية واقتصادية كبيرة ،قد تكون العلاقات السعودية الجديدة في إطار التسوية السياسية الإقليمية ، وحرص واشنطن على " عدم التطبيع " أهمّ أبواب ومخارج تحقيقها.
٢ بالنسبة لإسرائيل، تتمثّل التداعيات المحتملة لهذه التفاهمات في نقطتين: من جهة، اتفاق جديد يقيد برنامج إيران النووي قد يبدو للبعض إيجابيًا-لأنه قد يمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية وما تشكله من مخاطر كبيرة على أمن إسرائيل- لكن إذا لم يكن الإطار الجديد "قويًا" بما يكفي لوقف طموحات إيران النووية، ويدمّر ما امتلكته من مواد نووية، فقد يظل الوضع الأمني لإسرائيل هشًّا!!
أوّلا ،
في التحديّات، واستراتيجيات المواجهة :
في مايو 2023، أكّد وزير الدفاع الإسرائيلي "يوآف غالانت" أنّ إيران تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% و 60% لصنع خمس قنابل نووية".
رغم ما تحمل هذه الإمكانية من خطورة على أمن إسرائيل التي تشتبك مع أذرع النظام الإيراني في لبنان وسوريا وغزّة، إذا لم يتمّ إزالتها في اتفاقيات قادمة ، فأنّها ليست جانب التحدّي الوحيد بالنسبة لصنّاع القرار في " إسرائيل"! فقد أظهرت الإتصالات التي كشف عنها تقارير وزراة الدفاع حرص واشنطن على صياغة اتفاق " غير رسمي، وغير مكتوب "، (٢) ؛ وهو ، في حال حصوله ، سيكون أقرب إلى " الصفقة " الخاصّة ، يحرم " إسرائيل " ليس فقط من الضمانات الدولية – ٥+١ ، وما تشكّله من ورقة ضغط فعّالة، بل ،ويحدّ من إمكانية استخدامها لجميع جهود وأوراق الضغط ، الساعية لضمان تنفيذ خطوات اتفاق رسمي ، يلّبي هواجسها الأمنية ، الراهنة والإستراتيجية.
السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه :
ما هي عواقب الوصول إلى اتفاق نووي إيراني أمريكي " غير رسمي " ، يُتيح لإيران الاحتفاظ بالمواد النووية - تجميدها دون تفكيكها" ، وبما يؤسس لوضع إيران كـ"دولة عتبة نووية" ؟
إذا ذهبت تفاهمات واشنطن وطهران السياسية كما توقّعنا في الجزء الاوّل إلى عقد "صفقة غير رسمية" ، وفقا لشروط الطرفين المُعلنة ،التي لا تتضمّن آليات تفكيك ما صنّعته طهران من مواد نووية، والإكتفاء بتجميدها ، بما يُتيح لطهران الاحتفاظ بها وتخزينها، و بما يضعها عمليا في موقع ما يُسمى "دولة عتبة نووية" ،( قنبلة على الرف !)، فمن الطبيعي أن تدرك " إسرائيل " طبيعة الأخطار الكامنة في الاتفاق ، وتعمل على مواجهتها ، أو تجنّبها ، على الأقل !
٢
في الاستراتيجيات الممكنة !
نظرًا لأهمية العملية الجارية – التي يبدو جليًّا أنها تؤدي إلى تعزيز آليات السيطرة التشاركية الإيرانية الأمريكية على ضفتي الخليج، ومحيطهما الجيوسياسي ، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الجديّة مخاوف إسرائيل الأمنية وطبيعة الحرب التي تخوضها لتحجيم أدوات التمدد الإيرانية – قد تجد حكومة " إسرائيل" نفسها أمام جملة من الاستراتيجيات والفرص :
أ‌- الانخراط النشط والفعّال في جهود الولايات المتحدة السياسية والدبلوماسية لضمان مراعاة مخاوفها ومصالحها الأمنية أثناء المفاوضات مع إيران، واستخدام كل ما تملكه من أوراق لضمان اتخاذ إجراءات صارمة، تمنع إيران من الاحتفاظ بمواد نووية.
ب- استخدام قدراتها الاستخباراتية القوية، وتبادل المعلومات مع واشنطن، بما يعزز جهود وفاعلية رصد التزام إيران بأي اتفاق جديد.
