الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الديمقراطية وحقوق الانسان في الفكر والثقافة العربية

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2023 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


من المصطلحات الإشكالية في الثقافة العربية المعاصرة مفهوم الديمقراطية وحقوق الانسان لم تكن هذه المصطلحات معروفة في فكرنا وثقافتنا العربية ومفاهيم أخرى مثل التداول على الحكم والانتخابات والبرلمان وفصل السلطات، معروف تاريخيا أن الحاكم العربي منذ الفتنة الكبرى هو الكل في الكل ولا اعتراض على ما يقرره، وكم قطعت الرقاب وأذلت وسجنت وجُلدت بسبب اعتراضهم على جور وظلم الحاكم، ومن المعروف أن أول مشكل طرح عند العرب المسلمين قبل دفن الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو المشكل السياسي ،ليخرج للعلانية وسفك دماء العرب المسلمين في الفتنة الكبرى ، ويقول بعض المؤرخين أن الدماء العربية الإسلامية التي سالت من اجل الكرسي هي اكثر من الدماء التي سفكت في الفتوحات الإسلامية .
من المعروف أن الثقافة والتفكير الثقافي يقودان المجتمعات، إما إلى التقدم أو الى التخلف ولعل ذلك ينطبق على الثقافة العربية بصفة عامة، وبصفة خاصة الثقافة السياسية المعاصرة.
من أهم المشكلات الكبرى التي تواجه العالم العربي، مشكلة غياب الممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وهذا الغياب كان من أهم الأسباب التي أدت إلى تعثر العرب والمسلمين في معالجة مشاكلهم المتعددة. كما أن استقراء تاريخ الفكر السياسي العربي، والممارسة الديمقراطية يسمح لنا بتحديد ثالثة مبادئ ومكونات أساسية للنظام الديمقراطي وهي الحرية والمساواة والمشاركة السياسية، هذه المبادئ تشكل المثل العليا للديمقراطية، وأن الاعتداء على أي من هذه الأبعاد يمثل اعتداء وابتعادا بالقدر نفسه عن هذا المثل العليا. فالحرية، مثال، ليست حقا قانونيا وحسب، فممارستها تتطلب قدرة اجتماعية واقتصادية وتعليمية لا يمكن لمن لا يمتلكها ويتربى عليها بداية من الاسرة إلى المدرسة والجامعة والمسجد والمجتمع أن يمارسها بشكل منتظم ومستمر، حتى لو امتلك الحق القانوني في ذلك. فالحرية بدون حد أدنى من المساواة السياسية والعدالة الاجتماعية، والمساواة الحقيقية دون مشاركة أو حرية، والمشاركة بالطبع، في غياب الحرية. وبالرجوع إلى واقع الوطن العربي نجد أن هذه المبادئ غائبة، وعليه فالديمقراطية غائبة. أما بالنسبة لحقوق الانسان العربي والاعتراف بها وبضرورة حمايتها، فهي آخر قضية لطالما شغلت المفكرين وشغلت الفلسفة السياسية الغربية والعربية منذ زمن بعيد، فهي ليست قضية مجردة بل لها عالقة بالديمقراطية وبنظام الحكم وبالحياة اليومية والتطلعات المستقبلية، بالواقع العربي الذي تغيب فيه هذه الحقوق.
هذه المفاهيم كما قلنا غريبة عن الثقافة العربية الإسلامية، وهي من ثمار الحداثة السياسية الغربية التي دخلت العالم العربي مع الغزو الأوروبي في القرن التاسع عشر الميلادي، الأمر الذي زاد من اشكلة هذه المفاهيم، وقد تعاملت معها الثقافة العربية الإسلامية بحذر شديد إن لم نقل بخوف سواء من الحكام العرب بعد الاستقلال في منتصف القرن العشرين خوفا من فقدان جبروتهم أو من علماء الدين خوفا على ضياع هيبتهم ومصالحهم او من المجتمع الجامد المحافظ على العادات والتقاليد وقابليته للاستعمار والذل حسب مالك بن نبي.
إن علاقات التسلط والرضوخ المنتشرة في الحياة الاجتماعية العربية من المحيط إلى الخليج وروح الإذعان والاتكالية تنعكس في نهاية المطاف على الحياة السياسية ذاتها فيصبح من الطبيعي للإنسان العربي أن يتقبل أي نظام تسلطي ديكتاتوري فاسد، حيث إن هذا هو ما تعوَّد عليه طوال قرون عديدة، ويصبح عنده إحساس بالعجز وعدم القدرة على المشاركة في اتخاذ القرارات، فقد تعوَّد الإنسان على وجود من يتخذ له القرارات ويفكر في مكانه في جميع جوانب حياته الأخرى، ولذا فإنه يتقبل وجود من يتخذ له القرارات بالنيابة عنه في المجال السياسي.
تعتبر الديمقراطية أنها حق المواطن الفرد في المشاركة في اتخاذ القرارات العامة ولكن غياب الإدراك بهذا الحق لدى المواطن العربي وشعوره بالعجز عن المشاركة في اتخاذ القرارات في الأمور التي تخصه، يجعله يقبل بوجود أي نظام تسلطي على أنه أمر يتفق مع طبيعة الأشياء في مجتمعه، بغضِّ النظر عن مشاعره تجاه هذا النظام، وعادة ما تكون مشاعر سلبية مشوبة بالكراهية وعدم القبول لهذا النظام، يصاحبها إحساس بالعجز عن فعل أي شيء تجاه النظام أو تغيير سياساته.
أن إقامة نظام حكم ديمقراطي في بلد ما تستوجب توفر بيئة اجتماعية فكرية ثقافية مهيأة لقبول الفكرة الديمقراطية وترجمتها إلى نظام حكم على أرض الواقع. وتتلخص أهم الشروط الكفيلة بخلق بيئة اجتماعية ثقافية مواتية لقيام نظام حكم ديمقراطي في توفر تعددية سياسية، وإعلام محايد، وطبقة وسطى. وتعني التعددية السياسية وجود أكثر من حزب أو تجمع سياسي في البلد المعني، يوفر للناخبين خيارات متنوعة من حيث الفكر وبرامج العمل والرؤية المستقبلية. أما الإعلام المحايد فيعني توفر وسائل إعلامية لديها القدرة على تقصي الحقيقة ونشرها بين الناس من دون محاباة أو انحياز لوجهة نظر معينة دون غيرها. أما الطبقة الوسطى فلا بد وأن تكون قوية ومتماسكة وواثقة من نفسها ولديها القدرة على تكوين وعي طبقي يمكنها من تحديد مصالحها والدفاع عن تلك المصالح بجرأة. وفي الواقع، لا يمكن تكوين طبقة اجتماعية عُمالية أو وسُطى أو بُرجوازية في أي مجتمع من دون أن تنجح الطبقة المعنية في تطوير وعي طبقي يمكنها من التفكير كمجموعة مميزة والتصرف كفريق واحد ذا مصالح مشتركة وهموم متقاربة وطموحات متشابهة.
إن توفر الشروط السابقة لا يعني الكثير إذا لم يقتنع الناس بشرعية الاختلاف في الآراء والمواقف والمعتقدات الدينية، أي إذا لم تتوفر ثقافة شعبية تتصف بالانفتاح والأريحية، وتعترف بأن لكل فرد في المجتمع حقوقاً متساوية مع غيره من المواطنين، وتدعو كافة الناس إلى التعامل مع بعضهم البعض على هذا الأساس.
ثقافتنا العربية السياسية والاجتماعية طافحة بالنرجسية وتضخم الأنا وتغلب مصالح عشيرتها أو حزبها على مصالح الوطن الأم، وتنفرد في سلوكها المرفوض ولا تؤمن بالحوار بدليل تمسكها بقناعاتها. ولعمري تلك تراكمات لم تلبث أن أخذت موقعها الراسخ في القاع السوسيولوجي للثقافة العربية. بات معلوماً أن ثمة تحدّيات تواجه العالم العربي وحالة من الترقب تعيشها شعوبها تتمثل في انتظار الخروج من هذا النفق المظلم عبر ترسيخ المواطنة وإخماد الطائفية وتجبُر وتغول السلطة الحاكمة.
