الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستعمار الحديث و نظامه النقدي

آدم الحسن

2023 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الأداة الأساسية للاستعمار بصورته الحديثة هي النظام النقدي الغير عادل السائد حاليا في العالم , من خلال هذا النظام يتم سرقة ثروات الشعوب المسْتعمَرة و قيمة عملها و بسببه اصبح العالم الان منقسم الى كتلتين من الدول :
الكتلة الأولى : تشمل الدول الصناعية الرأسمالية و على رأسهم مجموعة الدول الصناعية السبعة , امريكا و المملكة المتحدة و ألمانيا و فرنسا و اليابان و ايطاليا و كندا .
هذه الكتلة هي التي تتحكم بالنظام النقدي العالمي السائد و تدير حركته و تضبط ايقاع متغيراته بما يخدم مصالحها التي تنتعش على حساب مصالح شعوب اخرى .
الكتلة الثانية : تشمل باقي دول العالم الخاضعة للنظام النقدي العالمي السائد و المتضررة منه , حيث يمكن تسميتها بكتلة الدول الخاضعة للاستعمار الحديث .
كي تحصل أي دولة من دول الكتلة الثانية على العملات الصعبة عليها تصدير منتجاتها أو ثرواتها الطبيعية , أما حين تحتاج دولة من دول الكتلة الأولى , على سبيل المثال امريكا , الى آلاف المليارات من الدولارات فما عليها سوى إنفاق هذا المبلغ و تسجيله في صفحة الأنفاق الحكومي , إن لم يكن له ما يغطيه من الايرادات الحكومية يتم تسجيله في سجل الدين العام .
يتطلب التصديق على الميزانية الفدرالية في امريكا بما فيها من عجز بترليونات الدولارات اتفاق بين السلطتين التشريعية و التنفيذية , الكونغرس و إدارة البيت الأبيض الأمريكي .
احيانا يحصل خلاف بين الحزبين الأمريكيين , الجمهوري و الديمقراطي على حجم الزيادة في الدبن العام , لكن بمجرد حصول اتفاق سياسي بين هذين الحزبين على صيغة للأنفاق ضمن الميزانية الفدرالية التي ينتج عنها زيادة في مقدار الدين العام , و حين يصل الدين العام الى سقفه الأعلى يتم رفع هذا السقف بقرار يصدره الكونغرس الأمريكي , عملية سهلة جدا , تتمكن الحكومة الأمريكية بواسطتها الحصول على آلاف المليارات من الدولارات دون أن تبيع ثروات طبيعية أو منتجات , بهذه الترليونات من الدولارات التي اضيفت على الدين العام تستطيع امريكا شراء ما تحتاجه من مواد أولية و سلع و خدمات من الدول الأخرى , لذا فإن جزء من رفاهية المجتمع الأمريكي مصدره نهب ثروات و منتجات شعوب اخرى .
الدين العام الأمريكي هو الأخطر على الاقتصاد العالمي لكونه اكبر دين عام , و هو عبارة عن قروض من بنوك مركزية لدول عديدة و من مؤسسات مالية و بنوك امريكية و أجنبية , كل هذه القروض هي على شكل سندات لدعم خزينة الحكومة الفدرالية .
بدأ أول ظهور لمشكلة الدين العام في امريكا سنة 1939 حين تجاوز انفاق الحكومة الفدرالية الأمريكية على إيراداتها اكثر من الحد الذي سمح به الكونغرس الأمريكي , ثم اخذت مشكلة هذا الدين تكبر شيئا فشيئا و كالتالي :
اولا : وصل الدين العام الأمريكي في بداية القرن الحالي و تحديدا سنة 2000 الى حوالي خمسة ألاف مليار دولار ( 5 ترليون دولار )
ثانيا : ازداد الدين العام بوتائر اعلى ليصل سنة 2009 الى حوالي 9 ترليون دولار , و في سنة 2011 وصل الى حوالي 13.3 ترليون دولار .
ثالثا : في هذه السنة , 2023 , وصل الدين العام الأمريكي الى رقم فلكي , حوالي 31.4 ترليون دولار , و لأن هذا الدين قد وصل الى السقف الأعلى الذي سمح به الكونغرس الأمريكي , تطلب مرة اخرى رفع السقف الأعلى للدين العام الى اتفاق سياسي بين الحزبين الديمقراطي و الجمهوري حيث تم الاتفاق على رفع هذا السقف الى حوالي 33 ترليون دولار .
من المتوقع وصول الدين العام الى سقفه الأعلى الجديد في السنة القادمة 2024 , ستتكرر المشكلة و ستظهر حاجة ملحة لرفع السقف الأعلى للدين العام من جديد .
بسبب هذا الصعود المستمر للدين العام الأمريكي و عدم وجود أي مؤشر من ان الدين العام الأمريكي سيتوقف عند حد ما , اصبح هنالك العديد من علامات الاستفهام على مستقبل الاقتصاد الأمريكي و على مكانة الدولار في النظام النقدي العالمي .
ما يحصل الان للاقتصاد الأمريكي هو تأجيل موعد حدوث انهياره الكبير و ذلك حين تعجز الحكومة الفدرالية في إيجاد من يقدم لها المزيد من القروض فستتخلف عن سداد مستحقات الدين العام الذي بذمتها , عندها سيرى العالم سلسلة طويلة من إفلاس لبنوك و مؤسسات مالية عديدة ليس في امريكا فقط بل في عموم العالم .
الكثير من الدول بدأت تدرس بجدية حماية اقتصادها من النظام النقدي السائد حاليا فاتجهت نحو تشكيل تكتلات اقتصادية كبيرة بمعزل عن نادي مجموعة السبع الكبار ، فنشأت منظمة شنغهاي للتعاون و مجموعة بريكس و تكتلات ناشئة أخرى ، اساس هذه التكتلات الاقتصادية و اهدافها هي المصالح و المنافع المشتركة للدول الأعضاء فيها و لإيجاد نظام نقدي يعتمد على التبادل التجاري بين دولهم بعملاتهم الوطنية , ليكون هذا النظام موازي للنظام النقدي السائد حاليا , ليشكلا معا نظام نقدي عالمي جديد يحقق العدالة في التبادل التجاري بين كافة الدول و لا يسمح بنهب ثروات و عمل شعوب لمنحها دون وجه حق لشعوب اخرى.
خمسة دول , روسيا و الصين و الهند و البرازيل و جنوب افريقيا , هي اولى الدول التي دعت لبناء نظام نقدي جديد ليس فيه دول مستفيدة منه على حساب دول اخرى متضررة , لقد لاقت دعوة هذه الدول الخمسة ترحيب و دعم من دول عديدة حيث صارت هذه الدعوة هدف للكثير من الشعوب , في المقابل , مجموعة الدول الصناعية السبعة ترى في الدعوة لبناء نظام نقدي عالمي جديد خطرا على رفاهية شعوبها , لكنْ من المؤكد أن عجلة التغيير سوف لن تتوقف و سينتهي عصر الاستعمار الجديد مع نهاية نظامه النقدي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رد فعل لا يصدق لزرافة إثر تقويم طبيب لعظام رقبتها


.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصفه بنى تحتية عسكرية لحزب الله في كفر




.. محاولات طفل جمع بقايا المساعدات الإنسانية في غزة


.. ما أهم ما تناوله الإعلام الإسرائيلي بشأن الحرب على غزة؟




.. 1.3 مليار دولار جائزة يانصيب أمريكية لمهاجر