ج. استكشاف فرص بناء تحالفات مع فاعلين إقليميين آخرين يشاركون نفس المخاوف بشأن برنامج إيران النووي، ويمكن أن يعزز هذا التعاون قدرة إسرائيل الجماعية على التأثير والنفوذ في المنطقة.
ثانيا ،
لتبرير أولوية الوصول إلى "إطار التفاهمات الغير رسمي"، يتذرّع الأمريكان بالقول إن التغيرات الجيوسياسية لما بعد حقبة "الربيع العربي" التي سمحت بتمكين أدوات السيطرة الإيرانية، ورفض إيران تفكيك قدراتها النووية المتراكمة، يمنعانها من التوقيع على اتفاق نووي شامل، وبالتالي فإن التوصل إلى هكذا اتفاق، موقّعًا عليه، أمر غير مرجّح! لذلك، تسعى الإدارة إلى التوصل إلى اتفاق اقلّ رسميّة ، و أكثر تحديدًا،وجدوى!!
بعيدا عن اضاليل الدعاية الأمريكية، ثمّة مصالح بارزة تعمل على تحقيقها.
ما هي المصالح الأمريكية في هذا التكتيك ؟
١ أن تكون إيران ،بموافقة أمريكية مباشرة ، في حالة "دولة عتبة نووية" يعني أنّها ستحتفظ بخَيارإمتلاك قنبلة نووية في وقت قصير عندما تقرر قيادتها السياسية؛ وهو ما يخلق حالة تهديدًا مستمرًا " لإسرائيل "والسعودية ، ويبقي " القنبلة على الرف ( وفقا لتوصيف " الدكتور سمير التقي)، احد وسائل الضغط الأكثر فاعلية التي تستخدمها الولايات المتّحدة لضبط سياسات شركائها السعوديين والإسرائليين ، و"خصمها "الإيراني ، على حد سواء بما يتوافق مع تعزيز وسائل سيطرتها الإقليمية!
٢ تنفيذ تفاهمات الصفقة بين إيران والولايات المتحدة سيقلّل بالطبع من الضغط الاقتصادي الغربي على إيران من جهة ، ويفتح صنبور الأموال السائلة والمجمّدة التي تُتيحها الصفقة ، والتي ستشكّل خط النجاة للاقتصاد الإيراني ؛ وهو ما يتيح لواشنطن فرصة التحكّم بعصب الاقتصاد الإيراني،وبالتالي بسياسات النظام وفقا لمصالح وسياسات الولايات !
ثالثا ،
الاستنتاجات:
وكأن لسان حال إدارة بايدن يقول لشركائه في أوروبا وإسرائيل أن قضيّة الملف النووي الإيراني هي مسألة مصالح أمريكية خاصّة ، ويحق لواشنطن مقاربتها بالطريقة التي تجدها مناسبة؛ وهي ، كما يبدو ، تخدم فقط سياسات وأدوات السيطرة المشتركة بين الولايات المتحدّة والنظام الإيراني !!
من جهة، ما تفرضه الصفقة من تنازلات على إيران يشكّل خطوات طفيفة- إذا ما قورنت بالتنازلات المطلوبة للعودة إلى اتفاق النووي لعام 2015 - الاتفاق الشامل المشترك (JCPOA)- وتلبّي استعدادها للتوصل إلى حلاً مقبولًا دون أن تُجبر على التخلّي عن تقدمها وإنجازاتها حتى الآن في المجال النووي. في الوقت نفسه، فإن التعويض الذي تحصل عليه في إطار تفاهمات محدودة تلبّي شروطها، قد يصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، وقد يكون كافيًا للحد من التضخم المتزايد والاحتجاجات العامة الناتجة عنه. من جهة أخرى، تعلن إدارة بايدن باستمرار أنها مستعدة لتعزيز الاتصالات الدبلوماسية ومهتمة باتفاق يتيح لها توجيه اهتمامها ومواردها إلى قضايا وطنية أخرى كالحرب ضدّ الإرهاب، والتنافس التكنولوجي ضد الصين!