الديمقراطية ليست نظام حكم سياسي فحسب، بل هي أيضاً قيمة اجتماعية فكرية وثقافية على غاية الأهمية. إذ فيما تقوم نظم الحكم الديمقراطية على مبدأ تكرر الانتخابات وتبادل السلطة بطرق سلمية، تقوم الثقافة الديمقراطية بإرساء مبدأ التعامل بين الناس على أساس المساواة في الحقوق والواجبات واحترام الرأي الآخر والاعتراف بحقه في التعبير عن نفسه بحرية. وإذا كانت الديمقراطية كنظام حكم تعني وضع حد نهائي للحكم الفردي وتسلط مؤسسات الدولة على الشعب وعدم خضوعها لرقابة شعبية، فإن الديمقراطية كقيمة اجتماعية ثقافية تعني وضع حد نهائي لاحتكار أية فلسفة شمولية مثل الدين والقومية والماركسية لشرعية ممارسة الحكم والتحكم في حياة الناس ومقدرات الوطن، وبالتالي السيطرة على الفكر والثقافة وفرض رأيها على غير أتباعها من المواطنين.
آلية التفكير الصحيحة والارتهان لمنطق سليم يتطلب معرفة تنويرية وتعليم عصري يبني الانسان الحر لا الانسان التابع المسلوب الإرادة. مفكرون عرب نادوا وما زالوا باستيعاب الفارق المهول بين العرب والغرب من حيث المسافة التاريخية وكيفية استيعابها، فردم الهوة الشاسعة لا بد أن يكون متزامناً مع منظومة تنوير فكري تربوي تعليمي وتطوير تقني وتنموي وإصلاح للخطاب الديني لتتسق مع التحولات المجتمعية، مدللين بذلك على مسار النهضة الأوروبية التي استطاعت أن تصل لنموذجها الراهن بالتمرد على عقلية القرون الوسطى آنذاك، في حين أن آخرين يرون المعضلة تتعلق في المقام الأول بنقد وتكوين وبنية العقل العربي على اعتبار أنه منتج لهذه الثقافة العربية والتي هي بطبيعة الحال تهيمن على وعي المجتمع.
تاريخيا لم يثر يوما العرب من المحيط إلى الخليج ضد انظمتهم الاستبدادية ، صحيح ثاروا ضد الاستعمار الأوروبي في منتصف القرن العشرين ، وصحيح هناك محاولات انقلابات عديدة ضد أنظمة الحكم ، ولكن هذه المحاولات قادها ديكتاتوريون لا يختلفون في شيء عن الذين ثاروا ضدهم ، وصحيح أن المجتمع العربي خرج فيما يسمى بالربيع العربي ضد حكامه طالبا بالحرية والديمقراطية ، ولكننا إذا قارنا عدد الأيام أو السنوات القليلة التي فيها العرب ضد أنظمة حكمهم الاستبدادية ، بما قام به المجتمع الأوروبي ضد أنظمته الاستبدادية الاقطاعية والتي استغرقت ثلاثة قرون لكي تحرر الانسان الأوروبي ولو نسبيا من ظلم وجور السلطة ووصوله إلى شم ريح الحرية والديمقراطية ونبذ الخرافات الدينية ، نجد أن مقام به المجتمع مجرد دقائق قليلة جدا .
من الصعوبة تحرير الإنسان العربي الذي تعوٌد على الظلم والجور لقرون عديدة في سنوات قليلة، ذلك يحتاج إلى جهد كبير في الفكر والثقافة العربية ولن يقوم به إلا الفلاسفة والمفكرون والمناضلون الأحرار، ذلك الانسان في نظري الذي يحررنا من الجور والظلم ما زال لم يولد بعد ..فأنظمتنا مثلها مثل فرعون تقتل كل مولود ذكر خوفا على الانقلاب عليها ..وفي انتظار مولد موسى علينا ان نصبر ونتحمل ، فالتاريخ يسر ببطء ولا يمكن حرق المراحل ، فطوبى لمن عرف واقعه وتأقلم معه حماية لنفسه من السجن والاعتقال والمرض والجوع ، نحن كلنا حكاما ومحكومين في سفينة واحدة لا أحد رابح فيها رغم ما يظهر لنا نحن البسطاء مما يعيشه حكامنا من ترف ونعيم ، فلا حياة إلا وسط الاحرار ولا سعادة إلا بالعدل وتطبيق القانون على الجميع .
إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيما. النساء، 104








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور ديمقراطي يحذر من تحول الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لل


.. المتحدث باسم الكرملين: بيان ماكرون -خطير للغاية-




.. إسرائيل: -القبة السبرانية- أحبطت 800 هجوم سيبراني إيراني منذ


.. حكايتي على العربية | أحلام صغيرة تتحقق بأيادي الخير.. الطفلة




.. بينهم 5 أطفال.. مقتل سبعة أشخاص في غارة على رفح وفزع أممي من