في الختام، أعتقد أنّ الدوافع الحقيقة الأمريكية لعدم وصول إدارة بايدن إلى صفقة شاملة وعلنية مختلفة تمامًا، وتحرص، في أحد جوانبها، على بقاء حالة الصراع "الإعلامي – الحضاري "، بين المشروعين، التي شكّلت تاريخيًا أفضل بيئة لتعزيز شباك سيطرة ونهب تشاركية غير مسبوقة مع النظام الإيراني؛ كما تبقي سيف "التهديد النووي الإيراني" كورقة ضغط، تبقي عصا الولايات المتّحدة الغليظة مشرعة في وجهه أقرب "حلفاء" واشنطن – المملكة السعودية وإسرائيل؛ وهي ، في بعدها الأوروبي، تشكّل إحدى وسائل " إضعاف " الدور الأوروبي في قضايا السيطرة على منطقة الخليج ، ومحيطه الجيوسياسي !!
_______________________
(١)-
على الصعيد السوري، تشكل "التسوية السياسية الأمريكية " المرحلة الثالثة من الخيار الأمني العسكري الطائفي الميليشياوي ، (الذي بدأت مرحلته الأمنية الطائفية الميليشياوية الأولى بين ربيع ٢٠١١ وصيف ٢٠١٤، ومرحلته الثانية – حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السورية، بين ٢٠١٥٢٠٢٠ )، ولا تخرج عن سياقها جميع إجراءات وخطوات التطبيع والتأهيل في العلاقات البينية، إقليميا، وعلى صعيد سلطات الأمر الواقع التي باتت تشكّل النظام السوري الجديد .
إذ تعمل التسوية السياسية الأمريكية على المستوى السوري على تثبيت وقائع وشرعنة سلطات الأمر الواقع الجديدة في مناطق سيطرة سلطة النظام وخصومها كما باتت في خارطة سوريا الجديدة، التي رسمتها اتفاقيات الرئيسين أردوغان بوتين في ٥ آذار ٢٠٢٠ ، ووضعت حدود حصصها، تسعى إقليميّا للوصول إلى حالة " تهدئة مستدامه" بين خصوم الصراع في سوريا ، عبر سلسلة من خطوات وإجراءات التطبيع ، سواء على صعيد العلاقات بين النظم الإقليمية (السعودية وإيران، أو تركيا ومصر والسعودية)، أو بينها وبين النظام.
في هدفها الرئيسي تقوم التسوية السياسية الأمريكية سوريّا على معادلة أساسية ، يترابط فيها تأهيل سلطة قسد ،بما يضمن ديمومة واستقرار الحصة الأمريكية، مع إعادة تأهيل النظام، الضامن لاستمرار السيطرة الإيرانية ، ( بما يجعل من سعي تركي لتنظيم " سيطرتها " على حصّتها ، سواء عبر صفقة مع النظام أو من دونها، تحصيل حاصل !!)؛ كما ترتكز إقليميا على معادلة إعادة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية والسعودية ، وتطبيع العلاقات، وجعلها أساساً لمحور إقليمي جديد ، يستهدف إضعاف وتفكيك عوامل القوّة الإقليمية الروسية في الحرب على أوكرانيا .
(٢)-
يتم بموجبه تقييد برنامج إيران النووي، وتعهّد إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز نسبة 60% وعدم تراكم المزيد من المواد عند هذا المستوى من التخصيب؛ إضافة إلى الإفراج عن ثلاثة أمريكيين محتجزين في إيران منذ عام 2015 بتهم التجسس، وستكون إيران ملزمة بالتعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والامتناع عن مهاجمة القوات الأمريكية في سوريا والعراق؛ وربّما وقف بيع الصواريخ البالستية إلى روسيا ، مقابل تحرير الولايات المتحدة لأصول إيرانية بمليارات الدولارات . تقديرات يناير 2021 تشير إلى أن 10 مليارات دولار مجمدة في العراق، وحوالي 7 مليارات دولار في كوريا الجنوبية، ومبالغ مماثلة في الولايات المتحدة وعُمان والصين واليابان. هناك أيضًا تقارير عن اتفاق تبادل أسرى بين إيران وبلجيكا، بوساطة عُمان، ودفع دَين بقيمة 2.76 مليار دولار لإيران من قبل العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها